Telegram Web
غَربا .. يُسرجون الريح


الراكضون على سطح الأُفق
حُفاة تماما
يَغسلون وجوهم كل صباح
بندى الفكرة
و في الليل
يعلّقون أعينهم على صَبوة النجم
تركوا البيوت في المدينة
و تتبعوا النسيم من غَرب دِجلة

هناك على أثر المشيئة
تَتموّه ارتعاشات الأسقف الواطئة
يتوحش حِس القيد
كلمت تمنّعت عن بوحها كُوّة الجدار
و ضغطت على رئتيه الطوامير

يا لـهؤلاء
غرباء كمجرى النهر
حين تُسافر عنه نوارسه
كتبوا على العتمة رسائلهم
وقوفا أمام مكائد الجِسر
يتعرشون كدالية
أو أبناء أضاعوا كَف الأب

يصيحُ أكبرهم و أصغرهم معا
في لغة مسفوحة على شفة الميناء
يفتشون في صمتِ الجدار
في وهن المصابيح
في طَية الليل الأخيرة
في الفراغ
عن وجهِه المسافر للشروق
بينما
يبرعُ السجان في لَيِّ عُنق الأسئلة

الراكضون على جسد الجِسر
حفاة مثلي تماما
عُطاشى
يقولون :يارب..
نتعلّم كيف ننصت لرضى السماء
لكن كيف نقدر أن نشرب زجاج النهر المجروش ؟
أم كيف نُهادن الشوك
حين تذعر منه أقدام الطريق ؟




أضاعت أُمنا المنديل منذ زمن
حين تراوحت على عينيه زنزانة إثر أخرى
حين تُرك الباب مواربا
للغيلان التي تأكل من لحم قلبه
و تشرق بحرير دمه
أضاعت أمنا المنديل
و كفّت الجارة عن خبز الحلوى
و ماتت في أكف الصغار الورود
فكيف
نلوّح للجنازة التي تظهر في غفلة المواعيد "
أرض تؤكل من أطرافها
 
أيها المَعنيُّ اخرج ..
لقد انطفأ النجم في كيس طفولتك
و صمت البيت الذي يكفل الأنبياء .
 
أيها الوسيم ما أجمل وجهك ، فلماذا يعقف الحزنُ شفتيك ؟ و يطوفك الصمت بعد أن ثرثرت زهرةٌ عالية بالمسك ، تضوعت و تعرّقت، و وجم ثمر السفرجل في كهوف تضيء حين تزرع الوحي . أتشتاق الرطب من ضفائر النخلة ؟ تلك التي لطالما انحنت لك متوددة .. مرحبة و شاكرة تسحب العجب من أعين أهل الدار ..لقد خلت الدار أيها المقصود ! و طُردتَ إلى الشّعاب الوعرة ، تعصر هزيع الجوع ، و تشارك طيورا قطت مسافاتها من أفنية الكنائس و تخوم الصوامع إلى أغصان الشجر ..لترثي الأحبة .

 اخرج الآن !
خذ الرثاء من مِزق الكلمات ، لقد صارت الأرض تؤكل من أطرافها ، شحب الهواء و نزلت السماء ، و سقط درع الفارس في المعركة .

هذا اختلاج الوداع المُر ، كطعم يُتم جديد..
" يا كافل الأحبة قد انتهى الطريق الآن ، و صار لزاما علينا أن نعرف كيف نُسافر للعراء "
رب .. أنظر إليه



عيناي
مُراقتان على الدرب
و قلبي يشتبك مع الأسئلة


في مُناجاة عتيقة
صوتي يستحيل إلى عصا
أتوكأ عليها
و أهش بها على وحوش الخطر !
أقول :رب .. يا ربي
أرني أنظر إليك
على قمة جبل الوصل
في صلاة مُرهفة
عند احتجاب القمر
و التواء الأزمنة
حيث الفجر لا يُشبه إخوته
و حيث المساجد تغص بمصلين تؤزهم الشياطين !


