Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
- Telegram Web
Telegram Web
إن لرمضان حرمة، وإن للصوم صيانة، فاحفظوا للشهر حرمته، ودبّروا للصوم صيانته، ولا تغرّنكم أنفسكم عن حقه، فإن للشيطان فيها مداخل ومسالك، يوردها الغيبة على طريق النصيحة، ويقحمها الجدل من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينزل بها إلى المعصية على درج الاسترواح، والعاقل من وقف على الحدود فلم يجاوزها. وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى.
المرض نعمة من النعم..
.
.
يذكرك ضعفك، وقدرة الله عليك، ويردك عن طريق الغفلة إلى سبيل الذكر، وإذا حال بينك وبين العبادة أحيى في قلبك الشوق إليها، فحرك ذلك اللسانَ بالدعاء والأذكار، واعتدل في قلبك التوكل على الله والأخذ بالأسباب، ورقّت نفسك للمرضى والفقراء والمساكين، وقصر أملك من الدنيا، وعظم رجاؤك للآخرة، وعرفتَ حسنتك وسيئتك، فلم يغرّك عنهما أحد.

اللهم إنا نسألك الأجر والعافية..
ليلى والذئب.. من اللغة إلى العقل..!
.
.
كلمة "المُحتَلّ" كلمة لافتة للنظر من جهة اللغة، ذلك أنها من جهة الصورة تجمع بين كلمتين على الحقيقة، جعلهما الإدغام في هيئة واحدة: المُحتلِلُ الذي هو اسم الفاعل، وهو الذي يَحتَلّ غيرَه، والمحتلَلُ: الذي هو اسم المفعول، وهو الذي يحتلُّه غيرُه. ومن عجب أن هذا الإدغام يحيلنا على معنى التوحد اللغوي بين صيغتين ودلالتين وصورتين ذهنيتين الأصل أنهما منفصلتان، بل الأصل أنهما متعاديتان، ولكن الإدغام ههنا كأنه أسقط تلك الفوارق إلى درجة أن المحتل الذي وقع عليه الاحتلال قد رضي لنفسه أن يتماهى في صورة من احتلّه، وكأنّ المحتلّ(اسم المفعول) ليس هو من تسلّط عليه الاحتلال، ولكنه الذي تقبّل الاحتلال ورضي أن تتحول علاقته به من علاقة الإكراه العسكري إلى علاقة التنميط المعيشي..
.
وينتج عن هذه العلاقة الجديدة أن اتجاه المد والجزر بين عناصر الممانعة وعناصر الانخراط ينعكس جذريا، بمعنى أن الخاضع للاحتلال عوض أن يجعل عناصر الحرية والاستقلال والتمايز مرتكزات لمدافعة المحتل الأجنبي، يفعل عكس ذلك، فيجعل التنميط الأجنبي مرتكزا لمحو ما بقي من مميزات الهوية الأولى، ولمحاربة كل محاولة للانعتاق من أغلال الاحتلال. فالخاضع للاحتلال واقف عند عتبة الخمسين بالمائة ينتظر الواحد بالمائة الذي تنقلب به الأغلبية من أجل أن ينسلخ من هويته، لأنه لا يملك أدنى قدر من الممانعة والاستعداد للمجابهة والقـ.ـ(تا).ل.
.
ففي وعي المحتلّ الخاضع: "الاحتلال يبرر الاحتلال"، أو بعبارة أخرى: القوة تؤسس الحقيقة، فإزهاق النفس الأولى يبرر إزهاق كل النفوس بعدها، واليوم الأول من العبودية يبرر مائة عام من العبودية بعده. ولو أمكن المحتلّ الخاضع أن يتحرر ولو دقيقة واحدة في يوم العبودية الطويل فإنه غير مستعد ليشم نفَس الحرية في تلك الدقيقة لأنه مخالف لنمط العبودية الدائم. إنه شبيه بالمساجين الذين يرفضون الخروج إلى الساحة ويرونه تمرّدا على ديونتولوجية السجن..!
.
هذا المحتل الخاضع، مسكون بالخوف من التغيير، إلى درجة أن يقوده هذا الخوف إلى أن يتحول إلى جندي متفان في خدمة النظام السائد. والعجيب أنه مستعد للموت في سبيل النظام السائد، وغير مستعد لأدنى مخاطرة في سبيل القضية العادلة. وهو ما يخلق تناقضا عجيبا: وهو أن يصير الخوف من رهان الحياة أكبر من الخوف من حتمية الموت..!
.
لنعد الآن إلى قصة طفولية قديمة، إنها قصة "ليلى والذئب"، والتي لا نحتاج إلى إعادة سرد تفاصيلها، وإنما نحتاج فقط إلى طرح مجموعة من الأسئلة، هل كانت ليلى ضحية بريئة، أم كانت فريسة حمقاء؟ لقد كانت ليلى أمام مجموعتين من الرموز: ثياب الجدة وفراشها، أمام أنياب الذئب ومخالبه، وعوض أن تتساءل عن الثياب والفراش التي هي عناصر منفصلة ومتحركة، جعلت هذه العناصر هي الأصل متسائلة عن الأنياب والمخالب. لقد كانت ترى جدة طيبة طرأت عليها بعض التغيرات، عوض أن تلاحظ ذئبا جائعا مارس بعض التمويهات، وبالتالي فقد كانت إمكانية جدة ذات مخالب وأنياب في ذهن ليلى أقرب من إمكانية ذئب متستر في ثياب عجوز..! لقد فضلت ليلى فرضية الأمان على فرضية الحذر، لأن ليلى تؤثر فرضية النمط على فرضية الممانعة. ولذلك فإن ليلى تستحق أن يلتهمها الذئب..
.
المهم، بقي من مسؤوليتنا أن نقول لليلى: إن الذئب يضع لها على الطريق دجاجةً فدجاجةً إلى غاية المغارة التي سيلتهمها فيها، ولكننا لا نستبعد فرضية أخرى، وهي أن يكون الذئب قد عقد صفقة مع ليلى، وهي أن تتكفل هي بوضع الدجاج على الطريق لاصطياد بنات أخريات للذئب، مقابل أن يجعلها الذئب فريسته الأخيرة..

#المقاطعة_وجود
خاطرة..
.
.
قال الله تعالى: (وكنتم أزواجا ثلاثة . فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة . وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة . والسابقون السابقون . أولئك المقربون).

