tgoop.com/hussamAkhatab/17808
Last Update:
الدكتور الأخير في رفح
في مدينة رفح ، حيث صارت القذائف لغتها اليومية، واختفى الأطباء واحدًا تلو الآخر، بقي الدكتور رائد وحيدًا في عيادته الصغيرة، كشجرةٍ باسقة في أرضٍ محروقة.
كان المجاهدون يأتون إليه جرحى، منهكين، يحملون آلامهم وأحلامهم، فيجدون بين يديه علاجًا لا يعطيه سواه: الشفاء والرجاء. في عينيه كانوا يقرأون قصة لم تنتهِ بعد، في صوته كانوا يسمعون وعدًا بالصمود.
حتى الأذان لم يعد يُرفع في المدينة إلا بصوته. كان يقف في المسجد وحيدًا، لكن صوته كان يحمل في طياته صلاة آلاف الغائبين. "الله أكبر..." تنطلق كطلقة نور في ظلام الحرب، تذكر الجميع أن الإيمان لا يموت.
ذات يوم، بينما كان يعطي جرعة طبية لجرحى القصف الأخير، سألته بصوتٍ خافت:
"لماذا بقيت هنا؟ الجميع هرب..."
رفع رأسه، وفي عينيه ذلك الهدوء الغريب الذي لا يُفسر، وقال:
"إذا هربنا... فمن سيبقى ليعالجكم ؟ من سيذكر الله في هذه المدينة؟"
ثم عاد إلى عمله، كأنه لم يقل شيئًا استثنائيًا.
في اليوم الذي سقطت فيه قذيفة على عيادته وبين الأنقاض، يداه ما زالتا تحكمان رباطًا على جروحٍ لم ينجُ صاحبها. دفن بلا نعش، لأن الحرب لا تترك وقتًا للوداع الطويل. لكنهم لم يدفن معه إرثه: قصته التي صارت سرًا يُهمس به بين المجاهدين، وصوته الذي بقي يُسمع في أذان الفجر، وكأن المدينة كلها تردده خلفه.
رحمك الله يا دكتور... لقد كنت الظل الذي يحمي، والصوت الذي يُذكر، واليد التي لا تخون.
(من رواية "الظل الأخير")
✍️ شموخ عاصي
BY `• حُسام الدِّين خَطاب •`
Share with your friend now:
tgoop.com/hussamAkhatab/17808