tgoop.com/assdais/2737
Last Update:
مروءة عالية.
عدو عاقل ولا صديق جاهل!
قال أبو الفرج الأصفهاني: «حضرت أبا عبدالله الباقطائي وهو يتقلّد ديوان المشرق وقد تقلد ابن أبي السلاسل ماسبذان ومهرجان قذف، وجاءه ليأخذ كتبه، فجعل يوصيه كما يوصي أصحاب الدواوين والعمال.
فقال ابن أبي السلاسل: كأنك قد استكثرت لي هذا العمل! أنت أيضا قد كنت تكتب لأبي العبّاس ابن ثوابة، ثم صرت صاحب ديوان.
فقال له الباقطائي: يا جاهل يا مجنون لولا أنه قبيح بمثلي مكافأة مثلك لراجعت الوزير- أيده الله- في أمرك حتى أزيل يدك، ومن لي أن أجد مثل ابن ثوابة في هذا الوقت فأكتب له ولا أريد الرياسة!
ثم أقبل علينا يحدثنا فقال: دخلت مع أبي العبّاس ابن ثوابة إلى المهتدي -وكان سليمان بن وهب وزيره- وكان يدخل إليه الوزير وأصحاب الدواوين والعمال والكتاب فيعملون بحضرته ويوقّع إليهم في الأعمال.
فأمر سليمان بأن يكتب عنه عشرة كتب مختلفة إلى جماعة من العمال.. [إلى قال]
اكتب إلى فلان العامل بقبض ضيعة فلان العامل المصروف المعتقل في يده بباقي ما عليه من المصادرة.
فقال له أبو العبّاس ابن ثوابة: كلنا يا أمير المؤمنين خدمك وأولياؤك، وكلّنا حاطب في حبلك، وساع فيما أرضاك وأيّد ملكك، أفنمضي ما تأمر به على ما خيّلت أم نقول بالحقّ؟
قال: بل قل الحقّ يا أحمد،
فقال: يا أمير المؤمنين الملك يقين والمصادرة شكّ، أفترى أن نزيل اليقين بالشك؟
قال: لا، فقال: فقد شهدت للرجل بالملك وصادرته عن شكّ فيما بينك وبينه، وهل خانك أم لا، فتجعل المصادرة صلحا، فإذا قبضت ضيعته بهذا، فقد أزلت اليقين بالشكّ، فقال له: صدقت.
ولكن كيف الوصول إلى المال؟
فقال له: أنت لا بدّ لك من عمّال على أعمالك، وكلّهم يرتزق ويرتفق، فيحوز رفقه ورزقه إلى منزله، فاجعله أحد عمالك ليصرف هذين الوجهين إلى ما عليه، ويسعفه معاملوه؛ فيخلص نفسه وضيعته ويعود إليك مالك.
فأمر سليمان بن وهب أن يفعل ذلك.
فلما خرجنا عن حضرة المهتدي، قال له سليمان: عهدي بهذا الرجل عدوّك، وكلّ واحد منكما يسعى على صاحبه، فكيف زال ذاك حتى نُبت عنه في هذا الوقت نيابة أحييته بها وتخلّصت نفسه ونعمته؟
فقال: إنما كنت أعاديه وأسعى عليه وهو يقدر على الانتصاف مني، فأما وهو فقير إليّ؛ فهو مما يحظره الدين والصناعة والمروءة.
فقال له سليمان: جزاك الله خيرا، أما والله لأشكرنّ هذه النية لك، ولأعتقدنّك من أجلها أخا وصديقا، ولأجعلنّ هذا الرجل لك عبدا ما بقي.
ثم قال له الباقطائي: أفمن كان هذا وزنه وفضله يعاب من كان يكتب له؟!».
«الأغاني» ١٤٦/٢٣.
BY قناة عبدالرحمن السديس
Share with your friend now:
tgoop.com/assdais/2737