MANBARHOSYANE3 Telegram 752
وعفا صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعة كثيرة، بعد أن أباح دمهم، وأمر بقتلهم، ويكفينا نموذجاً راقياً في العفو ما كان منه من العفو عن كفّار مكّة عند فتحها. ويروى أنّ شامياً رأى الإمام الحسن راكباً، فجعل يلعنه، والحسن لا يردّ، فلما فرغ، أقبل الحسن عليه السلام فسلّم عليه، وضحك، فقال: "أيها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك الينا، وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً". فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: "أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبُّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم"16.

وروي أنّ غلاماً للإمام الحسين عليه السلام جنى جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يُضرب، فقال: "يا مولاي، والكاظمين الغيظ، قال: خلّوا عنه. قال: يا مولاي، والعافين عن الناس، قال: قد عفوت عنك، قال: والله يحبُّ المحسنين، قال: أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك"17.

ولكن الإمام الحسين عليه السلام عندما رأى أنّ الدين في خطر من يزيد ثار عليه، فليس المحلّ محلّ عفو وصفح، إنّما المقام مقام جهاد ومقاومة.

بين القصاص والعفو:

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾18.

تتعرّض هذه الآية إلى الحديث عن مسألة القصاص، والتي تعدّ أحد الأحكام الاجتماعية المهمّة في الإسلام، والتي تضمن حقوق الناس وتحفظ لهم أنفسهم ودماءهم من أشكال العدوان، بحيث إنّ القرآن الكريم يعبّر عن القصاص بكلمة "الحياة".

وبعد أن تذكر الآية موارد القصاص بالمثل، تقول: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾19.
فلو أنّ القصاص تبدّل إلى الدية، فعلى الطرف الآخر أن يتّخذ سبيل المعروف في عملية أداء الدية إلى وليّ المقتول، وهذا المعنى بمثابة التخفيف والرحمة من الله تعالى للناس.

والتعبير بكلمة (أخيه) في الآية المذكورة يشير إلى أنّه حتى لو وقعت حادثة قتل بين المسلمين، فإنّ ذلك لا يعني قطع رابطة الأخوّة بينهم، وفي صورة عدم وجود ضرورة للقصاص فلا ينبغي اتّخاذه سبيلاً لحلّ الأزمة، وهذا التعبير يدلّ على أنّ الإسلام يرجّح العفو على القصاص، ويتحرّك من موقع تفعيل الشعور بالمحبّة والأخوّة لدى الأولياء بدلاً من روح الثأر والانتقام.

وكذلك عبارة: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ تدلّ مرّة اُخرى على المفهوم القرآني في ترجيح العفو والصفح على القصاص أو تبديله بالدية.

آثار العفو الفردية والاجتماعية:

إنّ العفو تجتمع فيه آثار إيجابية ومعطيات حميدة كثيرة في حركة الحياة الفردية والاجتماعية، حيث يمكن بيان خلاصتها:

1- إنّ سلوك طريق العفو والصفح يمكنه أن يبدّل العدوّ الشرس أحياناً إلى صديق حميم، وخاصّة فيما لو كان متزامناً بالإحسان إلى الطرف المقابل، أي بالإجابة بالحسنة مقابل السيئة كما وردت الإشارة إلى ذلك في الآية: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾20.

2- إنّ العفو والصفح يتسبّبان في دوام الحكومات واستمرار القدرة السياسية بين ذلك الحاكم الذي يمارس العفو مقابل أعدائه، حيث يقلِّل من حالة العداء والخصومة لدى مخالفيه، ويزيد من جماعة الأصدقاء والمحبّين، ونقرأ ذلك في الحديث الشريف عن النبي
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "عَفوُ المُلُوكِ بَقـاءُ المُلكِ"21.

3- إنّ العمل بمقتضى العفو والصفح يتسبّب في زيادة عزّة الشخص وتقوية مكانته وشخصيته في المجتمع، لأنّ ذلك علامة على قوّة الشخصية والشرف وسعة الصدر، في حين أنّ ممارسة الانتقام والثأر يدلّ على ضيق الأفق وعدم التسلّط على النفس، وانفلات قوى الشرّ وتسلّطها على الإنسان، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "عَلَيكُم بِالعَفوِ، فَإِنَّ العَفوَ لا يَزيدُ إِلاّ عَّزاً"22.



tgoop.com/manbarhosyane3/752
Create:
Last Update:

وعفا صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعة كثيرة، بعد أن أباح دمهم، وأمر بقتلهم، ويكفينا نموذجاً راقياً في العفو ما كان منه من العفو عن كفّار مكّة عند فتحها. ويروى أنّ شامياً رأى الإمام الحسن راكباً، فجعل يلعنه، والحسن لا يردّ، فلما فرغ، أقبل الحسن عليه السلام فسلّم عليه، وضحك، فقال: "أيها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك الينا، وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً". فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: "أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبُّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم"16.

