كتبَ فلان

كتب الدكتور المختص بالطب النفسي Muhammad Shnait و زميل الدكتورة بأن حول قضية الدكتورة بان ما يلي:
إلى روح زميلتنا الغالية الدكتورة بان زياد طارق

من سنة 2010، من أول يوم دخلنا كلية الطب، تعرّفت على دكتورة بان. إنسانة مرحة، طيبة، محبوبة، وكان بيناتنة علاقة طيبة. راحت الأيام واجت الأيام، وإذا نلتقي مرة ثانية بالطب النفسي. كانت إنسانة حريصة، مواضبة على دوامها، محبة لاختصاصها، طموحة جدًا وتبحث دائمًا عن التطور والنجاح.

كنت دائمًا أشوف دعم أهلها الكبير إلها… ساعدوها بعيادتها، ساعدوها بسيارتها، وما اعتقد قصّروا وياها أبدًا.
أول ما سمعنا بخبر رحيلها ونتيجة الفحص العدلي الأولي، كلنا قلنا مستحيل تنتحر… أكيد مقتولة. ومن هنا، بدأت أنا وزملائي الأطباء النفسيين نبحث عن الحقيقة من مصادر موثوقة وقريبة منها، وعن طريق أشخاص لهم اتصال مباشر بالقضية. حتى تفاجئنا بخبر ما چنة نريد نصدقه.

كل يوم كنت أسمع إشاعات مؤلمة: كلام عن اغتصاب، قطن، قرابين، إلحاد، تحريض على الانتحار… كلام مؤذٍ وبعيد كل البعد عن الحقيقة. ومع كل معلومة جديدة كنت أسمعها عن قصتها، يزيد ألمي أكثر. لم يعرف الكثيرون أن أذية النفس Self-harm أحيانًا وسيلة للتخفيف من الألم النفسي العميق، وليست محاولة للانتحار. فالجروح و الكدمات كلها يسيرة و سهلة أمام ألالم النفسي.

كنت أتألم كثيرا على أهلها… شفت الصدمة على وجوههم، واللي يعرف بالطب النفسي يعرف أن الصدمة الصامتة أخطر من الحزن الظاهر، لأنها غالبًا تسبق الاكتئاب الشديد. والكتاب المرجعي Kaplan & Sadock’s Synopsis يذكر أن نسبة الانتحار عند أقارب المنتحر ترتفع من 2 إلى 6 مرات،
فما بالك وهم تحت ضغط الإشاعات القاسية والاتهامات الباطلة.

أتذكر اليوم أحاديثها معنا… مرة ذكرت قصص ممثلين
مثل Matthew Perry وRobin Williams، اللي كانوا يخفون ألمهم خلف حسّهم الكوميدي بشكل Humor.
من عدها أتذكر قصة مارلين مونرو، داليدا، سعاد حسني، هيث ليدجر، ماك ميلر وهواي أمثلة مثلهم… النجاح والضحكة ما يمنعون الألم الداخلي أبدًا.

نعم، الانتحار ليس مستحيل حتى عند أكثر الأشخاص نجاحا و تفاؤلًا. مثل Sylvia Plath اللي رحلت بطريقة مأساوية جدًا.
(تأنقت وتجملت و وضبت البيت وضعت رأسها في الفرن و أنهت حياتها)
لكن ما لا يعرفه غير الأطباء هو حجم الضغط النفسي اللي نمر بيه. إحنا، الأطباء النفسيين والأطباء عمومًا، نعيش معاناة مرضانا يوميًا. كل قصة مريض فقد، انتحر، مأساة… تبقى مطبوعة بروحنا. وللأسف، هذه ليست الحادثة الأولى؛ فقد سبقتها قبل 5 سنوات مأساة زميلتنا (( الدكتورة )). إنها حياة الطبيب في هذا البلد، حياة صعبة وقاسية لا يدركها إلا من عاشها.

للأسف، هناك من استغل القضية إعلاميًا وسياسيًا، مع أنها لا علاقة لها بأي ملفات سياسية ولا كانت الدكتورة البصرية بان رئيسة أو عضوة في لجنة الطب العدلي النفسي الكائنة فقط في بغداد كما تم ترويجه.