تقول لي ستراني !
كيف يارب أراك في بُؤس عمائي؟
عيناني شمع يذوب
و وجهك يسحب ملامحه في السجدة الأخيرة !


هل أناجي ربا لم أَره ؟
لا تُدركه الأبصار لكني بقلبي أراه
في الليل الكفيف
يسقي حنانَه عروق الأرض
يحتجب خلف الأبواب
يقرعها بخفوت
يوزّع على أيتامه أقراص الخبز و سمن الكفاية
ثم يسهر
يسهر طويلا ليقطف الرعية ثمار الأحلام

بقلبي أراك
يتشبث بخُطاك جلد الأرض
أجنحة الطير
و مقابض الأبواب
متجليا على المآذن الصادحة
يدخل صوتك كل بيت
فتُؤذن الملائكة لصلاة النهاية
اذكرني أيها العيد
كلما فار بياض الهلال
و تصاعد شوقي قربه كرغوة مجنحة
حين أفكر في نجم وحيد
يطلع في ليلة ما
فتمتلئ به أحداق السهارى .
.
.
اذكرني
حين ألتقطُ أمام مراياي خواء الصناديق
و ثرثرة خزانة الثياب
أفكّر حينها في المقص على المنضدة
لأحرر أطرافي
فلا أبقى أدور على مسرح العرائس
أو أفكر في الذين احتفلوا صمتا
كنادل يمسح الآن طاولة
في مطعم التماثيل الحجرية
أو كصبيّ الإفعوانية ..
و المراجيح الهوائية
يكدّس ضحكات الوجوه في موت جيبه
ليَبعث منها الدمعَ في حياة أخرى !
جَمال .. جَمال :
ما أجملك حين تجيء على الذّكر الحلو ، على إشراق الشموس ، و النسيم الرطب ، و تمازج الأسئلة ، و الأحاديث التي يُدوّخها بوح الشموس .
أقول لك حينها أني أرى بياض قميصك حمامة ، و أنك آتٍ ، لكني أسير لمناطق لا أعرفها ، توحشني و تغيبني عن ذاتٍ أليفة ، و أني كطفل ، أطلب أمان يديك حتى أستطيع العبور .
.
.
سأقول لك كلاما كثيرا ، أو ربما أصمت ، فقد طار صوتي في الجنائز المسروقة ، و الشهداء المُختلف عليهم ، و الاغتيالات ، و المنائر التي تلاحقها الجرافات .
و فقدتُ دموعا كثيرة بحثا عن قبر مخبوء .
.
.
سترى فراغ صدري ، و قضبان القفص التي فرّ منه طير القلب حين لاحقه خُفراء الحدود ، فسجنته السفارات و أحالته مِزقا على طاولة التداول.
.
.
لكني أعرف أنك ستأتي ، لتعيد لي عيناي المُسافرتان في الطُرق ، و وجها وحيدا أملكه و لا أستطيع استبداله بآخر .
.
.
ندبة
بيتك فارغ هذا المساء مُجددا :
.
.
بيتك المُعلّى ، ينبضُ في جدرانه قلب كل صباح ثم يؤوب للموت . شبابيكه .. لبناته .. بابه السريّ ، أشياؤه تتخلق للحياة ثم تنطفئ .
نحن البيوت لأننا من طين أيضا .
.
.
أسألك عن الدرب لبيتك ، لأحيا مرة أخرى ، ليتصلّب طيني و يشتد عظمي و تشرق عيناي من جديد ، لأعرف لغتي ، و هويتي المُموهة في الضباب ، لأفهم البيوت التي صيّرها الله بيده و ابتنى بيتك " أول بيت شُيد للناس " .
.
.
بيتك فارغ .
و أنا أحاول أن أعبئ رحابه بصورتك ، أراك تأتيه خفيا كل ليلة ، تُنوس ضوء السراج ، و من بخار أنفاس حزنك تولد غيمة فأعرف حينها طعم البكاء ، و البسمة رطبة أيضا ، تصير الأسقف تأويلا للسماء ، أو السماء تأويلا لمعمل الخلق الأول ، أو النار تأويل للشجر ، و نحن طين الأسئلة .
.
.
ندبة
أصابعي اليوم شفافة بوزن الهواء
ترسم على بلاط الأرض ابتسامة مراقة
ترسم شمعا
أقاليما في الأعالي
أبوابا ذات مقابض صدئة
توابلا على موائد الجياع
ترسم الموتى الذين ينظرون في عين الحياة
و لا أدري أيهما يهزأ بالآخر !
 

