#أخلاق
#الامر_بالمعروف_والنهي_عن_المنكر
🍃شبكة المعارف الإسلامية
🍃الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يقول الله تعالى في محكم كتابه:
1- ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(آل عمران:104)
2- ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(آل عمران:110)
3- ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(التوبة:71)
تمهيد
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمّ الفرائض الإسلاميّة، حيث يهدف إلى إصلاح المجتمع الإنسانيّ والحفاظ على الشريعة الإسلاميّة من التمزيق والتبديل، فالنهي عن المنكر يُحصّن الفرد والمجتمع والأمّة من الانحرافات السلوكيّة والروحيّة، والأمر بالمعروف يُكسب الفرد والمجتمع والأمّة الفضائل السلوكيّة والروحيّة.
وهو ضمانة بقاء تعاليم الدِّين وقيمه حيّة، فبه انتشر الدِّين الإسلامي في أصقاع الأرض، وبه أُقيمت أركان الدِّين وفروعه.
وهذا ما يؤكِّده كثير من الآيات والروايات، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود"1.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب الفلاح
وقد اهتمَّ القرآن الكريم بهذه الفريضة؛ قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾2.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخلاق الله سبحانه، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله سبحانه"3.
وماذا يعني أنّهما خلقان من أخلاق الله سبحانه؟
الجواب: إنّ في صفات الله سبحانه أنّه يأمر بالمعروف كما قال في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾4.
وقال أيضاً: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾5.
وفي المقابل خلق الشيطان هو عكس خلق الله سبحانه حيث إنّ الشيطان يأمر بالفحشاء وفعل السيّئات، يقول سبحانه: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاء﴾6.
ويقول تعالى: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾7.
وسمة المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، يقول تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾8.
فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق الله، وعكسه خلق الشيطان والمنافقين فحريٌّ بنا أن نكون متخلِّقين بأخلاق خالقنا وتاركين لأخلاق أعداء الله وأعدائنا الشياطين والمنافقين.
دور الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والصالحين:
وقد تخلّق الأنبياء العظام والأئمّة عليهم السلام والصالحون بأخلاق الله، فكانوا المصلحين والآمرين بالمعروف والعدل والناهين عن المنكر والظلم.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام "واصطفى سبحانه من ولده (آدم) أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم"9.
و عنه عليه السلام: في خصوص الرسول " "بلّغ عن ربّه معذراً ونصح لأمّته منذراً"10.
وعنه في خصوص نفسه عليه السلام: "وما أردت إلّا الإصلاح ما استطعت.."11.
وكذلك أبناء أمير المؤمنين المعصومين عليهم السلام كانوا حاملين لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمثال الأوضح الإمام الحسين الشهيد عليه السلام ملهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ومقولته الشهيرة ما تزال تصدح إلى يومنا الحاضر: " وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي " أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.. "12.
أمّا الصالحون فيحدّثنا التاريخ عن بطولاتهم في هذا الميدان، والمثال الأبرز في عصرنا الإمام الخمينيّ رحمه الله حيث حمل لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبدّل دولةً من المنكر إلى المعروف، بإسقاط الشاه رمز المنكر والفساد وإقامة الجمهوريّة الإسلاميّة.
وهل هذه الوظيفة ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ خاصّة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والعلماء؟
#الامر_بالمعروف_والنهي_عن_المنكر
🍃شبكة المعارف الإسلامية
🍃الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يقول الله تعالى في محكم كتابه:
1- ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(آل عمران:104)
2- ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(آل عمران:110)
3- ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(التوبة:71)
تمهيد
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهمّ الفرائض الإسلاميّة، حيث يهدف إلى إصلاح المجتمع الإنسانيّ والحفاظ على الشريعة الإسلاميّة من التمزيق والتبديل، فالنهي عن المنكر يُحصّن الفرد والمجتمع والأمّة من الانحرافات السلوكيّة والروحيّة، والأمر بالمعروف يُكسب الفرد والمجتمع والأمّة الفضائل السلوكيّة والروحيّة.
وهو ضمانة بقاء تعاليم الدِّين وقيمه حيّة، فبه انتشر الدِّين الإسلامي في أصقاع الأرض، وبه أُقيمت أركان الدِّين وفروعه.
وهذا ما يؤكِّده كثير من الآيات والروايات، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود"1.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب الفلاح
وقد اهتمَّ القرآن الكريم بهذه الفريضة؛ قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾2.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخلاق الله سبحانه، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله سبحانه"3.
وماذا يعني أنّهما خلقان من أخلاق الله سبحانه؟
الجواب: إنّ في صفات الله سبحانه أنّه يأمر بالمعروف كما قال في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾4.
وقال أيضاً: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾5.
وفي المقابل خلق الشيطان هو عكس خلق الله سبحانه حيث إنّ الشيطان يأمر بالفحشاء وفعل السيّئات، يقول سبحانه: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاء﴾6.
ويقول تعالى: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾7.
وسمة المنافقين الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، يقول تعالى: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾8.
فإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق الله، وعكسه خلق الشيطان والمنافقين فحريٌّ بنا أن نكون متخلِّقين بأخلاق خالقنا وتاركين لأخلاق أعداء الله وأعدائنا الشياطين والمنافقين.
دور الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والصالحين:
وقد تخلّق الأنبياء العظام والأئمّة عليهم السلام والصالحون بأخلاق الله، فكانوا المصلحين والآمرين بالمعروف والعدل والناهين عن المنكر والظلم.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام "واصطفى سبحانه من ولده (آدم) أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم"9.
و عنه عليه السلام: في خصوص الرسول " "بلّغ عن ربّه معذراً ونصح لأمّته منذراً"10.
وعنه في خصوص نفسه عليه السلام: "وما أردت إلّا الإصلاح ما استطعت.."11.
وكذلك أبناء أمير المؤمنين المعصومين عليهم السلام كانوا حاملين لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمثال الأوضح الإمام الحسين الشهيد عليه السلام ملهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ومقولته الشهيرة ما تزال تصدح إلى يومنا الحاضر: " وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي " أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.. "12.
أمّا الصالحون فيحدّثنا التاريخ عن بطولاتهم في هذا الميدان، والمثال الأبرز في عصرنا الإمام الخمينيّ رحمه الله حيث حمل لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبدّل دولةً من المنكر إلى المعروف، بإسقاط الشاه رمز المنكر والفساد وإقامة الجمهوريّة الإسلاميّة.
وهل هذه الوظيفة ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ خاصّة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والعلماء؟
طبعاً لا فكلُّ إنسان مؤمن هو مأمور بهذه الفريضة، كلٌّ حسب استطاعته، ولا ينبغي ترك هذه الفريضة وإلّا انتشر الفساد والمنكر.
يقول تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾13.
انتشار المنكر والفساد
لقد حذّر نبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّتنا عليهم السلام من انتشار المنكر والفساد، لما يحمل ذلك من تبعات خطيرة على الأمّة في الدنيا والآخرة.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام من قلب متوجِّع: "فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ظهر الفساد، فلا منكر مغيّر، ولا زاجر مزدجر، أفبهذا تريدون أن تُجاوروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعزّ أوليائه عنده؟ هيهات! لايُخدع الله عن جنّته"14.
وهذا الحديث ينطبق على عصرنا أيضاً، فقد انتشر المنكر والفساد وليس هناك من يُنكر إلا قليل من المؤمنين، وقد قلَّ المعروف وليس هناك من يأمر إلّا قليلٌ من الصالحين!
فليتحمّل كلُّ واحدٍ منّا مسؤوليّته حسب استطاعته، حتّى لا يعمّنا غضب الله.
يقول تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾15.
وعن أمير الكلام عليّ عليه السلام في النهج الشريف "وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضى"16.
ولكنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس أمراً عشوائيّاً فوضويّاً بلا قاعدة ونظام، بل هناك أسس ينبغي مراعاتها:
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إنّ توجيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الآخرين ثقيل جدّاً عليهم، لأنّ ذلك يجعل المأمور والمنهي في موقع التخطئة والتقريع، الأمر الّذي يخدش عزّته وكبرياءه ويؤذي نفسه. يقول لقمان "إنّ الموعظة تشقّ على السفيه كما يشقّ الصعود على الشيخ الكبير"17.
من هنا علينا معرفة مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقاعدة الأوّلية هي الرفق والكلمة الطيّبة، يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾18.
1ـ فلنختر الكلمة الطيّبة الرفيقة ما وسعنا ذلك، كما يقول الأمير عليه السلام: "وارفق ما كان الرفق أرفق"19.
2ـ وعلينا بالتودُّد: "فالتودُّد نصف العقل"، وذلك بالبشاشة: "والبشاشة حبالة المودّة"20.
إذا لم تنفع هذه الخطوة والمرتبة نأتي إلى مراتب أخرى ذُكرت في الكتب الفقهيّة، وهي النهي باللسان فإن لم ينفع فالنهي باليد.
ولكن إذا لم تنفع كلّ المراتب ينبغي الإنكار القلبيّ الّذي يعني عدم الرضى وبغض المعصية والمنكر، وهذا الإنكار هو أضعف إنكار.
وحذارِ أن لا نُنكر ولو قلباً وإلّا أصبحنا راضين عن المنكر فيعمّنا غضب الله.
فعن الإمام علي عليه السلام: "من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه"21.
وعنه عليه السلام: "الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كلِّ داخل في باطل إثمان: إثم العمل به، وإثم الرضى به"22.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد أوحى الله فيما مضى قبلكم إلى جبرئيل فأمره أن يخسف ببلد يشتمل على الكفَّار والفجَّار، فقال جبرئيل: يا ربّ اخسف بهم إلّا بفلان الزاهد؟... فقال الله تعالى: بل اخسف بهم وبفلان قبلهم، فسأل ربّه، فقال ربّ عرّفني لم ذلك وهو زاهد عابد؟ قال: مكّنت له وأقدرته فهو لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وكان يتوفّر على حبِّهم... فقالوا: يا رسول الله فكيف بنا ونحن لا نقدر على إنكار ما نُشاهده من منكر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليعمّكم الله بعذاب. ثمّ قال: من رأى منكراً فلينكره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فحسبه أن يعلم الله من قلبه أنّه لذلك كاره"23.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلمّا انتهيا إلى المدينة وجدوا فيها رجلاً يدعو ويتضرَّع... فعاد أحدهما إلى الله، فقال: يا ربّ إنّي انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ويتضرَّع إليك، فقال الله عزّ وجلّ: إمض لما أمرتك به، فإنَّ ذا رجل لم يتمعّر24 وجهه غيظاً لي قطّ"25.
صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
1ـ العلم بما يأمر وينهى
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلّا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر به، رفيق فيما ينهى عنه، عدل فيما يأمر به، عدل فيما ينهى عنه، عالم بما يأمر به، عالم بما ينهى عنه"26.
يقول تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾13.
انتشار المنكر والفساد
لقد حذّر نبيُّنا صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّتنا عليهم السلام من انتشار المنكر والفساد، لما يحمل ذلك من تبعات خطيرة على الأمّة في الدنيا والآخرة.
فعن أمير المؤمنين عليه السلام من قلب متوجِّع: "فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ظهر الفساد، فلا منكر مغيّر، ولا زاجر مزدجر، أفبهذا تريدون أن تُجاوروا الله في دار قدسه، وتكونوا أعزّ أوليائه عنده؟ هيهات! لايُخدع الله عن جنّته"14.
وهذا الحديث ينطبق على عصرنا أيضاً، فقد انتشر المنكر والفساد وليس هناك من يُنكر إلا قليل من المؤمنين، وقد قلَّ المعروف وليس هناك من يأمر إلّا قليلٌ من الصالحين!
فليتحمّل كلُّ واحدٍ منّا مسؤوليّته حسب استطاعته، حتّى لا يعمّنا غضب الله.
يقول تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾15.
وعن أمير الكلام عليّ عليه السلام في النهج الشريف "وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضى"16.
ولكنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس أمراً عشوائيّاً فوضويّاً بلا قاعدة ونظام، بل هناك أسس ينبغي مراعاتها:
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إنّ توجيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى الآخرين ثقيل جدّاً عليهم، لأنّ ذلك يجعل المأمور والمنهي في موقع التخطئة والتقريع، الأمر الّذي يخدش عزّته وكبرياءه ويؤذي نفسه. يقول لقمان "إنّ الموعظة تشقّ على السفيه كما يشقّ الصعود على الشيخ الكبير"17.
من هنا علينا معرفة مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقاعدة الأوّلية هي الرفق والكلمة الطيّبة، يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾18.
1ـ فلنختر الكلمة الطيّبة الرفيقة ما وسعنا ذلك، كما يقول الأمير عليه السلام: "وارفق ما كان الرفق أرفق"19.
2ـ وعلينا بالتودُّد: "فالتودُّد نصف العقل"، وذلك بالبشاشة: "والبشاشة حبالة المودّة"20.
إذا لم تنفع هذه الخطوة والمرتبة نأتي إلى مراتب أخرى ذُكرت في الكتب الفقهيّة، وهي النهي باللسان فإن لم ينفع فالنهي باليد.
ولكن إذا لم تنفع كلّ المراتب ينبغي الإنكار القلبيّ الّذي يعني عدم الرضى وبغض المعصية والمنكر، وهذا الإنكار هو أضعف إنكار.
وحذارِ أن لا نُنكر ولو قلباً وإلّا أصبحنا راضين عن المنكر فيعمّنا غضب الله.
فعن الإمام علي عليه السلام: "من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه"21.
وعنه عليه السلام: "الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كلِّ داخل في باطل إثمان: إثم العمل به، وإثم الرضى به"22.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد أوحى الله فيما مضى قبلكم إلى جبرئيل فأمره أن يخسف ببلد يشتمل على الكفَّار والفجَّار، فقال جبرئيل: يا ربّ اخسف بهم إلّا بفلان الزاهد؟... فقال الله تعالى: بل اخسف بهم وبفلان قبلهم، فسأل ربّه، فقال ربّ عرّفني لم ذلك وهو زاهد عابد؟ قال: مكّنت له وأقدرته فهو لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، وكان يتوفّر على حبِّهم... فقالوا: يا رسول الله فكيف بنا ونحن لا نقدر على إنكار ما نُشاهده من منكر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليعمّكم الله بعذاب. ثمّ قال: من رأى منكراً فلينكره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فحسبه أن يعلم الله من قلبه أنّه لذلك كاره"23.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلمّا انتهيا إلى المدينة وجدوا فيها رجلاً يدعو ويتضرَّع... فعاد أحدهما إلى الله، فقال: يا ربّ إنّي انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ويتضرَّع إليك، فقال الله عزّ وجلّ: إمض لما أمرتك به، فإنَّ ذا رجل لم يتمعّر24 وجهه غيظاً لي قطّ"25.
صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
1ـ العلم بما يأمر وينهى
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ولا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلّا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر به، رفيق فيما ينهى عنه، عدل فيما يأمر به، عدل فيما ينهى عنه، عالم بما يأمر به، عالم بما ينهى عنه"26.
نستنتج من قول رسول الله " أنّ على الآمر والناهي أن يكون عالماً بالمعروف والمنكر ليأمن من الخطأ.
فكيف للجاهل أن يُعلِّم، ففاقد الشيء لا يُعطيه، والجاهل يُفسد أكثر ممّا يُصلح.
2ـ مؤتمراً بما يأمر منتهياً عمّا ينهى:
من صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، أن يكون مؤتمراً بما يأمر منتهياً عمّا ينهى حتّى يؤثِّر كلامه في الآخرين.
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾27.
وقال سبحانه: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾28.
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنّما أُمرتم بالنهي بعد التناهي"29.
ويقول لقمان لابنه: "يا بنيّ... وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، وابدأ بنفسك"30.