السير سيران: سيرٌ يُنظَرُ فيه من يصل ممن لا يصل، وقانونه صحة الجهة. وسيرٌ يُنظر فيه من يصل أولا ممن يصل آخرا، وقانونه قوة السعي. وقانون صحة الجهة مبناه العلم، وقانون قوة السعي مبناه الإرادة. فإذا حصلت قوة السعي مع فساد الجهة كان السائر في كل خطوة من غايته أبعد، وإذا حصلت صحة الجهة مع ضعف السعي كان السائر بين بلوغٍ بعد أن يحط السائرون رحالهم ويتخيّروا منازلهم، وبين بلوغٍ وقد أوصدت الأبواب واستوفيت المنازل. فكان ممن (لم يدخلوها وهم يطمعون). وأما إن حصل علمٌ من غير سعي؛ فصحة الجهة وفسادها حينئذ سواء، لأن من لم يراوح موضعه فشرقه وغربه واحد..! نسأل الله علما يعرّفنا وجهه، وسعيا يبلّغنا بابه، وتوفيقا يقترن به العلم والسعي، ورحمة نستفتح بها جنته..
في معيارية العلم-تناظرات بين علوم اللغة وعلوم الشريعة(1)
.
.
أهم الكتابات في تاريخ الفكر الإنساني هي دوما تلك التي تستفز الحوار العلمي الجاد والمثمر. وهذه الكتابات لا تقاس بكمّها ولا بسياق طرحها، بقدر ما تقاس بحصافتها: والحصافة(pertinence) هي تلك الحالة التي تقع فيها الكلمات على الموضوعات المستحقة فعلا للاستماع أو القراءة، ثم البحث والمعالجة. وحين تعرضت الأستاذة الفاضلة أ.د. وسيلة خلفي لقضية المعيارية المميزة لعلم أصول الفقه، وأشارت في الوقت نفسه للتقاطعات مع علم النحو العربي في هذه القضية؛ كان ذلك محفزا لي للعودة إلى تقييد بعض الأفكار المتعلقة بهذا الموضوع، والتي سبق إلى تجليتها ورفع الكثير من حجب الوهم عنها أستاذنا أستاذ الجيل العلامة الحاج صالح رحمه الله تعالى.
.
وقد كان منطلق الأستاذ الحاج صالح في معالجة هذه القضية منطلقا حواريا-نقديا، دفعه إليه بحثه الواسع المسمى بـ: "اللسانيات العربية واللسانيات العامة"، ولم يكن ممكنا تجاوز هذه القضية لأنها تقع في نقطة صدام اللسانيات الحديثة المسماة بالسوسورية بالدرس اللغوي الأوروبي ما قبل السوسوري وألقت بظلالها على قراءة الدرس اللغوي العربي القديم عند كثير من الأساتذة العرب، فاللسانيات الحديثة قدمت مشروعها العلمي القائم على مجموعة من الأسس المنهجية التي من أهمها: "الوصفية" في مقابل: "المعيارية"(وننبه هنا إلى أننا في سياق تاريخي معرفي أوروبي، ولمّا نعرّجْ على السياق التاريخي المعرفي العربي الإسلامي). فقد تلمّس فرديناند دي سوسور مجموعة السمات المنهجية التي رآها تخل بموضوعية النتائج العلمية للبحث اللساني. وحدد المعيارية واحدة من هذه السمات.
.
غير أنه ينبغي أن نقف عند المفهوم المنطوي تحت مصطلح "normativité"، وأن نتساءل عن السبب الذي من أجله رأى سوسور والبنويون من بعده أن المعيارية حاجب للحقيقة الموضوعية المتعلقة باللسان. وباختصار يمكن أن نقول: إن الصراع المعرفي في دراسة اللغة عند سوسور كان صراع المثال والواقع: أي صراع رؤية اللغة كما تفترضها المقررات العلمية والتعليمية، واللغة كما هي مستعملة بالفعل بين المتكلمين في المجتمع. فالمؤسسة العلمية والثقافية تفترض دوما أنموذجا لغويا يتم التواصل من خلاله، وهذا الأنموذج يتم تقريره وتثبيته من خلال توظيفه والكتابة به، فهناك أثر متبادل بين اللغة والمعرفة، ففي الوقت الذي تعمل فيه اللغة على توثيق المعرفة الإنسانية المنتجة، تُبادل هذه المعرفة اللغة الأثر فتعمل على توثيقها وتثبيت مُثُلها عن طريق الكتابة. وأما خارج أسوار المؤسسة العلمية والثقافية، فإن اللغة تتفلت عن هذا التوثيق، وتجد مجالا أرحب للاستعمال وللتغير.
.
وبالتالي، فإن قدرة الباحث على تحديد المعايير ضمن لغة المؤسسة أكبر من قدرته على تحديدها في اللغة الحية، حيث يجد الباحث نفسه أمام اللغة الحية واصفا وراصدا لمسارات اللغة من خلال استعمالات المتكلمين لها. وهذا الفرق قد يضيق في مجتمعات معينة، ويتسع في مجتمعات أخرى لأسباب متنوعة أهمها الانتقال من الشفاهية إلى الكتابية(ولعل فرصة تعرض لنا لتوضيح هذه المسألة المهمة)، فكلما كانت الثقافة أكثر شفاهية كان المنهج الوصفي أقدر على تحقيق نتائج علمية، وكلما كانت الثقافة أكثر كتابية كان نفوس الباحثين أكثر إغراء بموضع المعايير.
.
وبالتالي فإن المسافات التي تفصل بين المعيارية والوصفية ليست مسافات ثابتة، بل لها تعلق بمتغيرات اجتماعية وثقافية أخرى. وهذه الملاحظة مهمة جدا، لأنها ستسمح لنا باتخاذ موقف معتدل في مسألة المعيارية، وستمكننا من فهم أسباب تحوّل المعيارية إلى "تهمة"، عوض التعامل معها على أنها "حالة" أو "منظور علمي"، تدخل في جدلية مع الوصفية، وأحيانا تدخل في تناوبية معها.
.
أختم هذا المنشور بملحوظة سريعة عن كلمة (تناظرات) التي وظفتها في العنوان، مشيرا إلى أنني لا أريد بها المعنى الهندسي، وإنما مطلق الدلالة اللغوية التي هي تبادل النظر، إذ سيهمنا أن ننظر إلى معيارية أصول الفقه من المنطلق اللساني، كما سنحاول فهم رؤية الأصوليين لمعيارية اللسانيات العربية خصوصا ممثلة في علم النحو وأصوله، سائلين الله تعالى التوفيق والسداد، مستمنحين منه الهداية والرشاد، آملين أن تكون هذه المحاورة سببا لتثوير الصلات العلمية بين العلوم الإسلامية لنرجع مرة أخرى إلى أنموذج "مسجد البصرة"، حيث يتقابل الخليل النحوي، وأبو عمرو القارئ، وابن سيرين الفقيه، وابن أبي عروبة المحدّث، لتأسيس الجامعة الإسلامية.

