Telegram Web
إسمنت


كنا صِغارا أيها الشارع، لا نَذكر أحلامنا لكننا نَقتفيها ، في دهشتنا نتبع رفة جناح فراشة الأُنس ، نشعُرها كتنهيدة طَير يرتعش جذلا فوق غُصن يُبلله المَطر .
كُنا صِغارا مَرة .. يوما ما ..
نسحبُ من الراعي كِذبته الأخيرة ، و من سلة الساحرة تفاحها المسموم ، نُلقي بأحجارِ الصدق في زيف المرايا كي يَنعم صبيّ الحكايا بالرؤية الواضحة ، حتى نُبصر جيدا ..
كنا نبصُر كما يجب !
نسرَحُ بعدها مع صغار الحملان في القطيع ، في سهوب البصيرة ، أو نواكب ركضة غزلان الفلاة ، أو نُلقي بصنّارات صيَدنا في بحيرات ترقص فيها أسماك الأمنيات الذهبية ، نَنكشُ عُشب المفاجأة ، تستفزّنا صناديق هدايا الله ، نطير كغيوم مُتطلعة ، لها النظرة الطولى على عالم يلتمّ كل لحظة على ذاته .
أو ربما هربنا مِن ذئب رابض في المخيلة ، أو وحش يختبئ في درج الخزانة .
هربنا طويلا لننجو ، و حين التقطنا الأنفاسَ بعد ركضِ العُمر ، هزمتنا جُعدة أسفل العين ، أو شارع رمادي ينوّس ضوء أعمدة الإنارة .
من نحنُ أيها الشارع الصموت ؟ أنحن المُطلون عليك من الشبابيك خلف ستائرنا الشاحبة ؟ أم نحن الراكضون خلف فُتاتِنا المبعثر ؟ أم نحن النائمون في جَيب الوقت المُهرول ؟ أم نحنُ أشجارك المنتظمة على حوافّك ، صامدون كَوتد نصنع من جذوعنا فأس اليقظة ؟
تركت قلبي في غَيمتيْك


يا طائر القمري ، أيها الصديق المهاجر .
بيتُك مُصلّاي و صدحك ترنيمي ، و الخيلُ الراكض في سهوب ظلّك عمري .
ألا ترتاح قليلا ؟ لتتنفس ثغور الأوطان و يقوم القديسون من موت الصّومعة ، فتصلي أعينهم للكمال .
على الموتى أن ينهضوا الآن ، من شقّ اللّيلك الرمادي ، من شجّ عميق في صدر الأرض ، من أنقاض الزلالزل ؛ ليقيموا أعراسَهم الكبرى خارج حدّ الصرخة ، في التباسات الحزن و الفرحِ بقبس يضيء مصابيح الملكوت .
مكوّمون في الأرحام الأولى ، عظامهم من خزف ، يؤاخون انتظارك ، فيما تتلوى الجبال على جنبات الطريق تَطلب نِصف يقظة من العالم الذي يرمقهم بعينين ماكرتين .
يا طائر القمري ، يحلمون الآن بريشة المُستحيل تُطَرّز في جلودهم ، بطواويس ملونة ، برائحة عشب ،بمَلمس الماء ، بهواء ، بمطر يعيد وجوهم التي سرقها غبارُ الأنقاض ، بكَ يا طائر القمري .. تهاجر بهم إلى عينيك .. إلى غُصنيك .
.
ندبة
غربا .. يُسرجون الريح



الراكضون على سطح الأُفق
حُفاة تماما
يَغسلون وجوهم كل صباح
بندى الفكرة
و في الليل
يعلّقون أعينهم على صَبوة النجم
تركوا البيوت في المدينة
و تتبعوا النسيم من غَرب دِجلة

هناك على أثر المشيئة
تَتموّه ارتعاشات الأسقف الواطئة
يتوحش حِس القيد
كلمت تمنّعت عن بوحها كُوّة الجدار
و ضغطت على رئتيه الطوامير

