Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
459 - Telegram Web
Telegram Web
مقدمة بين يدي دراسة كتاب "تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم" لبدر الدين ابن جماعة الكناني(ت733ه) (الحلقة الثالثة)
.
أمين قادري
.
.
قضايا منهجية في كتاب تذكرة السامع والمتكلم
.
اعلم أن صاحب هذا الكتاب وهو العلامة البدر ابن جماعة قد وضع ديوانه وهو في فورة شبابه لم يزل، فقد وقع في بعض نسخه الخطية أنه فرغ منه سنة اثنتين وسبعين وستمائة(672ه)، فله من العمر عند الفراغ منه ثلاث وثلاثون سنة. ولا يبعد أن يكون أعمل فيه قلم التصحيح والتنقيح والتهذيب بعد ذلك.
.
القضية الأولى: أبواب الكتاب

قال ابن جماعة: "وقد رتبته على خمسة أبواب تحيط بمقصود الكتاب:

الباب الأول: في فضل العلم وأهله وشرف العالم ونبله.

الباب الثاني: في آداب العالم في نفسه ومع طلبته ودرسه.

الباب الثالث: في أدب المتعلم في نفسه ومع شيخه ورفقته ودرسه.

الباب الرابع: في مصاحبة الكتب وما يتعلق بها من الأدب.

الباب الخامس: في آداب سكنى المدارس وما يتعلق به (من النفائس)".
.
فمدار هذا الكتاب على ثلاثة مقاصد:

المقصد الأول: فضيلة العلم في نفسه، الموجبة للتأهل لطلبه، والحرص عليه والتقيد بآداب أهله. وهي المقدمة الداعية إلى النظر في الكتاب، فإن من عرف فضيلة الشيء حرص عليه، ومن حرص عليه حرص على أسباب تحصيله والتحقق به والمحافظة عليه.
.
المقصد الثاني: أدب المعلم والمتعلم اللذين هما طرفا المفاوضة في التعليم، وفرّع أدب كلّ واحد منهما إلى أدبه في نفسه، وأدبه مع مفاوضه. وبدأ بأدب العالم قبل أدب المتعلم، لأن المتعلم يقبل في أول أمره وهو خلو من الآداب الخاصة بالتعلم، فهو إنما يستفيدها من معلمه، ويشهدها فيه ويقتدي فيها به، وتحلي المعلم بها أدعى لترغيب المتعلم في طلب العلم والملازمة سبيل أهله.
.
المقصد الثالث: أدب الوسائل والمنازل، وهذا من شرف العلم وخطره، فإن الآداب تتعدى المفاوضة فيه إلى وسائل العلم، وخص المؤلف منها الكتب لأنها مواد البحث ووثائق المعارف، فذكر طرفا من الآداب والأحكام المتعلقة بها من جهة كتابتها وصيانتها وحيازتها واستعارتها. ثم ذكر محال الطلب وهي المدارس، فذكر مسائل متعلقة بالوقف فيها وآداب سكناها ودخولها. وقد جرت مسائل هذا المقصد الثالث على مقتضى العادة الغالبة في ذلك الزمان، ومن ذلك شيء كثير مهجور في زماننا إلا أن فائدته تتحصل إما بالقياس والتقريب والمماثلة، وإما بالاستفادة منه في دراسة تاريخ المدارس ومبادئ النساخة مما ينفع المشتغلين بالمخطوطات وتحقيقها وفهرستها.
.
القضية الثانية: عناوين الأبواب

وقع في تعليق بعض الفضلاء على الكتاب انتقاد لاختلاف عنونة الأبواب بين سردها في المقدمة وإثباتها في محالها من الكتاب، بأن هذا مخالف لانضباط رسوم التأليف. والواقع أن الأمر على خلاف هذا، فإن الغالب على أهل العلم المتقدمين أنهم يشيرون بالعناوين إلى مقاصد الأبواب ولا يريدون بها التسمية، فالعناوين عندهم دلائل على المسائل لا أعلام عليها، ولذلك تختلف عباراتهم عنها بالزيادة والنقص والتغيير على ما يعنّ لهم من فائدة أو نكتة. وهذه العادة ظاهرة عند المؤلف وعند غيره، فقد خالف المؤلف ألفاظا من عناوين أبواب كتابه: " تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام" . ويقع مثل هذا عند ابن القيم من أهل الشريعة، وعند ابن هشام أهل العربية، وعند غيرهم.
.
القضية الثالثة: مواد الكتاب

قال ابن جماعة: "وجمعت ذلك مما اتفق في المسموعات أو سمعته من المشايخ السادات أو مررت به في المطالعات أو استفدته في المذاكرات وذكرته محذوف الأسانيد والأدلة كيلا يطول على مطالعه أو يمله. وقد جمعت فيه بحمد الله تعالى من تفاريق آداب هذه الأبواب ما لم أره مجموعًا في كتاب".
.
أشار المؤلف إلى أن مواد كتابه هذا مراتب:

*منصوصات كتب الفن.

*مرويات مشايخ العلم.

*فوائد مذاكرات الأقران.

وقد أورد في الباب الأول منه جملة من الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن أكثرها ضعيف لا يصح، ومنها أحاديث موضوعة لا يحل روايتها من غير بيان لدرجتها. ولئن جرى المؤلف في إيراد الضعيف على عادة العلماء في التسامح في ذلك في الفضائل والترغيب-على تفصيل لهم معروف-، فإننا لا نجد للمؤلف عذرا في إيراد الموضوعات؛ إلا أن يكون ذلك عن تقليد من غير تحقيق. والله يغفر لنا وله. كما أورد المصنف طائفة طيبة من الآثار عن السلف فمن بعدهم، عامتها منقول في الكتب، موقوف عليه في مظانه.
.
وأما عامة ما يتعلق بنسخ الكتب وصيانتها وسكنى المدارس ورعايتها فغالبه من ثقافة زمانه وحصيلة تجربته، ولذلك لم يقع شيء من ذلك منسوبا أو منصوصا، وإنما هي أوضاع وتقاليد وشروط وقفية.
.
وعامة مواد هذا الكتاب المنقولة والمفهومة في أبوابه الثلاثة الأولى مستفادة من كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، ومن مقدمة كتاب المجموع شرح المهذب للإمام النووي، وكثير منها مسرود على ترتيبه، وإن كان كلام النووي أوفى لأنه زاد فصولا في الفتوى.
خاطرة..
.
.
ذكر الله في سورة الحجرات أخلاق الإسلام وآدابه، ثم قال تعالى في أواخرها: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)، فكأن المعنى والله تعالى أعلم: إذ لو دخل الإيمان في قلوبكم لأفاض على نفوسكم محاسن الأخلاق، ولحلّى أعمالكم بوجوه المروءات، يصدّق هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المسلمين إيمانا أحسنهم خلقا"..

