Telegram Web
أعظم ما قرأته عن ليلة القدر شهادة حافظ الشيرازي عن معراجه الشخصي في تلك الليلة العظيمة حين وهبته الملائكة براءة جديدة لارتشاف الخمرة، بعد أن غفر الله له كلّ ذنوبه . بحكم صك الغفران هذا يخاطب حافظ خصمه:

لقد ارتشفت في ليلة القدر خمرة صهباء، لا تلمني.


في التعبير عن تجربة روحانية عميقة يضم ديوان لسان الغيب أربع غزليات وصفها النقاد الإيرانيون بغزليات العرش أو العرشيات. ومنها هذه الغزلية التي مطلعها:
(دوش وقتِ سَحَر از غُصه نجاتم دادند- واندر آن ظلمتِ شب آبِ حیاتم دادند). وترجمتها :
ليلة أمس، في سَحرٍ، من الأسى، أنقذوني
واهبين إياي تحت جنح العتمة، ماء الحياة.

وحسب المعلم حسين محي الدين الهي قمشئي، علينا في قراءة هذه الغزليات أن نزيل من أذهاننا كل قول باطل وكل شرح بلا طائل:
لا بد من غسل الأفكار الزائفة والإدعاءات الكاذبة التي تختبىء في الحجب، لما فيها من عار.
ففي هذا الحرم المقدس، الأكثر اشراقا من نور الشمس حيث كل كلمة نيزك نيّر لا يمكن للمرء أن ينظر بعين الخفاش.

قريبا من أجواء حافظ، يصف أمير خسرو الدهلوي ليلة معراجه :
لا أعرف في أي منزل كنتُ ، ليلة أمس
من كلّ صوب رقص وبسملات،
حور سامق كشجر السرو
ألم في كل مسام القلب ، حيث كنتُ ليلة أمس
ينصت الخصوم إلى الأغنية ، المعشوق مغمور بالغنج، ويغمرني الخوف
شاق جدا أن أسرد لكم عن ليلة الأمس
كان الله نور المحفل ، هناك حيث اللا مكان
كان الرسول شمعة الحفلة ، هناك حيث كنتُ ليلة أمس.

يحضر الشيرازي والرومي وأمير خسرو الدهلوي وشعراء كثر في تلك الساحة المقدسة يشربون الخمرة ويأكلون طعاما سماويا ويقيمون الليل في مناجاة ربهم.

الرومي:

"أبيت عند ربي" نام آن خرابات است
نشان"يطعمني ويسقيني"هم از بيمبر ماست.

على خلاف الرومي، لا يدعي حافظ انه التهم الثمار الإلهية في ليلةالمعراج، حصته من الهبات الربانية كأس خمرة من يد الملائكة :

سقوني الخمرة من كأس متلألئة بالصفاء،
فيا له من فجر مبارك، ويا له من ليل بهيج
في ليلة القدر منحوني براءة أخرى.

يكتب أبو الفتوح الرازي في التفسير الكبير لقد أخفى تعالى هذه الليلة لوجوه: كما أخفى سائر الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات، حتى يرغبوا في الكل، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في كل الدعوات، وأخفى الاسم الأعظم ليعظموا كل الأسماء، وأخفى في الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكل، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلف على جميع أقسام التوبة، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلف، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان.