يقول الشاعر:
يا أيُّها الرَّجل المعلِّم غيره هلّا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدّواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصحُّ به وأنت سقيم
وأراك تُصلح بالرشاد عقولن أبداً وأنت من الرشاد عقيم
لا تنهَ عن خُلق وتأتيَ مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّه فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما وعظت ويُقتدى بالعلم منك وينفع التعليم
ومَثَلُ الآمر والناهي غير المأتمر والمنتهي كما قال لقمان وهو يعظ ابنه: "يا بنيَّ، لا تأمر الناس بالبّر وتنسى نفسك، فيكون مثلك مثل السراج يُضيء للناس ويُحرق نفسه"31.
ولقد "لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به"32 كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام. وقد كان أنبياء الله والأئمّة عليهم السلام قدوة بالعمل قبل أن يقولوا فعن الأمير عليه السلام: "أيّها الناس إنّي والله، ما أحثّكم على طاعة إلّا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلّا وأتناهى قبلكم عنها"33 .
3ـ الرفق:
ينبغي أن يكون الآمر والناهي رفيقاً، هدفه هداية الناس ونصحهم، لا تقريعهم وإحراجهم، وتنفيس غيظه وغضبه، فعليه أن يكون ناصحاً لا موبِّخاً.
ختام الحديث: بعد هذا العرض الوجيز لأهميّة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولما يترتّب من أثر سيّء على تركها، في الدنيا والآخرة، ينبغي علينا أن نُقيم هذه الفريضة العظيمة، الّتي بها حياة أمّتنا وتطوّرها وارتقاؤها وتكاملها، وأن نتحلّى بصفات الآمرين الحقيقيّين، حتّى يكون لكلامنا أثره، ولفعلنا قبل كلامنا تأثيره.
1- ميزان الحكمة، ج 6، ص 255.
2- سورة آل عمران، الآية: 104.
3-نهج البلاغة، خطبة 156.
4-سورة النحل، الآية: 90.
5-سورة الأعراف، الآية: 29.
6-سورة البقرة، الآية: 268.
7-سورة البقرة، الآيتان: 168و 169.
8-سورة التوبة، الآية: 67.
9-نهج البلاغة، الخطبة: 1.
10-نهج البلاغة، الخطبة: 109.
11-م. ن، كتاب: 28.
12- بحار الأنوار، ج 44، ص 330.
13- سورةالتوبة،الآية: 71.
14- نهج البلاغة، الخطبة: 129.
15-سورة المائدة، الآيتان: 78 و 79.
16- نهج البلاغة، ج2، ص181.
17- نصائح لقمان لابنه، العلّامة المجلسي، المحجّة البيضاء، ص 44.
18-سورة النحل،الآية: 125.
19-نهج البلاغة، كتاب 46.
20-م.ن، قصار الكلمات 142.
21- م. ن، قصار الكلمات: 6.
22- بحار الأنوار، ج 75، ص 82، ح 79.
23- بحار الأنوار، ج 14، ص 509، ح 37.
24-في نسخة: لم يتغيّر.
25- بحار الأنوار، ج 60، ص 213، ح 48.
26-م.ن، ج 97، ص 87، ح 65.
27- سورة الصف، الآية: 2.
28-سورة البقرة، الآية: 44.
29-نهج البلاغة، الخطبة: 105.
30- حكم لقمان، محمد الري شهري، ص 36.
31-حكم لقمان، محمد الري شهري، 126.
32-نهج البلاغة، الخطبة: 129
33- م. ن، الخطبة، 175.
فكيف للجاهل أن يُعلِّم، ففاقد الشيء لا يُعطيه، والجاهل يُفسد أكثر ممّا يُصلح.
2ـ مؤتمراً بما يأمر منتهياً عمّا ينهى:
من صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، أن يكون مؤتمراً بما يأمر منتهياً عمّا ينهى حتّى يؤثِّر كلامه في الآخرين.
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾27.
وقال سبحانه: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾28.
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنّما أُمرتم بالنهي بعد التناهي"29.
ويقول لقمان لابنه: "يا بنيّ... وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، وابدأ بنفسك"30.
يقول الشاعر:
يا أيُّها الرَّجل المعلِّم غيره هلّا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدّواء لذي السقام وذي الضنى كيما يصحُّ به وأنت سقيم
وأراك تُصلح بالرشاد عقولن أبداً وأنت من الرشاد عقيم
لا تنهَ عن خُلق وتأتيَ مثله عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّه فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما وعظت ويُقتدى بالعلم منك وينفع التعليم
ومَثَلُ الآمر والناهي غير المأتمر والمنتهي كما قال لقمان وهو يعظ ابنه: "يا بنيَّ، لا تأمر الناس بالبّر وتنسى نفسك، فيكون مثلك مثل السراج يُضيء للناس ويُحرق نفسه"31.
ولقد "لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به"32 كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام. وقد كان أنبياء الله والأئمّة عليهم السلام قدوة بالعمل قبل أن يقولوا فعن الأمير عليه السلام: "أيّها الناس إنّي والله، ما أحثّكم على طاعة إلّا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلّا وأتناهى قبلكم عنها"33 .
3ـ الرفق:
ينبغي أن يكون الآمر والناهي رفيقاً، هدفه هداية الناس ونصحهم، لا تقريعهم وإحراجهم، وتنفيس غيظه وغضبه، فعليه أن يكون ناصحاً لا موبِّخاً.
ختام الحديث: بعد هذا العرض الوجيز لأهميّة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولما يترتّب من أثر سيّء على تركها، في الدنيا والآخرة، ينبغي علينا أن نُقيم هذه الفريضة العظيمة، الّتي بها حياة أمّتنا وتطوّرها وارتقاؤها وتكاملها، وأن نتحلّى بصفات الآمرين الحقيقيّين، حتّى يكون لكلامنا أثره، ولفعلنا قبل كلامنا تأثيره.
1- ميزان الحكمة، ج 6، ص 255.
2- سورة آل عمران، الآية: 104.
3-نهج البلاغة، خطبة 156.
4-سورة النحل، الآية: 90.
5-سورة الأعراف، الآية: 29.
6-سورة البقرة، الآية: 268.
7-سورة البقرة، الآيتان: 168و 169.
8-سورة التوبة، الآية: 67.
9-نهج البلاغة، الخطبة: 1.
10-نهج البلاغة، الخطبة: 109.
11-م. ن، كتاب: 28.
12- بحار الأنوار، ج 44، ص 330.
13- سورةالتوبة،الآية: 71.
14- نهج البلاغة، الخطبة: 129.
15-سورة المائدة، الآيتان: 78 و 79.
16- نهج البلاغة، ج2، ص181.
17- نصائح لقمان لابنه، العلّامة المجلسي، المحجّة البيضاء، ص 44.
18-سورة النحل،الآية: 125.
19-نهج البلاغة، كتاب 46.
20-م.ن، قصار الكلمات 142.
21- م. ن، قصار الكلمات: 6.
22- بحار الأنوار، ج 75، ص 82، ح 79.
23- بحار الأنوار، ج 14، ص 509، ح 37.
24-في نسخة: لم يتغيّر.
25- بحار الأنوار، ج 60، ص 213، ح 48.
26-م.ن، ج 97، ص 87، ح 65.
27- سورة الصف، الآية: 2.
28-سورة البقرة، الآية: 44.
29-نهج البلاغة، الخطبة: 105.
30- حكم لقمان، محمد الري شهري، ص 36.
31-حكم لقمان، محمد الري شهري، 126.
32-نهج البلاغة، الخطبة: 129
33- م. ن، الخطبة، 175.
#أخلاق
#جهاد_التبيين
🍃شبكة المعارف الإسلامية
🍃جهادُ التبيين
رويَ عنْ رسولِ اللهِ (ص): «أقرَبُ النّاسِ مِن دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ أهلُ الجِهادِ، وأهلُ العِلمِ»[1].
لقدْ كانتْ وظيفةُ الأنبياءِ والرسلِ (عليهمُ السلام) بيانَ الحقِّ للناسِ، وهدايتَهم إلى الرشاد، قالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[2]. ولذلك، كانَ الأنبياءُ مِنْ أقربِ الناسِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ. ولكونِ العلماءِ ورثةَ الأنبياءِ، كانَ أهلُ العلمِ أقربَ مِنْ درجةِ النبوّةِ؛ لأنَّهم يؤدُّونَ دورَ التبيينِ للناس.
والتبيينُ يصبحُ جهاداً عندما يكونُ في مواجهةِ عدوٍّ يريدُ تزييفَ الحقائقِ وإضلالَ الناس، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «الجهادُ يعني بذلَ الجُهدِ في مواجهةِ العدوّ. ليسَ كلُّ جهدٍ جهاداً. ثمّةَ كثيرونَ يبذلونَ الجهود، يبذلونَ جهوداً علميّةً كبيرة، يبذلونَ جهوداً اقتصاديّة... هذا أمرٌ جيِّدٌ، وفي مكانِه، لكنَّه ليسَ جهاداً؛ الجهادُ يعني جهداً فيه استهدافٌ للعدوّ. هذا هو الجهاد».
ولذلكَ يؤكِّدُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) أنّ على الجميعِ القيامَ بهذا الدور: «أَولُوا أهمّيّةً لقضيّةِ التبيين. ثمّةَ حقائقُ كثيرةٌ ينبغي تبيينُها. في مواجهةِ هذه الحركةِ المظلَّلةِ التي تتدفَّقُ مِنْ مئةِ اتجاهٍ للتأثيرِ على الرأيِ العامّ، فإنَّ حركةَ التبيينِ تُحبِطُ مؤامرةَ العدوِّ وحركتَه. إنَّهُ بمنزلةِ الواجبِ على كلِّ واحدٍ منكُم أن تنيروا ما حولَكم كالمصباح».
وفي معرِضِ حديثِه عنْ جهادِ التبيين، يذكُرُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) أنَّ نضالَ الأئمّةِ (عليهمُ السلام) الأساسُ فيهِ كانَ مسألةَ التبيين:
«ما نوعُ جهادِ الأئمَّةِ (عليهمُ السلام)؟ لم يكنْ جهادُ الأئمّةِ (عليهمُ السلام) عسكريّاً باستثناءِ بعضِهم -أميرِ المؤمنينَ، والإمامِ الحسنِ المجتبى، والإمامِ الحسينِ (عليهمُ السلام) - قاتَلوا بالسيفِ فقط، وبقيّةُ الأئمّةِ (عليهمُ السلام) الذينَ لم يقاتلوا بالسيف، ماذا كانَ جهادُهم؟ «جهادَ التبيين». إنّني أكرِّرُ دائماً: التبيينُ أو جهادُ التبيين؛ بيِّنوا ونوِّروا».
ولذلك، الوظيفةُ اليومَ هي التبيينُ وكشفُ الحقائق، وهو سلاحُنا الفعَّالُ والمؤثِّرُ في مواجهةِ إمبراطوريّةِ «قَلْبِ الحقائق» التي تريدُها الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ للسيطرةِ على الدُوَل، ونهْبِ ثرواتِها، وتضليلِ الرأيِ العامّ.
وجهادُ السيِّدةِ زينبَ (عليها السلام) منذَ مسيرِها مَعَ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، وبعدَ شهادتِه، كانَ مِنْ أبرزِ مصاديقِ جهادِ التبيين. ويشهدُ لذلكَ كلامُها في مختلفِ المواطنِ، ولا سيَّما في الكوفةِ والشام، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «زينبُ الكبرى (عليها السلام) سيّدةٌ بارزةٌ في تاريخِ البشريّة، لا في تاريخِ الإسلامِ فحسب. حقّاً هي فريدة. تلك الإنسانةُ العظيمة [مصداقُ قولِ الشاعر]: «لا تقلْ هي امرأةٌ، فَيَدُ اللهِ مَعَها». ونحنُ قلَّما نجدُ إنساناً -رجلاً كانَ أو امرأة- يستطيعُ أنْ يخوضَ غمارَ الميادينِ الصعبةِ بهذِه القوّةِ والصلابة، كما خاضتْهُ تلكَ الإنسانة».
[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمال، ج4، ص310.
[2] سورة إبراهيم، الآية 4.
#جهاد_التبيين
🍃شبكة المعارف الإسلامية
🍃جهادُ التبيين
رويَ عنْ رسولِ اللهِ (ص): «أقرَبُ النّاسِ مِن دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ أهلُ الجِهادِ، وأهلُ العِلمِ»[1].
لقدْ كانتْ وظيفةُ الأنبياءِ والرسلِ (عليهمُ السلام) بيانَ الحقِّ للناسِ، وهدايتَهم إلى الرشاد، قالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾[2]. ولذلك، كانَ الأنبياءُ مِنْ أقربِ الناسِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ. ولكونِ العلماءِ ورثةَ الأنبياءِ، كانَ أهلُ العلمِ أقربَ مِنْ درجةِ النبوّةِ؛ لأنَّهم يؤدُّونَ دورَ التبيينِ للناس.
والتبيينُ يصبحُ جهاداً عندما يكونُ في مواجهةِ عدوٍّ يريدُ تزييفَ الحقائقِ وإضلالَ الناس، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «الجهادُ يعني بذلَ الجُهدِ في مواجهةِ العدوّ. ليسَ كلُّ جهدٍ جهاداً. ثمّةَ كثيرونَ يبذلونَ الجهود، يبذلونَ جهوداً علميّةً كبيرة، يبذلونَ جهوداً اقتصاديّة... هذا أمرٌ جيِّدٌ، وفي مكانِه، لكنَّه ليسَ جهاداً؛ الجهادُ يعني جهداً فيه استهدافٌ للعدوّ. هذا هو الجهاد».
ولذلكَ يؤكِّدُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) أنّ على الجميعِ القيامَ بهذا الدور: «أَولُوا أهمّيّةً لقضيّةِ التبيين. ثمّةَ حقائقُ كثيرةٌ ينبغي تبيينُها. في مواجهةِ هذه الحركةِ المظلَّلةِ التي تتدفَّقُ مِنْ مئةِ اتجاهٍ للتأثيرِ على الرأيِ العامّ، فإنَّ حركةَ التبيينِ تُحبِطُ مؤامرةَ العدوِّ وحركتَه. إنَّهُ بمنزلةِ الواجبِ على كلِّ واحدٍ منكُم أن تنيروا ما حولَكم كالمصباح».
وفي معرِضِ حديثِه عنْ جهادِ التبيين، يذكُرُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه) أنَّ نضالَ الأئمّةِ (عليهمُ السلام) الأساسُ فيهِ كانَ مسألةَ التبيين:
«ما نوعُ جهادِ الأئمَّةِ (عليهمُ السلام)؟ لم يكنْ جهادُ الأئمّةِ (عليهمُ السلام) عسكريّاً باستثناءِ بعضِهم -أميرِ المؤمنينَ، والإمامِ الحسنِ المجتبى، والإمامِ الحسينِ (عليهمُ السلام) - قاتَلوا بالسيفِ فقط، وبقيّةُ الأئمّةِ (عليهمُ السلام) الذينَ لم يقاتلوا بالسيف، ماذا كانَ جهادُهم؟ «جهادَ التبيين». إنّني أكرِّرُ دائماً: التبيينُ أو جهادُ التبيين؛ بيِّنوا ونوِّروا».
ولذلك، الوظيفةُ اليومَ هي التبيينُ وكشفُ الحقائق، وهو سلاحُنا الفعَّالُ والمؤثِّرُ في مواجهةِ إمبراطوريّةِ «قَلْبِ الحقائق» التي تريدُها الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيّةُ للسيطرةِ على الدُوَل، ونهْبِ ثرواتِها، وتضليلِ الرأيِ العامّ.