والعلم عند الله تعالى..
التعليق على مقدمة كتاب تذكرة السامع والمتكلم(01)
.
.
بسم الله الرحمن الرحيم

وبه توفيقي

قال المصنف: "الحمد لله البر الرحيم، الواسع العليم، ذي الفضل العظيم، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد النبي الكريم، المنزل عليه في الذكر الحكيم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وعلى آله وأصحابه الكرام جِوَارِه(1) في دار النعيم".
.
قلت: فيه مسألتان:

الأولى: الاستفتاح بحمد الله والثناء عليه بأسمائه المتضمنة للمعاني المناسبة لمقصود الكتاب، فمن ذلك اسم البَرّ: وهو المحسن إلى خلقه ببالغ برّه وعظيم إفضاله، واسم الرحيم: وهو الواصل إليهم برحمته المقتضية إنعامه ورفقه ومسامحته. واسم الواسع: الذي وسع المدركات علمه، ووسع الحاجات فضله، ووسعت الخلات رحمته، ووسع السماوات والأرض كرسيه، واسم العليم: الذي علم كل شيء علم الحقيقة والإحاطة والمبدأ والمآل، واسم: ذي الفضل العظيم: المفضل على عباده بعطاياه، وعلى خلقه برزقه. فنبّه المؤلف بهذه الأسماء الحسنى وما اشتملت عليه من الصفات العلى على ما امتن الله به على أهل العلم والمشتغلين به خاصة من العطايا والمبرات، وما شملهم به من واسع الرحمات، وأن مبدأ العلم منه سبحانه ومنتهاه إليه.
.
الثانية: تحلية النبي الكريم عليه الصلاة والسلام بما يناسب مقصود الكتاب، وهو ما جاء في القرآن الكريم من إعلاء شأن خلقه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وفي ذلك تنبيه للمؤمنين على أنه عليه الصلاة والسلام أسوة الناس القائمة في باب الأخلاق والآداب، فإن من مسالك التنبيه على الأسوة والقدوة؛ تفخيمَها وتعظيمَها والتنويهَ بها. فالناس في حاجة لسلوك باب الهداية إلى منهج وقدوة، فالمنهج في الدين، والقدوة في القائم بالدين، وقد اجتمعا في قوله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) أي على دين عظيم، فقامت الحجة بالخلق الذي هو الدين، وقام البيان بالقدوة الذي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بيّنهما الله تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم فقال سبحانه: (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله)، فآيات الله حجة عليكم، ورسوله قدوة لكم.
.
قال المصنف: "أما بعد، فإن من أهم ما يبادر به اللبيب شرخ شبابه(2)، ويُدئب(3) نفسه في تحصيله واكتسابه؛ حسن الأدب الذي شهد الشرع والعقل بفضله، واتفقت الآراء والألسنة على شكر أهله، وإن أحق الناس بهذه الخصلة الجميلة وأولاهم بحيازة هذه المرتبة الجليلة أهل العلم الذين حلّوا به ذروة(4) المجد والسناء وأحرزوا به قصبات السبق(5) إلى وراثة الأنبياء، لِعِلْمهم بمكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه(6)، وحسن سيرة الأئمة الأطهار من أهل بيته وأصحابه، وبما كان عليه أئمة علماء السلف واقتدى بهديهم فيه مشايخ الخلف".
.
قلت: فيه مسائل:

الأولى: أن الأدب مما يبادر أول الشباب، بل تبادر به ميعة الصبى، جاء في غرر الخصائص الواضحة للوطواط(ص114): " قال عبد الملك بن مروان: لاعب ولدك سبعاً، ‌وأدبه ‌سبعاً، واستصحبه سبعاً، فإن أفلح فألق حبله على غاربه". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع". وإنما يجب للأدب المبادرة والمعاجلة والمعالجة، لأن تقويم كلّ شيء ينفع في حال لينه وطراوته، فإن اشتد على العوج صعب تقويمه حينئذ، ويجب له إدئاب النفس ومعالجتها لأن الأدب شأنه شأن الملكات لا شأن المعارف، والملكات كلما كانت إلى النفس أسبق كانت فيه أرسخ، وكلما عالج المرء نفسه عليها لانت لها وطاعت حتى تصير فيها بمنزلة الطبيعة، فالعادة طبيعة ثانية كما يقال.

الثانية: أن فضيلة الأدب قائمة بشهادة الشرع والعقل، فمحاسن الأخلاق مما أطبقت على تحسينه والدعوة إليه الشرائع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وهي من ضرورات العقول السليمة، لما فيها من التعاون على الخير والتحاجز عن الشر، وموافقة الفطر السوية. فلما توطأت المعرفتان الشرعية والعقلية على تحسين محاسن الأخلاق والترغيب فيها كانت كل واحدة منهما شاهدة للأخرى فيه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجواب الصحيح(5/441) في وصف شريعة النبي صلى الله عليه وسلم: " وَجَاءَتْ شَرِيعَتُهُ أَكْمَلَ شَرِيعَةً، لَمْ يَبْقَ مَعْرُوفٌ تَعْرِفُ الْعُقُولُ أَنَّهُ مَعْرُوفٌ إِلَّا أَمَرَ بِهِ، وَلَا مُنْكَرٌ تَعْرِفُ الْعُقُولُ أَنَّهُ مُنْكَرٌ إِلَّا نَهَى عَنْهُ، لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ فَقِيلَ لَيْتَهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ، وَلَا نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَقِيلَ ‌لَيْتَهُ ‌لَمْ ‌يَنْهَ عَنْهُ".
.
الثالثة: من فضيلة العلم على غيره من الفضائل الكسبية، أنه يُعلَم فضلُه به، فأهل العلم لما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأسوة في الأحكام، والقدوة في الأفعال، وأنه كان النهاية الممكنة في محاسن الأخلاق، وأنه كان يتحرّاها ويأمر بها ويحث عليها وينبّه إليها وينفي عن أصحابه أضدادها، دلّهم هذا الحرص منه صلى
الله عليه وسلم على تقويم الأخلاق أنها مطلوبة أشد الطلب وأبلغه، فكانوا بما علموه من تحقيق مروياتها، وتفصيل مجملاتها، وتقييد مطلقاتها، أولى الناس بالتحقق بها قولا وعملا وتحلّيا وتجملا. ولما علموا أن أتباعه الذين هم أولى الناس به من آل بيته الأطهار وصحابته الأخيار قد اقتدوا به في أخلاقه وآدابه، دلهم ذلك على أن حسن الأسوة به مطلوب شرعا، وعلى أنهم أولى الناس من بعدهم بتحمل ذلك الميراث، إذ كان أعلم الناس بسنته وسيرته وهديه وشمائله أولاهم بذلك كله عملا كما كان أجمعهم له علما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)-تحمل على حذف المضاف، أي: أهل جواره، أو على إطلاق المصدر بمعنى اسم الفاعل: أي مجاوريه، والله تعالى أعلم.