يا لـهؤلاء
غرباء كمجرى النهر
حين تُسافر عنه نوارسه
كتبوا على العتمة رسائلهم
وقوفا أمام مكائد الجِسر
يتعرشون كدالية
أو أبناء أضاعوا كَف الأب

يصيحُ أكبرهم و أصغرهم معا
في لغة مسفوحة على شفة الميناء
يفتشون في صمتِ الجدار
في وهن المصابيح
في طَية الليل الأخيرة
في الفراغ
عن وجهِه المسافر للشروق
بينما
يبرعُ السجان في لَيِّ عُنق الأسئلة

الراكضون على جسد الجِسر
حفاة مثلي تماما
عُطاشى
يقولون :يارب..
نتعلّم كيف ننصت لرضى السماء
لكن كيف نقدر أن نشرب زجاج النهر المجروش ؟
أم كيف نُهادن الشوك
حين تذعر منه أقدام الطريق ؟

أضاعت أُمنا المنديل منذ زمن
حين تراوحت على عينيه زنزانة إثر أخرى
حين تُرك الباب مواربا
للغيلان التي تأكل من لحم قلبه
و تغصّ بحرير دمه
أضاعت أمنا المنديل
و كفّت الجارة عن خبز الحلوى
و ماتت في أكف الصغار الورود
فكيف
نلوّح للجنازة التي تظهر في غفلة المواعيد "
من أوّل النرجس إلى آخر الأماكن المُهجّرة
أطلقتِ فَراش البشارة ..
أثر الصلاة وِرد على خَفق الأجنحة
و أنتِ المأسورة بالبَوح
تلوح في سُمرتكِ الضراعة
و في جَنبك اتساع لأطفال الكِتمان .
.
.
تدسّ الفراعنة لصوص أعينها
في ثقوب الهواء
و على عادة الأم
ألقيتِ على طفل الميلاد محبةً منكِ
و ليُصنعُ على عَين الغِياب .
.
.
ندبة
في حديقة قلبي مصبّ لحياة أخرى ..
فيها أنا طِفل جديد
يرسم في ورق الدهشة مراجيح الهواء
يُرتب صباحه مع ملاءات السرير
و فراغات الخزانات
ثم ينظر للدرّب المسوّر بالخُزامى
يحصي أثر عودة الأب .
.
.
الطفل في حديقة قلبي
يمدّ للنجمة ذراعا طويلة
يقدر أن يجرّ السماء لسقف غرفته
و يغمض عينيه على ملامح وجه الأب الذي يرعاه
أو أن يُمسك طرفا من ثوبه
أو ربما
أن يمضي في تمثّل لمسة عطره .
.
.
كُنتُ طِفلا أيها الأب ..
أو ربما دالية في الحديقة
جمعني الله بك في " الجُمعة "
حتى أُحسن بعد ذاك مناداتك
لأعرف ذاتي في مرآة صدرك
و حين أكبر
و أنزع من تراب الحديقة جذوري
تصير لي أقدام من طين
أمشي .. قريبا .. بعيدا ..
لكني لا أريد أن أنسى
كيف أركض سعيا إليك .
.
.
ندبة
مبارك عليكم شهر الرحمة
تقبل الله أعمالكم 🌷
صَباح الشوق يا قَدر اللقاء ..
‏همس الغياب بسمعكم :
‏يا صَفوتي .. اذهبوا و تحسسوا من روح يوسف
‏فإذا ما حملتكم الطّرق إلى مدينة الوِصال
‏فادخلوا والهين من باب واحد !
‏إنما الرزق رزقان
‏تطلبه و يطلبك
‏ففروا إلى رزق الحُب و اطلبوه ..
‏و شرّعوا نوافذ الأمل على عطر قميص المحبوب .
‏.

