tgoop.com/readk/14216
Last Update:
تُحاصِرني الهمومُ من كلِّ جانبٍ، وتُطْبِق عليَّ كالأشباحِ التي وجَدَتْ فريسةً سهلةَ المنال، فتمنعني من التقدُّم، وتُحاصر من حولي كلَّ مَسْلَكٍ، فأُصبح وأُمسي شاردةَ الذِّهْن، عليلةَ الخُطَى، كمن أنهَكَه الكِبَر، أو قضَّ مضجعَه الأرَقُ؛ هكذا أردفَتْ سلمى بعد أن سألتْها سارةُ عن حالها.
♦ لماذا يا صديقتي؟ ما الخَطْبُ؟
♦ إنها الوَحدة يا صديقتي.
♦ وهل مِن وَحدة ترجينها وأنا إلى جانبِكِ؟
♦ ليس هذا ما قصَدْتُه، ولكن....
♦ ولكن ماذا؟
صَمَتَتْ سلمى ولم تعرِف بماذا تُجيب، كيف ستشرح لصديقتها قصَّةَ حياتها في دقائق؟!
اكتفَتْ ببعض الدُّمُوع التي شَقَّت طريقَها عَبْر وَجْنَتَيها الورديَّتَينِ، ما بها سلمى؟! إنها تعيش حياة مُرفَّهة لا ينقُصُها شيء؛ من حولها الخَدَم والحَشَم، وأجمل الملابس ترتديها كلَّ يومٍ، وأفْخَر أنواع الطعام تنتقيها من أرقى الأماكن! ما الذي يدعوها إلى كلِّ هذا الحزن!
لم يكن أحَدٌ يستطيع أن يُدرِكَ ما يختلج في صَدْرِها ويُعكِّر صَفْوَها.
كانت تُمضي الليالي وهي تشعُر بفراغٍ كبيرٍ في شخصيتها، لا تدري كيف تَملؤه.
♦ كلما أردْتُ أن أتحدَّثَ إلى أُمِّي وجدْتُها مشغولةً في المطبخ، أو ذاهبةً لزيارة جاراتها، وأبي يخرُجُ طول النهار، ولا نراه إلَّا في الليل بعد أن يكون قد أنهكَه العملُ، لا أجد منهما سوى النصائح والأوامر.
♦ سلمى، اجتهدي في دراستِكِ.
♦ سلمى، لا تُرافقي صديقات السُّوْء.
♦ سلمى، أخْلِدي إلى النوم باكرًا.
♦ نظِّفي... رَتِّبي... افعلي... لا تفعلي...
♦ أتمنَّى لو ينظرُون إلى الحياة من زاويتي ولو مرة واحدة على الأقل.
همسةٌ للآباء: يا من تبذُلون جهودَكم، وتبذُلون الغالي والرخيص لتربية أبنائكم، اعلِموا أن الأُسْرة ليست فقط طعامًا أو شرابًا أو مَلْبَسًا، إنها واحةٌ واسعةٌ تضمُّ أكثر ما تضمُّ الكلمة الطيبة والحِضْن الدافئ، ما أجمل لو خصَّصْنا لأبنائنا ساعةً في الأسبوع على الأقل؛ لنستمعَ إلى همومهم ومشاكلهم، نُمازحهم ونلاعبهم، ونطَّلِع على ما في قلوبهم! إن ذلك يُسعِدُهم أكثر من أن نُحضرَ لهم قطعة حلوى، أو نشتري لهم ثوبًا جديدًا.
لقد أهمَلنا تربية أطفالنا بدعوى لُقمة العيش، ونسينا أنهم إن لم يجدوا الحِضْنَ الدافئ في أُسْرتهم، فسيبحثون عنه في مكانٍ قد يُودِي بهم إلى ما لا تُحمَدُ عُقباهُ، فلا تجعلوا من أبنائكم أيتامًا وهم في كَنَفِكم.
إنَّ في صَدْر كلِّ طفلٍ كتابًا ذا أوراقٍ بيضاءَ، إن لم يُملأ بحِبْرِ العَطْف والمودَّة والتربية السليمة، فسيُملأ بِنَتْن الشوارع، وحينها لن تستطيعَ أن تَمحُوَهُ على مرِّ الأيَّام.
::
BY دعوة للقراءة والرقي
Share with your friend now:
tgoop.com/readk/14216