(2)-أي أوله وقوّته ونضارته.

(3)-الدأب العادة والملازمة. والدأب الجد.

(4)-الذروة أعلى سنام البعير، ويراد بها أعلى كل شيء.

(5)-كانوا ينصبون قصبة في غاية مضمار السباق، ثم يستبقونها، فأيهم أدركها أولا فأخذها كان فائزا، ثم استعملوه لكل سابق في أمر من الأمور.

(6)-ألف الإمام أبو الشيخ ابن حيان الأصبهاني رحمه الله كتاب : "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه"، ومثله ما ألف في الشمائل المحمدية ككتاب الترمذي وغيره".
صلوا على رسول الله..
.
.
أخرج الشيخان عَنْ ‌عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتِ: «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ، عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: ‌اللَّهُمَّ ‌هَالَةَ قَالَتْ: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ خَيْرًا مِنْهَا»

صلى الله عليه وسلم وبارك وأنعم وشرف وكرّم وعلى آله وصحبه والتبعين بإحسان إلى يوم الدين..

فيه أن المحبة الصادقة قريبة العهد من الخاطر وإن بعد بأسبابها الزمان، فأدنى شيء يحرّكها وينبّهها، وفيه أن شاهد المحبة عفو الحركة، وسبق البادرة، كما ارتاع النبي صلى الله عليه وسلم حين عرف استئذان خديجة، وفيه أن المحِبَّ يعرف من المحَبِّ، النغمة كما يعرف الصورة، والحركة كما يعرف الهيئة. وفيه أن المحبّ يبدي المحبة ولا يخفيها، ويحفظ العهد ولا يضيّعه، وفيه أن المحِبَّ يمد من أسباب المحبة في أطراف المحَبِّ وحواشيه بالمودة والبرّ والإحسان ومجمل أسباب الصلة، فكلّ شيء من المحبوب محبوب كما قال الأول. فاللهم صلِّ على من علّمنا فقه المحبة وكشف لنا أسرارها، وارزقنا محبّته ومحبة سنته، واحشرنا في زمرة أحبابه يوم الدين.
عقبات في طريق إصلاح المفاهيم..
.
.
كلمة جليلة تلك التي نقلها شيخنا الفاضل مربي الأجيال الأستاذ محمد بوحرامة على حسابه(انظر الصورة)، والتي تعبّر عن صراع مرير يمكن تسميته "حرب القنوات"، والمقصود بالقنوات وسائل تمرير الرسالة وفضاءاتها، وخصوصا فيما يتعلّق بالأمور الشرعية، فالاستسهال الذي في غير موضعه الذي تقدم به المادة الشرعية والأجوبة عن الأسئلة الوجودية والتكليفية اليوم يجعل دعوة الناس إلى الحق أمرا صعبا، لأنه صراع مع الشبهة المغلفة في غلاف الشهوة المقدمة على طبق السهولة..!
.
وأرى أن من الضروري إعادة صناعة فكرة مهمة جدا دلّ عليها القرآن والسنة، وهي فكرة "ثقل الوحي وجدّية الشرع"، قال تعالى: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا)، وقال تعالى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة)، وقال تعالى: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما). وتمرّ هذه الصناعة بمحاربة فكرة السهولة ومبدأ السذاجة وتسطيح الأفكار التي ينشرها العالم المعاصر في مسيرته نحو الحدّ من الذكاء العام. ذلك الذكاء الذي يراد له أن يكون ذكاء آليا، لا ذكاء نقديا، بمعنى أنه ذكاء يخدم تقوية فعالية الآلة، ولا يفكر فيها تفكيرا نقديا. كالذكاء الاصطناعي الذي يدفع العجلة السيبرنيتية نحو الأمام من غير تفكير في أثرها في حاضر الإنسان ومستقبله.
.
إن السوق الإعلامية الاستهلاكية تراهن على الاستهلاك السريع: والاستهلاك السريع يقتضي إنتاجا سريعا وعرضا سريعا، وهو ما ينافي مبادئ المعرفة الصحيحة التي هي التأني والاحتياط واستقصاء الجهد في الوصول إلى الحقيقة، في حين أن متابعي الخطاب الإعلامي يبحثون عن إسكات جوع السؤال لا عن تغذية العقل.
.
مهمة عظيمة تنتظرنا في هذه المعركة، وهي تنبيه الناشئة الصاعدة والشباب المتطلع إلى أن ما صُنع بسهولة ينكسر بسهولة، وأن ما بني على غير أساس ينهدم من غير اهتزاز. إحياء قيم: العمل والجهد والتعب والصبر والتأني كفيل بإذن الله تعالى بزرع اليقظة المعرفية والحس النقدي الحقيقي في نفوسهم وفي نفوسنا نحن كذلك.