‏نُدبة
بيتُنا هذا المساء تفتّحت جدرانه !
أ رأيت الوردة حين تَتمطى بعد الرواء ، تمنح سِرها للمبصرين ، و عطرها لمن يفهم نواياه المضمرة .. بيتنا اليوم أمسى مفتوحا كوردة .
مرّت الساعات تَسحبُ جثثها ، و البيت يقشّر حواجزه : الباب و البيت و النوافذ و الشرفات ، تغصّ المساحات بالزوّار الذين أضحوا أشباحا منذ الفجر ، شفافين جدا ، بينما التصقت بوجهكَ أعينهم .
يراقبون و أُراقب .. بينما تترقب أنت منفذا آخر يَصبِرُ حتى تختبر الجسد الذي يودّع دقائقه الباقية .
أعرفُ كيف سكنتَ أنت جسدك ، كيف حملته أعواما طوال ، تؤثث عينيك بالسّهر على رعاياك، و جوفك بالجوع حتى يشبع بذر الأرض . و حتى تُعالج جِراح المعارك ، تقول للطبيب : أروض جرحي بوصل الصلاة ، فتخرج حينها من جراحك بلا ندوب .. لكن الندوب في قلبي أنا .
هذا المساء أشهده منذ ألف عام يا أبي ، فيه توّزع علينا إرث العائلة .
ها أنا الآن ، مغمورة بإرثي ، أغرق بحبات العرق الساكنة على جبينك . يستمر البيت الذي يمّد رقعته ، يشرّع المَغالق ، أفتح عينيّ على اتساعهما ، أرى طُرقا تتسع ، جسورا تمتد بلا مدى ، وجهك يصنع ابتسامته ، روحك تصنع عطرها ، أيادينا تدمغ في الجدران المسافرة وصمة السّفر .
نَهرٌ يَذرعُ أُفقه


جِدار لا يُضيّق سِعة العِبارة
خُطاف يتمرد لتعليق السِّراج الأخير
وَقت يشتاق أن يَخمل .. أو يذوب
حُفنة خاملة من رائحة البَقاء
طريقٌ يعاوِد خَلق نفسه
يُسوِّر الآن أحلام الموتى
كي لا تهرب اليقظة من عيون الأحياء !



تُعدِّدُ الآفاقُ زُوّارها
القادمين أنهارا سماوية
أبناء الأم التي تقف الآن قُرب السِّدرة
و تقتَعِدُ أيضا صَدر المجلس
و في وقتها ذاته تُعد الضيافة للوافدين
" تعالوا إليّ "
تُشيرُ إليهم
تَدعمُ انحناءها بانتصاب سِيرتها
يبدون أنهارا تسيل إلى الأعلى
و تبدو كعينِ تنبعُ من السّماء .


الآن يحتفي بهما ضجيجُ الماء
في الطريق
مُرتبكة تعدو خُيولُ الفَراغ
يصمتُ ..
بعد أن دَمغ كلامه مِرارا في مَدرَس المدينة
في وَرق النّحاة
و رموز الكيماء
و في صوتِ السالكين طُرقا تُشبههم
توصلهم إلى بيتٍ لا يخافون فيه اغتراب المجهول
و لا اندلاع ريح الشّك في النوافذ.
كَم شهقة تلزمنا ..
لتأويل عطر الورد ؟
حين هيّئنا صناديق العُمر لدهشة الميلاد .
.
.
تعرّشنا في حديث الطين
تضحك فيه مواسِم حصاد النجم
و نحن العُمّار الذين نجيد قِطاف الضوء
نسكن إليه
يُحيط بنا
يَفرِد جُعدة في الروح
و أقراصا من حِنطة أيدينا
لنَخُطّ حرف المعرفة على رُقعنا الطويلة .
.
.
يقولون أن الوردة ضحكة خَفرة للحور
أو عُلقة في تعامد ضريح
أو حُلم شاعر يفكّر كيف يبدأ قصيدة جديدة
أو أقصى أمل البستاني
الذي رَكن بعد التّعب رفشه
و زرع عينيه قرب شتلة الانتظار
يتبرعم شيء في صدره
إنه الشوق .
.
.
يا ربّ
إن الورد في أروقتي
يصحو على ضفة ماء المرايا
و أنا صورة مُحررة
جرّدها " القصدُ " من ملامح مُفتعلة..
أنا قاصد الحقل الآن
أطبع في المرآة هِلال الميلاد
أحمي ثقوب سِلالي الكثيرة
من نفاذِ الشعاع .
زيتونة تنمو على سطح البيت