يتبع إن شاء الله.
في معيارية العلم-تناظرات بين علوم اللغة وعلوم الشريعة(2)
.
.
يمثل "العلم" بمفهومه الاصطلاحي مرحلة متقدمة من الإدراك الإنساني للنفس والعالم، وهذه المرحلة تعلن تجاوز الإدراك الحسي المباشر إلى الإدراك العقلي المبرهن أو المدلل عليه. ويتجه هذا الإدراك اتجاهات مختلفة منها اتجاه الإثبات والنفي، واتجاه التفسير بالسببية والكيفية، واتجاه التقييم: أي إسناد القيمة. وبهذا التقدم يعلن العلم أنه على استعداد لتنفيذ مهمتين: الأولى تأكيد الإدراك الصحيح لما يدرك بالحس، والثانية: الانطلاق في مساحات جديدة للمعرفة، ومحاولة إدراك ما لا يمكن إدراكه بالحس، بل لا بد فيه من الاستدلال.
.
وعليه فإن "العلم" مطالب أولا بإثبات صحة الإجراءات التي سيتخذها في سبيل إدراك الحقائق، وفعاليتها في الوصول إلى الحقائق الثابتة، وثانيا بمراقبة التطبيق الصحيح والمناسب لهذه الإجراءات في كل مرة يسعى الإنسان فيها إلى إدراك حقيقة معينة. فالصحة التي يبحث عنها العلم ليست صحة حقيقة ثابتة بالنسبة إلى حقيقة ثابتة أخرى، وإنما هي صحة حقيقةٍ ما في الإدراك، وهذه الصحة متعلقة بالطريقة التي توصّل بها الإدراك إلى هذه الحقيقة، هل هي في نفسها موصلة للحقائق أم لا؟
.
بهذا الاعتبار الأولي الذي يتعلق بمعنى العلم نفسه؛ يمكننا أن نقول بكل ارتياح إن العلم "معياري" بالأساس، بمعنى أنه يعنى عناية أولية بتحديد الطرائق الصحيحة الموصلة إلى الحقائق الثابتة، وتمييزها عن الطرائق المغلوطة فضلا عن الطرائق الزائفة، كما يعنى بالمتابعة الدقيقة لكيفية تطبيق هذه الطرائق، لأن كيفيات التطبيق والمعالجة قد تُدخل الغلط والوهم والزيف على الطرائق الصحيحة في مرحلة لاحقة من طلب الحقائق. فالعلم معنيّ بما هو صواب وما هو خطأ، أي ما هو موصل إلى الحقائق وما ليس موصلا إليها، أيا ما تكن هذه الحقائق بالنسبة إلى قناعات الباحث وميله.
.
ولكن يمكننا أن نتصور كذلك "باحثا"(وهو مستحق لهذا الاسم ما دام يبحث عن شيء ما)، يؤسس معيارا معينا لقبول حقائق دون أخرى، ولكن عوض أن يضع هذا المعيار في الطريق الاستدلالي الموصل إلى الحقيقة، فإنه يضعه بعد الوصول إليها، وكأنه الاختبار الأخير الذي يجب أن تمر به حقيقة ما لقبولها وتبنيها أو رفضها واستبعادها، وبالتالي فإن سلامة الطرائق الموصلة إلى الحقيقة لن تكون ذات معنى كبير في ظل هذا المعيار الأخير، بل لن تكون ذات معنى البتة، ما دامت كل جهود التحقق والتحري يجب أن تنتظر نتيجة الفحص الأخير وفق معيار لم يتم النظر في صحته ولا برهنته. نعم، إنه يسمى "معيارا"، ولكن طبيعة وجوده، ومبررات اعتماده، وموقعه من سيرورة البحث عن الحقائق؛ مخالفة تمام المخالفة للمعيار الذي تحدثنا عنه أولا.
.
إذاً، فنحن أمام نوعين من المعايير، أو لنقل أمام نوعين من "المعيارية". معيارية تضع نتائج التحري أمامها لتحدد ما صحت طريقة الوصول إليه مما لم تصح، ومعيارية أخرى تضع ما صحت طريقة الوصول إليه لتنظر ما هي مستعدة لقبوله والاعتراف به، وما ليست مستعدة لذلك. فهل من الصواب أن نعد هذين الموقفين وهاتين الطريقتين شيئا واحدا، وهل من المعقول أن نجرّ على المعيارية الأولى التي هي صلب "العلم" وضمانه في تقديم الحقائق؛ عيوبَ المعيارية الثانية التي هي جاثوم على صدر المعرفة الإنسانية؟
.
لقد كان موقف الوصفيين الأوائل من المعيارية في ميدان الدراسات اللسانية للأسف ناشئا عن الخلط بين معنيي المعيارية اللذين أوضحناهما، أو ربما كان ناشئا عن الإكراهات التي مارستها المعيارية الثانية على العلم في أوروبا عبر مؤسساتها الدينية والثقافية. وحين تم تعطيل هذه المؤسسات أو تحجيمها مع الثورات وسقوط الملكيات، فإن كثيرا من المفاهيم التي ربما اشتركت في الاسم أو في حيثيات معينة تم استبعادها جميعا في نشوة الانقلاب على الملكية والكنيسة وثقافتهما، فكانت الثورات الجديدة كالإعصار الذي يزيح كلّ ما أمامه، وكأن مبدأ (برنارد غي) التفتيشي هو الذي صار حاكما على حركات التصحيح العلمية: "اقتلوهم جميعا، وسيعلم الله أولياءه". (tuez les tous, dieu reconnaîtra les siens).
.
لقد تعمدت الحديث قليلا عن أصول المعيارية ليكون حديثنا هذا منطلقا تاريخيا نفهم من خلاله الموقف من المعيارية أولا، ثم الموقف من معيارية بعض العلوم، والخلفيات الخفية في طيات هذه المواقف والمشاريع والغايات المستهدفة من خلالها. ذلك أن ما يبدو أكثر علمية وتقنية في بعض الأحيان يكون مسكونا بأكثر الأحلام والرغبات ذاتية وإن حاول أصحابه إنكار ذلك أو إخفاءه، وتلك هي الإيديولوجيا، ونحن أمام قضية مشبعة بالإيديولوجيا، ولا دواء لها إلا "معيار" دقيق في حكمه، قوي في سلطانه، والله الموفق.