وجهادُ السيِّدةِ زينبَ (عليها السلام) منذَ مسيرِها مَعَ الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، وبعدَ شهادتِه، كانَ مِنْ أبرزِ مصاديقِ جهادِ التبيين. ويشهدُ لذلكَ كلامُها في مختلفِ المواطنِ، ولا سيَّما في الكوفةِ والشام، يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ (دامَ ظلُّه): «زينبُ الكبرى (عليها السلام) سيّدةٌ بارزةٌ في تاريخِ البشريّة، لا في تاريخِ الإسلامِ فحسب. حقّاً هي فريدة. تلك الإنسانةُ العظيمة [مصداقُ قولِ الشاعر]: «لا تقلْ هي امرأةٌ، فَيَدُ اللهِ مَعَها». ونحنُ قلَّما نجدُ إنساناً -رجلاً كانَ أو امرأة- يستطيعُ أنْ يخوضَ غمارَ الميادينِ الصعبةِ بهذِه القوّةِ والصلابة، كما خاضتْهُ تلكَ الإنسانة».
[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمال، ج4، ص310.
[2] سورة إبراهيم، الآية 4.
#أخلاق
#جهاد_التبيين
🍃جهاد التبيين: مسؤوليّتنا جميعاً(*)
سماحة السيّد حسن نصر ال..(حفظه الله)
أثار الإمام الخامnئيّ دام ظله، في السنوات الماضية، أهميّة جهاد التبيين، وبات سماحته يطرح هذا الموضوع كثيراً في الآونة الأخيرة، فلا يعدّه أمراً مستحبّاً، وإنّما ينظر إليه كأمر واجب وضروريّ وفوريّ، غير قابل للتأجيل.
وليس جهاد التبيين مسألة جديدة وطارئة، وإنّما تمتدّ جذوره إلى أكثر من ألف عام، حيث مارسه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وهو ما سنتعرّف إليه في هذا المقال.
أوّلاً: الأنبياء عليهم السلام ومهام جهاد التبيين
1. التبيين المهمّة الأساسيّة: إنّ العمل الأوّل والأساسيّ للأنبياء والرسل عليهم السلام هو تبيين الحقائق والوقائع للناس، وهذا ما يبيّنه الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (إبراهيم: 3)؛ فالأنبياء عليهم السلام كانوا يأتون إلى الناس بدعوة الحقّ، فيبيّنون لهم الحقائق والوقائع، ويدعونهم إلى عبادة الله الواحد، لا الكواكب والأصنام والأخشاب والحيوانات، لما فيه نجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
2. مهمّة عسيرة: لم تكن مهمّة الأنبياء عليهم السلام سهلة وبسيطة، بطبيعة الحال، وإنّما كان ثمّة من يعترض طريقهم في نشر دعوة الحقّ، ويواجههم، ويتصدّى لهم بشتّى الأشكال، وصولاً إلى استخدام العنف والقتل. ولهذا السبب، يعدّ هذا العمل نوعاً من أنواع الجهاد؛ لأنّه ليس عملاً تبليغيّاً ودعويّاً وثقافيّاً عاديّاً وبسيطاً، إنّما هو عمليّة جهاد، بسبب ما يتطلّبه من تضحيات ومشقّة وتعب؛ فلم يكن من السهل على كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم السلام أن يأتي إلى قوم أو مجتمع ألِف عبادة الأصنام لمئات السنين، ويقول له أنّ هذه الأصنام التي يعبدها لا قيمة لها، وهي لا تنفع ولا تضرّ، ولا تحيي ولا تميت، لا بل كان يدعوهم إلى عبادة الإله الواحد، وهذا الأمر كان يستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً.
وكان الأنبياء عليهم السلام يقفون أيضاً في وجه ثقافة المجتمع السائدة آنذاك، التي كان يستغلّها الحكّام والطبقات الغنيّة في تلك المجتمعات، والتي كانت تقوم على التمييز العرقيّ والعنصريّ، والتمييز بين الجنسين، وكذلك التمييز على أساس اللون، واللغة، والغنى والفقر، والقوّة والضعف.
3. ثباتٌ وقوّةٌ: كان من الطبيعيّ أن يقف هؤلاء الطغاة في وجه تلك الدعوات، وهذا ما أدركه جيّداً الأنبياء عليهم السلام جميعهم، الذين كانوا يدخلون في تحدٍّ كبير قاسٍ وعنيف لتحقيق الغايات التي جاؤوا من أجلها. الأمر الذي كان يتطلّب جرأة وشجاعة، وهو ما تحلّى به أنبياؤنا جميعاً، حتّى يتمكّنوا من الوقوف في وجه هذه الموجة العاتية، وفي وجه هؤلاء الفراعنة والنماردة والطواغيت والطبقة الحاكمة المستبدّة الظالمة؛ فلم يخافوا، أو يتزلزلوا، أو يتراجعوا أمام أيّ ترغيب أو ترهيب أو تعذيب أو تهديد بالقتل. وقد واجه أنبياؤنا عليهم السلام شتّى أنواع الترهيب والتعذيب، مع العلم أنّهم لم يحملوا سيفاً في وجه أحد، وإنّما كان سلاحهم جهاد التبيين؛ فتعرّضوا للشتائم والإهانات، والاتّهام بالسحر والجنون، كما حصل مع النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وتعرّضوا كذلك للأذى الجسديّ، وصولاً إلى طردهم من قراهم وعزلهم، فضلاً عن محاولات قتلهم، كما حصل مع النبيّ إبراهيم عليه السلام، عندما رُمي في النار.
والأمر نفسه حصل أيضاً مع أتباع الأنبياء عليهم السلام وأصحابهم، فقُطّعت أيديهم وأرجلهم ليتراجعوا عن مواقفهم، وقُرّضوا بالمقاريض، والأمثلة على ذلك كثيرة في كتب التاريخ. ومع ذلك كلّه، لم يستسلم أنبياؤنا وأتباعهم، ولم يتراجعوا عن إيمانهم، لا بل ثبتوا على مواقفهم العقائديّة والإيمانيّة والفكريّة.
ثانياً: الحركة الحسينيّة وجهاد التبيين
1. التبيين عنوان الحركة الحسينيّة: الحركة الحسينيّة، أيضاً، حركة إيمانيّة وجهاديّة منذ اللحظة الأولى التي وقف فيها الإمام الحسين عليه السلام في قصر الأمير الأمويّ في المدينة رافضاً البيعة ليزيد، وقائلاً كلمته المعروفة. لقد كان جهاد التبيين عنواناً كبيراً لهذه الحركة من بدايتها إلى نهايتها؛ أي منذ اتّخاذ القرار في المدينة وحتّى الشهادة وما بعدها. فالإمام الحسين عليه السلام كان يعلم منذ اللحظة الأولى لخروجه من المدينة إلى أين هو ذاهب والمصير الذي ينتظره. كان على علم واضح جدّاً بالمكان والزمان والعدوّ والأحداث، وكان يعلم أنّه ماضٍ وصحبه إلى الشهادة.
لقد قام الإمام الحسين عليه السلام من أجل أن يحقّق مجموعةً من الأهداف.
#جهاد_التبيين
🍃جهاد التبيين: مسؤوليّتنا جميعاً(*)
سماحة السيّد حسن نصر ال..(حفظه الله)
أثار الإمام الخامnئيّ دام ظله، في السنوات الماضية، أهميّة جهاد التبيين، وبات سماحته يطرح هذا الموضوع كثيراً في الآونة الأخيرة، فلا يعدّه أمراً مستحبّاً، وإنّما ينظر إليه كأمر واجب وضروريّ وفوريّ، غير قابل للتأجيل.
وليس جهاد التبيين مسألة جديدة وطارئة، وإنّما تمتدّ جذوره إلى أكثر من ألف عام، حيث مارسه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وهو ما سنتعرّف إليه في هذا المقال.
أوّلاً: الأنبياء عليهم السلام ومهام جهاد التبيين
1. التبيين المهمّة الأساسيّة: إنّ العمل الأوّل والأساسيّ للأنبياء والرسل عليهم السلام هو تبيين الحقائق والوقائع للناس، وهذا ما يبيّنه الله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (إبراهيم: 3)؛ فالأنبياء عليهم السلام كانوا يأتون إلى الناس بدعوة الحقّ، فيبيّنون لهم الحقائق والوقائع، ويدعونهم إلى عبادة الله الواحد، لا الكواكب والأصنام والأخشاب والحيوانات، لما فيه نجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة.
2. مهمّة عسيرة: لم تكن مهمّة الأنبياء عليهم السلام سهلة وبسيطة، بطبيعة الحال، وإنّما كان ثمّة من يعترض طريقهم في نشر دعوة الحقّ، ويواجههم، ويتصدّى لهم بشتّى الأشكال، وصولاً إلى استخدام العنف والقتل. ولهذا السبب، يعدّ هذا العمل نوعاً من أنواع الجهاد؛ لأنّه ليس عملاً تبليغيّاً ودعويّاً وثقافيّاً عاديّاً وبسيطاً، إنّما هو عمليّة جهاد، بسبب ما يتطلّبه من تضحيات ومشقّة وتعب؛ فلم يكن من السهل على كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم السلام أن يأتي إلى قوم أو مجتمع ألِف عبادة الأصنام لمئات السنين، ويقول له أنّ هذه الأصنام التي يعبدها لا قيمة لها، وهي لا تنفع ولا تضرّ، ولا تحيي ولا تميت، لا بل كان يدعوهم إلى عبادة الإله الواحد، وهذا الأمر كان يستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً.
وكان الأنبياء عليهم السلام يقفون أيضاً في وجه ثقافة المجتمع السائدة آنذاك، التي كان يستغلّها الحكّام والطبقات الغنيّة في تلك المجتمعات، والتي كانت تقوم على التمييز العرقيّ والعنصريّ، والتمييز بين الجنسين، وكذلك التمييز على أساس اللون، واللغة، والغنى والفقر، والقوّة والضعف.
3. ثباتٌ وقوّةٌ: كان من الطبيعيّ أن يقف هؤلاء الطغاة في وجه تلك الدعوات، وهذا ما أدركه جيّداً الأنبياء عليهم السلام جميعهم، الذين كانوا يدخلون في تحدٍّ كبير قاسٍ وعنيف لتحقيق الغايات التي جاؤوا من أجلها. الأمر الذي كان يتطلّب جرأة وشجاعة، وهو ما تحلّى به أنبياؤنا جميعاً، حتّى يتمكّنوا من الوقوف في وجه هذه الموجة العاتية، وفي وجه هؤلاء الفراعنة والنماردة والطواغيت والطبقة الحاكمة المستبدّة الظالمة؛ فلم يخافوا، أو يتزلزلوا، أو يتراجعوا أمام أيّ ترغيب أو ترهيب أو تعذيب أو تهديد بالقتل. وقد واجه أنبياؤنا عليهم السلام شتّى أنواع الترهيب والتعذيب، مع العلم أنّهم لم يحملوا سيفاً في وجه أحد، وإنّما كان سلاحهم جهاد التبيين؛ فتعرّضوا للشتائم والإهانات، والاتّهام بالسحر والجنون، كما حصل مع النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وتعرّضوا كذلك للأذى الجسديّ، وصولاً إلى طردهم من قراهم وعزلهم، فضلاً عن محاولات قتلهم، كما حصل مع النبيّ إبراهيم عليه السلام، عندما رُمي في النار.
والأمر نفسه حصل أيضاً مع أتباع الأنبياء عليهم السلام وأصحابهم، فقُطّعت أيديهم وأرجلهم ليتراجعوا عن مواقفهم، وقُرّضوا بالمقاريض، والأمثلة على ذلك كثيرة في كتب التاريخ. ومع ذلك كلّه، لم يستسلم أنبياؤنا وأتباعهم، ولم يتراجعوا عن إيمانهم، لا بل ثبتوا على مواقفهم العقائديّة والإيمانيّة والفكريّة.
ثانياً: الحركة الحسينيّة وجهاد التبيين
1. التبيين عنوان الحركة الحسينيّة: الحركة الحسينيّة، أيضاً، حركة إيمانيّة وجهاديّة منذ اللحظة الأولى التي وقف فيها الإمام الحسين عليه السلام في قصر الأمير الأمويّ في المدينة رافضاً البيعة ليزيد، وقائلاً كلمته المعروفة. لقد كان جهاد التبيين عنواناً كبيراً لهذه الحركة من بدايتها إلى نهايتها؛ أي منذ اتّخاذ القرار في المدينة وحتّى الشهادة وما بعدها. فالإمام الحسين عليه السلام كان يعلم منذ اللحظة الأولى لخروجه من المدينة إلى أين هو ذاهب والمصير الذي ينتظره. كان على علم واضح جدّاً بالمكان والزمان والعدوّ والأحداث، وكان يعلم أنّه ماضٍ وصحبه إلى الشهادة.
لقد قام الإمام الحسين عليه السلام من أجل أن يحقّق مجموعةً من الأهداف.
ولو انتهى الأمر عند دفن أجساد الشهداء الطاهرة بعد معركة كربلاء في العاشر من محرّم، ولم تقم السيّدة زنيب عليها السلام والإمام زين العابدين عليه السلام بنقل كلّ ما حصل في تلك المعركة، فضلاً عن شرح أهدافها، ونقل الوقائع وتبيينها، إلى كلّ البشريّة في ذاك الزمان، وإلى كلّ الأجيال الآتية إلى قيام الساعة، فلو حصل ذلك كلّه، لما حقّقت ثورة الحسين عليه السلام أهدافها، ولما وصلنا شيء منها أبداً؛ لأنّ هذه الثورة لم تنته بعد مصرعه عليه السلام وأهل بيته وأصحابه، وإنّما بدأت بعد هذه الشهادة المباركة بمهمّة جهاد التبيين.
2. قائدٌ حكيمٌ: كان الإمام الحسين عليه السلام يدرك جيّداً أنّه بحاجة إلى قائد حكيم ومخلص يؤدّي مهمّة عظيمة وخطيرة وجوهريّة، يتوقّف عليها كلّ الإنجاز، ومن دونها تضيع الدماء والأجساد، وهي مهمّة التبيين. ما كان يقتضي أن يتحلّى ذاك القائد بالفهم والمعرفة والبيان والبلاغة والفصاحة والبصيرة، والشجاعة والصلابة حتّى يكون قادراً على الثبات في المواقف الصعبة والمهولة التي سيشهدها أمام عينيه، وأن يكون مدركاً لأهداف الثورة الحسينيّة، فضلاً عن قدرته على مخاطبة العقول والقلوب والتأثير عاطفيّاً في الناس. وكان يجب أيضاً أن يحظى بمكانة اجتماعيّة مرموقة بين الناس حتّى يصغوا إليه باحترام، ويؤثّر فيهم. فضلاً عن ذلك، كان الإمام عليه السلام يدرك أيضاً أنّه بحاجة إلى ضمانة كي لا يُقتل ذلك الشخص، وحتّى يقوم بالمهمّة المطلوبة منه، وهذه الضمانة تقتضي أن يختار امرأة لتأدية هذا الدور؛ لأنّ المنطق في ذلك الوقت كان يقضي أن لا يُقدم هؤلاء على قتل امرأة.
3. خطّةٌ مدروسةٌ: إنّ مرافقة السيّدة زينب عليها السلام لأخيها الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء في تلك الرحلة الخطيرة، وتركها لزوجها وعائلتها، لم يكن لأسباب أخويّة وعاطفيّة وعائليّة، وإنّما كان قراراً ينطلق من خطّة مدروسة وتدبير إلهيّ له علاقة بالمهام الموكلة لهذين العظيمين في حادثة كربلاء، الحسين وزينب عليهما السلام. لا بل نستطيع أن نقول أكثر من ذلك، إنّ السيّدة زينب عليها السلام أُعدّت، منذ طفولتها، وهُيئت وعُلّمت وثُقّفت ورُبيّت وجُهّزت لهذه المهمّة الإلهيّة العظيمة التي كان يتوقّف عليها حفظ الإسلام إلى قيام الساعة، وعندما أنجزت المهمّة غادرت هذه الحياة.