والله ناصرٌ دينَه ومعلٍ كلمته وحافظٌ أولياءه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
رواة العلم أثباتٌ ثقاتٌ...قوام قَبولهم حفظٌ ودركُ
.
وكان الواقديُّ وعاءَ علم...وحقُّ الواقديِّ قِلىً وتَركُ
.
فكيف تصدّقون لفرط جهلٍ ...حديثَ خرافةٍ يرويه (مَرْكُ)..؟!!
.
.
الإفك المأفوك فيما رواه الفيسبوك..!
كلمة على كُره..
.
.
لئن كان بعض من يتصدّى للصلاة بالناس في رمضان قد رضي لنفسه بالدون، وساوم بالقرآن سوم التجار بالدرهم والدينار، فمَن غيرُ أهل الدين وأهل القرآن وأهل الشريعة يربّون أبناءهم وشبابهم على الإخلاص والبذل وإرادة وجه الله بالعلم والتعليم، يعلّمون جاهلهم، ويذكِّرون ناسيَهم وينبّهون غافلهم، ويزجرون متماديَهم، في زمن اقتصاد المعرفة، وتسعيرة المعلومة، وسوق التعليم..؟!
.
إن أهل القرآن والصلاة ليسوا أهل عصمة، ولكنهم أهل توبة وأوبة ورجعة، يتناصحون ويتراجعون ويتعاتبون فيما بينهم، عملا بقول ربهم سبحانه: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
.
إذاً، فمن كان بيته من زجاج -بل من ورق رديء- فأبعِدْ به عن رمي قلاع القراء وحصون الفقهاء، ففهره مهشوم به وجهه..!

اللهم اجز الناصحين، واهد المنصوحين، وأبعِد الشامتين الشانئين القادحين..
التلويح ببعض مغانم التراويح..
.
.
سرح فضيلة الشيخ المقرئ محمد أمين آيت افروخ بقلوبنا في مغاني معاني القرآن كما تسرح الطير في الفضاء، في ليلة رمضانية مباركة ملآى بالسكينة والهدوء، وقرأ بنا من آخر سورة البقرة نحوا من حزب، وقد نبّه بحسن ابتدائه وختمه إلى أن قريبا من خمس هذه السورة العظيمة التي هي فسطاط القرآن ودستور المدينة قد جاء في معنى جامع هو تدبير المال في الإسلام، بين معاني الإنفاق في سبيل الله، والصدقة، وتثمير المال بالعطاء، والتحذير من الربا وتهديد آكليه، والأمر بحفظ حقوق الناس المالية في آية المداينة. كل ذلك جاء منسوجا متخلَّلا بالمواعظ الرقيقة والزواجر الشديدة والأمثال الحكيمة الدالة على أن طاعة الله في المال تفضي إلى الخير والبركة والمغفرة، وأن معصيته في المال تفضي إلى المحق والفقر والحرب من الله عز وجل، ومحاربُ الله محروب..! وفي أثناء ذلك التذكير بالرجوع إلى الله، ولقيّ كل امرئ ما قدّم من خير وشر..
.
وفي هذه العناية العظيمة بمسألة المال إشارة إلى أمرين: أولهما أن تدبير المال حماية للدولة وقوة لها، وأن الإنفاق والبذل في سبيل الله يقوّي الإيمان ويحصّل الفضائل الدنيوية والأخروية، والأمر الآخر: هو ضرورة الانعتاق من سلطان المال الحامل على الجمع والمنع، واستحلال الحرام واقتطاع الحقوق وأكل الربا. فللمال على ابن آدم سلطان إن هو أسلم إليه بيديه أفسد معاشه وأوبق معاده.
.
اللهم إنا نسألك رزقا فيه أرزاق عبادك، ومالا فيه السبيل إلى مرضاتك، وسعة فيها التفرغ لعبادتك، وقوة فيها العون على طاعتك، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وارزقنا مع المال حب الإنفاق، ومع الإنفاق طلب الإخلاص، ومع الإخلاص قبولك ورضاك يا كريم.

#أنفق_ينفق_عليك

#لا_تنسوا_أهل_الثغر_والرباط
التلويح ببعض مغانم التراويح..(2)
.
.
ليلة أخرى من ليالي النعيم الأرضي بالاتصال بالأمر السماوي، سمعنا فيها كلام ربنا، وتحرّينا فتح قلوبنا لمواعظه لعله يدخلها نفحة من نفحاته وينالها بركة من بركاته. ليلة أخرى وراء إمامنا وقارئنا فضيلة الشيخ محمد أمين آيت افروخ-أمتعنا الله بصحته وعافيته- في رحاب سورة آل عمران. وكانت الوقفة هذه المرة مع آيات عظيمة في ذكر طائفة من أهل الكتاب اتخذت الإفك دينا، والدين أحبولة ومصيدة لأهل الغفلة، طائفة تأكت لبطونها بما أُنزل حياة لأرواحها، وباعت لكنوزها ما كان غنًى لقلوبها، فلا هي طابت لها الدنيا، ولا هي صفت لها الآخرة..
.
قال الله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٧٧ وَإِنَّ مِنۡهُمۡ لَفَرِيقٗا يَلۡوُۥنَ أَلۡسِنَتَهُم بِٱلۡكِتَٰبِ لِتَحۡسَبُوهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ٧٨). فهذه صفة هذه الطائفة من أهل الكتاب، ولما كانت الأمة الكتابية مثلا لمضروبا لأهل الإسلام ليجانبوا سبل ضلالهم وطرائق زيغهم، كان في هذا الوصف ما ينبه أهل الإسلام إلى أشباه هؤلاء في الأمة المحمدية، وهم علماء السوء، الذين اتخذوا دين الله وكتابه وما أُورِثوا من العلم مطية لأهوائهم، وجسرا إلى شهواتهم، فنبه الله تعالى إلى مجانبة هذه الحال الردية بما وصف من حال أمثالهم وأسلافهم..
.
فذكر الله تعالى عنهم أنه كانوا يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا، فينكثون عهد الله إليهم بحفظ الحق وتبليغه، ويحلفون على الكذب الأيمان المغلظة كذبا، إمعانا في إضلال الخلق عن سبيل الحق، يطلبون بذلك ثمنا قليلا من حطام الدنيا، كسبه إلى فقر، وملكه إلى ضياع، لا يغني في الدنيا، ولا ينجي في الآخرة. ثم ذكر عنهم وصفا آخر، أنهم يوهمون بالألفاظ المموَّهة والعبارات الملفقة أن ما يتكلمون به من كتاب الله ووحيه إلى أنبيائه، وهو أبعد شيء عن الوحي ومعانيه، وربما زادت بهم الجرأة على الله فنسبوه إليه صريحا، وما هو منه قدر أنملة ولا أقل من ذلك وهم مع ذلك بتمويههم عالمون، ولإضلال الخلق به متعمدون. فجمعوا إلى الكذب على الله الجرأة على الله، وإفساد أديان الناس فباؤوا بغضب على غضب نسأل الله السلامة والعافية..
.
ثم قال تعالى: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّـۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ ٧٩ وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ أَرۡبَابًاۚ أَيَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ)، فبين جلّ وعلا أن من حمّله الله أمانة الوحي وتبليغه من الأنبياء المرسلين، وأتباعهم من العلماء الصادقين الصادعين، لا يتكلمون بما يخالف أصل ما بعث به النبيون وصدّقهم عليه الصديقون والشهداء والصالحون، من توحيد البارئ سبحانه، والتوجه إليه بالعبودية والاعتراف له بالأحدية والصمدية، في خلقه وأمره، فكيف يقول أحدهم للناس: أطيعوني كما تطيعون الله، أو اطعيوني فيما خالفتُ فيه أمر الله، تصريحا أو تلميحا، وإنما يفعل ذلك من لا خلاق له من علماء السوء الذين تسوروا بدين الله منزلة الحكم والتشريع التي لا تجب إلا للواحد الأحد سبحانه. وما ذلك إلا محض الكفر والردة عن دين الله في كل زمان..
.
ثم برأ الله أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام من هذا الصنيع، ووصفهم بتمام الانقياد لأوامره وتقديراته متبوعين من أقوامهم، وتابعين لإمامهم إمام الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ ٨١)، فلما حقق هذه البراءة في حقهم خلصت الوصمة الشنيعة في حق علماء السوء الذين خالفوا الكتاب وعصوا الرسل وباؤوا بالخسران المبين، فقال: (فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٨٢). نسأل الله تعالى أن يجنّبنا أحوالهم، وأن يهدينا صراط الأنبياء والمرسلين ويرزقنا اتباعهم والقول بتعليمهم والعمل بسنتهم والسير على طريقتهم والقبض على ملتهم. والحمد لله رب العالمين..
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا-معالم جلالة القرآن(الحلقة الأولى)
.
.
بقلم: أمين قادري