أصابعي اليوم شفافة
لا لون ترشه على البيوت الرمادية
حين تغرق في صمت الغروب
حين تنطفئ أضواء الغرف
و تنسج عناكب الخوف شباكا على الأسقف
تبكي صور الأحبة على الجدران
و على الشرفات يذبل الزهر في أكف الغياب
 
 
غياب ..
يركض في شوارعي الشفافة أيضا
يلطخ الطريق
يقلع شجر الكلام
يرمي بحجره أعمدة الإنارة
و أنا بأصابعي
غيمة غبناء
تستمطر اسمك ليصدح المطر

تعال كي ألوّن الورد
كي تعود العافية في وجنة البيت
كي يُكمل صِغار الشوق لوحاتهم
و قصائدهم
و أوراقهم التي خطوّا فيها حُلم وجهك .
جنة أخرى للسّدرة و الصُّوَر :
.
.
نقوم دون أن يَفترَ الضوء على مرايا أعيننا ..
نحن المطروحون على باب الجنة
في طيننا اللازب
نشتاق محراث الرب
ليعيد بذرنا و سقايتنا
لينفخ في صورِه الأعظم
فنُبعث
و نمشي ..
في الرواق الذي يُكمل نقصنا
خطوة إثر خطوة
نتعرف حِس الطريق على جِلد أطرافنا
نومئ شغفا
حين نُفشي لبعضنا الأسرار
و نعترف بلذة ثمر النبق .
.
.
نذوب في أشعتنا
تُشركنا المرايا في تطاير الضوء
نغتسل في النوافير
نشرب صورنا
عطشنا طاعن في العروق
و حين نصل إلى منتهى السدرة
نهزها
فتسّاقط أغلفتنا لنذرع سماء مُشتهاة .
تعد أصابع الفقد المُقلمة


تَغمُر مسام الصحارى
تجرّ حِبال الدهر
على ظهرك الفتيّ باب لا يسأم من فتح ذراعيه
و في احتشاد أجساد الشّك
تُعيد يقينا تَسمية الأشياء
عينٌ على كفّيك .. عينيَك .. ثوبك الأبيض
تشير لصدرك :
" و هنا أشياؤها"


على الجسر تصوّب سلاح النظرة لتشقّ مجرى النهر
تصبّ فيه البسمة و الشذا
تركيبة الأسرار
و كلاما كثيرا يغمرُ نحرَ الماء
فيغرق صاحبُك في الرمز و يقبّل سيرة البَلل.


خرجتَ في مرايا الحقيقة طفلا
و الدهشاتُ طيور تحجِلُ حولك
يتصيَّدُك مارد الأسئلة ..
فتهزمه بسلام الإجابات
و تكبر حتى يحتار بك خط الزمن
يمارسُ العد على أصابعِ الخطر .


تعدُ أصابع الفقد
تنشطُر
تُمارس الحضور رغم الكمون في مُدن الذاكرة
تصنعُ من أيامكَ القوالب
هذه هي ذاتُ الخرائط ، ذات الجهة ..
هو الطريق و البيت و الباب و السطح
و التماع السم في عَذقِ العنب .