وروي أنّ غلاماً للإمام الحسين عليه السلام جنى جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يُضرب، فقال: "يا مولاي، والكاظمين الغيظ، قال: خلّوا عنه. قال: يا مولاي، والعافين عن الناس، قال: قد عفوت عنك، قال: والله يحبُّ المحسنين، قال: أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك"17.

ولكن الإمام الحسين عليه السلام عندما رأى أنّ الدين في خطر من يزيد ثار عليه، فليس المحلّ محلّ عفو وصفح، إنّما المقام مقام جهاد ومقاومة.

بين القصاص والعفو:

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾18.

تتعرّض هذه الآية إلى الحديث عن مسألة القصاص، والتي تعدّ أحد الأحكام الاجتماعية المهمّة في الإسلام، والتي تضمن حقوق الناس وتحفظ لهم أنفسهم ودماءهم من أشكال العدوان، بحيث إنّ القرآن الكريم يعبّر عن القصاص بكلمة "الحياة".

وبعد أن تذكر الآية موارد القصاص بالمثل، تقول: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾19.
فلو أنّ القصاص تبدّل إلى الدية، فعلى الطرف الآخر أن يتّخذ سبيل المعروف في عملية أداء الدية إلى وليّ المقتول، وهذا المعنى بمثابة التخفيف والرحمة من الله تعالى للناس.

والتعبير بكلمة (أخيه) في الآية المذكورة يشير إلى أنّه حتى لو وقعت حادثة قتل بين المسلمين، فإنّ ذلك لا يعني قطع رابطة الأخوّة بينهم، وفي صورة عدم وجود ضرورة للقصاص فلا ينبغي اتّخاذه سبيلاً لحلّ الأزمة، وهذا التعبير يدلّ على أنّ الإسلام يرجّح العفو على القصاص، ويتحرّك من موقع تفعيل الشعور بالمحبّة والأخوّة لدى الأولياء بدلاً من روح الثأر والانتقام.

وكذلك عبارة: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ تدلّ مرّة اُخرى على المفهوم القرآني في ترجيح العفو والصفح على القصاص أو تبديله بالدية.

آثار العفو الفردية والاجتماعية:

إنّ العفو تجتمع فيه آثار إيجابية ومعطيات حميدة كثيرة في حركة الحياة الفردية والاجتماعية، حيث يمكن بيان خلاصتها:

1- إنّ سلوك طريق العفو والصفح يمكنه أن يبدّل العدوّ الشرس أحياناً إلى صديق حميم، وخاصّة فيما لو كان متزامناً بالإحسان إلى الطرف المقابل، أي بالإجابة بالحسنة مقابل السيئة كما وردت الإشارة إلى ذلك في الآية: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾20.

2- إنّ العفو والصفح يتسبّبان في دوام الحكومات واستمرار القدرة السياسية بين ذلك الحاكم الذي يمارس العفو مقابل أعدائه، حيث يقلِّل من حالة العداء والخصومة لدى مخالفيه، ويزيد من جماعة الأصدقاء والمحبّين، ونقرأ ذلك في الحديث الشريف عن النبي
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "عَفوُ المُلُوكِ بَقـاءُ المُلكِ"21.

3- إنّ العمل بمقتضى العفو والصفح يتسبّب في زيادة عزّة الشخص وتقوية مكانته وشخصيته في المجتمع، لأنّ ذلك علامة على قوّة الشخصية والشرف وسعة الصدر، في حين أنّ ممارسة الانتقام والثأر يدلّ على ضيق الأفق وعدم التسلّط على النفس، وانفلات قوى الشرّ وتسلّطها على الإنسان، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "عَلَيكُم بِالعَفوِ، فَإِنَّ العَفوَ لا يَزيدُ إِلاّ عَّزاً"22.

BY قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني


Share with your friend now:
tgoop.com/manbarhosyane3/752

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Although some crypto traders have moved toward screaming as a coping mechanism, several mental health experts call this therapy a pseudoscience. The crypto community finds its way to engage in one or the other way and share its feelings with other fellow members. More>> The imprisonment came as Telegram said it was "surprised" by claims that privacy commissioner Ada Chung Lai-ling is seeking to block the messaging app due to doxxing content targeting police and politicians. Telegram desktop app: In the upper left corner, click the Menu icon (the one with three lines). Select “New Channel” from the drop-down menu. Other crimes that the SUCK Channel incited under Ng’s watch included using corrosive chemicals to make explosives and causing grievous bodily harm with intent. The court also found Ng responsible for calling on people to assist protesters who clashed violently with police at several universities in November 2019.
from us


Telegram قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني
FROM American