الشاب الملقى على سطح البيت ، مغسول بندى عشب روحه ، ألمه انفجر كغُبار نجمي ، فتلبّس العَماء الأمكنة .
و نحن المسفوحون من العِلية ماذا نصنع ؟ و قد سابقنا أثرُ الطير .. و نبتت في طين اللحظة أرجلنا .

عيناه الآن مُعلقة في الفضاء الرّحب ، صلاة العالم في جيبه المزروع جهة الصدر ، خافتة كغبار نجم بعيد .
وحده هناك.. حين تستلقي و تُؤوب للعطر نافذة .
هواء يُسوّر الحَواف .

كم تمشي الصور بخفة الآن !
مدارات مُطرزة في السماء ، فوق صدره ميدان يستمر ببناء نفسه ، كل ذكرى لبنة ، مسافة ، سور ، مِدية، صوت ، حِس ، أسطُح متعرجة تستوي تحت جلد كفّيه .

تدور فصول السنة هناك ، بأيام ثلاث ، تتبدل و تسلخ الساعات جِلدها .
حياته كُعمر وردة موسمية ، لكنه في آخر الرحلة يُبيح للزيتونة اللاشرقية و لا غربية أن تُفصح عن نفسها .
.
.

و ماذا عنا الآن ؟
نحن المخفورون بقيد الوقت ، المتكثفون تحت زجاج المكان، الرابضون في سفح الرُؤية . كيف نُكابر هنا على وجع أعناقنا المرفوعة ، و أعيننا المغبشة ؟ و هذا المَعبر يفتح بابه في غُرفة الموت .
نشيد أخير للسدرة



في مدينتي
تندَلِعُ نذور الريح طويلا
يصبّ قدح السماء أقسامه المُبرمة على ثغر الأرض ..
فتصلي السدرة
لتنمو على أغصان الشجر - خاشعة ثيابنا السود.


رجل يطوي مسافة العُمر
في جيبه سلام طَري
يبحثُ عن صاحبه في وجوه صِبية الحَيّ
و حين تبدى
قال :
اقبِل .. أدبر
فافترت غضون الوجه عن بسمة المعرفة
و اهتزت أوراق السَّدرة
" هذه شمائل المحبوب "


تفور في المدينة ساعات ساخنة
تلسعُ العابرين
الآخذين بأطراف ثيابهم لِمسعى الخلاص
شموسُ المدينة..
تُنضج قلوبهم النيئة
تنشُر النساء القانطات حكاياتهن على حِبال السَهو
تجّف الآمال
تتيبس الأحلام في المنام ..
فيأتي المحبوب و يده غرسة أخرى
عيناه حمامتان
تَحُطان على غُصن حَيِيّ .

ستسحبه المُدن المُقنّعة
تتسوله الغُربة كَي يُوّطنها
في منفاه الذي يصعد فيه بخور الأسئلة ..
تُبادره المآذن و القباب و الصلبان اليانعة
تحتشد فوق تلال القرية الجديدة
أعين دهشة قديمة
يسأله السائل
ماذا عن ثمر شجرة الطوبى؟
و حينها تعكس حُلو ابتسامته مرايا السماء
و نفهم أن الثمرة قنديل ..
كلما قُطفت جذوتها نَدحت أخرى
لا تنقص..
مثله تماما !