تنفَرط عناقيدُ الرائحة
تُحيي أمواتك
الذين تُعيد خلقهم من طين الفكرة
تدلّ عليك
تنفض سِتر الحِيَل ..
طاوِع صعودك اللّين
لنبرع نحنُ في اقتفاء الأثر .
دفتر الملّاح القديم


أهلا
أهلا ..
من سهوبِ العَدم إلى نار الوعيِ الأولى
أدور في حلقات المُدْهَشين
فتكتملُ فراديسُ الإبصار.

جاء الصوتُ
اقفز في النار !
" أتكون سلاما يا ربي ؟"
و بردا يُثلجُ في لَهبي
جذوة عقلي أعلى القمة
في غار النبوّات العتيقة
أنتظر وَحيَ الغدير
لأصنع من ألواح جلجامش
فُلك الكفاية


أ يجيء العيد؟
و ألبسُ طيني و سمائي
تجمعني العُلقة بالماء
يطلعُ صوتي من تُخوم البُكم الكبرى
لأُشغف عشقا بالسدرة
و يسيل النبقُ في دمي
حبرا أخضرا .


ملاّح عتيقٌ أنا يا ليلة العيد
حملتُ ورقي
و مجدافي على ظهري
لأشق بحرَ الأسئلة
و أبحث في وجه السماء عن أثرِ اللذين حلقوا
رفعوا أكُفَّهم
بيارقَ طولى
تُبايعُ الحُبَّ شفيعا أكيدا
و أنا ..
آمنتُ بالمرسى في كفّ الولّي
و بالثمر الحلو على غُصنيه ..
يَصنعُني - مرارا - على عينيه .
جلوات .. للمذبوحين حبا



جاؤوا به على خجل ..
تسبقه أغرودة طويلة
تعبرُ من حس السماع إلى المَذاق ، كَسُكّر معقود في أطباق الحور ..
ينظر للبابِ الذي يسيل فوقه الحّب
ليكرُج في بيته كرجا ..
يُبرم اتفاقا في حُضن الروح ..
يتخلّق صوته ، يطلع بصورة غرائبية هاربا من حنجرته دون المرور بجسر اللسان :
" سيدي أين لساني ؟ "
ألا يدري ..؟
بأنه اليوم ناطقٌ عظيم له على كل نخلة ثغر ، صادح و عذب ، يُبشر بالحب .
.
.
يفتش في قميصه عن رقعة ما ، يبتسم حينها الحضور، لقد وُلد من قميصك عشاق كثر ، كل المصلوبين حبا وُلدوا من قميصك .
نسيج في لوحة المنفى



صِل رحمي ..

لقد بدأ الورد الأبيض يَمرح في حديقة العُمر ، و عاد لشوارع القَدر وصفُها العتيق ، و أنت شببتَ اليومَ تارة أخرى ، إذ عادت ولادَتُك في مخاض فراق الوطن ..
الصحراءُ أمامك ، و السماء شاخصة فوقك ، تنظُر إلى عينيك فيما تُطالعُ أنتَ .. وجه زينب .


تخطو .. فتروح المنازلُ في سكرة الفراق ، و تستعد للهجرة طيورُ القَطا ، جامعةً أحلامَ صغارِك المُراقة في ثنيّات أجنحتها ..
هذا لَيلٌ شَره ..يأبى أن يُذعن لأمان الأحلام .

" صلْ رحمي "
أيها الوصولُ البَر ، خُلقتُ لتسكنَ قلبي ، لتعمرني ، و لتُجري على ثغرك تُرابي حين يبوح باسمك النهر .


طويتُ دهرا بعد دهر ، أترصد لوحة الأقدار التي نسجتها بإصبع واحد ، حينما أنكرك الوطن ، و فتحتُ مغالقي ، و صرتُ أترصد حضورك بعد أن عبرني قُدامى المواسين ، و ثقبتني دموع الأنبياء و هم يرسلون في هوائي سلاما إليك .