يتبع إن شاء الله.
في معيارية العلم-تناظرات بين علوم اللغة وعلوم الشريعة(3)
.
.
ينبني المجتمع على مجموعة من التنظيمات التي تحدد السلوكات المقبولة والمرفوضة وفق سلّميّات محددة لدرجات القبول أو الرفض. وانخراط الفرد في المجتمع معناه الخضوع لهذه التنظيمات، والخضوع ليس هو القبول، وليس هو الاقتناع، وإنما هو إظهار الاستعداد لجعل هذه التنظيمات عملة للتواصل، إذ كل تعامل إنساني هو في عمقه تواصل. وتتدرج هذه التنظيمات من طريقة التحية بين فردين يلتقيان إلى السياسة التي تدار بها الجماعة. فكل تنظيم يحكم سلوكا جماعيا معينا هو في نفسه معيار يحدد كما ذكرنا: المقبول والمرفوض. إذاً، فالمجتمع يتأسس على مجموعة من المعايير أو البرامترات، التي تسمح لنا بقياس مدى الانخراط في المجتمع الذي يبلغ ذروته في مفهوم العمل، أو الانفصال عنه الذي يبلغ ذروته في مفهوم الجريمة.
.
وحين ننظر إلى اللغة، هذا الكائن العجيب متعدد الأوجه، فإننا ندرك بعدها الاجتماعي باعتبارها وسيلة للتواصل، وفي الوقت نفسه سلطة لتنظيم قواعد التواصل. فاللغة ليست ذلك الخادم المطيع الذي يستجيب لحاجاتنا في التواصل مع غيرنا وينقل رسائلنا بكل أمانة وسرعة للآخرين، بل هي مؤسسة ذات سلطة رهيبة تفرض علينا من خلال نظامها وإمكاناتها وطبيعة مكوناتها شروطها التواصلية، ولا نملك إلا أن نستجيب لهذه الشروط، وأن نكيّف حاجاتنا التواصلية لنتمكن من تبليغها من خلال هذه المؤسسة.
.
وقد تحدث جان جاك لوسيكل في كتابه: "عنف اللغة" عن هذه السلطة التي تمارسها اللغة على المتكلمين في صمت وعنف، والتي تقلب تصورنا عن اللغة وعلاقتنا بها تماما، من تصور "الأداتية" البسيط والساذج، إلى تصور الخضوع لسلطة اللغة وإكراهاتها، وهو ما يلخصه الدكتور محمد بدوي مترجم الكتاب بقوله: "عندما يقوم شخص ما باستعمال اللغة، من يكون المتكلم؟ هل هو الشخص بذاته، أم أن اللغة هي التي تتكلم؟ بكلام آخر: هل يكون الشخص المتكلم مسيطرا سيطرة تامة على "الأداة" التي يستعملها، وهي اللغة، بحيث إنه يفعل بها ما يريد وفق شروطه الخاصة ويشكلها وفق تصوّراته المسبقة، أم أن اللغة تلعب دورا أساسيا في عملية التعبير، بحيث تفرض شروطها هي وتتحول متكلما أو لاعبا أساسيا في العملية؟"(عنف اللغة، مقدمة المترجم، ص07).
.
ونزيد بيانا لإحدى القضايا، وهي أن تصور اللغة على أنها "أداة" (instrument) هو ميراث للمدرسة الوظيفية، ولكنه ليس تصورا مرضيا عند جميع اللسانيين، فالإنسان حين يولد ويكبر ويتمكن من تعلم اللغة يجد نفسه منخرطا في نظام تواصلي لم يكن له يد في صناعته، بل هو يستجيب لشكله ونظامه، ويتعود على استعماله، ويرضخ لهذا النظام، وهذا ما يوضحه إميل بنفنيست في نقده لتصور الأداتية-وهو واحد من الانتقادات التي يوجهها له-(ينظر ترجمة نص بنفنيست في: لسانيات الخطاب، صابر الحباشة، ص136-137). فاللغة ليست أداة إلا بمعنى ضيق جدا هو معنى "الوسيلة"، ولكنها في الحقيقة نظام نخضع له أكثر مما نستخدمه وفق تصوراتنا ورغباتنا.
.
وعليه، فإن اللغة من أكثر الأنظمة الاجتماعية "معيارية"، لأنه لا يتحدد بها القبول والرد فقط، بل يتحدد بها نجاح التواصل من عدمه، فالتمرد على اللغة ليس له نتيجة وتبعة إلا على صاحبه، لأنه سيعرضه –كما يقول أستاذنا الدكتور مفتاح بن عروس- للعقاب الاجتماعي، وهو الحرمان من التواصل مع الجماعة، فالفرد إذا أراد إبقاء مجال التواصل مع الجماعة مفتوحا ما عليه إلا أن يتكلم "مثل الجماعة" أي أن يلاحظ ويراعي في كل لحظة "المثال اللغوي"، أو "المعيار اللغوي". وحتى إذا لاحظنا الحالات اللغوية الأكثر "إبداعية"، أي الأكثر تميزا عن المعيار اللغوي(كاللغة الشعرية)، فإننا سنجدها تتمايز وفق معايير معينة، وبمسافات معينة لا يمكن أن تتجاوزها.
.
لقد حاولنا أن نوضح في هذا الجزء من معالجتنا لموضوع "معيارية العلم"، أن المعيارية كما أنها توجد في العلم باعتباره نسقا استدلاليا، فإنها توجد في الظواهر التي يحاول العلم دراستها ووصفها وتفسيرها، وما دمنا معنيين بمجال اللغة فقد كان من الضروري إيضاح الملمح المعياري للغة. ولكن سيبقى علينا من هذا العنصر أن نجيب عن السؤال الجوهري: من يحدد معايير اللغة؟ ومن أين تكتسب هذه المعايير سلطتها التي يخضع لها المتكلمون؟ ثم سنمر بإذن الله إلى المقارنة بين مفهوم المعيارية التي يتميز بها العلم، ومفهوم المعيارية التي تتميز بها الظواهر التي يدرسها العلم، والله تعالى الموفق.

يتبع إن شاء الله.
صلوا على رسول الله..
.
.
أخرج الشيخان-واللفظ لمسلم- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: ‌خرجت ‌مع ‌جرير بن عبد الله البجلي في سفر. فكان يخدمني. فقلت له: لا تفعل. فقال: إني قد رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، آليت أن لا أصحب أحدا منهم إلا خدمته.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