(ألقيت بمسجد أبي حامد الغزالي-بوفريزي)

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الامين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فقد قال الله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، فكان شهر رمضان أولى الشهور بأن نستذكر فيه صفة القرآن وصفة تنزيله والغرض منه، فرمضان هو زمن تجديد العهد بأصول معاني الوحي، وقد وصف الله تعالى كتابه في مواضع كثيرة منه، كقوله: (وإنه لكتاب عزيز . لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)، وقال تعالى: (إنه لقرآن كريم . في كتاب مكنون . لا يمسه إلا المطهرون . تنزيل من رب العالمين)، وقال تعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين . نزل به الروح الأمين . على قلبك لتكون من المنذرين . بلسان عربي مبين)، وبين الله تعالى المراد من تنزيله فقال: (طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى . تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى). وجمع الله بين الوصف والمراد في آيات، كقوله سبحانه: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكّر أولو الألباب).
.
ومن الآيات العظيمة التي وصف الله تعالى فيها كتابه آية موجزة اللفظ عظيمة المعنى، هائلة الوقع على من تأملها وتدبّرها، قال الله تعالى في صدر سورة المزّمل: (يا أيها المزّمل . قم الليل إلا قليلا . نصفه أو انقص منه قليلا . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا . إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا).
.
فوصف الله تعالى القرآن في هذه الآية بأنه قول ثقيل، وقال تعالى كذلك: (ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر)، والقاعدة أن المعنى الواحد من معاني القرآن إذا جرى عليه ضدان، فإن ما يجري عليه الضدّ منه غير ما يجري عليه الضدّ الآخر، فتبين بذلك أن الثقل في القرآن جار على غير ما جرى عليه التيسير، والتيسير جار على تلاوته وحفظه، فجعل الله ألفاظه عذبة متناسقة يسهل التلفظ بها، وجعل نظامه متسقا منسجما يسهل معه حفظه. فأبان ذلك أن معنى الثقل فيه باب آخر دال على عظمته وعزته وامتناع جنابه، ونحن نذكر من ذلك وجوها على ما يتيسّر إن شاء الله، حتى يقع بها التذكير ويحصل بها التعظيم للكتاب الكريم. ولانفكاك هذه الجهة دليل صريح، نؤخر ذكره إن شاء الله تعالى إلى ختام القول.
.
00-بين يدي القول:

ذكر الله تعالى هذه الآية بعد افتتاح السورة بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقيام الليل، ثم بأمره بترتيل القرآن، ثم علل ذلك بأن القول الذي سيلقاه قول ثقيل لا يصلح أن يهذّ هذا، بل لا بد من التمهل في قراءته لتلقّي معانيه. وقال تعالى في صدر هذه الآية: (إنا سنلقي)، وأصل الإلقاء الرمي والطرح، والشيء الذي يلقى ينبغي أن يُبتدر ويُنتظر ويتحفّز له في كل حين ليتلقى. فنبّه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ لانتظار نزوله وتوقع التكليف به، وفي إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه سيلقى عليه قول ثقيل، تهيئة له وتمهيد على طريقة القرآن في الإخبار بالتكاليف الكونية والشرعية المستقبلة ليتهيأ لها المكلفون فيأخذوا أهبتهم، كما قال تعالى: (لتبلونَّ في أموالكم وأنفسكم).. الآية، وقوله: (ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات).. الآية.
.
01-الثقل الحسي:

أخرج الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: "إِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَتَضْرِبُ بِجِرَانِهَا". وأخرج الشيخان عَنْ ‌عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ ‌صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا، فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ. قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا».
.
وهذا الثقل الحسي ليس مرادا لذاته، وإنما المراد منه أن يقع في قلب النبي صلى الله عليه وسلم عظم ما أنزل الله عليه من الوحي وجلالته، فلا يزال صلى الله عليه وسلم حريصا عليه متهيبا له مستغنيا به. يصدّق هذا المعنى حديث الوحي، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها الطويل: "حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ.
قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ".

