MANBARHOSYANE3 Telegram 751
ورد في بعض الآيات الحثّ على الصفح بعد العفو، يقول سبحانه: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ﴾﴿أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾9.

أما ما هو الفرق بينهما؟ فيقول الراغب في مفرداته، إنّ العفو بمعنى المغفرة، والصفح ترك اللّوم والتوبيخ، والذي هو مرحلة أعلى من العفو، لأنّه يمكن أن يعفو الإنسان عن الطرف المقابل إلاّ أنّه لا يترك لومه وتوبيخه أو معاتبته، ولكن بما أنّ الصفح في اللغة
يعني الإعراض بالوجه عن الإنسان المذنب، فيمكن أن يكون إشارة إلى لزوم تناسي ذنب المذنب ووضعه في زاوية الإهمال والغفلة ولا يكتفي بترك اللّوم فقط، أي أن لا يترتّب أي أثر سلبي على العلاقة بين الطرفين.

الإحسان:

هناك مرتبة فوق العفو والصفح وهي مرتبة الإحسان في التعامل مع زلّات الاخرين، يقول تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾10. ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾11.

ويُستفاد من الآيتين أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المؤمنين، مأمورون بتجاوز حالة العفو والصفح والصعود إلى مرتبة أرقى منها، وردّ السيئة بالحسنة، وهو العمل الذي لا يتيسّر من أي شخص كان، ولهذا فإنّ الآية التي بعدها تقول: ﴿وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾12.

وفي الحقيقة، فإنّ مقابلة السيئة بالحسنة عمل ثقيل جدّاً لا يستطيع النهوض به إلاّ من أوتي القدرة على النهوض بالأعمال الخيّرة المهمّة، والذين يعيشون الإيمان والتقوى والقيم الإنسانية بالمستوى الأعلى.

العفو والصفح والإحسان في مدرسة أهل البيت عليهم السلام:

يقول سبحانه: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾13. الآية تأمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأوامر أخلاقية ثلاثة، ويتّضح منها تكليف الآخرين أيضاً. هذه التعليمات الثلاث التي وردت في الآية الشريفة بمثابة أوامر صادرة من الله تعالى إلى نبيّه الكريم باعتباره قائداً للأمّة وأسوة حسنة لسائر المسلمين، وبذلك توضّح في مضمونها أهميّة العفو والصفح في دائرة المسؤولية الملقاة على عاتق القادة الإلهيين. فالأمر الأوّل من هذه الأوامر الإلهية هو الأمر بالعفو والصفح، والأمر الثاني إشارة إلى أنّ على القائد أن لا يحمّل الناس فوق طاقتهم وقدرتهم، وأن لا يطلب منهم سوى المعروف الممكن، وفي الأمر الثالث نجد التوصية بإهمال الكلمات اللامسؤولة الصادرة عن الجاهلين والمخالفين، وعدم ترتيب الأثر على ما يرتكبونه تجاه أتباع الحقّ من ممارسات سلبية وكلمات شانئة.

إنّ القادة الحقيقيين والسالكين طريق الحقّ يواجهون في مسيرتهم الإلهية الكثير من الأفراد المتعصّبين والجاهلين والمعاندين، الذين لا يجدون فرصة للإيقاع بأصحاب الحقّ وإيجاد الأذى والضرر بهم إلاّ استغلّوها. فالآية السابقة وكذلك الكثير من الآيات القرآنية الاُخرى تؤكّد على المؤمنين السالكين في خطّ الله والتقوى أن يجنّبوا أنفسهم الصراع مع هؤلاء، وأنّ الأفضل لهم التعامل مع مثل هذه المسائل من موقع اللامبالاة والإهمال والإعراض، والتجربة العملية تشير إلى أنّ أفضل طريق لإيقاظ هؤلاء من غفلتهم وإطفاء نار غضبهم وصدّهم وتعصّبهم هو هذه الطريقة في التعامل معهم من موقع قوّة الشخصية وكبر النفس.

وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه عندما نزلت هذه الآية الشريفة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عن ذلك، فقال: لا أدري حتّى أسأل العالم، ثمّ أتاه فقال: "يـا مُحِمَّد، إِنّ اللهَ يَأَمُرُكَ أَنْ تَعفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ"14.

نماذج من عفو النبي وآله:

إنّ سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام طافحة بمثل هذه النماذج من السلوكيات الأخلاقية والإنسانية، حتّى أنّه أحياناً يؤدّي سلوكهم الإنساني هذا إلى انقلاب الطرف الآخر من موقع الشرّ والعداوة إلى موقع الخير والمحبّة، والتجارب العملية الكثيرة تشير إلى التأثير الكبير لهذه الأعمال الأخلاقية في دائرة السلوك الإنساني والعلاقات الاجتماعية.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيّاً لم يضرّه، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، فعفا رسول الله عنها"15.



tgoop.com/manbarhosyane3/751
Create:
Last Update:

ورد في بعض الآيات الحثّ على الصفح بعد العفو، يقول سبحانه: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ﴾﴿أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾9.