فيه أن تشريف المقام النبوي بالخدمة والنصرة والتعظيم كان عند الصحابة معيارا في تقديم الرجال واستحقاقهم التعظيم. فأيهم كان أعظم خدمة لمقام النبي صلى الله عليه وسلم كان أحق بالتبجيل والتقديم. وفيه إكرام الرجل رعاية لمقام قومه، وفيه أن المكرمة من الرجل مأثرة لقومه. وفيه أن العمل المنقطع قد يجازى بالعمل الدائم، كما أن جريرا رضي الله عنه رأى من الأنصار فعلا انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم فشكر لهم بعمل التزمه حتى موته. وفيه أن إكرام خدام النبي صلى الله عليه وسلم وأنصاره فيه منبهة على تكريم خدّام سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأنصارها من أهل الحديث والأثر، ومن حفاظ المغازي والسير، ومن أهل الاقتداء والعمل، ومن كل معظم للسنن النبوية والأخبار المحمدية.
في معيارية العلم-تناظرات بين علوم اللغة وعلوم الشريعة(4)
.
.
كيف يصير لظاهرةٍ ما معيار؟ ومن أين يكتسب هذا المعيار سلطته وشرعيته؟ لا بد أن نميّز أولا بين ثلاثة أنواع من الموضوعات التي يمكن أن يدور عليها العلم، وهي: الموضوع الطبيعي، والموضوع الاجتماعي، والموضوع الفكري. هذه الموضوعات الثلاثة تميّز لنا بين ثلاثة مستويات للوجود الإنساني: وهي الوجود الطبيعي الذي يخضع فيه الإنسان لوجود قبلي، والوجود الاجتماعي الذي يشعر فيه الإنسان بقيمته التفاعلية، والوجود الفكري الذي يتمكن به الإنسان من إدراك نفسه ومن إدراك ما حوله(ولعل في هذا الأخير تقريبا لدلالة الكوجيتو الديكارتي: أنا أفكر إذن أنا موجود).
.
وعلى اختلاف هذه الموضوعات الثلاثة تختلف وظيفة العلم الذي يدرسها ويدور عليها، فالموضوع الطبيعي يحتاج علما تجريبيا يبحث في القوانين، والموضوع الاجتماعي يحتاج علما استنباطيا يبحث في القواعد، والموضوع الفكري يحتاج علما تفسيريا يبحث في المعاني(وثلثا هذا التقسيم على الأقل يرجعان إلى غيرتز في أنثروبولوجيته الثقافية). ومع أننا لا ننفي قدرا من التداخل بين مناهج الدوائر الثلاث، فإن هذا الذي ذكرناه هو أهم مميزات ما يسمى عادة: العلوم المحضة، والعلوم الاجتماعية، والعلوم الإنسانية.
.
وإن كان ثمة علمان من الصعب الاتفاق على الحدود الفارقة بينهما فهما العلم الاجتماعي والعلم الإنساني، ذلك أن كل القواعد الاجتماعية تملك أوليات فكرية، خدمتها ظروف تاريخية معينة، ونقلتها من حيز الفكرة الفردية إلى دائرة التوافق الجماعي، ولذلك فالحديث عن علوم اللغة –مثلا- على أنها علوم إنسانية أو علوم الاجتماعية هو حديث نظري أكثر منه رصدا واقعيا، ذلك أن فكرة الحدود بين العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية كما سبق أن ذكرنا ليست محل اتفاق بين علماء الدائرتين أنفسهم، واللغة من بين كل موضوعاتهما أكثرها إشكالية، إذ من الصعب تصور اللغة باعتبارها موضوعا إنسانيا(أي باعتبار الإنسان إنسانا) بعيدا عن هيمنة وظيفتها التواصلية، التي تضعها في صلب فكرة الاجتماع الإنساني(ولا تقتصر هذه المحورية على فكرة التواصل، بل تتعداها إلى فكرة الهوية، وبالتالي الحدود اللغوية للجماعات الإنسانية، وهكذا نجد أنفسنا نمارس تحليلا اجتماعيا بامتياز).
.
نرجع مرة أخرى إلى قضية سلطة المعيار. يكتسب المعيار الاجتماعي سلطته من مبدأي التمايز والتوافق، وهما المبدآن اللذان تتأسس عليهما الهوية، تمايز هوية عن أخرى وهو ما يصنع المعايير، والانتماء إلى هوية معينة وهو ما يصنع سلطة المعيار. إن إعلان الانتماء إلى أي جماعة يبقى دعوى، ولا تثبت هذه الدعوى عند الجماعة إلا بعد الانخراط العملي في المعيار: معيار الدين واللغة والأعراف والنظم وغير ذلك من المعايير الاجتماعية التي تمتد إلى الطعام واللباس وطريقة المشي وقواعد العمران. وقد تدعم سلطة المعيار الجماعية وتعضد عن طريق العقوبات المعنوية(الحرمان من التواصل) أو الحسية(الطرد من الجماعة، السجن، الغرامات، العقوبات البدنية) وهكذا.
.
فالانتماء للمعيار أو الانسلاخ منه يأخذ دلالته على اختلاف نوع المعيار نفسه، وعلى اختلاف النظم الاجتماعية والسياسية طبيعة وتعقدا، من مجرد إعلان بمفارقة الجماعة اختياريا ومن غير تبعات، إلى إعلان العصيان الداخلي أو التمرد، إلى مفهوم الخيانة. وكلما كانت العلاقات بين الجماعات المتجاورة أو المتصادمة أكثر تشنجا، صارت المعايير أكثر دلالة، وبالتالي أكثر سلطة، وكلما كان هناك استعداد أكبر للتشذر والتشظي كان هناك قابلية أكبر لتحويل مظاهر معينة(قد تكون تافهة) إلى معايير.
.
وفق هذا المفهوم يمكننا أن نتبين أسباب معيارية اللغة، فاللغة هي أحد أهم مظاهر التمييز الاجتماعي، وكم كنا منشغلين ونحن نقرأ تعريف ابن جني في الخصائص(1/33) للغة بأنها: "أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم" بمسألة (الأصوات) ومسألة (التعبير)، غافلين عن قضية (كل قوم)، هذا الحد الفاصل من حدود التعريف الذي يكشف عن دور اللغة في تشكيل الهويات المتمايزة، فحقيقة اللغة هي حقيقة جماعية، لا فردية، ومنه نستنتج استنتاجا مهما: هو أن كل خرق للمعيار اللغوي ليس له أي غرض فردي، وإنما هو دائما ذو أبعاد جماعية: تأسيس معيار بديل، أو إعلان الانشقاق عن الجماعة الأولى عبر معيار مختلف.
.
ومن هنا، يمكننا أن نفهم أن دراسة اللغة بعيدا عن "معياريتها"، هو تحريف لوجهة البحث من أول خطوة، لأنه استبعاد لما يعطي اللغة قيمتها الاجتماعية، وتعتيم لحدٍّ فاصل من حدود تعريفها وفهمها. وآمل أن يكون هذا الاستنتاج أول خطوة لتصحيح موقع مفهوم المعيارية من البحث العلمي عموما، والبحث اللغوي خصوصا، ويبقى علينا بعد ذلك أن نحرر الفروق العملية بين "دراسة المعيار"(l’étude de la norme)، و"الدراسة المعيارية"(l’étude prescriptive). وهو ما سنعالجه بإذن الله في مرحلة قابلة من هذه الكتابات.