وإنّ مجرّد انتقال موكب السبايا من مكان إلى آخر، كان كافياً ليُحدث هزّة كبيرة لدى الناس، الذين اكتشفوا أنّ هؤلاء السبايا هنّ بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام، وزوجات الحسن والحسين عليهما السلام.
أمّا التأثير الأقوى، فكان في الكوفة، عندما وقفت السيّدة زينب عليها السلام صلبةً شامخةً أمام عبيد الله بن زياد الذي سألها: "كيف رأيت صنع الله بأخيك؟"، فأجابته بتلك الإجابة المدوّية، التي لا تزال أصداؤها إلى يومنا هذا: "ما رأيتُ إلّا جميلاً"(1). وكذلك الأمر في مجلس يزيد في دمشق، حيث وقفت أيضاً قويّة راسخة أمام الطاغية يزيد وهي تخطب ببلاغة أبيها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والجميع يصغون إليها ويبكون من شدّة تأثّرهم.
ثالثاً: مسؤوليّتنا في جهاد التبيين
1. مسؤوليّةٌ جماعيّةٌ: عندما نأتي إلى زماننا المعاصر، نجد أنّ المقاومة مارست جهاد التبيين أيضاً، على مدى أربعين عاماً، من خلال علمائنا ومشايخنا وإخواننا وأخواتنا، الذين لعبوا دوراً مهمّاً في تلك المرحلة في الدعوة إلى المقاومة والتأييد لها ومساندتها، ويأتي في مقدّمتهم الإمام الخmينيّ قدس سره والسيّد عبّاس الموسويّ والشيخ راغب حرب (رضوان الله عليهما) وغيرهم الكثير. فالمqاومة ليست عملاً مسلّحاً فقط، وهي ما كانت لتستمرّ وتتعاظم وتكبر لولا جهاد التبيين.
أمّا نحن، فكيف نستفيد من جهاد التبيين؟ وما هي مسؤوليّاتنا تجاهه؟
يقول الإمام الخامnئيّ دام ظله: إنّ جهاد التبيين هو واجب حتميّ وفوريّ، بمعنى أنّه يجب عدم تأجيله، بل القيام به في وقته حتّى يقوم بالتأثير المطلوب.
وهو أيضاً مسؤوليّتنا كلّنا، فعلى الجميع: من علماء، وخطباء، وأساتذة، ومثقّفين، وشعراء، وأدباء، وفنّانين، وكتّاب، ورجال، ونساء، وشباب، وشابّات، وغيرهم أن يبيّنوا ويشرحوا ويوضّحوا للآخرين، كلّ ضمن دائرة علاقاته ومحيطه، وحسب قدرته في التأثير على الآخرين. إنّها مسؤوليّة كبيرة على عاتقنا، خصوصاً في هذا الزمن الخطير الذي نعيشه، في ظلّ ما تقوم به قوى الكفر والاستكبار والطغيان والاستبداد والنهب العالميّ، التي لا توفّر مالاً ولا سلاحاً ولا تهديداً لتحقيق أهدافها الشيطانيّة، سواء بالحصار أو بالعقوبات أو بالتجويع، وعبر استخدام وسائل الإعلام والإنترنت والمال.
2. قائدٌ حكيمٌ: كان الإمام الحسين عليه السلام يدرك جيّداً أنّه بحاجة إلى قائد حكيم ومخلص يؤدّي مهمّة عظيمة وخطيرة وجوهريّة، يتوقّف عليها كلّ الإنجاز، ومن دونها تضيع الدماء والأجساد، وهي مهمّة التبيين. ما كان يقتضي أن يتحلّى ذاك القائد بالفهم والمعرفة والبيان والبلاغة والفصاحة والبصيرة، والشجاعة والصلابة حتّى يكون قادراً على الثبات في المواقف الصعبة والمهولة التي سيشهدها أمام عينيه، وأن يكون مدركاً لأهداف الثورة الحسينيّة، فضلاً عن قدرته على مخاطبة العقول والقلوب والتأثير عاطفيّاً في الناس. وكان يجب أيضاً أن يحظى بمكانة اجتماعيّة مرموقة بين الناس حتّى يصغوا إليه باحترام، ويؤثّر فيهم. فضلاً عن ذلك، كان الإمام عليه السلام يدرك أيضاً أنّه بحاجة إلى ضمانة كي لا يُقتل ذلك الشخص، وحتّى يقوم بالمهمّة المطلوبة منه، وهذه الضمانة تقتضي أن يختار امرأة لتأدية هذا الدور؛ لأنّ المنطق في ذلك الوقت كان يقضي أن لا يُقدم هؤلاء على قتل امرأة.
3. خطّةٌ مدروسةٌ: إنّ مرافقة السيّدة زينب عليها السلام لأخيها الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء في تلك الرحلة الخطيرة، وتركها لزوجها وعائلتها، لم يكن لأسباب أخويّة وعاطفيّة وعائليّة، وإنّما كان قراراً ينطلق من خطّة مدروسة وتدبير إلهيّ له علاقة بالمهام الموكلة لهذين العظيمين في حادثة كربلاء، الحسين وزينب عليهما السلام. لا بل نستطيع أن نقول أكثر من ذلك، إنّ السيّدة زينب عليها السلام أُعدّت، منذ طفولتها، وهُيئت وعُلّمت وثُقّفت ورُبيّت وجُهّزت لهذه المهمّة الإلهيّة العظيمة التي كان يتوقّف عليها حفظ الإسلام إلى قيام الساعة، وعندما أنجزت المهمّة غادرت هذه الحياة.
وإنّ مجرّد انتقال موكب السبايا من مكان إلى آخر، كان كافياً ليُحدث هزّة كبيرة لدى الناس، الذين اكتشفوا أنّ هؤلاء السبايا هنّ بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّ بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة الزهراء عليها السلام، وزوجات الحسن والحسين عليهما السلام.
أمّا التأثير الأقوى، فكان في الكوفة، عندما وقفت السيّدة زينب عليها السلام صلبةً شامخةً أمام عبيد الله بن زياد الذي سألها: "كيف رأيت صنع الله بأخيك؟"، فأجابته بتلك الإجابة المدوّية، التي لا تزال أصداؤها إلى يومنا هذا: "ما رأيتُ إلّا جميلاً"(1). وكذلك الأمر في مجلس يزيد في دمشق، حيث وقفت أيضاً قويّة راسخة أمام الطاغية يزيد وهي تخطب ببلاغة أبيها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والجميع يصغون إليها ويبكون من شدّة تأثّرهم.
ثالثاً: مسؤوليّتنا في جهاد التبيين
1. مسؤوليّةٌ جماعيّةٌ: عندما نأتي إلى زماننا المعاصر، نجد أنّ المقاومة مارست جهاد التبيين أيضاً، على مدى أربعين عاماً، من خلال علمائنا ومشايخنا وإخواننا وأخواتنا، الذين لعبوا دوراً مهمّاً في تلك المرحلة في الدعوة إلى المقاومة والتأييد لها ومساندتها، ويأتي في مقدّمتهم الإمام الخmينيّ قدس سره والسيّد عبّاس الموسويّ والشيخ راغب حرب (رضوان الله عليهما) وغيرهم الكثير. فالمqاومة ليست عملاً مسلّحاً فقط، وهي ما كانت لتستمرّ وتتعاظم وتكبر لولا جهاد التبيين.
أمّا نحن، فكيف نستفيد من جهاد التبيين؟ وما هي مسؤوليّاتنا تجاهه؟
يقول الإمام الخامnئيّ دام ظله: إنّ جهاد التبيين هو واجب حتميّ وفوريّ، بمعنى أنّه يجب عدم تأجيله، بل القيام به في وقته حتّى يقوم بالتأثير المطلوب.
وهو أيضاً مسؤوليّتنا كلّنا، فعلى الجميع: من علماء، وخطباء، وأساتذة، ومثقّفين، وشعراء، وأدباء، وفنّانين، وكتّاب، ورجال، ونساء، وشباب، وشابّات، وغيرهم أن يبيّنوا ويشرحوا ويوضّحوا للآخرين، كلّ ضمن دائرة علاقاته ومحيطه، وحسب قدرته في التأثير على الآخرين. إنّها مسؤوليّة كبيرة على عاتقنا، خصوصاً في هذا الزمن الخطير الذي نعيشه، في ظلّ ما تقوم به قوى الكفر والاستكبار والطغيان والاستبداد والنهب العالميّ، التي لا توفّر مالاً ولا سلاحاً ولا تهديداً لتحقيق أهدافها الشيطانيّة، سواء بالحصار أو بالعقوبات أو بالتجويع، وعبر استخدام وسائل الإعلام والإنترنت والمال.
2. مواجهة مخطّطات الإفساد: إنّنا جميعاً، شعوب هذه المنطقة، مستهدفون في تلك المخطّطات، التي لا تسعى وراء تحقيق أهداف سياسيّة وعسكريّة وعقوبات اقتصاديّة فقط، وإنّما تعمل أيضاً، وخصوصاً الولايات المتّحدة الأميركيّة وبعض القوى الغربيّة، على إفساد البشريّة أخلاقيّاً وروحيّاً، عبر الترويج لقضايا لا تمتّ إلى الأديان السماويّة والأخلاق بصلة، يأتي في مقدّمتها قضيّة المثليّة الجنسيّة، التي باتت في قائمة الأولويّات التي تسعى تلك الدول إلى تكريسها، لا بل إلى فرضها أحياناً، في حين أنّها تشكّل خطراً كبيراً يتهدّد كلّ المجتمعات، الأمر الذي يتطلّب منّا جميعاً الاستنفار بهدف مواجهتها والتصدّي لها دون أيّ تأجيل أو تأخير، وقبل فوات الأوان، حيث يصبح من الصعب السيطرة عليها أو دفع خطرها.
(*) من كلمة لسماحته (حفظه الله) في الليلة السابعة من عاشوراء 1443هـ، تاريخ 4/8/2022م.
(1) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 45، ص116.
(*) من كلمة لسماحته (حفظه الله) في الليلة السابعة من عاشوراء 1443هـ، تاريخ 4/8/2022م.
(1) العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 45، ص116.
#الفراغ_القاتل
#اخلاق
🍃شبكة المعارف الإسلامية
🍃الفراغ القاتل
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُون﴾1.
تمهيد
روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "خصلتان كثير من الناس مفتون فيهما، الصحّة والفراغ"2.
الوقت والعمر والأيّام، الليل والنهار والدقائق واللحظات رأس مال العبد، وهو نعمة من أعظم نعم الله عزّ وجلّ عليه.
وقد أقسم الله عزّ وجلّ بالزمان لأهميّته في العديد من آيات القرآن, فقد أقسم بالعصر، وبالليل والنهار، وبالفجر وبالضحى، فقال عزّ وجلّ: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر﴾3.
وقال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾4.
وقال تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾5.
وقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾6.
وقيمة الزمن تكمن في أنّ الله عزّ وجلّ جعله فرصة للإيمان، والعمل الصالح، وهما سبب السعادة في الدنيا والآخرة.
نعمة العمر
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وشبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه؟ وعن حبّنا أهل البيت"7.
فيسأل العبد يوم القيامة سؤالين عن الزمن، عن عمره فيما أفناه عامّة، وعن شبابه فيما أبلاه خاصّة.
والمغبون هو الّذي باع شيئاً بأقلّ من ثمنه، أو اشترى شيئاً بأكثر من ثمنه، فالصحّة والوقت نعمتان عظيمتان، أكثر الناس لا يستفيد منهما ويضيّعهما ثم يندم عليهما، وخطر الأوقات والأنفاس كذلك مع كونهما رأس مال العبد وفرصة الأعمال الصالحة، أنّ عدد الأنفاس الّتي قدّرها الله عزّ وجلّ لنا غيب، فلا ندري متى تذهب أنفاس حياتنا.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : "نفس المرء خطاه إلى أجله"8.
فالله عزّ وجلّ قدّر لنا عدداً محدداً من الأنفاس فكلما تنفّس العبد نفسا سجّل عليه، حتّى يصل العبد إلى آخر العدد المقدّر له، عند ذلك يكون خروج النفس وينتقل العبد من دار العمل ولا حساب إلى دار الحساب ولا عمل.
وإنّما يدرك العبد خطر الوقت والعمر إذا فقد هذه النعمة فعند ذلك يتمنّى أن يرجع إلى الدنيا لا من أجل أن يجمع حطامها وشهواتها، بل من أجل أن يجتهد في طاعة الله عزّ وجلّ.
قال تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾9.
وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِير﴾10.
فالعمر والوقت نعمة من الله عزّ وجلّ، فمن شكرها بطاعة الله عزّ وجلّ وأنفقها في سبيل الله تقول له الملائكة يوم القيامة: ﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾11 ، وتقول له في الجنّة: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾12.
فينبغي على العبد أن يعرف خطر الأوقات واللحظات، وكان بعض الحكماء ممّن يقدر قيمة الوقت إذا جلس الناس عنده فأطالوا الجلوس يقول: "أما تريدون أن تقوموا، قد كان قبلكم أقوام أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم".
الفراغ قد يكون جالباً للشرور والمفاسد
لا ينبغي للمؤمن أن يكون عنده فراغ، بل هو جادّ متهيّئ للقاء الله عزّ وجلّ فالأمم المتحضّرة في عالم المادّة تحسب الثواني لأنّها تسابق الزمن، والمؤمن أولى وأحرى وأجدر وأقدر.
لام الله المفرطين في أوقاتهم فقال جلّ اسمه: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُون﴾13.
عند كثير من الشباب فراغ لا يدرون كيف يصرفونه، عندهم كتب العلم والمعرفة ولكن بينهم وبين المطالعة عقبة بل عقبات..
ومن الأزمات الّتي نعاني منها عدم الإحساس بقيمة الوقت، ولا ندري كيف نستفيد منه وكأنّه عبء على ظهورنا نريد التخلّص منه, بل يقيم الكثيرون أعيادا لميلادهم، مع أنّ اللازم أن يحزنوا على فراق هذه الأيّام وتفويتها لأنّهم لم يستغلّوها كما ينبغي.
#اخلاق
🍃شبكة المعارف الإسلامية
🍃الفراغ القاتل
يقول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُون﴾1.
تمهيد
روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "خصلتان كثير من الناس مفتون فيهما، الصحّة والفراغ"2.
الوقت والعمر والأيّام، الليل والنهار والدقائق واللحظات رأس مال العبد، وهو نعمة من أعظم نعم الله عزّ وجلّ عليه.
وقد أقسم الله عزّ وجلّ بالزمان لأهميّته في العديد من آيات القرآن, فقد أقسم بالعصر، وبالليل والنهار، وبالفجر وبالضحى، فقال عزّ وجلّ: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر﴾3.
وقال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾4.
وقال تعالى: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾5.
وقال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾6.
وقيمة الزمن تكمن في أنّ الله عزّ وجلّ جعله فرصة للإيمان، والعمل الصالح، وهما سبب السعادة في الدنيا والآخرة.
نعمة العمر
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وشبابه فيما أبلاه؟ وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه؟ وعن حبّنا أهل البيت"7.
فيسأل العبد يوم القيامة سؤالين عن الزمن، عن عمره فيما أفناه عامّة، وعن شبابه فيما أبلاه خاصّة.
والمغبون هو الّذي باع شيئاً بأقلّ من ثمنه، أو اشترى شيئاً بأكثر من ثمنه، فالصحّة والوقت نعمتان عظيمتان، أكثر الناس لا يستفيد منهما ويضيّعهما ثم يندم عليهما، وخطر الأوقات والأنفاس كذلك مع كونهما رأس مال العبد وفرصة الأعمال الصالحة، أنّ عدد الأنفاس الّتي قدّرها الله عزّ وجلّ لنا غيب، فلا ندري متى تذهب أنفاس حياتنا.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : "نفس المرء خطاه إلى أجله"8.
فالله عزّ وجلّ قدّر لنا عدداً محدداً من الأنفاس فكلما تنفّس العبد نفسا سجّل عليه، حتّى يصل العبد إلى آخر العدد المقدّر له، عند ذلك يكون خروج النفس وينتقل العبد من دار العمل ولا حساب إلى دار الحساب ولا عمل.