(يتبع))..
إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا-معالم جلالة القرآن(الحلقة الثانية)
.
.
بقلم: أمين قادري

(ألقيت بمسجد أبي حامد الغزالي-بوفريزي)
.
02-ثقل المعاني:

وقال بعض أهل العلم إن معنى كون القرآن ثقيلا أنه شريف المعاني جزل المباني، ليس من سفساف القول، ومهلهل الشعر، بل هو الغاية من الإحكام، قال الفراء في معانيه(3/197): "وقوله عزَّ وجل: (سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا). أي: ليس بالخفيف ولا السَّفْساف لأنَّه كلام ربنا تبارك وتعالى". وقد وصفه الله تعالى بقوله: (تلك آيات الكتاب الحكيم)، أي المحكم، فالترتيل الذي أمر به في الآية التي قبله معلل في هذا المعنى بهذا الوصف، فإن الكلام كلما كان جليلا محكما كان ذلك أدعى إلى التلبث والتمهل في قراءته وتلاوته، ليمكن العقلَ الوقوفُ على معانيه: جليلها ودقيقها، جليّها وخفيّها. وقد روي هذا المعنى عن عبد الله بن مسعود؛ قال: "لا تهذوا القرآن كهذّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا ‌عند ‌عجائبه وحركوا به القلوب" .
.
03-ثقل البقاء:

وحمل بعض أهل العلم ثقل القرآن على معنى بقائه وركوزه، كالشيء الثقيل الذي لا يحال من موضعه ولا يزحزح، فأخبر الله تعالى عن كتابه بأنه كتاب ثقيل أن باق في الناس حجة ومحجة، لا يصرفه عن وجهه كيد الكائدين، ولا تحريف الغالين ولا انتحال المبطلين ولا تأويل الجاهلين، وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه في صحيح مسلم، وهو حديث إلهي عظيم: "إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا ‌لَا ‌يَغْسِلُهُ ‌الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ".
.
04-ثقل التكليف:

أخرج عبد الرزاق وغيره عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلاً} قَالَ: "يثقل من الله فَرَائِضه وحدوده". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن نصر عَن الْحسن فِي قَوْله: {قولا ثقيلاً} قَالَ: "الْعَمَل بِهِ". قال ابن جرير(23/365): "عن الحسن، في قوله: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} قال: العمل به، قال: إن الرجل ليهذ السورة، ولكن العمل به ثقيل". وهو قول حذاق العلماء كما قال ابن عطية(8/442)، فالقرآن الكريم ثقيل بالتكليف الذي هو الأمر والنهي والحلال والحرام والشرائع والأحكام، يحتاج إلى أخذه بقوة، وحمله بعزيمة، وهو على محمد صلى الله عليه وسلم أثقل منه على سائر الناس من أمته، قال الزمخشري(6/242): "ويعنى بالقول الثقيل: القرآن وما فيه من الأوامر والنواهي التي هي تكاليف شاقة ثقيلة على المكلفين، خاصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه متحملها بنفسه ومحملها أمته، فهي أثقل عليه وأبهظ له". فليس في حقه صلى الله عليه وسلم من القرآن شيء متروك، قال العلامة الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله في قول الله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) :" لئن كان إبراهيم عليه السلام ابتلي بكلمات؛ فإن محمدا صلى الله عليه وسلم ابتلي بالقرآن كله !".
.
ويدخل في ثقل التكليف ثقل قيام الليل به، وهو مدلول مساق الآية، قال الزمخشري(6/242): "وأراد بهذا الاعتراض: أن ما كلفه من قيام الليل من جملة التكاليف الثقيلة الصعبة التي ورد بها القرآن، لأنّ الليل وقت السبات والراحة والهدوء فلا بد لمن أحياه من مضادة لطبعه ومجاهدة لنفسه". ولذلك أرشد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى الوقت الانسب لذلك فقال تعالى: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا). وإنما نببه لذلك ليتحمل له ثقل مخالفة طبع النفس الداعي إلى النوم في الليل، قال القرطبي(21/324): "قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) هُوَ مُتَّصِلٌ بِمَا فُرِضَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، أَيْ سَنُلْقِي عَلَيْكَ بِافْتِرَاضِ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَوْلًا ثَقِيلًا يَثْقُلُ حَمْلُهُ، لِأَنَّ اللَّيْلَ لِلْمَنَامِ، فَمَنْ أُمِرَ بِقِيَامِ أَكْثَرِهِ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا بِحَمْلٍ شَدِيدٍ عَلَى النَّفْسِ وَمُجَاهَدَةٍ لِلشَّيْطَانِ، فَهُوَ أَمْرٌ يَثْقُلُ عَلَى الْعَبْدِ".
.
05-الثقل على الكفار والمنافقين:

والقرآن كذلك ثقيل على الكفار والمنافقين، بأوامره ونواهيه وحدوده، فهو يقيّد أهواءهم، ويمسك غلواءهم، ويكبح جماحهم، وهو كذلك ثقيل عليه بمواعظه وزواجره، وقد ضرب الله تعالى لذلك المثل الناري في سورة البقرة: (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين). وقال تعالى: (وإنه لتذكرة للمتقين . وإنا لنعلم أن منكم مكذبين . وإنه لحسرة على الكافرين . وإنه لحق اليقين . فسبح باسم ربك العظيم). وهذا الثقل مرفوع عن المؤمنين بما رزقهم الله تعالى من الإيمان وحببه إليهم وزينه في قلوبهم ورزقهم الله لذة مناجاته والقوة على القيام بأمره، وقد ميز الله أهل الطاعة عن أهل المعصية في هذا المعنى فقال سبحانه: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) أي ثقيلة.
.
06-بشارة: قول ثقيل وأجر ثقيل
وذهب بعض أهل العلم إلى أن ثقل القرآن هو ثقل أجره وثواب القيام به تلاوة وتدبر وعملا ودعوة، أخرج ابْن نصر وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {قولا ثقيلاً} قَالَ: "ثقيل فِي الْمِيزَان يَوْم الْقِيَامَة". والثقل بهذا المعنى معروف في الكتاب والسنة، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". فثقل القرآن بهذا المعنى ثقل فيما رتب الله تعالى على حفظه وتحفظه والمحافظة عليه من الأجر العميم والفضل العظيم.