أتعجب من بعض الأصوات اللي تطلق أحكام بلا دليل، وتسيء لأهل الدكتورة بكلام غير مسؤول، مع إن تقارير الطب العدلي واضحة ومختومة من أهل الاختصاص. من يدّعي القتل عليه أن يثبت ادعاءه بأدلة واقعية وملموسة، مو بمجرد إشاعات أو سماع فقط. كذلك موضوع رئيسة اللجنة على صاحب الادعاء ان يأتي بدليله. لهذا حتى نوقف حملة الكذب و الترويج الخاطئ أنا مستعد، امام الكل، للإجابة على كل التساؤلات التي تخص قضية الدكتورة.

مؤلم أيضًا أن أرى ردودًا بلا احترام خاصتا من بعض الأطباء على تحليلات قامات كبيرة في الطب النفسي، ممن هم بمثابة آباء لنا وللدكتورة بان، ووقفوا معنا في حزننا على زميلتنا. هذا التصرف وضع زملائي في مأزق خوفا من ان تسحقهم موجة غضب موجهة بشكل غير منصف تجاه كل من أحب بان و عاش لحظات جميلة معها في حياتها.
الاحترام والرحمة هما ما يجب أن يسودا في مثل هذه اللحظات، لا الاتهامات ولا التشكيك.

اليوم، وأنا أشوف الأصوات ترتفع للمطالبة بحقوق النساء، أشوف بارقة أمل. رد فعل النساء كان واضح وقوي، لأن المرأة العراقية تعاني من ظلم كبير تحت مسمى العادات والتقاليد. لكن قضية دكتورة بان لم تكن قضية عنف منزلي، بل كانت معاناة إنسانة طموحة سعت للكمال كامرأة وزوجة وأم وناجحة في عملها… وما عدا ذلك فهو تفاصيل شخصية تخصها وحدها لايجوز لنا التدخل فيها حفظا لكرامتها.

أرجو من الجميع أن يحترموا ذكرى دكتورة بان، ويكفّوا عن تداول الإشاعات المؤذية، وأن نترك لعائلتها حق الهدوء والسكينة.

إلى روحك الطيبة، دكتورتنا الغالية بان زياد طارق…
رحمكِ الله رحمةً واسعة وجعل مثواكِ الجنة. سنبقى نذكركِ بابتسامتك، بحبك لعملك، وبكل الخير اللي زرعتيه بيننا. فقدناكِ، لكن أثرِك سيبقى حاضرًا في قلوبنا إلى الأبد.

👏22😢7❤3👍3❤‍🔥1💯1😡1

www.tgoop.com/newsbyt/45175

1.7K viewsAug 21 at 15:42

كتب الدكتور المختص بالطب النفسي Muhammad Shnait و زميل الدكتورة بأن حول قضية الدكتورة بان ما يلي:
إلى روح زميلتنا الغالية الدكتورة بان زياد طارق

من سنة 2010، من أول يوم دخلنا كلية الطب، تعرّفت على دكتورة بان. إنسانة مرحة، طيبة، محبوبة، وكان بيناتنة علاقة طيبة. راحت الأيام واجت الأيام، وإذا نلتقي مرة ثانية بالطب النفسي. كانت إنسانة حريصة، مواضبة على دوامها، محبة لاختصاصها، طموحة جدًا وتبحث دائمًا عن التطور والنجاح.

كنت دائمًا أشوف دعم أهلها الكبير إلها… ساعدوها بعيادتها، ساعدوها بسيارتها، وما اعتقد قصّروا وياها أبدًا.
أول ما سمعنا بخبر رحيلها ونتيجة الفحص العدلي الأولي، كلنا قلنا مستحيل تنتحر… أكيد مقتولة. ومن هنا، بدأت أنا وزملائي الأطباء النفسيين نبحث عن الحقيقة من مصادر موثوقة وقريبة منها، وعن طريق أشخاص لهم اتصال مباشر بالقضية. حتى تفاجئنا بخبر ما چنة نريد نصدقه.

كل يوم كنت أسمع إشاعات مؤلمة: كلام عن اغتصاب، قطن، قرابين، إلحاد، تحريض على الانتحار… كلام مؤذٍ وبعيد كل البعد عن الحقيقة. ومع كل معلومة جديدة كنت أسمعها عن قصتها، يزيد ألمي أكثر. لم يعرف الكثيرون أن أذية النفس Self-harm أحيانًا وسيلة للتخفيف من الألم النفسي العميق، وليست محاولة للانتحار. فالجروح و الكدمات كلها يسيرة و سهلة أمام ألالم النفسي.