وإنّما يدرك العبد خطر الوقت والعمر إذا فقد هذه النعمة فعند ذلك يتمنّى أن يرجع إلى الدنيا لا من أجل أن يجمع حطامها وشهواتها، بل من أجل أن يجتهد في طاعة الله عزّ وجلّ.
قال تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾9.
وقال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِير﴾10.
فالعمر والوقت نعمة من الله عزّ وجلّ، فمن شكرها بطاعة الله عزّ وجلّ وأنفقها في سبيل الله تقول له الملائكة يوم القيامة: ﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾11 ، وتقول له في الجنّة: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾12.
فينبغي على العبد أن يعرف خطر الأوقات واللحظات، وكان بعض الحكماء ممّن يقدر قيمة الوقت إذا جلس الناس عنده فأطالوا الجلوس يقول: "أما تريدون أن تقوموا، قد كان قبلكم أقوام أحرص على أوقاتهم من حرصكم على دنانيركم ودراهمكم".
الفراغ قد يكون جالباً للشرور والمفاسد
لا ينبغي للمؤمن أن يكون عنده فراغ، بل هو جادّ متهيّئ للقاء الله عزّ وجلّ فالأمم المتحضّرة في عالم المادّة تحسب الثواني لأنّها تسابق الزمن، والمؤمن أولى وأحرى وأجدر وأقدر.
لام الله المفرطين في أوقاتهم فقال جلّ اسمه: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُون﴾13.
عند كثير من الشباب فراغ لا يدرون كيف يصرفونه، عندهم كتب العلم والمعرفة ولكن بينهم وبين المطالعة عقبة بل عقبات..
ومن الأزمات الّتي نعاني منها عدم الإحساس بقيمة الوقت، ولا ندري كيف نستفيد منه وكأنّه عبء على ظهورنا نريد التخلّص منه, بل يقيم الكثيرون أعيادا لميلادهم، مع أنّ اللازم أن يحزنوا على فراق هذه الأيّام وتفويتها لأنّهم لم يستغلّوها كما ينبغي.
فالوقت يمضي سدى, لا مطالعة، لا ذكر، لا قراءة, لا عمل بل بطالة وتضييع بانتظار ما هو أشدّ وأدهى ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾14.
إنّ أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق، تجنح ذات اليمين وذات الشمال.
والسبب هو أنّ هذا الفارغ لا همّ له إلّا أن يقتل وقته كيفما كان، فهو لا يملك قيادة نفسه بل هو منقاد لكلّ ما يحقّق له تجاوز هذا الزمن ولو بما حرّم الله.
لذلك كان الفراغ من جملة الأسباب الداعية إلى ارتكاب المفاسد، ومن هنا كان الإمام زين العابدين عليه السلام يرشدنا في دعائه إلى خطورة الفراغ فيقول عليه السلام : "فإن قدّرتَ لنا فراغاً من شغل فاجعله فراغ سلامة, لا تدركنا فيه تبِعة, ولا تلحقنا فيه سآمة, حتّى ينصرف عنّا كتّاب السيّئات بصحيفة خالية من ذكر سيّئاتنا, ويتولّى كتّاب الحسنات عنّا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا"15.
ويقول في دعاء مكارم الأخلاق : "اللّهمّ صلّ على محمّد وآله, واكفني ما يشغلني الاهتمام به, واستعملني بما تسألني غداً عنه واستفرغ أيّامي في ما خلقتني له"16.
الفراغ سبب للهمّ والغمّ
وذلك لأنّ هذا الفراغ يسحب لك ملفّات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة.
إنّ الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الّذي يمارَس في سجون مدّعي الحضارة,حيث يوضع السجين تحت أنبوب يقطر كلّ بضع ثوان قطرة، وفي فترات انتظار هذه القطرات يُصاب السجين بالجنون..
الفراغ محرّك لكلّ النوازع المكبوتة والرغبات الشهوانيّة
الفراغ ينعكس على صورة الفرد عند ذاته حيث يرى نفسه وقد أصبح بلا جدوى ولا منفعة، أصبح أنسانا بلا هدف وحياة بلا روح, لا معنى لوجوده ممّا يجعله يبحث عن الهروب والميل إلى الحيل النفسيّة بعيداً عن المواجهة وتحمل المسؤوليّة فتجده قد يستخدم المسكرات والمخدّرات والبحث عن الرذيلة علّه يجد متعة أو لذّة، ولقد بيّنت الأبحاث والدراسات الّتي أجريت على مرتكبي الجرائم والمخالفات أنّ الفراغ هو المحرك لكلّ النوازع المكبوتة والرغبات الشهوانيّة.
يقول الشاعر:
إنّ الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أيّ مفسدة
إنّ استغلال الوقت واستثماره له فوائد عظيمة على الشابّ نفسه والأسرة والمجتمع، كما إنّ ضياع الوقت أو العبث قد يكون سبباً في تدهور شخصيّة الشاب.
إذاً: املأ وقتك ولا تستسلم للفراغ, صلِّ، اقرأ، طالع، اكتب، اعمل، تحرّك، انفع غيرك, حتّى تقضي على الفراغ فإنّ النفس إذا لم تُشغل بالطاعة شُغلت بالمعصية.
كيف نواجه الفراغ؟
لابدّ للمؤمن وهو يعيش في هذا المجتمع المحاط بالأجواء الموبوءة أن يحصّن نفسه ضدّ عوارض ومخاطر الفراغ، ولا بدّ له أن يخلق الأجواء الدينيّة المناسبة لهذا التحصين، عملاً بقوله تعالى ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ والتزاما بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته"17، وأوّل ما سنسأل عنه هو هذه النفس, أين وضعناها وفي أيّ طريق سلكنا بها؟
ويتمّ ذلك التحصين من خلال أمور منها:
1- الالتزام بالمواظبة على تلاوة بعض من آيات القرآن الكريم كلّ يوم بقدر الإمكان، أو أقلّه بالإنصات إلى مقرئيها بخشوع وتدبّر وتفكر، ففيها ﴿بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾18 ذلك أنّه "ما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عمى، واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد بعد القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم فإن فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبّه ولا تسألوا به خلقه إنّه ما توجه العباد إلى الله بمثله، واعلموا أنه شافع مشفّع وقائل مصدّق وأنّه من شَفَعَ له القرآن يوم القيامة شفِّع فيه"19 وأنّه "من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عزّ وجلّ مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة"20. كما أنّ من المفيد استغلال أوقات الفراغ في مطالعة التفاسير القرآنيّة المعروفة.
2- قراءة ما تيسّر من الأدعية والمناجاة والأذكار، فهي مذكّرة بالذنوب حاثّة على التوبة، داعية إلى اجتناب السيّئات والتزوّد بالحسنات، وهي معراج المؤمن إلى بارئه، أمثال أدعية الصحيفة السجّاديّة للإمام زين العابدين عليه السلام.
3- كثرة التردّد إلى المسجد خاصّة عندما نشعر بالضيق والفراغ الشديد فما أجمل من أن نقضي وقتنا في بيت الله نشكره على نعمه ونحمده على بلاءه ونسأله الرحمة والهداية، فعن أبي ذرّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته له، قال: "يا أبا ذر إنّ الله يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكلّ نفَس تتنفّس فيه درجة في الجنّة، وتصلّي عليك الملائكة، ويكتب لك بكلّ نفس تنفّست فيه عشر حسنات، ويمحى عنك عشر سيّئات"21..
إنّ أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق، تجنح ذات اليمين وذات الشمال.
والسبب هو أنّ هذا الفارغ لا همّ له إلّا أن يقتل وقته كيفما كان، فهو لا يملك قيادة نفسه بل هو منقاد لكلّ ما يحقّق له تجاوز هذا الزمن ولو بما حرّم الله.
لذلك كان الفراغ من جملة الأسباب الداعية إلى ارتكاب المفاسد، ومن هنا كان الإمام زين العابدين عليه السلام يرشدنا في دعائه إلى خطورة الفراغ فيقول عليه السلام : "فإن قدّرتَ لنا فراغاً من شغل فاجعله فراغ سلامة, لا تدركنا فيه تبِعة, ولا تلحقنا فيه سآمة, حتّى ينصرف عنّا كتّاب السيّئات بصحيفة خالية من ذكر سيّئاتنا, ويتولّى كتّاب الحسنات عنّا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا"15.
ويقول في دعاء مكارم الأخلاق : "اللّهمّ صلّ على محمّد وآله, واكفني ما يشغلني الاهتمام به, واستعملني بما تسألني غداً عنه واستفرغ أيّامي في ما خلقتني له"16.
الفراغ سبب للهمّ والغمّ
وذلك لأنّ هذا الفراغ يسحب لك ملفّات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة.
إنّ الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الّذي يمارَس في سجون مدّعي الحضارة,حيث يوضع السجين تحت أنبوب يقطر كلّ بضع ثوان قطرة، وفي فترات انتظار هذه القطرات يُصاب السجين بالجنون..
الفراغ محرّك لكلّ النوازع المكبوتة والرغبات الشهوانيّة
الفراغ ينعكس على صورة الفرد عند ذاته حيث يرى نفسه وقد أصبح بلا جدوى ولا منفعة، أصبح أنسانا بلا هدف وحياة بلا روح, لا معنى لوجوده ممّا يجعله يبحث عن الهروب والميل إلى الحيل النفسيّة بعيداً عن المواجهة وتحمل المسؤوليّة فتجده قد يستخدم المسكرات والمخدّرات والبحث عن الرذيلة علّه يجد متعة أو لذّة، ولقد بيّنت الأبحاث والدراسات الّتي أجريت على مرتكبي الجرائم والمخالفات أنّ الفراغ هو المحرك لكلّ النوازع المكبوتة والرغبات الشهوانيّة.
يقول الشاعر:
إنّ الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أيّ مفسدة
إنّ استغلال الوقت واستثماره له فوائد عظيمة على الشابّ نفسه والأسرة والمجتمع، كما إنّ ضياع الوقت أو العبث قد يكون سبباً في تدهور شخصيّة الشاب.
إذاً: املأ وقتك ولا تستسلم للفراغ, صلِّ، اقرأ، طالع، اكتب، اعمل، تحرّك، انفع غيرك, حتّى تقضي على الفراغ فإنّ النفس إذا لم تُشغل بالطاعة شُغلت بالمعصية.
كيف نواجه الفراغ؟
لابدّ للمؤمن وهو يعيش في هذا المجتمع المحاط بالأجواء الموبوءة أن يحصّن نفسه ضدّ عوارض ومخاطر الفراغ، ولا بدّ له أن يخلق الأجواء الدينيّة المناسبة لهذا التحصين، عملاً بقوله تعالى ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ والتزاما بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته"17، وأوّل ما سنسأل عنه هو هذه النفس, أين وضعناها وفي أيّ طريق سلكنا بها؟
ويتمّ ذلك التحصين من خلال أمور منها:
1- الالتزام بالمواظبة على تلاوة بعض من آيات القرآن الكريم كلّ يوم بقدر الإمكان، أو أقلّه بالإنصات إلى مقرئيها بخشوع وتدبّر وتفكر، ففيها ﴿بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾18 ذلك أنّه "ما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عمى، واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد بعد القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأوائكم فإن فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبّه ولا تسألوا به خلقه إنّه ما توجه العباد إلى الله بمثله، واعلموا أنه شافع مشفّع وقائل مصدّق وأنّه من شَفَعَ له القرآن يوم القيامة شفِّع فيه"19 وأنّه "من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عزّ وجلّ مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة"20. كما أنّ من المفيد استغلال أوقات الفراغ في مطالعة التفاسير القرآنيّة المعروفة.
2- قراءة ما تيسّر من الأدعية والمناجاة والأذكار، فهي مذكّرة بالذنوب حاثّة على التوبة، داعية إلى اجتناب السيّئات والتزوّد بالحسنات، وهي معراج المؤمن إلى بارئه، أمثال أدعية الصحيفة السجّاديّة للإمام زين العابدين عليه السلام.
3- كثرة التردّد إلى المسجد خاصّة عندما نشعر بالضيق والفراغ الشديد فما أجمل من أن نقضي وقتنا في بيت الله نشكره على نعمه ونحمده على بلاءه ونسأله الرحمة والهداية، فعن أبي ذرّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّته له، قال: "يا أبا ذر إنّ الله يعطيك ما دمت جالساً في المسجد بكلّ نفَس تتنفّس فيه درجة في الجنّة، وتصلّي عليك الملائكة، ويكتب لك بكلّ نفس تنفّست فيه عشر حسنات، ويمحى عنك عشر سيّئات"21..
4- قراءة الكتب والمجلّات والصحف الإسلاميّة والعلميّة للاستفادة منها، وكذا مشاهدة البرامج التلفزيونيّة المفيدة والهادفة.
5- اتخاذ أصدقاء صالحين في الله، يرشدهم ويرشدونه، ويقوّمهم ويقوّمونه، ويقضي معهم أوقات الفراغ بالمفيد، ويتخلّص بهم من قرناء السوء، ومن العزلة وسلبيّاتها، فقد روى الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث، ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام مثل أخ يستفيده في الله"22 ، وعن ميسَر قال: قال لي الإمام أبو جعفر الصادق عليه السلام: "أتخلون وتتحدّثون وتقولون ما شئتم؟ فقلت : أي والله إنّا لنخلوا ونتحدّث، ونقول ما شئنا فقال: أما والله لوددت أنّي معكم في بعض تلك المواطن، أما والله إنّي لأحبّ ريحكم وأرواحكم وإنّكم على دين الله ودين ملائكته فأعينوا بورع واجتهاد"23.
6- محاسبة الإنسان نفسه كلّ يوم، أو كلّ أسبوع، عمّا فعله وعن وقته وساعات حياته أين أمضاها، فإن كان خيراً شكر الله على ذلك واستزاد منه، وإن كان شرَّا استغفر وتاب عنه، وعزم أن لا يعود إليه كرّة أخرى، فقد أوصى النبيّ الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أبا ذرّ بذلك قائلاً له: "يا أبا ذرّ حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فإنّه أهون لحسابك غداً، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهّز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على الله خافية... يا أبا ذرّ لا يكون الرجل من المتّقين حتّى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه.."24.
* قد جاءتكم موعظة , سلسلة الدروس الثقافية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- سورة المؤمنون، الآية: 115.
2- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج81 ، ص170.
3- سورة العصر، الآيات: 1- 3.
4- سورة الليل، الآيتان: 1- 2.
5- سورة الضحى، الآيتان: 1- 2.
6 - سورة الفجر، الآيتان: 1- 2.
7- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج7، ص258.
8- م. ن، ج70، ص128.
9- سورة المنافقون: الآيتان: 10- 11.
10- سورة فاطر، الآية: 37.
11- سورة النحل، الآية: 32.
12- سورة الحاقّة: الآية: 24.
13- سورة المؤمنون، الآيات: 112- 115.
14- سورة النبأ، الآية: 40.
15- الصحيفة السجّاديّة، الدعاء 11.
16- م. ن، الدعاء 20.
17- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج72، ص38.
18- سورة الأعراف، الآية:203.
19- نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام، ج 3، ص 91.
20- الكافي، الشيخ الكلينيّ ، ج 2 ، ص603.
21- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 12، ص 233.
22- م. ن، ج4، ص117.
23- الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج2،ص187.
24- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ،ج16، ص98.