لكن القنديل يخبو
بَردُ يوزّع أثره على أعطاف الرِّحلة
كلماته مُسلحة بالأمان
رَفشه فِلاحةُ الضوء في تُربة صدورهم .
يريد الآن أن يمضي
و حافر الذاكرة يَدك أرض المدينة.
هيا إذن ..
لقد أينعت الأثواب على غُصن السدرة
و ناحت على غصنيها حمائم عينيه .
اكتمال



كفاهما
نخل سماوي
جُمعت خطوطهما لتصنع أقدارنا
و إذ ذاك
صارت عنادل السماء على غصون العرش تتبادل القصائد .
مقيدون في صليب الحُب يا مريم

ضواحِكا ..يُصلب المُحبون .

مريم الأحزان أقبلي الساعة هنا ، لقد نضجت على جلودهم الحكاية ، و فتحت الطُرق المشتاقة أحضانها لهم ، هؤلاء الذين يُعدِّون خشب الصليب و الأوتاد ، تنزلق من شفاههم بسمة مُحيرة ..
كأن أعمارهم كلها شهقة واحدة .

ذلك الذي يرُى ، من شُرفة البياض ، عيناه تذوبان في التماع تَدلي التّمر ، يقدّم أطرافه مُغازلا الوتد الأخير ؛ قلبه مشكاة في الظل ، و دمه ماء الخُزامى .

تنامى السّر في صدره حتى فتق حِجاب البوح ، سيحكي التمّار الآن عن وله النخيل ، مِحراثة لغة ، و بذره تلاوة سائلة ، و صلاته مُنحنية على رُكبتيه .

إذن تُنصتين الآن يامريم ؟
لقد غامت الأمسية ، و المحبون يهيئون الخبز و الأقداح ، ضحكاتهم تملأ الدنيا .. و عويلهم أيضا ، كلهم يحملون الرّفش ، المطارق ، المشانق ، المسامير ، و خشبتين متعامدتين ،فوق مائدة عشائهم الأخير .
أي شيء ترى في السماء ؟
هذه الصُّور تركض في مرعى الليل ، و أنت هناك ، تؤول إلى مَخطّ النهاية ، تقطع المسافة بثبات بينما يترنّح العالم .
.
.