كنت أتألم كثيرا على أهلها… شفت الصدمة على وجوههم، واللي يعرف بالطب النفسي يعرف أن الصدمة الصامتة أخطر من الحزن الظاهر، لأنها غالبًا تسبق الاكتئاب الشديد. والكتاب المرجعي Kaplan & Sadock’s Synopsis يذكر أن نسبة الانتحار عند أقارب المنتحر ترتفع من 2 إلى 6 مرات،
فما بالك وهم تحت ضغط الإشاعات القاسية والاتهامات الباطلة.

أتذكر اليوم أحاديثها معنا… مرة ذكرت قصص ممثلين
مثل Matthew Perry وRobin Williams، اللي كانوا يخفون ألمهم خلف حسّهم الكوميدي بشكل Humor.
من عدها أتذكر قصة مارلين مونرو، داليدا، سعاد حسني، هيث ليدجر، ماك ميلر وهواي أمثلة مثلهم… النجاح والضحكة ما يمنعون الألم الداخلي أبدًا.

نعم، الانتحار ليس مستحيل حتى عند أكثر الأشخاص نجاحا و تفاؤلًا. مثل Sylvia Plath اللي رحلت بطريقة مأساوية جدًا.
(تأنقت وتجملت و وضبت البيت وضعت رأسها في الفرن و أنهت حياتها)
لكن ما لا يعرفه غير الأطباء هو حجم الضغط النفسي اللي نمر بيه. إحنا، الأطباء النفسيين والأطباء عمومًا، نعيش معاناة مرضانا يوميًا. كل قصة مريض فقد، انتحر، مأساة… تبقى مطبوعة بروحنا. وللأسف، هذه ليست الحادثة الأولى؛ فقد سبقتها قبل 5 سنوات مأساة زميلتنا (( الدكتورة )). إنها حياة الطبيب في هذا البلد، حياة صعبة وقاسية لا يدركها إلا من عاشها.

للأسف، هناك من استغل القضية إعلاميًا وسياسيًا، مع أنها لا علاقة لها بأي ملفات سياسية ولا كانت الدكتورة البصرية بان رئيسة أو عضوة في لجنة الطب العدلي النفسي الكائنة فقط في بغداد كما تم ترويجه.

أتعجب من بعض الأصوات اللي تطلق أحكام بلا دليل، وتسيء لأهل الدكتورة بكلام غير مسؤول، مع إن تقارير الطب العدلي واضحة ومختومة من أهل الاختصاص. من يدّعي القتل عليه أن يثبت ادعاءه بأدلة واقعية وملموسة، مو بمجرد إشاعات أو سماع فقط. كذلك موضوع رئيسة اللجنة على صاحب الادعاء ان يأتي بدليله. لهذا حتى نوقف حملة الكذب و الترويج الخاطئ أنا مستعد، امام الكل، للإجابة على كل التساؤلات التي تخص قضية الدكتورة.

مؤلم أيضًا أن أرى ردودًا بلا احترام خاصتا من بعض الأطباء على تحليلات قامات كبيرة في الطب النفسي، ممن هم بمثابة آباء لنا وللدكتورة بان، ووقفوا معنا في حزننا على زميلتنا. هذا التصرف وضع زملائي في مأزق خوفا من ان تسحقهم موجة غضب موجهة بشكل غير منصف تجاه كل من أحب بان و عاش لحظات جميلة معها في حياتها.
الاحترام والرحمة هما ما يجب أن يسودا في مثل هذه اللحظات، لا الاتهامات ولا التشكيك.

اليوم، وأنا أشوف الأصوات ترتفع للمطالبة بحقوق النساء، أشوف بارقة أمل. رد فعل النساء كان واضح وقوي، لأن المرأة العراقية تعاني من ظلم كبير تحت مسمى العادات والتقاليد. لكن قضية دكتورة بان لم تكن قضية عنف منزلي، بل كانت معاناة إنسانة طموحة سعت للكمال كامرأة وزوجة وأم وناجحة في عملها… وما عدا ذلك فهو تفاصيل شخصية تخصها وحدها لايجوز لنا التدخل فيها حفظا لكرامتها.

أرجو من الجميع أن يحترموا ذكرى دكتورة بان، ويكفّوا عن تداول الإشاعات المؤذية، وأن نترك لعائلتها حق الهدوء والسكينة.

إلى روحك الطيبة، دكتورتنا الغالية بان زياد طارق…
رحمكِ الله رحمةً واسعة وجعل مثواكِ الجنة. سنبقى نذكركِ بابتسامتك، بحبك لعملك، وبكل الخير اللي زرعتيه بيننا. فقدناكِ، لكن أثرِك سيبقى حاضرًا في قلوبنا إلى الأبد.

BY كتبَ فلان