5- اتخاذ أصدقاء صالحين في الله، يرشدهم ويرشدونه، ويقوّمهم ويقوّمونه، ويقضي معهم أوقات الفراغ بالمفيد، ويتخلّص بهم من قرناء السوء، ومن العزلة وسلبيّاتها، فقد روى الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث، ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام مثل أخ يستفيده في الله"22 ، وعن ميسَر قال: قال لي الإمام أبو جعفر الصادق عليه السلام: "أتخلون وتتحدّثون وتقولون ما شئتم؟ فقلت : أي والله إنّا لنخلوا ونتحدّث، ونقول ما شئنا فقال: أما والله لوددت أنّي معكم في بعض تلك المواطن، أما والله إنّي لأحبّ ريحكم وأرواحكم وإنّكم على دين الله ودين ملائكته فأعينوا بورع واجتهاد"23.
6- محاسبة الإنسان نفسه كلّ يوم، أو كلّ أسبوع، عمّا فعله وعن وقته وساعات حياته أين أمضاها، فإن كان خيراً شكر الله على ذلك واستزاد منه، وإن كان شرَّا استغفر وتاب عنه، وعزم أن لا يعود إليه كرّة أخرى، فقد أوصى النبيّ الكريم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم أبا ذرّ بذلك قائلاً له: "يا أبا ذرّ حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فإنّه أهون لحسابك غداً، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهّز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على الله خافية... يا أبا ذرّ لا يكون الرجل من المتّقين حتّى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه.."24.
* قد جاءتكم موعظة , سلسلة الدروس الثقافية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- سورة المؤمنون، الآية: 115.
2- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج81 ، ص170.
3- سورة العصر، الآيات: 1- 3.
4- سورة الليل، الآيتان: 1- 2.
5- سورة الضحى، الآيتان: 1- 2.
6 - سورة الفجر، الآيتان: 1- 2.
7- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج7، ص258.
8- م. ن، ج70، ص128.
9- سورة المنافقون: الآيتان: 10- 11.
10- سورة فاطر، الآية: 37.
11- سورة النحل، الآية: 32.
12- سورة الحاقّة: الآية: 24.
13- سورة المؤمنون، الآيات: 112- 115.
14- سورة النبأ، الآية: 40.
15- الصحيفة السجّاديّة، الدعاء 11.
16- م. ن، الدعاء 20.
17- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج72، ص38.
18- سورة الأعراف، الآية:203.
19- نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام، ج 3، ص 91.
20- الكافي، الشيخ الكلينيّ ، ج 2 ، ص603.
21- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 12، ص 233.
22- م. ن، ج4، ص117.
23- الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج2،ص187.
24- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ،ج16، ص98.
#اخلاق
#العفو_الرحمة
🍃شبكة المعارف الإسلامية
🍃العفو والرحمة
مقدمة:
عفا: في أَسماءِ الله تعالى "العَفُوّ"ُ، وهو فَعُولٌ من العَفْوِ، وهو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقابِ عليه، وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس، وهو من أَبْنِية المُبالَغةِ.
يُقال: عَفَا يَعْفُو عَفْواً، فهو عافٍ وعَفُوٌّ. قال الليث: العَفْوُ عَفْوُ الله عزّ وجلّ عن خَلْقِه، والله تعالى العَفُوُّ الغَفُور.
وكلُّ من اسْتحقَّ عُقُوبةً فَتَرَكْتَها فقد عَفَوْتَ عنه2.
إنّ من الفضائل الأخلاقية التي لا يصل الإنسان إلى مراتب الكمال دونها، هي صفة العفو عن زلّات الآخرين وهفواتهم، وترك الانتقام منهم.
وهي من الصفات الإلهية والإنسانية، وعكسها أي الانتقام من الصفات الحيوانية، لذلك نجد أنبياء الله وأوليائه المتّقين الذين يمثّلون بصدق معاني الإنسانية يتّصفون بها. ومن هنا نرى أنّ القرآن الكريم يجعلها من صفات المحسنين، يقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وعلى العكس من ذلك نجد أنّ الكافرين والمنافقين والفسّاق الجهلة والحكّام الظلمة يتّسمون بصفة الانتقام.
الحثّ على العفو في الإسلام:
هذا والآيات القرآنية والروايات الإسلامية زاخرة في بيان فضيلة العفو والصفح وذمّ روح الانتقام والثأر، وفي سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام في هذا الباب الكثير من النماذج الراقية.
يقول سبحانه: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾3.
﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾4.
يظهر من الآيتين المباركتين الحثّ على فضيلة العفو وأرجحيّته على المعاقبة بالمثل، فإنّ العفو قد يكون له إيجابيّات أكثر من المعاقبة بالمثل، وذلك حسب اختلاف الأشخاص والحالات. فعلى الإنسان الحكيم أن يُعْمِل حكمته لكي يعرف متى يعاقب بالمثل ومتى يعفو.
بين العفو والعقاب:
هناك موارد يكون العفو والصفح فيها سبباً لجرأة المجرمين والمنحرفين، ولا شكّ أنّه لا أحد يرى في العفو في مثل هذه الموارد فضيلة أخلاقية، بل إنّ حفظ نظام المجتمع والنهي عن المنكر والتصدّي لمنع وقوع الجريمة تقتضي عدم التساهل مع المجرم، وترك العفو في مثل هذه الموارد، بل العمل بمقتضى العدل وما يفرضه من العقاب على المجرم.
ونجد في الأحاديث الإسلامية أيضاً إشارة إلى هذا الاستثناء، ومن ذلك ما ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العَفوُ يُفسِدُ مِنَ اللَّئِيمِ بِقَدَرِ إِصلاحِهِ مِنَ الكَرِيمِ"5.
ونقرأ في حديث آخر عن هذا الإمام قوله: "العَفوُ عَنِ المُقِرِّ لا عَنِ المُصِرِّ عَفو"6.
وأيضاً ورد في الحديث الشريف عن هذا الإمام عليه السلام أيضاً قوله: "جـازِ بِالحَسَنَةِ، وَتَجـاوَزَ عَنِ السَّيئَةِ مـا لَم يَكُن ثَلماً فِي الدِّينِ أَو وَهناً فِي سُلطـانِ الإسلامِ".
ففي مثل هذه الموارد يجب التحرّك على مستوى إلحاق الجزاء العادل بالمسيء.
وجاء في حديث آخر عن الإمام زين العابدين عليه السلام في تأييد هذا المعنى، حيث قال: "حَقُ مَنْ أَسـاءَكَ أَنْ تَعفُوَ عَنهُ، وَإِنْ عَلِمتَ أَنَّ العَفوَ عَنهُ يضِرُّ انتصرت، قـالَ اللهُ تَبـارَكَ وَتَعـالَى: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ﴾7.
ولكن لا ينبغي أن يكون وجود هذا الاستثناء سبباً لسوء التصرّف في بعض الموارد، وأن يجعلها بعض الناس ذريعة للانتقام في مورد العفو، بحجّة أنّ العفو هنا يتسبب في زيادة الجرأة لدى المذنب والمجرم، بل ينبغي النظر بإخلاص، وبعيداً عن حالات التعصّب، إلى أصل العفو والصفح وموارد الاستثناء بدقّة كبيرة، والعمل طبق هذه الموارد والاستثناءات.
العفو عن الأرحام:
ومن الموارد التي يحسن فيها العفو، التعامل مع الارحام، فينبغي أن يحكّم التسامح بينهم، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾8.
نقرأ في هذه الآية خطاباً لجميع المؤمنين في دائرة الاختلافات والنزاعات العائلية، ولا شكّ أنّه لولا وجود العفو والصفح في أجواء العائلة من قبل الأب والولي على أمور الأهل والأطفال، أو كان كلّ فرد من أفراد الأسرة يتحرّك في تعامله مع الآخرين من موقع الانتقام وأخذ الحقّ والمقابلة بالمثل، فإنّ هذه الأجواء الأسريّة ستتحوّل إلى مكان يعيش فيها الأفراد القلق والاضّطراب الدائم وعدم الأمن والراحة، وبالتالي يتسبّب ذلك في انهدام العائلة وتلاشيها.
الصفح:
#العفو_الرحمة
🍃شبكة المعارف الإسلامية
🍃العفو والرحمة
مقدمة:
عفا: في أَسماءِ الله تعالى "العَفُوّ"ُ، وهو فَعُولٌ من العَفْوِ، وهو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقابِ عليه، وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس، وهو من أَبْنِية المُبالَغةِ.
يُقال: عَفَا يَعْفُو عَفْواً، فهو عافٍ وعَفُوٌّ. قال الليث: العَفْوُ عَفْوُ الله عزّ وجلّ عن خَلْقِه، والله تعالى العَفُوُّ الغَفُور.
وكلُّ من اسْتحقَّ عُقُوبةً فَتَرَكْتَها فقد عَفَوْتَ عنه2.
إنّ من الفضائل الأخلاقية التي لا يصل الإنسان إلى مراتب الكمال دونها، هي صفة العفو عن زلّات الآخرين وهفواتهم، وترك الانتقام منهم.
وهي من الصفات الإلهية والإنسانية، وعكسها أي الانتقام من الصفات الحيوانية، لذلك نجد أنبياء الله وأوليائه المتّقين الذين يمثّلون بصدق معاني الإنسانية يتّصفون بها. ومن هنا نرى أنّ القرآن الكريم يجعلها من صفات المحسنين، يقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وعلى العكس من ذلك نجد أنّ الكافرين والمنافقين والفسّاق الجهلة والحكّام الظلمة يتّسمون بصفة الانتقام.
الحثّ على العفو في الإسلام:
هذا والآيات القرآنية والروايات الإسلامية زاخرة في بيان فضيلة العفو والصفح وذمّ روح الانتقام والثأر، وفي سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام في هذا الباب الكثير من النماذج الراقية.
يقول سبحانه: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾3.
﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾4.
يظهر من الآيتين المباركتين الحثّ على فضيلة العفو وأرجحيّته على المعاقبة بالمثل، فإنّ العفو قد يكون له إيجابيّات أكثر من المعاقبة بالمثل، وذلك حسب اختلاف الأشخاص والحالات. فعلى الإنسان الحكيم أن يُعْمِل حكمته لكي يعرف متى يعاقب بالمثل ومتى يعفو.
بين العفو والعقاب:
هناك موارد يكون العفو والصفح فيها سبباً لجرأة المجرمين والمنحرفين، ولا شكّ أنّه لا أحد يرى في العفو في مثل هذه الموارد فضيلة أخلاقية، بل إنّ حفظ نظام المجتمع والنهي عن المنكر والتصدّي لمنع وقوع الجريمة تقتضي عدم التساهل مع المجرم، وترك العفو في مثل هذه الموارد، بل العمل بمقتضى العدل وما يفرضه من العقاب على المجرم.
ونجد في الأحاديث الإسلامية أيضاً إشارة إلى هذا الاستثناء، ومن ذلك ما ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العَفوُ يُفسِدُ مِنَ اللَّئِيمِ بِقَدَرِ إِصلاحِهِ مِنَ الكَرِيمِ"5.
ونقرأ في حديث آخر عن هذا الإمام قوله: "العَفوُ عَنِ المُقِرِّ لا عَنِ المُصِرِّ عَفو"6.
وأيضاً ورد في الحديث الشريف عن هذا الإمام عليه السلام أيضاً قوله: "جـازِ بِالحَسَنَةِ، وَتَجـاوَزَ عَنِ السَّيئَةِ مـا لَم يَكُن ثَلماً فِي الدِّينِ أَو وَهناً فِي سُلطـانِ الإسلامِ".
ففي مثل هذه الموارد يجب التحرّك على مستوى إلحاق الجزاء العادل بالمسيء.
وجاء في حديث آخر عن الإمام زين العابدين عليه السلام في تأييد هذا المعنى، حيث قال: "حَقُ مَنْ أَسـاءَكَ أَنْ تَعفُوَ عَنهُ، وَإِنْ عَلِمتَ أَنَّ العَفوَ عَنهُ يضِرُّ انتصرت، قـالَ اللهُ تَبـارَكَ وَتَعـالَى: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ﴾7.
ولكن لا ينبغي أن يكون وجود هذا الاستثناء سبباً لسوء التصرّف في بعض الموارد، وأن يجعلها بعض الناس ذريعة للانتقام في مورد العفو، بحجّة أنّ العفو هنا يتسبب في زيادة الجرأة لدى المذنب والمجرم، بل ينبغي النظر بإخلاص، وبعيداً عن حالات التعصّب، إلى أصل العفو والصفح وموارد الاستثناء بدقّة كبيرة، والعمل طبق هذه الموارد والاستثناءات.
العفو عن الأرحام:
ومن الموارد التي يحسن فيها العفو، التعامل مع الارحام، فينبغي أن يحكّم التسامح بينهم، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾8.
نقرأ في هذه الآية خطاباً لجميع المؤمنين في دائرة الاختلافات والنزاعات العائلية، ولا شكّ أنّه لولا وجود العفو والصفح في أجواء العائلة من قبل الأب والولي على أمور الأهل والأطفال، أو كان كلّ فرد من أفراد الأسرة يتحرّك في تعامله مع الآخرين من موقع الانتقام وأخذ الحقّ والمقابلة بالمثل، فإنّ هذه الأجواء الأسريّة ستتحوّل إلى مكان يعيش فيها الأفراد القلق والاضّطراب الدائم وعدم الأمن والراحة، وبالتالي يتسبّب ذلك في انهدام العائلة وتلاشيها.
الصفح:
ورد في بعض الآيات الحثّ على الصفح بعد العفو، يقول سبحانه: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ﴾﴿أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾9.
أما ما هو الفرق بينهما؟ فيقول الراغب في مفرداته، إنّ العفو بمعنى المغفرة، والصفح ترك اللّوم والتوبيخ، والذي هو مرحلة أعلى من العفو، لأنّه يمكن أن يعفو الإنسان عن الطرف المقابل إلاّ أنّه لا يترك لومه وتوبيخه أو معاتبته، ولكن بما أنّ الصفح في اللغة
يعني الإعراض بالوجه عن الإنسان المذنب، فيمكن أن يكون إشارة إلى لزوم تناسي ذنب المذنب ووضعه في زاوية الإهمال والغفلة ولا يكتفي بترك اللّوم فقط، أي أن لا يترتّب أي أثر سلبي على العلاقة بين الطرفين.
الإحسان:
هناك مرتبة فوق العفو والصفح وهي مرتبة الإحسان في التعامل مع زلّات الاخرين، يقول تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾10. ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾11.
ويُستفاد من الآيتين أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المؤمنين، مأمورون بتجاوز حالة العفو والصفح والصعود إلى مرتبة أرقى منها، وردّ السيئة بالحسنة، وهو العمل الذي لا يتيسّر من أي شخص كان، ولهذا فإنّ الآية التي بعدها تقول: ﴿وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾12.
وفي الحقيقة، فإنّ مقابلة السيئة بالحسنة عمل ثقيل جدّاً لا يستطيع النهوض به إلاّ من أوتي القدرة على النهوض بالأعمال الخيّرة المهمّة، والذين يعيشون الإيمان والتقوى والقيم الإنسانية بالمستوى الأعلى.
العفو والصفح والإحسان في مدرسة أهل البيت عليهم السلام:
يقول سبحانه: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾13. الآية تأمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأوامر أخلاقية ثلاثة، ويتّضح منها تكليف الآخرين أيضاً. هذه التعليمات الثلاث التي وردت في الآية الشريفة بمثابة أوامر صادرة من الله تعالى إلى نبيّه الكريم باعتباره قائداً للأمّة وأسوة حسنة لسائر المسلمين، وبذلك توضّح في مضمونها أهميّة العفو والصفح في دائرة المسؤولية الملقاة على عاتق القادة الإلهيين. فالأمر الأوّل من هذه الأوامر الإلهية هو الأمر بالعفو والصفح، والأمر الثاني إشارة إلى أنّ على القائد أن لا يحمّل الناس فوق طاقتهم وقدرتهم، وأن لا يطلب منهم سوى المعروف الممكن، وفي الأمر الثالث نجد التوصية بإهمال الكلمات اللامسؤولة الصادرة عن الجاهلين والمخالفين، وعدم ترتيب الأثر على ما يرتكبونه تجاه أتباع الحقّ من ممارسات سلبية وكلمات شانئة.