فسلام عليك !
حين تأتي ، حين ترفع الخيمة ، حين تنشُر البيرق ، حين تغرس في عروقي أقدام أطفالك حين توزّع قلائد الحياة في أعناق الموتى .حين تَبيعني دَمك فأشتري اسمي .
لقد آن أن نلتقي ..
لقد أحكمتَ الصِّلة .
حَواس فضفاضة للرحلة الأخيرة
.
.
.
في وجهِك خارطة
ضِفة عطشى
صرخة صامتة
فيه اصفرار العاشقين ..
.
.

يا غريبا بِبابي
تَطرُقهُ ..
كسورة الفاتحة في ركعة المُعتكِف
تتنزّلُ في العتمة مستهلاتِ النبوءة
و تَفتَحُ أصابعُ الأمس تمائِمَ الغد
تَمسّ وَتَرا قديما
في قلبي الجديد .
.
.
صَوتُك في مُستَتَر البيت
أمثولة مُعتّقة ..
صوتي
ريح تصفق الأبواب.
صوتي غُبار .
.
.
عيناكَ تصدَّران الرؤى ..
تبثان في طين الحُلم روح التشكيل
يأتيك الرّب بِمنحة
يفتح لك باب الفراديس
أفتحُ لك باب الخَطر.
.
.
يداك ..
تُعيدان توطين الوطن ..
تَسِمان الرسائل بِفمٍ و ألف لسِان
بقلبٍ مسحوق
تستحيل الأَسطُح الجائرة إلى بَريد و زاجل .
.
.
قَدماك ..
تدهكان الحواف الغادرة
هاطلا كمطر إلى أعلى تهزأ بالتحدّر ..
و تبكي للأحبة الغائبين
تَهبُ لأبواب الموت صفة جديدة .
هيّئ للنَّهر سِعة ما ..
‏ليَحلمَ بكفّيك ..
‏فيَبسمُ
‏و يجري
‏و يَروي
‏ليَكون
‏ليتحقق
‏كي لا يطير بعيدا
‏و يصير زُرقة صامتة مصلوبة في السّماء .
وسادة أخيرة من الرمال


لِريح
الصحراءِ بطش الأذرع ..
و أسنانُ الذئاب
لَقد اقتلعتْ خَيمتي
و مزّقت لَحمنا يا أمي !


اغسلي أثوابنا إذن .
كيف تُحضّر ُ الأمهات أماكنَ اللقاء ، كما تشتبك الأنهار ، و تترافقُ الطيورُ في سِرب متواله .
و كما كل ذاك أقولُ لكِ ،اغسلي الأثواب كلها ، ليهِطل المطر الأحمرُ في مصبّ السماء فأقدّمُ لك الحكاية ناصعة . و ليُنفق الياسمينُ من عطره، فيتماس على الرقاب المنحورة و الأذرع و الرسغين ..لتسمعي معي صوت النائم في ملكوت الصحراء وحده ، يطفح من عينيه الحُب إذ التقى الله في مُلاقاة حدِّ المَذبح ..
هذا صوته البعيد
و أنا مشتاقة إليه .


هذا صوتُه البعيد ، يسيلُ في التواء جَسد النّهر ، واهنٌ و عذَب ، حُلو و حزين ، كما تهويداتك المُرتعشة النازلة على غضاضة طفولتنا ، و حكاياك في اللّيل الودود .
فانزلي إليه ، رتبّي الوسادة التي يصرُخ فيها صَهَدُ الرمل ، فتصمتُ حينها الأشياء ، و تغيبُ أنفاسه .
وجهكَ في صلاة الجِدار




تُريدُ
الطفلة الولهى أن تحفَظَكَ في جفنيها .. صورةً ، تُلاحقك في الأسقف الواطئة .
سقفها الآن عَراء السماء..
رَمادُها المنكوب
و حين يغسلُ القتلةَ الآن أيديهم من رائحةِ دمها
و حين يركضونَ لالتحاف عتمةِ لَيلِهم
ستراها
تذرعُ في المِخيال غُرفَ البيت
تبحثُ عن وسائدَ من ذِراعيك .