يتبع إن شاء الله.
في معيارية العلم-تناظرات بين علوم اللغة وعلوم الشريعة(5)
.
.
"اللسان نظام من الأدلة المتواضع عليها"، هذا التعريف من الأوليات العلمية التي يتلقاها طلبة أقسام اللغات، وحتى طلبة أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية المجاورة الذين يحتاجون إلى معارف لسانية، بل حتى طلاب أقسام الحاسوبيات وهم بصدد دراسة العلاج الآلي للغات الطبيعية. وهذا الامتداد الشبكي الذي يستفيد منه هذا التعريف يسمح بتمديد مفهوم التواضع(convention) بين هذه التخصصات. فاتفاق الجماعة على نظام من الأنظمة واستقرارها على اعتماده في التعامل وعلى احترامه وعلى معاقبة مخالفيه يعطيه "القيمة المعيارية" التي تحدثنا عنها في الحلقات السابقة.
.
ومن بين كل الظواهر المعيارية؛ تحتل اللغة مرتبة متقدمة لسبب مثير: وهو أنها نظام نتفق "عليه" أولا، ليتحول إلى نظام نتفق "به" على الأنظمة الأخرى، فلئن كانت اللغة أداة للتواصل(مع التحفظ على مصطلح الأداة الذي سبق عرض نقده عند بنفنيست)، فإن وظيفة التواصل هي التنظيم، فالجماعات البشرية تتواصل باستمرار في محور النظام: إما مؤسسة له، أو مذكرة به، أو محللة له، أو مجددة طبيعة العلاقات التي تشكل النظام. وينبه إدغار موران إلى أن هذه الوظيفة كما تتجلى في أعلى شبكات التواصل(على مستوى الجماعات)؛ فإنها تتجلى كذلك في أدنى مستويات الحياة، فالجسم الحي تتواصل أجزاؤه الخلوية بنقل مستمر للمعلومات في سبيل تنظيم وظائفه الحيوية.
.
ومن أجل هذا الدور الخطير الذي تضطلع به اللغة-وهو دور الوساطة لتأسيس الأنظمة الأخرى-، فإن معياريتها ضرورة تواصلية، لأنها ضمان لتحقق تصور توافقي للمفاهيم التي ستتأسس عليها هذه الأنظمة. فهذه الضرورة لا تقتصر على الحد الأدنى الذي نتصوره الذي هو إمكانية "التواصل"، وإنما تمتد إلى إمكانية "التفاهم"، التي هي شرط أساسي لإمكانية "التعاون" الذي يقوم عليه الاجتماع الإنساني. وأي صدمة شديدة وسريعة تتعرض لها هذه المعيارية تعني أثرا بالقدر نفسه أو أكبر في كل الأنظمة التي يتم تأسيسها عبر اللغة. وقد يمتد الأثر كالزاوية المنفرجة لتكون تبعات الاختلال المعياري اللغوي؛ اليسير جدا؛ فادحة جدا، إنه "أثر الفراشة".
.
هل يعني هذا أن المعيار اللغوي مفهوم متعال على التغير التاريخي؟ حتما لا، لا من جهة تصورنا له، ولا من جهة الواقع، ولكننا أردنا فقط أن نبين النتائج المباشرة للتغيرات التي تمس المعيار اللغوي على مستويات مختلفة وبدرجات متفاوتة، وهذه النتائج يدركها المتكلمون إدراكا مباشرا، وهو ما يجعلهم يحاولون قدر المستطاع التحكم في "سرعة التغيّر" أو "إيقاع التغيّر". وهذا موضوع طريف جدا للدراسة: كيف يمارس المتكلمون تغييرات معينة ؟ وكيف يحاربون تغييرات أخرى؟ وهل ثمة تناغم بين الحركتين، أم أنه شكل من أشكال الصراع اللغوي؟(ينظر الإشارة إلى هذه الجدلية عند ديدييه دي روبيارد في مادة (normalisation) من كتاب اللسانيات الاجتماعية لماري لويز مورو، ص214-215).
.
إن جدلية المعيار والتنوع لا تقتصر على التنظيم اللغوي، بل هي جدلية تتعلق بكل منظومة، سواء كانت اجتماعية من النوع الأدنى(كالأسرة مثلا) أو سياسية(كنظام الحكم)، وقد عرف التاريخ وقائع تاريخية تجلت فيها هذه الجدلية بوضوح كبير، كصراع (monarchie vs anarchie) في أثناء الثورة الفرنسية، والذي جسد التجاذبات بين الاحتفاظ بالمنظومة القديمة ومحاولة تأسيس منظومة جديدة انطلاقا من هدم المعايير المستقرة. بل ربما كانت الثورة الفرنسية من هذه الزاوية مصدر إلهام للتفكير النظري في هذه القضية، كيف لا، وهي التي وفرت الغطاء السياسي والأخلاقي لأكثر التغيّرات التي عرفتها الثقافة في فرنسا خصوصا وأوروبا عموما، والتي ثارت على الإطار الكنسي للمعرفة.
.
لقد كان كلامنا عن مفهوم المعيار في الحلقات السابقة متلبسا بالفهم السوسيولوجي وأحيانا النفسي له، مع بعض الاقتراب من ميدان اللغة الذي هو محل اهتمامنا، والغرض من ذلك أن نساعد أنفسنا أولا على تحقيق فهم "أوسع" لمفهوم المعيار، وأن نتجاوز ضيق الزاوية اللغوية التي قد تصير عائقا للفهم إذا انكفأنا عليها وولينا ظهورنا للحقائق النفسية والمعرفية والاجتماعية للمعيار. وسنحاول في حلقات مقبلة أن نقدم قراءة سريعة لمعيارية اللغة في بعض المراجع المهتمة بالموضوع، وعلى جهة الخصوص في ميداني: النحو الوصفي والمعياري، واللسانيات الاجتماعية، ونعرّج بعد ذلك على تتبع بعض مظاهر المعيارية في علوم اللغة العربية، وكيف حدد علماء العربية المعيار اللغوي المسمى "العربية الفصحى"، وما هي مبرراته الثقافية والعلمية؟ إذ كان هو الغرض الأول، وبه تتحقق المقارنة المرجوة مع علوم الشريعة، والله الموفق.

يتبع إن شاء الله.
في معيارية العلم-تناظرات بين علوم اللغة وعلوم الشريعة(6)
.
.
يحتوي كتاب (sociolinguistique-concepts et bases) لمنسقته وناشرته ماري لويز مورو على مجموعة من المداخل المتعلق بالمعيار، منها مداخل كتبتها أو شاركت في كتابتها، ومنها مداخل لمتخصصين آخرين مثل ديدييه دي روبيار ودانيال باجيوني. وهذه المداخل هي: (التقييس-normalisation)، (التقييس والتوحيد-normalisation standardisation)، (المعيار-norme)، (المعيار الداخلي-norme endogène). ويعد مدخل (المعيار) أوسع هذه المداخل وأهمها، وذلك لانقسامه إلى قسمين: أصل المفهوم(بقلم باجيوني)، وأنواع المعيار(بقلم مورو).
.
وما دامت سلسلتنا هذه تمثل مرحلة تجريبية للكتابة في هذا الموضوع(أي مقتصرة على توثيق الأفكار والرؤى في انتظار الاستفادة من آراء من عساه يقرؤها)؛ فمن المسموح لنا أن نتحدث بلغة الانطباع قليلا. والانطباع الذي سجلته شخصيا من قراءة هذه المداخل، والذي يمكن التأكد من صحته أو خطئه، هو أن اللسانيات الاجتماعية(باعتبارها ميدان الكتاب) تحاول أن تعترف بقدر من التحفظ والهدوء بأن اللسانيات الوصفية البنوية في أوج مجدها واندفاعها قد ارتكبت خطأ بموقفها من مفهوم المعيار، ذلك الموقف الذي بدا: معاديا، ومتهجما، بل ساخرا من المعيار اللغوي، وممن يُحسبون على البحث المعياري، حتى إن عبارات مثل: (النحو المعياري)، أو (النحاة المعياريون) غدت أقرب إلى التهمة أو "المسبة" منها إلى التصنيف العلمي أو التاريخي لتطور النظرية اللغوية.
.
لقد نظر رواد اللسانيات الوصفية إلى نحاة القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا على أنهم "شيوخ كتاتيب" في الثقافة العربية، أي أنهم حراس على أبواب منظومة تعليمية متمنّعة على أي اختراق أو تطوير. فهم يريدون المحافظة على معايير صوابية معينة، مدعمة ومبررة بمنظومة كاملة من الحجج (غير اللغوية في الغالب) والتي تنتمي إلى تقاليد أرسطية تقدم تعليلا منطقيا للأشكال اللغوية المفضلة. وبالتالي فإن موقف اللسانيات الوصفية من النحو المعياري كان عدم الاعتراف بعلمية رؤيته ومنهجه أساسا. وهو ما ولّد تقسيما للنشاط اللساني إلى (علمي) و(ما قبل علمي)، حيث صنف نحوُ القواعد والصوابية اللغوية كله في الخانة الأولى. (ينظر: مدخل إلى المنهج البنوي للسانيات لفان دي فيلد، ص15-16)
.
ولا بد أن عودة الاتزان إلى البحث اللساني عن طريق مبدأي العمل الميداني والنسبية اللغوية(وهما مبدآن مستفادان من الأنثروبولوجيا)، سمحت باكتشاف المعيار الذي مصدره خيارات المتكلمين وتوافقاتهم، والذي لم يزد النحاة المعياريون -كما يسميهم الوصفيون- على رصده ووصفه وتوثيقه. وقد سمح العمل الميداني برصد حقيقة مهمة عن اللغة، هي أن التنوع اللغوي واللهجي الذي أولع به الوصفيون ليست أهميته على السواء في وعي المتكلمين أنفسهم، وأن ثمة ظواهر لغوية في المستويات الصوتية والصرفية والنحوية لا يمسها هذا التنوع. فهي تمثل ما يحدد لغة في مقابل لغة أخرى، وهنا لا نتحدث عن الصواب والخطأ بالمفهوم الأخلاقي، وإنما بمفهوم الانتماء أو عدم الانتماء الذي تحدثنا عنه في حلقات سابقة.
.
ومما يدل على الانعطاف الهادئ لمفهوم المعيار مجددا والعودة إليه باعتباره ظاهرة لغوية جديرة بالدراسة والوصف، لغة الاعتراف التي يكتب بها دي روبيار المبررات العلمية لمفهوم المعيار والتي يقسمها إلى مبررات(أو حجج) معرفية-إدراكية، ومبررات سوسيولوجية، ومبررات تواصلية. حيث يبين أن تماسك النسيج الاجتماعي، وتسهيل التواصل، يرشحان المعيارية والثبات على حساب نزعة التجديد والتنويع، كما أن القدرات المعرفية-الإدراكية للعقل البشري تفضل الاستقرار النسبي على التغيير السريع والتنويع غير المنضبط الذي سيؤدي إلى قطيعة تواصلية بين الأجيال المتعاقبة.
.
وأما ماري لويز مورو، فإنها تقترح تصنيفا للمعايير اللغوية تحرر من خلاله المعيار الموضوعي من كل ما لابسه تاريخيا: ينقسم وفقه المعيار إلى خمسة أنواع: معيار اشتغال اللغة، والمعيار الوصفي، والمعيار الإلزامي-الانتقائي، والمعيار التقييمي، والمعيار التخييلي. على أن هذا التقسيم يحمل الكثير من التداخل، وقدرا من الإبهام في بعض تفاصيله، مما يضع العرض كله في موضع ضعف، ومع ذلك فإن أهم نتيجة نخرج بها هي ما أسلفنا ذكره من أن ثمة مفاهيم تم استبعادها لأسباب غلبت فيها الإيديولوجيا المذهبية على الرؤية العلمية، وأنه يقع على عاتق اللسانيات الاجتماعية إعادة الاعتبار لها. مع أننا نعترف بأن مفهوم المعيار سيصادف بعض الإشكالات العملية في ميدان اللسانيات التطبيقية، وخصوصا في ميدان تعليم اللغات الحية اليوم، وهي الإشكالات التي يؤطرها السؤال التعليمي الشهير: أيَّ معيار للغة سنعلم؟ نأمل أن نستطيع عرض هذا الجانب من مشكلة المعيار فيما نستقبل بإذن الله تعالى.