-تمت بفضل الله-.
التلويح ببعض مغانم التراويح..(3)
.
.
لو لم يكن لفاتحة الكتاب معنًى يحتاج أن يُمرَّرَ على القلب بدءا وعودا، طيا ونشرا، لما سماها الله مثاني، لِتثنَّى في الصلاة، ولما شرعها في كل صلاة، ولو تتابعت. وهذه صلاة التراويح وحدها نسمع فيها أم الكتاب إحدى عشرة مرة. فإن قرأها إمامٌ قراءة تمرير، ولم يقف عند عجائبها بالتحبير؛ لم يحصل منها معنى (المثاني)، وإنما يحصل منها هذا المعنى على قدر ما يتشبّع منها الإمام إيمانا ويقينا وتدبّرا واستغناء.
.
ولقد مرت علينا ليلةٌ مع قارئنا وإمامنا فضيلة الشيخ محمد أمين آيت أفروخ -أسعده الله، ورحم من رباه- قرأ علينا فيها فاتحة الكتاب في ركعة الوتر، كأنما طرق بها أسماعنا أول مرة في حياتنا. وإذا هي منطوية على معنى ومشتملة على غاية لم تستولِ على قلبي من قبل، ولم يكن الوتر في خاطري إلا ختامَ الصلاة ونهايتها، ثم لما تدبّرت معاني الفاتحة؛ إذا ما يراد بها في آخر الصلاة زائد على ما يراد بها في أولها..!
.
تأمل آيات الحمد والثناء: (الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . ملك يوم الدين) إذا استقبلتَ صلاة الليل كان حمدك متوجها إلى الله تعالى على ما هداك إليه من قصد بيته، وإقامة فرضه، والتقرب إليه بعبادته، والتلذذ بسماع كلامه. ثم إذا تماديت في الصلاة حصل لك من دقائق المعاني، ولذات المناجاة، وفتوح الدعاء ما تُجدِّد له الحمد في كل ركعة، فلا تكاد تبلغ آخر الصلاة حتى تستشعر أنك جددت لنفسك قلبا، وأحدثت توبة، وازددت إيمانا، واستشعرت نعمة الله عليك بتوفيقه لك إلى عبادته، وقبوله لك على عتبات بابه، فلم تجد أجمع لحمده من أن تقول: (الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . ملك يوم الدين)..
.
ثم تأمل آية العبودية، وهي واسطة عقد فاتحة الكتاب ومعقد معاني القرآن كله: (إياك نعبد وإياك نستعين)، تُقبِلُ بها على العبادة مُقدِّما إخلاص القصد، وتصحيح النية بين يدي الشروع في العبادة فتقول: (إياك نعبد)، وتعلم أنك مُقبلٌ على قيام وقنوت وركوع وسجود وإحضار قلب وإنصات سمع، فتعلم ألا سبيل إلى تحقيق ذلك كله على الوجه المرضي إلا بمعونة القدير سبحانه، فتقول: (وإياك نستعين)، ثم تمضي في صلاتك، فلا تأمن على نفسك أن يدخلك الرياء فتجدد النية في كل حين بقولك: (إياك نعبد)، وتضعفُ أن تدفع التعب أو الملال أو دواعي الاسترواح، فتدافع ذلك كله بقولك: (وإياك نستعين). فإذا بلغت وِترك، جددت لله العهد بأن لا تنقطع عن عبادته، ولا تخرج من مقام عبوديته إلى العبودية لغيره، ولا من مقام الافتقار إليه إلى التطارح على باب غيره، فتقول: (إياك نعبد وإياك نستعين)..
.
وأما آية الهداية، فتستقبل بها صلاتك ترجو أن تكون على ما يرضي مولاك، وتستقبل بها سماع كلام ربك تأمل أن تتأوله على مراده، وتعمل به على أمره، لا سبيل لك إلى ذلك إلا أن ينير لك الطريق بأنوار هداه، فتقرأ: (اهدنا الصراط المستقيم)، ثم تمر في قراءتك أو في إنصاتك، فلا تمر بآية لا تعقل معناها ولا تبلغ مغزاها إلا لجأت إلى ربك العليم الحكيم ضارعا إليه أن يُعلِّمك ويُفهِّمك، فتقول: (اهدنا الصراط المستقيم). فإذا فرغت من صلاتك أو قاربت، علمت أن القرآن حجة لك إن عملت به، أو حجة عليك إن تركته، ولست بعامل به عملا يزلفك إلى مرضاة ربك إلا أن يكون على السُّنَّة السَّنِيَّة والشريعة المرضية فتقول: (اهدنا الصراط المستقيم)، وتعلم أنك لست بآمن على نفسك الزيغ بعد الهدى، ولا بمستغن بما بلغت من فهم المعنى، حتى يعصمك الله عصمة دائمة، ويهديك هداية لازمة، فتخرج من صلاتك على هيئة حاجتك وافتقارك إلى الهداية حين دخلت فيها، فتجدد الطلب مع تجدد الحاجة: (اهدنا الصراط المستقيم)..
.
اللهم لا تحرمنا حلاوة مناجاتك، ولا تبعدنا عن رياض معاني كتابك، واجعلنا بالقرآن عالمين عاملين، والحمد لله رب العالمين.
التلويح ببعض مغانم التراويح..(4)
.
.
ما أعظم سورة الأنفال، وما أهداها إلى سبل الخير في ظلمات أيامنا هذه، وما أدلها على أسرار القوة في مواقف الحروب ومصاف الجِلاد. فهي تصف مراتب القوة: الغيبية والقلبية والذهنية والنفسية والمادية، وتمد كل نوع بمواده التي تنشّطه وتفعّله. وتردّ ذلك كله إلى الإرادة الإلهية والقوة الربانية، في قوله تعالى: (وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم). وتعالج السورة مشكلات الخوف والتردد في نفوس جند الرحمن، فتوزع البشائر بأسباب القوة لتكون عونا لهم على تجاوز كل تلك العوارض التي عساها أن تقعد بهم عن أداء حق الله في الدفع والطلب.
.
فذكرت السورة العظيمة الإمدادات الغيبية بذكر مدد الملائكة، وإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، ورمي الله عن أوليائه. ثم أرشدت المؤمنين إلى ضرورة ترويض النفس على الاستجابة لله وللرسول إذا دعيت لما يحييها، وامتنّ الله عليهم بأن ذكّرهم نعمه عليهم حين كانوا قليلا بأن آواهم وأيدهم بنصره ورزقهم من الطيبات. وكيف أنه سبحانه رزقهم بصيرة الفرقان، وطيب أنفسهم وخواطرهم بتكفير السيئات ومغفرة الذنوب.
.