رَملُ
الخرائبِ حصادُ القيامة
جُدرانها أجنحةُ ملائكةٌ عُزّل
و بكاءُ نُزلائها نفخةُ صور !
توقظُ الموتى في قبورِ اللذة
تنشُرهم
تحشُرهم
ليُبعثوا في جحيمِ المنافي
و ليُرسلوا رؤوسَ الأنبياء في أطباقٍ لا تُغطّيها البيارق
مقطوفة من شجر الأَسل
من عروق الرّماح
إلى أحضان طِفلة تَحلُم بك.


ستقول لها الآن : تعالي !
و ستقول لك أنها مكدودة ، و أن أطرافها مقروحة ، و أن ألفَ جُرح يدمغُ جلدها .. لكنها ستجيء ..
ستفتحُ لها باب حُضنك ..
لِتُحاوِلك
فلربما تَنشُ رؤياك غُبار الكوابيس ..

و لربما حان زمانُ العودة إلى الدّيار .
رئة أو ضوء


عيناكَ
ذاهبتان في شبّاك السماء
ترافقُ طالعَ النّجم
سِلميةٌ كل ثوراتك
لكنك تغضبُ حينما تُسحَلُ على تضاريسِ الدّرب جُثَثُ الحقيقة ..
كناسِك في غاره تستنشقُ البُشرى
عطرا في الأفق
أو طَلعَ وردة
تبتسمُ في حديقةِ أنبياء قُدامى
أو رائحة حُلمية
ترشُقكَ بها أنفاس زرعِ الوادي .



بنَفَسٍ طَويل ..
تتلصّصُ على البيوتِ من خِصاص التّرقب
" في أيِّها ..
يولد البدر من غمامِ الأمل ؟ "
ساكنةٌ خباياك
و فائرة
و مطمئنة
و حائرة
يعتكف حشدٌ من الحُبّ في دَمك
خوفٌ في حبور في ارتعاش في هَيام
مُرتجفا تُزمّل دَهشتك
فتَنشقُّ المرايا عن صورة الماء
تغسِلُ فيه تَيهك .


هيا أبصر إذن !
أتعبك الليلُ الأعشى ..
رَجرَجك
ظلام مُدبب
جرح قلبك و رُكبتيك و ذراعيك و أوتار صوتك
قدماك مشقوقتان
روحك مثقوبة تنزفها كلمّا تموهت العلامة
لكنّ الأذان ارتفع الآن
مع طلوع الشمسِ من جبين النبيّ الأخير
إذ دق ناقوس الميلاد
و تنفست في صدرك رئة جديدة .



تنفسّت رئة العالَم !
فُتحتْ نافذة العرش .
حاول أيها العالم أن تُنصت لتهويدة الشعراء


ذلك بياضٌ أبرص يُذيبُني ..
نقطة شفافة في طلاء الفَراغ
مَهوى
تُحنطني خيوط لا مرئية
تَشدُّني ..
صوتي
عجوز منبوذ
صامت في مهرجان الكلام الكبير.


لذا ..
أسأل العالَم بصمتي
لماذا تُهمل لُغة البكائين ؟
شاء جَرحي أن أحزن في عالم يكره الحزانى
يُدين الضعفاء
يصرخ في وجوه المكسورين
" كونوا أقوياء ! "
و يبيع في السوق وجوها مدبوغة
بابتسامات متناسخة
مدفوعة الثمن .


لذا ..
يغسِل الشعراء الخائبون لَيلَهم
يعلّقونه على حبلٍ شُدّ بين آذان الوهم
لتجفّ كلُّ الأحلام
لكنّ لليل عيناً عنيدة
تذرف نجومها دمعا
يبلَل قَلقَ الحُلم من جديد .