إنّ القادة الحقيقيين والسالكين طريق الحقّ يواجهون في مسيرتهم الإلهية الكثير من الأفراد المتعصّبين والجاهلين والمعاندين، الذين لا يجدون فرصة للإيقاع بأصحاب الحقّ وإيجاد الأذى والضرر بهم إلاّ استغلّوها. فالآية السابقة وكذلك الكثير من الآيات القرآنية الاُخرى تؤكّد على المؤمنين السالكين في خطّ الله والتقوى أن يجنّبوا أنفسهم الصراع مع هؤلاء، وأنّ الأفضل لهم التعامل مع مثل هذه المسائل من موقع اللامبالاة والإهمال والإعراض، والتجربة العملية تشير إلى أنّ أفضل طريق لإيقاظ هؤلاء من غفلتهم وإطفاء نار غضبهم وصدّهم وتعصّبهم هو هذه الطريقة في التعامل معهم من موقع قوّة الشخصية وكبر النفس.
وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه عندما نزلت هذه الآية الشريفة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عن ذلك، فقال: لا أدري حتّى أسأل العالم، ثمّ أتاه فقال: "يـا مُحِمَّد، إِنّ اللهَ يَأَمُرُكَ أَنْ تَعفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ"14.
نماذج من عفو النبي وآله:
إنّ سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام طافحة بمثل هذه النماذج من السلوكيات الأخلاقية والإنسانية، حتّى أنّه أحياناً يؤدّي سلوكهم الإنساني هذا إلى انقلاب الطرف الآخر من موقع الشرّ والعداوة إلى موقع الخير والمحبّة، والتجارب العملية الكثيرة تشير إلى التأثير الكبير لهذه الأعمال الأخلاقية في دائرة السلوك الإنساني والعلاقات الاجتماعية.
عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيّاً لم يضرّه، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، فعفا رسول الله عنها"15.
أما ما هو الفرق بينهما؟ فيقول الراغب في مفرداته، إنّ العفو بمعنى المغفرة، والصفح ترك اللّوم والتوبيخ، والذي هو مرحلة أعلى من العفو، لأنّه يمكن أن يعفو الإنسان عن الطرف المقابل إلاّ أنّه لا يترك لومه وتوبيخه أو معاتبته، ولكن بما أنّ الصفح في اللغة
يعني الإعراض بالوجه عن الإنسان المذنب، فيمكن أن يكون إشارة إلى لزوم تناسي ذنب المذنب ووضعه في زاوية الإهمال والغفلة ولا يكتفي بترك اللّوم فقط، أي أن لا يترتّب أي أثر سلبي على العلاقة بين الطرفين.
الإحسان:
هناك مرتبة فوق العفو والصفح وهي مرتبة الإحسان في التعامل مع زلّات الاخرين، يقول تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾10. ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾11.
ويُستفاد من الآيتين أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المؤمنين، مأمورون بتجاوز حالة العفو والصفح والصعود إلى مرتبة أرقى منها، وردّ السيئة بالحسنة، وهو العمل الذي لا يتيسّر من أي شخص كان، ولهذا فإنّ الآية التي بعدها تقول: ﴿وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾12.
وفي الحقيقة، فإنّ مقابلة السيئة بالحسنة عمل ثقيل جدّاً لا يستطيع النهوض به إلاّ من أوتي القدرة على النهوض بالأعمال الخيّرة المهمّة، والذين يعيشون الإيمان والتقوى والقيم الإنسانية بالمستوى الأعلى.
العفو والصفح والإحسان في مدرسة أهل البيت عليهم السلام:
يقول سبحانه: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾13. الآية تأمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأوامر أخلاقية ثلاثة، ويتّضح منها تكليف الآخرين أيضاً. هذه التعليمات الثلاث التي وردت في الآية الشريفة بمثابة أوامر صادرة من الله تعالى إلى نبيّه الكريم باعتباره قائداً للأمّة وأسوة حسنة لسائر المسلمين، وبذلك توضّح في مضمونها أهميّة العفو والصفح في دائرة المسؤولية الملقاة على عاتق القادة الإلهيين. فالأمر الأوّل من هذه الأوامر الإلهية هو الأمر بالعفو والصفح، والأمر الثاني إشارة إلى أنّ على القائد أن لا يحمّل الناس فوق طاقتهم وقدرتهم، وأن لا يطلب منهم سوى المعروف الممكن، وفي الأمر الثالث نجد التوصية بإهمال الكلمات اللامسؤولة الصادرة عن الجاهلين والمخالفين، وعدم ترتيب الأثر على ما يرتكبونه تجاه أتباع الحقّ من ممارسات سلبية وكلمات شانئة.
إنّ القادة الحقيقيين والسالكين طريق الحقّ يواجهون في مسيرتهم الإلهية الكثير من الأفراد المتعصّبين والجاهلين والمعاندين، الذين لا يجدون فرصة للإيقاع بأصحاب الحقّ وإيجاد الأذى والضرر بهم إلاّ استغلّوها. فالآية السابقة وكذلك الكثير من الآيات القرآنية الاُخرى تؤكّد على المؤمنين السالكين في خطّ الله والتقوى أن يجنّبوا أنفسهم الصراع مع هؤلاء، وأنّ الأفضل لهم التعامل مع مثل هذه المسائل من موقع اللامبالاة والإهمال والإعراض، والتجربة العملية تشير إلى أنّ أفضل طريق لإيقاظ هؤلاء من غفلتهم وإطفاء نار غضبهم وصدّهم وتعصّبهم هو هذه الطريقة في التعامل معهم من موقع قوّة الشخصية وكبر النفس.
وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه عندما نزلت هذه الآية الشريفة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عن ذلك، فقال: لا أدري حتّى أسأل العالم، ثمّ أتاه فقال: "يـا مُحِمَّد، إِنّ اللهَ يَأَمُرُكَ أَنْ تَعفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ"14.
نماذج من عفو النبي وآله:
إنّ سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام طافحة بمثل هذه النماذج من السلوكيات الأخلاقية والإنسانية، حتّى أنّه أحياناً يؤدّي سلوكهم الإنساني هذا إلى انقلاب الطرف الآخر من موقع الشرّ والعداوة إلى موقع الخير والمحبّة، والتجارب العملية الكثيرة تشير إلى التأثير الكبير لهذه الأعمال الأخلاقية في دائرة السلوك الإنساني والعلاقات الاجتماعية.
عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيّاً لم يضرّه، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، فعفا رسول الله عنها"15.
وعفا صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعة كثيرة، بعد أن أباح دمهم، وأمر بقتلهم، ويكفينا نموذجاً راقياً في العفو ما كان منه من العفو عن كفّار مكّة عند فتحها. ويروى أنّ شامياً رأى الإمام الحسن راكباً، فجعل يلعنه، والحسن لا يردّ، فلما فرغ، أقبل الحسن عليه السلام فسلّم عليه، وضحك، فقال: "أيها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك الينا، وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً". فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: "أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبُّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم"16.
وروي أنّ غلاماً للإمام الحسين عليه السلام جنى جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يُضرب، فقال: "يا مولاي، والكاظمين الغيظ، قال: خلّوا عنه. قال: يا مولاي، والعافين عن الناس، قال: قد عفوت عنك، قال: والله يحبُّ المحسنين، قال: أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك"17.
ولكن الإمام الحسين عليه السلام عندما رأى أنّ الدين في خطر من يزيد ثار عليه، فليس المحلّ محلّ عفو وصفح، إنّما المقام مقام جهاد ومقاومة.
بين القصاص والعفو:
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾18.
تتعرّض هذه الآية إلى الحديث عن مسألة القصاص، والتي تعدّ أحد الأحكام الاجتماعية المهمّة في الإسلام، والتي تضمن حقوق الناس وتحفظ لهم أنفسهم ودماءهم من أشكال العدوان، بحيث إنّ القرآن الكريم يعبّر عن القصاص بكلمة "الحياة".
وبعد أن تذكر الآية موارد القصاص بالمثل، تقول: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾19.
فلو أنّ القصاص تبدّل إلى الدية، فعلى الطرف الآخر أن يتّخذ سبيل المعروف في عملية أداء الدية إلى وليّ المقتول، وهذا المعنى بمثابة التخفيف والرحمة من الله تعالى للناس.
والتعبير بكلمة (أخيه) في الآية المذكورة يشير إلى أنّه حتى لو وقعت حادثة قتل بين المسلمين، فإنّ ذلك لا يعني قطع رابطة الأخوّة بينهم، وفي صورة عدم وجود ضرورة للقصاص فلا ينبغي اتّخاذه سبيلاً لحلّ الأزمة، وهذا التعبير يدلّ على أنّ الإسلام يرجّح العفو على القصاص، ويتحرّك من موقع تفعيل الشعور بالمحبّة والأخوّة لدى الأولياء بدلاً من روح الثأر والانتقام.
وكذلك عبارة: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ تدلّ مرّة اُخرى على المفهوم القرآني في ترجيح العفو والصفح على القصاص أو تبديله بالدية.
آثار العفو الفردية والاجتماعية:
إنّ العفو تجتمع فيه آثار إيجابية ومعطيات حميدة كثيرة في حركة الحياة الفردية والاجتماعية، حيث يمكن بيان خلاصتها:
1- إنّ سلوك طريق العفو والصفح يمكنه أن يبدّل العدوّ الشرس أحياناً إلى صديق حميم، وخاصّة فيما لو كان متزامناً بالإحسان إلى الطرف المقابل، أي بالإجابة بالحسنة مقابل السيئة كما وردت الإشارة إلى ذلك في الآية: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾20.
2- إنّ العفو والصفح يتسبّبان في دوام الحكومات واستمرار القدرة السياسية بين ذلك الحاكم الذي يمارس العفو مقابل أعدائه، حيث يقلِّل من حالة العداء والخصومة لدى مخالفيه، ويزيد من جماعة الأصدقاء والمحبّين، ونقرأ ذلك في الحديث الشريف عن النبي
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "عَفوُ المُلُوكِ بَقـاءُ المُلكِ"21.
3- إنّ العمل بمقتضى العفو والصفح يتسبّب في زيادة عزّة الشخص وتقوية مكانته وشخصيته في المجتمع، لأنّ ذلك علامة على قوّة الشخصية والشرف وسعة الصدر، في حين أنّ ممارسة الانتقام والثأر يدلّ على ضيق الأفق وعدم التسلّط على النفس، وانفلات قوى الشرّ وتسلّطها على الإنسان، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "عَلَيكُم بِالعَفوِ، فَإِنَّ العَفوَ لا يَزيدُ إِلاّ عَّزاً"22.
وروي أنّ غلاماً للإمام الحسين عليه السلام جنى جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يُضرب، فقال: "يا مولاي، والكاظمين الغيظ، قال: خلّوا عنه. قال: يا مولاي، والعافين عن الناس، قال: قد عفوت عنك، قال: والله يحبُّ المحسنين، قال: أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك"17.
ولكن الإمام الحسين عليه السلام عندما رأى أنّ الدين في خطر من يزيد ثار عليه، فليس المحلّ محلّ عفو وصفح، إنّما المقام مقام جهاد ومقاومة.
بين القصاص والعفو:
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾18.
تتعرّض هذه الآية إلى الحديث عن مسألة القصاص، والتي تعدّ أحد الأحكام الاجتماعية المهمّة في الإسلام، والتي تضمن حقوق الناس وتحفظ لهم أنفسهم ودماءهم من أشكال العدوان، بحيث إنّ القرآن الكريم يعبّر عن القصاص بكلمة "الحياة".
وبعد أن تذكر الآية موارد القصاص بالمثل، تقول: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾19.
فلو أنّ القصاص تبدّل إلى الدية، فعلى الطرف الآخر أن يتّخذ سبيل المعروف في عملية أداء الدية إلى وليّ المقتول، وهذا المعنى بمثابة التخفيف والرحمة من الله تعالى للناس.
والتعبير بكلمة (أخيه) في الآية المذكورة يشير إلى أنّه حتى لو وقعت حادثة قتل بين المسلمين، فإنّ ذلك لا يعني قطع رابطة الأخوّة بينهم، وفي صورة عدم وجود ضرورة للقصاص فلا ينبغي اتّخاذه سبيلاً لحلّ الأزمة، وهذا التعبير يدلّ على أنّ الإسلام يرجّح العفو على القصاص، ويتحرّك من موقع تفعيل الشعور بالمحبّة والأخوّة لدى الأولياء بدلاً من روح الثأر والانتقام.
وكذلك عبارة: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ تدلّ مرّة اُخرى على المفهوم القرآني في ترجيح العفو والصفح على القصاص أو تبديله بالدية.
آثار العفو الفردية والاجتماعية:
إنّ العفو تجتمع فيه آثار إيجابية ومعطيات حميدة كثيرة في حركة الحياة الفردية والاجتماعية، حيث يمكن بيان خلاصتها:
1- إنّ سلوك طريق العفو والصفح يمكنه أن يبدّل العدوّ الشرس أحياناً إلى صديق حميم، وخاصّة فيما لو كان متزامناً بالإحسان إلى الطرف المقابل، أي بالإجابة بالحسنة مقابل السيئة كما وردت الإشارة إلى ذلك في الآية: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾20.
2- إنّ العفو والصفح يتسبّبان في دوام الحكومات واستمرار القدرة السياسية بين ذلك الحاكم الذي يمارس العفو مقابل أعدائه، حيث يقلِّل من حالة العداء والخصومة لدى مخالفيه، ويزيد من جماعة الأصدقاء والمحبّين، ونقرأ ذلك في الحديث الشريف عن النبي
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "عَفوُ المُلُوكِ بَقـاءُ المُلكِ"21.
3- إنّ العمل بمقتضى العفو والصفح يتسبّب في زيادة عزّة الشخص وتقوية مكانته وشخصيته في المجتمع، لأنّ ذلك علامة على قوّة الشخصية والشرف وسعة الصدر، في حين أنّ ممارسة الانتقام والثأر يدلّ على ضيق الأفق وعدم التسلّط على النفس، وانفلات قوى الشرّ وتسلّطها على الإنسان، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "عَلَيكُم بِالعَفوِ، فَإِنَّ العَفوَ لا يَزيدُ إِلاّ عَّزاً"22.
4- إنّ العفو يقطع تسلسل الحوادث اللأخلاقية في واقع الناس من الحقد والبغضاء، وكذلك السلوكيات الذميمة والقساوة والجريمة. وفي الواقع، فإنّ العفو بمثابة المحطّة الأخيرة التي تقف عندها كلّ عناصر الشرّ هذه فلا يتجاوزها، لأنّ الانتقام والثأر يتسبب من جهة إلى تسعير نار الحقد في القلوب، ويدعوها إلى التعامل بقساوة أشدّ، ويفعّل فيها الكراهية وعناصر الخشونة، وهكذا يستمرّ الحال في عملية تصاعدية، وأحياناً يؤدّي الحال إلى نشوب معارك طاحنة بين طائفتين أو قبيلتين كبيرتين أو تسفك في ذلك الكثير من الدماء وتدمّر الكثير من الطاقات والأموال والثروات.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تَعـافُوا تَسقُطُ الضِّغـائِنُ بَينَكُم"23.
5- إنّ العفو يتسبّب في سلامة الروح وهدوء النفس وسكينة القلب، وبالتالي يتسبّب في طول العمر كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "مَنْ كَثُرَ عَفوُهُ مُدَّ فِي عُمره"24.
وبالطبع، فما ذكرنا أعلاه هو من قبيل الآثار الإيجابية الدنيوية والبركات الاجتماعية للعفو والصفح، وأمّا النتائج المعنوية والأجر والثواب الأخروي فأكثر من ذلك بكثير، ونكتفي في هذا المعنى بحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول فيه: "العَفوُ مَعَ القُدرَةِ جُنَّةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ سُبحـانَهُ"25.