أما ما هو الفرق بينهما؟ فيقول الراغب في مفرداته، إنّ العفو بمعنى المغفرة، والصفح ترك اللّوم والتوبيخ، والذي هو مرحلة أعلى من العفو، لأنّه يمكن أن يعفو الإنسان عن الطرف المقابل إلاّ أنّه لا يترك لومه وتوبيخه أو معاتبته، ولكن بما أنّ الصفح في اللغة
يعني الإعراض بالوجه عن الإنسان المذنب، فيمكن أن يكون إشارة إلى لزوم تناسي ذنب المذنب ووضعه في زاوية الإهمال والغفلة ولا يكتفي بترك اللّوم فقط، أي أن لا يترتّب أي أثر سلبي على العلاقة بين الطرفين.

الإحسان:

هناك مرتبة فوق العفو والصفح وهي مرتبة الإحسان في التعامل مع زلّات الاخرين، يقول تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾10. ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾11.

ويُستفاد من الآيتين أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المؤمنين، مأمورون بتجاوز حالة العفو والصفح والصعود إلى مرتبة أرقى منها، وردّ السيئة بالحسنة، وهو العمل الذي لا يتيسّر من أي شخص كان، ولهذا فإنّ الآية التي بعدها تقول: ﴿وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾12.

وفي الحقيقة، فإنّ مقابلة السيئة بالحسنة عمل ثقيل جدّاً لا يستطيع النهوض به إلاّ من أوتي القدرة على النهوض بالأعمال الخيّرة المهمّة، والذين يعيشون الإيمان والتقوى والقيم الإنسانية بالمستوى الأعلى.

العفو والصفح والإحسان في مدرسة أهل البيت عليهم السلام:

يقول سبحانه: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾13. الآية تأمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأوامر أخلاقية ثلاثة، ويتّضح منها تكليف الآخرين أيضاً. هذه التعليمات الثلاث التي وردت في الآية الشريفة بمثابة أوامر صادرة من الله تعالى إلى نبيّه الكريم باعتباره قائداً للأمّة وأسوة حسنة لسائر المسلمين، وبذلك توضّح في مضمونها أهميّة العفو والصفح في دائرة المسؤولية الملقاة على عاتق القادة الإلهيين. فالأمر الأوّل من هذه الأوامر الإلهية هو الأمر بالعفو والصفح، والأمر الثاني إشارة إلى أنّ على القائد أن لا يحمّل الناس فوق طاقتهم وقدرتهم، وأن لا يطلب منهم سوى المعروف الممكن، وفي الأمر الثالث نجد التوصية بإهمال الكلمات اللامسؤولة الصادرة عن الجاهلين والمخالفين، وعدم ترتيب الأثر على ما يرتكبونه تجاه أتباع الحقّ من ممارسات سلبية وكلمات شانئة.

إنّ القادة الحقيقيين والسالكين طريق الحقّ يواجهون في مسيرتهم الإلهية الكثير من الأفراد المتعصّبين والجاهلين والمعاندين، الذين لا يجدون فرصة للإيقاع بأصحاب الحقّ وإيجاد الأذى والضرر بهم إلاّ استغلّوها. فالآية السابقة وكذلك الكثير من الآيات القرآنية الاُخرى تؤكّد على المؤمنين السالكين في خطّ الله والتقوى أن يجنّبوا أنفسهم الصراع مع هؤلاء، وأنّ الأفضل لهم التعامل مع مثل هذه المسائل من موقع اللامبالاة والإهمال والإعراض، والتجربة العملية تشير إلى أنّ أفضل طريق لإيقاظ هؤلاء من غفلتهم وإطفاء نار غضبهم وصدّهم وتعصّبهم هو هذه الطريقة في التعامل معهم من موقع قوّة الشخصية وكبر النفس.

وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه عندما نزلت هذه الآية الشريفة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عن ذلك، فقال: لا أدري حتّى أسأل العالم، ثمّ أتاه فقال: "يـا مُحِمَّد، إِنّ اللهَ يَأَمُرُكَ أَنْ تَعفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ"14.

نماذج من عفو النبي وآله:

إنّ سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام طافحة بمثل هذه النماذج من السلوكيات الأخلاقية والإنسانية، حتّى أنّه أحياناً يؤدّي سلوكهم الإنساني هذا إلى انقلاب الطرف الآخر من موقع الشرّ والعداوة إلى موقع الخير والمحبّة، والتجارب العملية الكثيرة تشير إلى التأثير الكبير لهذه الأعمال الأخلاقية في دائرة السلوك الإنساني والعلاقات الاجتماعية.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيّاً لم يضرّه، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، فعفا رسول الله عنها"15.

BY قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني


Share with your friend now:
tgoop.com/manbarhosyane3/751

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

How to create a business channel on Telegram? (Tutorial) "Doxxing content is forbidden on Telegram and our moderators routinely remove such content from around the world," said a spokesman for the messaging app, Remi Vaughn. You can invite up to 200 people from your contacts to join your channel as the next step. Select the users you want to add and click “Invite.” You can skip this step altogether. “Hey degen, are you stressed? Just let it all out,” he wrote, along with a link to join the group. With the “Bear Market Screaming Therapy Group,” we’ve now transcended language.
from us


Telegram قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني
FROM American