يتبع إن شاء الله.
صلوا على رسول الله..
.
.
أخرج مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ؛ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "‌يَؤُمُّ ‌الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ. فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً. فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ. فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً. فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً. فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا. وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ. وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ" قَالَ الأَشَجُّ في روايته (مكان سلما) سنا.

صلى الله عليه وسلم وبارك وأنعم وشرف وكرم، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين

فيه ترتيب منازل الناس على أقدارهم في أمر الدين. رعاية لاجتماع الكلمة ودرءا لاختلاف الرأي المفضي إلى التنازع. وفيه أن ترتيب المنازل يكون ابتداء على ما فيه دليل الفضيلة-وهو العلم-، فإن استووا في ذلك-وجودا أو عدما، كثرة أو قلة- فعلى ما فيه مظنة الفضيلة، إذ قِدَم الإسلام والهجرة مظنة لأن يكون المتقدم قد عرف من أحوال الإسلام وعالج من أمر الإيمان وتعانت نفسه من الفرائض ما لم يحصل للمتأخر. وتقدم السن مظنة الحكمة والحلم والرفق مما هو مطلوب فيمن يؤم الناس في صلاتهم التي هي عمود دينهم وسياستهم التي هي نظام معاشهم. فالحمد لله على الإسلام والسنة، ونسأله بركة في العمر وقوة في الدين وزيادة في العقل.
حيث يكثر الشرك، يكثر السحر.

تأمله تجده حقا، وتتبعه تجده صدقا..!

#تأملات
غزة وموسم الاستيقاظ..

أيقظت حرب السابع المبارك أربعة أصناف من الناس:

انتبه الفلسطينيون إلى أنهم ليسوا ضعفاء

وانتبه الصهاينة إلى أنهم ليسوا آمنين

وانتبه الشعب الأمريكي إلى أنه ليس حرا

وانتبه المغفلون العرب إلى أن أمريكا ليست ديمقراطية
في معيارية العلم-تناظرات بين علوم اللغة وعلوم الشريعة(7)
.
.
"أي إنجليزية نُعلِّم؟" هذا السؤال يحتل بؤرة اشتغال اللسانيات التطبيقية في أكثر بلدان الكومنولث، وسببه يرجع إلى حقيقة أننا(أو على الأصح: أنهم !) اليوم أمام إنجليزيات لا أمام إنجليزية واحدة، فهناك الإنجليزية البريطانية، والأمريكية، والأسترالية، والهندية، والجنوب-إفريقية، وهذه الإنجليزيات هي المشهورة والتي فرضت نفسها بامتداد الاستعمال، ويمكننا أن نرى في الأفق القريب تنوعات أخرى للإنجليزية. هذه التنوعات كأنها ردود فعل ضد الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فالشعوب العديدة التي رزحت طويلا تحت نير الاحتلال البريطاني، قررت أن تتناهب لغته وثقافته، وأن تحصره داخل مسماه، ليصير أقلية لغوية داخل لغته، وبالفعل، فإن ما يسمى الإنجليزية البريطانية يكاد يتذيل ترتيب الاستعمال بين هذه التنوعات الخمس الكبرى للإنجليزية.
.
أحببت أن أجعل من هذه القضية مدخلا للحديث عن المعيار اللغوي في اللسانيات التطبيقية؛ كما كنا أشرنا إليه في آخر الحلقة السابقة. ذلك أن سؤال: "أي إنجليزية نعلم؟" هو سؤال معياري في نهاية الأمر، سواء كانت إجابتنا عنه مستندة إلى "المعيارية اللغوية" أو إلى غيرها، فإن مجرد اتخاذ قرار في هذه القضية وتبنيه ضمن سياسة تعليمية؛ سيجعل من "الإنجليزية المختارة" معيارا، وسيعطيها أسبقية في مضمار التنافس بين هذه التنوعات، إذ إن تبني تنوع لغوي في إطار السياسات اللغوية والتخطيط اللغوي يعني إعطاءه أفضلية في الاستعمال الأكاديمي، والإداري، والإعلامي، والاقتصادي. وكل هذا ستكون له آثاره الاجتماعية العميقة من حيث فرص التعليم والعمل، والتعامل الاقتصادي.
.
ولكن قبل الوصول إلى هذه النقطة، تضع اللسانيات التطبيقية أمام مفهوم المعيار اللغوي ثلاث مشكلات نظرية: المشكلة الأولى هي مشكلة ما يسمى باللغة المرحلية(interlanguage)، سواء عند الطفل الناطق باللغة، أو عند متعلم اللغة من غير الناطقين بها. والمراد باللغة المرحلية ذلك المستوى من تطور النظام اللغوي عند الناطق-المكتسب قبل مرحلة النضج اللغوي، حيث يتساءل اللسانيون الوصفيون: في أي مرحلة من الاكتساب اللغوي يمكننا أن نقول إن المتكلم صار ناطقا مثاليا للغة(الفصيح في اللسانيات العربية)؟
.
والمشكلة الثانية هي مشكلة التنوعات اللهجية داخل اللغة الواحدة، حيث يتساءل الوصفيون كذلك: على أي أساس موضوعي يمكننا أن نقدم استعمالا لهجيا محليا لنجعله معتمدا عند عامة الناطقين باللغة؟ والظاهر أن مشكلة "الأساس الموضوعي" هذه سببها أن الوصفيين اكتشفوا أن اعتماد تنوع لهجي معين يرجع في أكثر الأحيان إلى أسباب غير لغوية: قد تكون سياسية أو تاريخية، كالمركزية السياسية للمنطقة المتكلمة بهذه اللهجة(وهي العواصم في أغلب الحالات) كما هو الحال مع الباريسية في فرنسا، ولهجات الجنوب في الجزيرة البريطانية، والقشتالية في إسبانيا.
.
وأما المشكلة الثالثة فهي لا تتعلق باللغة نفسها بقدر ما تتعلق بالوصف اللغوي كما يقدمه النحو المعياري(ولنذكر دوما بأن المراد بالنحو هنا: الأوروبي)، وهو جنوح هذا النحو إلى التعليل المنطقي للغة المعيارية، مما يصورها في صورة النسخة المطابقة للعقل، وبالتالي يصور التنوعات الأخرى المجاورة لها على أنها نسخ ناقصة أو مشوهة عن النسخة الأصلية. ولا بد أن هذا النوع من الوصف اللغوي-المنطقي هو بعض ميراث مدرسة بور روايال، كما أنه يمت بنسب إلى فلسفات العصر الفيكتوري بكل ما كانت مشبعة به من مفاهيم تراتبية بل عنصرية في بعض الأحيان.
.
ويعترف قاي كوك؛ وهو أحد اللسانيين التطبيقيين المتبصرين بأن هذه المشكلات يمكنها أن تكون مجال نقاشات طويلة وعميقة في اللسانيات النظرية والاجتماعية، ولكن من الصعب أن تتجاوز حقيقة أن اللغة لا تنفك عن جانب معياري هو الذي يعطيها وظيفتها الاجتماعية. بل ينتهي إلى حقيقة أن المعيار بهذا المفهوم هو جزء من الحقيقة اللغوية التي يجب وصفها، وبالتالي فـ: "المعيارية ظاهرة اجتماعية، ولا يمكن تقليديا مقابلتها بالوصفية" (علم اللغة التطبيقي، ص24). وعوض أن نستحدث معركة مختلقة، ينبه كوك إلى أن المعيار نفسه ينبغي أن يكون موضوعا للوصف والتفسير، ما دام اعتقادا يتحكم في استعمال المتكلمين أنفسهم للغة ورؤيتهم لها(ص23).
.
بعد هذا العرض المقتضب لقضية المعيار اللغوي والمعيارية العلمية في بعض الميادين اللسانية الغربية، يمكننا أن نتفرغ لدراسة بعض ملامح المعيار اللغوي في الفكر اللساني العربي، وعلاقته بالمعيار الشرعي، وأثر ذلك في العلوم الإسلامية، والله الموفق.

يتبع إن شاء الله.
اللهم لا تقطع عنهم المدد، ولا تنقص منهم العدد، اللهم انصرهم واهزم عدوهم

#المجد_للمجاهدين
صلوا على رسول الله..
.
.
أخرج مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري قَالَ: "كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ "اسْتَوُوا ‌وَلَا ‌تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ. لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ".

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه على نهجه وسنته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

فيه صفة انتظام الجماعة في الإسلام، فإن الحديث وإن ورد في أمر الصلاة؛ فإنه دلّ بالإشارة على وجه ترتيب منازل الناس من التقدم. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن يستوي الناس في الصف الواحد لما فيه من معنى تكافُئِهم في الوقوف بين يدي رب العالمين، ولما في تسوية الصف من الهيئة الدالة على تحاب المسلمين وتوادهم وتكاتفهم، فإذا قامت المصلحة بترتيبهم تقدَّمَهم أقدرُهم على تحقيق المصلحة، لما في ذلك من حفظ تلك المصلحة على جماعتهم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يليه أولو الأحلام والنهى، المستحكمةُ عقولُهم، الحاضرةُ خواطرُهم، لما في ذلك من مصلحة تنبيه الإمام إذا سها، وسدّ مكانه إذا جاءه ما يصرفه عن الصلاة، مع حفظ السكينة وابتدار أسباب الاضطراب قبل أن تقع. فصلى الله على نبينا محمد من علمنا سياسة الأمة بسنته الشريفة وسلم تسليما كثيرا.
(وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين)

سبحان الله، ما أبلغ كلمة (قريب) في الآية. الموت يعلّم الإنسان تقدير الوقت، الحي لا يعير اهتماما للسنوات، والميت يلتفت إلى الساعات، ويدرك أن ساعة واحدة من الحياة قد تنقل المرء بالعمل إلى مقام الصالحين..!

#خاطرة
هُنَا غَزَّةٌ تَحْيَا، وَ"يَحْيَى" كَبِيرُهَا***مُكَرَّمَةٌ، وَ"الضَّيْفُ" فِيهَا أَمِيرُهَا

وَمِنبَرُهَا عَرْشُ "الـمُلَثَّمِ"مُسْفِرًا***بِقَوْلٍ، وَ"إِسْمَاعِيلُ" فِينَا سَفِيرُهَا

كَأَرْبَعَةٍ أَرْكَانِ دَارٍ عَتِيقَةٍ***عَلَى بَابِهَا "اليَاسِينُ" دَومًا خَفِيرُهَا

هُنَا جَنَّةُ الأَبْرَارِ رَاقَ غَدِيرُهَا***وَجَاحِمَةُ الفُجَّارِ هَذَا شَفِيرُهَا

تَهُبُّ عَلَى سُودِ الوُجُوهِ سَمُومُهَا***وَيَجْرِي عَلَى رُوحِ الشَّهِيدِ عَبِيرُهَا

وَيَصْلَى بِهَا الكُفَّارُ نِيرَانَ حَرْبِهَا***تُسَعِّرُهَا أُسْدٌ يُهَابُ زَئِيرُهَا

إِذَا كَبَّرَتْ ذَابَتْ يَهُودُ مَخَافَةً***وَسِيرَتُهُمْ دَجَّالُهُمْ سَيَسِيرُهَا

تَرَامَتْ بِهَا الأَعْدَاءُ في بِئْرِ حَتْفِهَا***كَمَا ازْدَحَمَتْ قَبْلَ النَّقِيعَةِ عِيرُهَا

وَأَلْحَقَهَا طُغْيَانُهَا بِأَسِيرِهَا***وَلَوْ عَقَلَتْ عَاشَتْ وَعَاشَ أَسِيرُهَا

أمين يوسف الأحمدي قادري

🔻✌️🇵🇸
2024/05/15 08:10:19
Back to Top
HTML Embed Code:


Fatal error: Uncaught Error: Call to undefined function pop() in /var/www/tgoop/chat.php:243 Stack trace: #0 /var/www/tgoop/route.php(43): include_once() #1 {main} thrown in /var/www/tgoop/chat.php on line 243