* كتاب محاسن الكلم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة آل عمران، الآيتان 133 – 134.
2- لسان العرب، ابن منظور، ج15، ص72.
3- سورة الشورى، الآية 40.
4- سورة النحل، الآية 126.
5- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج20، ص270، ح124.
6- المصدر نفسه، ص330، ح783.
7- ميزان الحكمة، ج3، ص2015، ح13225.
8- سورة التغابن، الآية 14.
9- سورة النور، الآية 22.
10- سورة المؤمنون، الآية 96.
11- سورة فصلت، الآيتان 34 – 35.
12- سورة فصلت، الآية 35.
13- سورة الأعراف، الآية 199.
14- الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، ج 4، ص 415، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1995م.
15- الكافي، ج 2، ص 108.
16- بحار الأنوار، ج43، ص 344.
17- بحار الأنوار ج44، ص195.
18- سورة البقرة، الآية 178.
19- سورة البقرة، الآية 178.
20- سورة فصلت، الآية 34.
21- بحار الأنوار، ج74، ص168.
22- الكافي، ج2، ص108.
23- المتقي الهندي، كنز العمال، ج3، ص373، ح7004، مؤسّسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1989م.
24- ميزان الحكمة، ج3، ح13184.
25- غرر الحكم.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تَعـافُوا تَسقُطُ الضِّغـائِنُ بَينَكُم"23.
5- إنّ العفو يتسبّب في سلامة الروح وهدوء النفس وسكينة القلب، وبالتالي يتسبّب في طول العمر كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "مَنْ كَثُرَ عَفوُهُ مُدَّ فِي عُمره"24.
وبالطبع، فما ذكرنا أعلاه هو من قبيل الآثار الإيجابية الدنيوية والبركات الاجتماعية للعفو والصفح، وأمّا النتائج المعنوية والأجر والثواب الأخروي فأكثر من ذلك بكثير، ونكتفي في هذا المعنى بحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول فيه: "العَفوُ مَعَ القُدرَةِ جُنَّةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ سُبحـانَهُ"25.
* كتاب محاسن الكلم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة آل عمران، الآيتان 133 – 134.
2- لسان العرب، ابن منظور، ج15، ص72.
3- سورة الشورى، الآية 40.
4- سورة النحل، الآية 126.
5- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج20، ص270، ح124.
6- المصدر نفسه، ص330، ح783.
7- ميزان الحكمة، ج3، ص2015، ح13225.
8- سورة التغابن، الآية 14.
9- سورة النور، الآية 22.
10- سورة المؤمنون، الآية 96.
11- سورة فصلت، الآيتان 34 – 35.
12- سورة فصلت، الآية 35.
13- سورة الأعراف، الآية 199.
14- الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، ج 4، ص 415، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1995م.
15- الكافي، ج 2، ص 108.
16- بحار الأنوار، ج43، ص 344.
17- بحار الأنوار ج44، ص195.
18- سورة البقرة، الآية 178.
19- سورة البقرة، الآية 178.
20- سورة فصلت، الآية 34.
21- بحار الأنوار، ج74، ص168.
22- الكافي، ج2، ص108.
23- المتقي الهندي، كنز العمال، ج3، ص373، ح7004، مؤسّسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1989م.
24- ميزان الحكمة، ج3، ح13184.
25- غرر الحكم.
zad_ashuraa_1445.pdf
4.3 MB
زاد عاشوراء للمحاضر الحسينيّ
حرصنا في هذا الإصدار، على ذكر أبرز المواعظ التي ترتبط بالأولويّات الثقافيّة لهذا العام، آملين من المبلّغين والخطباء الكرام الاستفادة منها في عمليّة التبليغ، سائلين المولى أن يتقبّل أعمالكم ويعظّم أجوركم.
حرصنا في هذا الإصدار، على ذكر أبرز المواعظ التي ترتبط بالأولويّات الثقافيّة لهذا العام، آملين من المبلّغين والخطباء الكرام الاستفادة منها في عمليّة التبليغ، سائلين المولى أن يتقبّل أعمالكم ويعظّم أجوركم.
قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني pinned «فهرس القناة محاضرات اضافية ◾️خطبة السيدة زينب ع في الشام ◾️خطبة الامام زين العابدين ع في الشام ◾️رقية عليها السلام١ ◾️السيدة رقية عليها السلام ٢ ◾️السيدة رقية ع وخربة الشام ◾️مخاطر شبكات التواصل الاجتماعي ◾️ الاختلاط ◾️ العفة والحياء ◾️ لا تؤخر صلاتك ◾️…»
قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني pinned «خطباء المنبر الحسيني -تلغرام قسم المحاضرات فهرس📚 (اضغط على الهاشتاغ وحرك بالاسهم صعوداً ونزولاً) #الرسول_الاكرم #الامير #السيدة_الزهراء #الامام_المجتبى #الامام_الحسين #الامام_السجاد #الامام_الباقر #الامام_الصادق #الامام_الرضا #الامام_الجواد #السيدة_زينب…»
#اخلاق
#الدنيا
🍂شبكة المعارف الإسلامية
🍂 العلاقة مع الله
🍂التفكير في الآخرة والتحوّلات الأخلاقية
ضرورة الاعتقاد بالآخرة
إن وجهة نظر الإنسان نحو الموت وما بعده مهمة جداً في حياته، فكلما كانت نظرته واقعية وموضوعية وصحيحة، كلّما كانت حياته سعيدة ونشطة ومتحركة ومتفائلة، والعكس صحيح أيضاً.
فتركيبة الإنسان النفسية ومن ثم سلوكه وأخلاقه تتأثر جداً من خلال نظرته إلى الموت وما بعده.
فليس التفكير في الموت وما بعده أو بالأحرى ليس الاعتقاد بوجهة نظر معينة تجاه الموت وما بعده فكرة عابرة تمر بالخيال وترحل، ولو حاول الإنسان أن يخرجها من خياله وشعوره، فإنها ستنزل رغماً عنه إلى لا شعوره وعقله الباطني وكيانه النفسي وتطبعه بطابع معين إما سلباً أو إيجاباً.
فعلى هذا ليس التفكير في الموت وما بعده موتاً بل حياة، أي له دخالة في حياة الإنسان وبنائه الروحي والنفسي والعقلي.
وأنتم إذا دقَّقتم جيداً ستعرفون أن الإنسان إذا كانت نظرته إلى الموت على أنه فناء ستكون تركيبته النفسية معقّدة خائفة متشائمة مضطربة مستهترة متحلِّلة، أما إذا كانت نظرته على النقيض من ذلك واعتقد بأن الموت ليس انحلالاً تاماً ولا فناء محضاً، إنما حياة ثانية لها نكهتها الخاصة، فستكون حياته النفسية وتركيبته الروحية متفائلة مطمئنة ملتزمة.
التفكير بالحياة بعد الموت هاجس إنساني
إن التفكير بما بعد الموت هاجس إنساني، ليس له طائفة أو دين خاص، فكل الناس إلى أي دين انتموا، حتى الملحد منهم، لا بد وأن يأتيه تساءل، ماذا بعد الموت؟
وإذا استقرأتم التاريخ ترون أن هذا التساءل، لا يخلو من أمَّة، أو من شخص. ولكن الناس يحاولون أن ينسوا هاجس ما بعد الموت، ليبعدوا الخوف عن أنفسهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
يقول أحد علماء النفس: إن الخوف من الموت يقود الإنسان إلى طرح الأسئلة التالية: لمَ، وإلى أين؟ ومعنى ذلك أن فكر الإنسان أكثر ما يشغله المصير النهائي للحياة البشرية2.
ولقد اخترع الناس الكثير لنسيان الموت، يقول بعض المفكرين: "إن الناس قد اخترعوا شتّى ضروب اللهو أو التسلية حتى يتجنّبوا الخوف من الوحدة أو العزلة".
ويقول أيضاً: "إنه لمّا كان الناس لم يهتدوا إلى علاج للموت والشقاء والجهل، فقد وجدوا أن خير الطرق للتنعم بالسعادة هي ألا يفكروا في هذه الأمور على الإطلاق"3.
وفي الحقيقة إن نسيان الناس لمصيرهم النهائي، أو بالأحرى تناسيه، ما هو إلا كما تفعل النعامة، حيث تطمر رأسها في التراب، وتحسب أن الذئب الآتي لن يأكلها!
اكتشاف ما بعد الموت يحيي أمماً وأفراداً
يقول بعض المفكرين: "إن اكتشاف الموت هو الذي ينقل بالشعوب والأفراد إلى مرحلة النضج العقلي أو البلوغ الروحي"4.
فعلاً إن قول هذا المفكر صحيح وتؤيده الوقائع التاريخية، للتدليل على هذه الفكرة نعطيكم مثالاً واحداً.
الأمة العربية قبل الإسلام أكثرها كان منكراً للحياة ما بعد الموت، يقول تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾(الجاثية:24).
﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَو َآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾(الصافات:16-17).
فكيف كانت حياتهم؟ كانت حياتهم حياة جهلٍ وتخلّف وتبعيّة، ولكن عندما جاء الإسلام، وغيّر نظرتهم إلى الموت وما بعده، تغيَّر العرب تغيّراً جذرياً، فانطلقوا في الدّنيا بكل انشراح وقوّة وغيّروا مجرى التاريخ بعد أن كانوا هملاً لا يخافهم أحد.
القرآن والموت وما بعده
لقد اهتم القران الكريم بموضوع الحياة بعد الموت اهتماماً لافتاً، مما يشير إلى أهميّة هذا الموضوع على حياة الأمم والأفراد، حتى أن القران الكريم قد قرن كثيراً بين الإيمان باللَّه واليوم الاخر، مما يشير إلى أن الإيمان باللَّه لا يكفي الإنسان (الفرد والأمة) في كماله الروحي وسكينته النفسية وصلاحه الأخلاقي والسلوكي، إن لم يكن مؤمناً باليوم الاخر.
يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...﴾(البقرة:232).
﴿يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...﴾(ال عمران:114).
إلى كثير من الآيات التي تقرن الإيمان باللَّه مع اليوم الأخر.
وهنا نماذج من الآيات المتعلقة بالآخرة:
• التفكير في الدنيا والآخرة
﴿يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾(البقرة:219+220).
• الدار الآخرة خير للمتقين
﴿وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(الأنعام:32).
• اللَّه يريد الآخرة
﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾(الأنفال:67).
• الموعظة تنفع المؤمن بالآخرة
﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾(الطلاق:2).
#الدنيا
🍂شبكة المعارف الإسلامية
🍂 العلاقة مع الله
🍂التفكير في الآخرة والتحوّلات الأخلاقية
ضرورة الاعتقاد بالآخرة
إن وجهة نظر الإنسان نحو الموت وما بعده مهمة جداً في حياته، فكلما كانت نظرته واقعية وموضوعية وصحيحة، كلّما كانت حياته سعيدة ونشطة ومتحركة ومتفائلة، والعكس صحيح أيضاً.
فتركيبة الإنسان النفسية ومن ثم سلوكه وأخلاقه تتأثر جداً من خلال نظرته إلى الموت وما بعده.
فليس التفكير في الموت وما بعده أو بالأحرى ليس الاعتقاد بوجهة نظر معينة تجاه الموت وما بعده فكرة عابرة تمر بالخيال وترحل، ولو حاول الإنسان أن يخرجها من خياله وشعوره، فإنها ستنزل رغماً عنه إلى لا شعوره وعقله الباطني وكيانه النفسي وتطبعه بطابع معين إما سلباً أو إيجاباً.
فعلى هذا ليس التفكير في الموت وما بعده موتاً بل حياة، أي له دخالة في حياة الإنسان وبنائه الروحي والنفسي والعقلي.
وأنتم إذا دقَّقتم جيداً ستعرفون أن الإنسان إذا كانت نظرته إلى الموت على أنه فناء ستكون تركيبته النفسية معقّدة خائفة متشائمة مضطربة مستهترة متحلِّلة، أما إذا كانت نظرته على النقيض من ذلك واعتقد بأن الموت ليس انحلالاً تاماً ولا فناء محضاً، إنما حياة ثانية لها نكهتها الخاصة، فستكون حياته النفسية وتركيبته الروحية متفائلة مطمئنة ملتزمة.
التفكير بالحياة بعد الموت هاجس إنساني
إن التفكير بما بعد الموت هاجس إنساني، ليس له طائفة أو دين خاص، فكل الناس إلى أي دين انتموا، حتى الملحد منهم، لا بد وأن يأتيه تساءل، ماذا بعد الموت؟
وإذا استقرأتم التاريخ ترون أن هذا التساءل، لا يخلو من أمَّة، أو من شخص. ولكن الناس يحاولون أن ينسوا هاجس ما بعد الموت، ليبعدوا الخوف عن أنفسهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
يقول أحد علماء النفس: إن الخوف من الموت يقود الإنسان إلى طرح الأسئلة التالية: لمَ، وإلى أين؟ ومعنى ذلك أن فكر الإنسان أكثر ما يشغله المصير النهائي للحياة البشرية2.
ولقد اخترع الناس الكثير لنسيان الموت، يقول بعض المفكرين: "إن الناس قد اخترعوا شتّى ضروب اللهو أو التسلية حتى يتجنّبوا الخوف من الوحدة أو العزلة".
ويقول أيضاً: "إنه لمّا كان الناس لم يهتدوا إلى علاج للموت والشقاء والجهل، فقد وجدوا أن خير الطرق للتنعم بالسعادة هي ألا يفكروا في هذه الأمور على الإطلاق"3.
وفي الحقيقة إن نسيان الناس لمصيرهم النهائي، أو بالأحرى تناسيه، ما هو إلا كما تفعل النعامة، حيث تطمر رأسها في التراب، وتحسب أن الذئب الآتي لن يأكلها!
اكتشاف ما بعد الموت يحيي أمماً وأفراداً
يقول بعض المفكرين: "إن اكتشاف الموت هو الذي ينقل بالشعوب والأفراد إلى مرحلة النضج العقلي أو البلوغ الروحي"4.
فعلاً إن قول هذا المفكر صحيح وتؤيده الوقائع التاريخية، للتدليل على هذه الفكرة نعطيكم مثالاً واحداً.
الأمة العربية قبل الإسلام أكثرها كان منكراً للحياة ما بعد الموت، يقول تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾(الجاثية:24).
﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَو َآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾(الصافات:16-17).
فكيف كانت حياتهم؟ كانت حياتهم حياة جهلٍ وتخلّف وتبعيّة، ولكن عندما جاء الإسلام، وغيّر نظرتهم إلى الموت وما بعده، تغيَّر العرب تغيّراً جذرياً، فانطلقوا في الدّنيا بكل انشراح وقوّة وغيّروا مجرى التاريخ بعد أن كانوا هملاً لا يخافهم أحد.
القرآن والموت وما بعده
لقد اهتم القران الكريم بموضوع الحياة بعد الموت اهتماماً لافتاً، مما يشير إلى أهميّة هذا الموضوع على حياة الأمم والأفراد، حتى أن القران الكريم قد قرن كثيراً بين الإيمان باللَّه واليوم الاخر، مما يشير إلى أن الإيمان باللَّه لا يكفي الإنسان (الفرد والأمة) في كماله الروحي وسكينته النفسية وصلاحه الأخلاقي والسلوكي، إن لم يكن مؤمناً باليوم الاخر.
يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...﴾(البقرة:232).
﴿يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...﴾(ال عمران:114).
إلى كثير من الآيات التي تقرن الإيمان باللَّه مع اليوم الأخر.
وهنا نماذج من الآيات المتعلقة بالآخرة:
• التفكير في الدنيا والآخرة
﴿يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾(البقرة:219+220).
• الدار الآخرة خير للمتقين
﴿وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(الأنعام:32).
• اللَّه يريد الآخرة
﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾(الأنفال:67).
• الموعظة تنفع المؤمن بالآخرة
﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾(الطلاق:2).