أتدري أيها العالَم
أن القلقَ يقضِم الشاعر بأسنانه
كل قضمة تُحارب فيه
فناءَ الأشياء
قضمة بكلمة
بقصيدة
بآه
بدمعة
بسحابة
بمطر
بِدالية
بثمرة
و حين يتآكل الطين فيه
يجري..
كَماءٍ في نهر .

يُربي الشعراء أطفال نبوءتهم
يقسّمون ظِلالهم على أَسرّة الكتابة
على حكايات المساء
يمنحون لعجزهم حُضن التعاطف
يتجردون من قشرة القوة حين يقولون :
" يا أطفال الله
تخلصوا من أقنعتكم
و تحرروا من طوابيركم الآلية
من افتراض العبارات
من زيفكم "
مهلا
ياصمت العالم
يا ثرثرته
أتدري كم يبكي الشعراء حين يصمتون ؟
حين يكتبون ..
أو حين يموتون
و هم يحلمون بصلاة أخيرة
أو قصيدة
تُعاود بعث الحيواتِ الناصعة مرة أخرى.
تُشرقُ في غروبهم ، و أنا بقلبٍ يتكوَّم فيه الشوق أراك !
أراك ، في طوفان استلابي ، في فُلك المجهول ، صانعا قدري على عَينيك ، أنادي حين خامر الحُبّ أغشية ضلوعي : أراك يا أرارات .. و ترسو السفينة .
أبرأُ دائما باسمك ، أولدُ رَويّا على ضفة أشجار اليقطين ، حيث لا كوكب يأفل و لا قمر يغيب و لا شمس تحتجب خلفَ ظُلمتي .
إنصات :

أريد أن أركض معكِ ..
فكوني هنا ، في حديث الأُسرة الرّطب ، في مفاصِل الحكاية كلها ، آخر الواصلين و آخر الباقين و ذاكرة الحدث . كوني في أرتال الضوء الماشي على أهداب الإخوة ، و على الرف الأعلى في قلب الأب ، و خذي الكثير الكثير من تراث الأم ؛ عينها النابعة في الآبار ، صوتها الممشوق على الشجر ، مشيتها و وقوفها الذي يُشبه ثبات الجبل . غيرَ أنك وُلدت للركض ، من جبل إلى جبل ، و من تلّ إلى تلّ ، و أنا - اليوم - كطفل في حديقة حُلمية ، يُطلق من جيبه أسراب الفراش ، و يرسمُ سماء تُمطِرُ سلالِمَ . يُريد أن يُواكب ركض الدروب أسفل قدميكِ ، و يُنصتُ لِسرّ السّفر .

أريد أن أكتبكِ ..
كان عرشُه على الماء ، و كفاه معلقتان في الهواء ، كصارية إنقاذ وحيدة ـ و كضفتين ، أو ربما كنتِ الأرضَ بين الضفتين . النهر أحجيته الأكيدة ، النهر وطنه الأخير ، و أنت و الصحراء تمازجتما حتى استوطن بياضها الأبرص شعرك ، و عينيك .
و سال النسغ في جذرع الشجرة الطيبة .
فكوني هنا يا زينب ، في حديث الإخوة ..كوني هنا ، في قصص الجميع ، تركتِ قصتك لهم ، أو ربما كنت أنتِ في كل قصصهم سيدة الرواة ، الآن كلهم يستقبلونك ، ببياض مشع ، غير أنك الوحيدة التي ستحسنين مستقبلا تلوحية الوداع .
2024/05/31 14:51:47
Back to Top
HTML Embed Code:


Fatal error: Uncaught Error: Call to undefined function pop() in /var/www/tgoop/chat.php:243 Stack trace: #0 /var/www/tgoop/route.php(43): include_once() #1 {main} thrown in /var/www/tgoop/chat.php on line 243