وبيَّن الله تعالى لهم كذلك كيف جعل الغنائم عونا لهم على أداء فريضة حماية حوزة الإسلام، فأحلها لهم بعد أن حرّمها على من قبلهم، وذكّرهم نعمته عليه يوم بدر بأن دبّر لهم وأعانهم بأسباب سماوية هونت أمر عدوهم في أعينهم وصدورهم لتجرّئهم عليهم. وكيف أنه خفف عنهم شرط المنازلة بأن نزل لهم من مواجهة الواحد للعشرة إلى مواجهته للاثنين وتكفل لهم بما يجبر نقصهم إن هم ثبتوا على أمره واستبسلوا في نصرة دينه.
.
ومن الآيات الجامعة التي اشتملت على هذه المعاني قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون). ففرض الله تعالى عليهم الإعداد لهذه الوظيفة الشرعية الكبرى بما استطاعوه من العُدَد النافعة والمُنكية في العدو، وأعطاهم على ذلك أن يجعل (ما استطاعوا) -وإن قلّ- رهبة في صدور أعدائهم، بل حمل بعض أهل العلم بالتفسير قوله تعالى (ترهبون به) على أنه الإعداد نفسه، وهذا من أبلغ ما يقع به الوهن في قلوب الأعداء، وهو أن رؤيتهم الأمة تعد العدة يرهبهم ويرعبهم، لأنه دليل على ما في الأمة من روح الفداء والإقبال على البذل، كموضع الجرح أو المرض في جسم ابن آدم، لا يزال مرجوا برؤه ما دام القلب يمدّه بالدم..
.
فدلت هذه الآية على أن الإعداد ليس مهاد المعركة، بل هو من عين المعركة، وهو صدام قبل الصدام، وحرب قبل الحرب. وإذا تحركت الأمة بالإعداد تمادت بها الحركة وتداعت شجعانها وتذامرت أبطالها، وتباشر أهل الصف الأول بمن خلفهم فقويت بذلك عزائمهم، وانفلّت عزائم عدوهم..
.
اللهم اكتبنا في ديوان المعدّين في كل وقت وحين، وارزقنا شرف (الـ)(جهـ)(اد) وأجر الرباط، وانصرنا على القوم الكافرين..
التلويح ببعض مغانم التراويح..(5)
.
.
(سبّح اسم ربك الأعلى)، كيف لا نسبح العليّ الأعلى سبحانه وقد أمرنا بتسبيحه، وذكر لنا آيات علوّه واقتداره ولطفه ورحمته وعلمه وحكمته، وتجدد فضله ونعمته؟ ومما دل عليه القرآن أن الله تعالى يأمر بتسبيحه عند تنزل النعم وتجددها، كما قال تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا . فسبح بحمد ربك واستغفره . إنه كان توابا). وقال تعالى في شأن زكريا عليه السلام: (قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار). وقال تعالى في شأن موسى عليه السلام: (قال رب اشرح لي صدري . ويسر لي أمري . واحلل عقدة من لساني . يفقهوا قولي . واجعل لي وزيرا من أهلي . هارون أخي . اشدد به أزري . وأشركه في أمري . كي نسبحك كثيرا . ونذكرك كثيرا . إنك كنت بنا بصيرا). في غير ذلك من الآيات.
.
وكيف لا نسبح العلي الأعلى وقد بشرنا في هذه السورة الوجيزة البليغة(سورة الأعلى) ببشارتين عظيمتين هما أصل الدين وعماده، قال تعالى: (سنقرئك فلا تنسى)، وقال تعالى: (ونيسّرك لليسرى) فأخبرنا سبحانه في هاتين الآيتين أن الملة التي هدينا إليها ملة علم ويسر، وهما أمران متلازمان، إذ ليس يحمل على العسر إلا الجهل، وما شقي الناس بالشرائع الباطلة إلا لما عبدوا الله على جهالة، فزادهم الجهل شقاوة وعنتا، كما قال تعالى: (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها)..
.
فكل من ترك الذكر كان لا بد ناسيا، وعلى قدر ما ينسى من أمر الله ودينه ووحيه وشرعه، تحمله نفسه على ابتداع ما لم يأذن به الله، على وفق ما تصور له نفسه وشيطانه، وليس في ذلك إلا شقاؤه وتعبه في غير رضى الله تعالى، كما قال سبحانه: (هل أتاك حديث الغاشية . وجوه يومئذ خاشعة . عاملة ناصبة . تصلى نارا حامية)، فلم يكن عملها ولا نصبها ولا شقاؤها بحمل ما تكلفته جهلا وغرورا بمنجيها من عذاب الآخرة لما كان توجها لله بغير ما رضيه لنفسه..
.
فالحمد لله الذي أقرأ هذه الأمة بما أقرأ به نبيها لئلا تنسى، ويسّرها بفضله وكرمه للملة الوسطى والطريقة اليسرى، نسأل الله أن يرزقنا الهداية إليها والثبات عليها على ما يرضاه إلى يوم نلقاه، والحمد لله رب العالمين..
في القرآن عزاء للقلوب الحزينة، وبشارة للنفوس اليائسة، في القرآن سفينة مساكين تخرق، ونفس غلام تزهق، وجدار بغير طائل ظاهر يقام، وعين موسوية تبصر ذلك كله ولا تفهم، ووراء ذلك كله معان غيبية، وحقائق إلهية، ليس بين انكشافها وبين القلوب المتلهفة والنفوس المتشوفة إلا الصبر. فليت شعري: هل نعيش ونبقى حتى نرى المصائر وندرك المعاني، ويقال لنا: (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا)..؟

#آمنت_بالله_وحده

#عجبا_لأمر_المؤمن
#خاطرة

الولد الذي قال لأبيه وهو يخبره بذبحه: (يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) هو ابن المرأة التي قالت لزوجها وهو يهم بتركها بواد غير ذي زرع: "يا إبراهيم، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً فلن يضيعنا"..!

الصالحات يلدن الأولياء.. والأنبياء سادات الأولياء..!

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
2024/06/03 21:34:09
Back to Top
HTML Embed Code:


Fatal error: Uncaught Error: Call to undefined function pop() in /var/www/tgoop/chat.php:243 Stack trace: #0 /var/www/tgoop/route.php(43): include_once() #1 {main} thrown in /var/www/tgoop/chat.php on line 243