أي شيء ترى الآن ؟
أنا لا أرى إلا وجهك الذي يُقسّم ضوء الهلال ، و الرمل يُعابث حافِر الطريق ، كأن ذراع النهر تسحبني ، كأن جناح الماء يرفعك..
.
.
أخبرني ماذا ترى ؟
نواكب معا رؤانا الآن ، حينما يولد في ليل الفاتحة هلال جديد ، حين أدركنا أن ما تراه ليس حُلما يراود الملائكة .
أترى تلك الأعين العذراء خلفك ؟
كلها الساعة تُبصر بك .
.
.
يلتمع الهلال يا أخي ..
كسيف معقوف يهرب من غمده ، كبَرق يصعد من مواساة غيمتين . أنا غيمة عطشى و الأمهات نخلات كسيرات قرب النهر ، بأكف عطشى يحاولن غسل ثوب الليل ، علّ الصباح يعود يا أخي ، علّ وجهك يبقى .
تِلك الصحراء
تبكي لِنسوة الريح
اللاتي يخبزن الإباء في أضلعهن
قبل رَقّ الدقيق
اللاتي يغسلن ثوب الليل كي يبيّض الصباح
و يضفرن في رؤوس الفتية وصايا السّرو .
ثم بعد ذاك
ليبكين !
نعم فلتبكِ النسوة الآن
في عُرس جماعي
يطلع فيه الفتية من كهف الخاتمة.
.
.
ستأتي أخبار الفتية الذين آمنوا بحبّهم
خرجوا الآن من كهف النبوءة
على أعينهم يقظة ألف عام
تُقلّبهم الجِراح على الرمال
ذات اليمين و ذات الشمال
و شوقهم ..
باسط ذراعيه في استطالة الصحراء .
مَريمة الحُب الأعظم :
.
.
هذه إطلالتنا الأولى ، طازجة كمنبت الآس ، كعطر الطّفل الباسم ، هينة لينة ، ملساء سيالة ..
طوّافة بك ، حين لا كان و لا زمان ..
حين نضحتِ الغفران على ذنوب الملائكة ، فصيّرتِ أشياءنا ..
حين تلفّع النور بك و نام ضوؤك مرتاحا في تُراب شاء أن يُضمر سر التفاح .
.
.
جميلة يا مَريم الكبرى ..
حارسة أحلام الشجى و الفرح ..
الحُبّ فيك صلاة مُطولة
تتنزل على المفتونين
تحت مرأى الجوامع و المجالس و السُرادق الحاني
تحت أنقاض الحروب الآثمة
و المخدولين ..
أولئك الذين يأكل دود الألم آمالهم
ثم يُزهر اسمك على ثغورهم
فتطير حين ذاك الفراشات
جميلة جميلة .
.
.
يا مَريم الحب
يُصلي المفتون لنذوره العتيقة
منتبذا من أهله مكانا شرقيا
يعدو ..
بالسهوب كَحِملان المرعى
يلتف حول نخلة لا يقدر أن يهزّ جذعها
فتبيحين عند ذاك المائدة .
.
.
كوني صلاتنا
لنتعرّف أوطاننا
و لنراك في حُقة عرشك
تغزلين أقمصة كخرائط
ثم تبسطين أقراص الخبز كأرض مُدحوة
تُشبعين بها
مسكينا
و يتيما
و أسيرا .
.
.
ابتسمي يا مريم
ابتسمي ليطلع الفجر .
و بشّرنا عنك ..
يا وجه الحبيب ، كم طال التباس النظر !
و كم هوّم الطريق سطوعه ، و لوى لنا أذرعته و نحن في لهفة الاحتضان . لقد جُلنا في الدروب لنفهم أن الوصال لغة عتيقة ، و أن عينيك و قلبك : نهر و خارطة ، و يدك .. قد مسحت على رؤوسنا منذ زمن .
.
.
بشّرنا عنك ..
ألازال بيتك في المثوى القديم ، تُحارسه أفئدة المُحبين ، و صلوات الذين رحلوا ، أولئك الذين خلّفوك " قائما " حتى تحمل في صدرك أمنية العالم .
.
.
أخبرني ..
ألا زال عطر النرجس يفوح من جيب قميصك ، و لا زالت في يدك سُبحة من تراب الجدة ؟
.
.
ندبة
أحبّتي ..
أنتم الصائمون على خطّ الأبد ، الحالمون بهلال عيد ، يولد قمرا مُكتملا في وطن السماء .
.
.
أحبّتي .. تعالوا نعاود بعث الرسائل ، و ننفض أشباح الطفولة التي تزورنا كلما نطقت جُعدة ما على جلودنا ، و كلما عبرنا من ثُقب كوني إلى شموس منطفئة .
.
.
تعالوا ركضا كـ خيول السُّهوب إلى ضفة البوح ، لا تقلقوا من صلصلة سقوط القيود ، و لا من تلك الريح التي تهب عاصفة عند شروع الأبواب .
بوحكم مرسم حّر ، و كل حرف يُشبه لوحة معلقة في حائط غربة ، تحوي وجوه الأصدقاء .
.
.
تعالوا نُعاود بعث الرسائل ، نُغازل المواعيد و نتوسل الساعات ، نصلي مِرارا ، لنُبصر بـ أوسع من أحداقنا ، و نسمع صوتا يقول :
" إليّ إليّ ..
أنا خُبز الجائعين
بيت الضائعين
الفالتين من مخلب الحَرب
و مائدة الفقراء "
.
.
ندبة
2024/05/15 02:52:17
Back to Top
HTML Embed Code:


Fatal error: Uncaught Error: Call to undefined function pop() in /var/www/tgoop/chat.php:243 Stack trace: #0 /var/www/tgoop/route.php(43): include_once() #1 {main} thrown in /var/www/tgoop/chat.php on line 243