الملفت للانتباه في شهادة حافظ هو المكسب الأساسي للشاعر من ليلة ذات حمولة قدسية عالية، من بين سائر تفاسير القرآن يضع حافظ ليلة البراءة بالتزامن مع ليلة القدر، على خلاف تفاسير اعتبرت ليلة البراء وغفران الذنوب في منتصف شهر شعبان، كما انه يركّز على دور الملائكة في علاقته بالخالق المتسامح على خلاف صورة الله كما يفرضها الكهنوت الديني المتزمت. .تحمل البراءة أكثر من مدلول في هذه الغزلية فالى جانب دلالة الحرية يحضر مدلول الحكمة بقوة. على اعتبار ان المقصود من الخمرة التي حصل حافظ على رخصة ارتشافها في ليلة القدر هي المعرفة حسب التأويل العرفاني.
شبيهُ الشيء لا يكونُه: أَرُومتان وماهيتان لا تتماهيان. لكن الأشياء تأخذ زينتَها في مرآةِ الأشباه، وبالأشباه يُزَفّ المعنى إلى الرُّوع. أن يُشْبِهَ الشيءُ شبيهَهُ، ففي الشَّبَه شُبْهَةٌ تدثِّرها البلاغةُ كما تُخْفِي المساحيقُ التجاعيد. وليس على الشاعر مِنْ حَرَجٍ إذا شبَّه وأخرج الصورةَ من قيدٍ معنَّى على الأفهام الْتَبَسَ. فللفلاسفةِ أن يبحثوا بلا مَلَلٍ عمَّا في الكلامِ من خَلَلٍ، ولهُ أن يروِّضَ المرأةَ والمستحيل على حمْلَ المعنى المضاف في صورةٍ مُخْتَلَسَهْ. والتشبيهُ كالتنبيهِ إشارةٌ في رداء عِبارهْ، تمرينٌ على تحرير اللسان من التحجُّرِ، زواجٌ حلالٌ بين صورتيْن تتبادلانٍ المباهاة، ووسيلةٌ أخرى لاختصار وحدة الوجود أو لريّ معنى في النفس أرهقَهُ التصحُّر. والمشبِّهاتُ مقبِّلاتٌ على طبَقِ الكلام، شهيَّةُ حديثِ خلوةٍ بين عاشقيْن، لمسةُ الروح في جسدٍ اخْتَنَقَتْ نوافذُهُ واستهواهُ الحنينُ إلى الفُتُوَّه، والتشبيه بيانُ النُّبوَّةْ.
ما المستحيلُ إلا غزلُ الممكنِ لِلانهائي، قمرٌ طَروُبٌ تنحَرَّشُ به النظرات من الشرفةِ، جمرةُ المعاني المتَّقدةِ تحت رماد المَجَاز، كعبةُ المُطْلقِ المنصوبةُ في النسبيِّ، زفافُ الرّوحِ المشرَّد لِلَّامرئيِّ، لهفةُ عاشقٍ عابرٍ للامحدود. المستحيلُ ما لا يستحيل على الخيال، والمستحيلُ ما لا يفيض عن الحدود. ما كان المستحيلُ مستحيلاً إلَّا في لغةٍ تَعْقِل المعنى أو تُلقي به في غياهب النظام حيث الكلماتُ والأشياءُ محروسةٌ ممّا يَخْرق النواميس ويُعْلِي في العالمِ والمعاني شريعَةَ الفوضى. وما كان المستحيلُ يستحيلُ إنْ أَعَدْنا تنظيمَ الطبيعةِ والكلام: كأنْ نقولَ إن الممكنَ مطلقٌ والمطلقُ ممكنْ والوجودَ لحظَةٌ مسروقةٌ في جَدَل المَعْنَيَيْن؛ أو كَأنْ نقول إن العقلَ سلطةٌ تافهةٌ في نظام لغةٍ هي مَنْ يسيطر على المعنى، وأنه سادنٌ لا يَحْرُسُ حقيقةً ولا يُنْجِبُها وإنّما يَحْرُسُ من طواحين البلاغةِ عرشَ اللغة. ولقد يكونُ المستحيلُ ممكنًا إنْ أمكنَ تحرير الممكنات من زنازين الرأس واللسان وحرَّاس الحقيقة المسلَّحين بكل أنواع اليقين.
والسؤال حِرْفةُ المتسوّلين على أبواب الحقيقَهْ: من بَحْرِها لا يأخذون إلّا بمقدار ما يسألون. كالعبْد المِلْحَاح يُحِبُّهُ اللهُ هُمْ، هكذا كانوا: متصّوفةً وفلاسفةً وشعراءَ ودجَّالين. والسؤالُ ذاكرةُ الريح تَعْصِف أو تَعْوي أو تُسَوِّي، زوبعةُ جنُونٍ مفتون في قُبْلَةٍ أو قصيدَةٌ، شظيَّةٌ فوضويَّةٌ تُحْرِقُ أو تُدَوّي، وامرأةٌ يَحْملها البرقُ إلى خاطرةٍ شريدَه. السؤالُ ما ضاعَ منّي في زحمة ظَنِي، والسؤال ما فَقَدْتُهُ في نَخْبٍ كأسٍ وغَنِمْتُهُ في حروب العقيدَهْ. كَمْ نَخْشَى السؤال الذي لا جواب لهُ، كمْ نَهْوَى السؤال الذي نُصَاحِبُه. والسؤالُ مصيرُ الذين يَصْعدون إلى حَتِفِهم ظافرينْ:
يضحكون من الماضي ومن وشْمِ الزمانِ على جسد الرّيح.
والسؤالُ أعرابيٌّ يرهِقُه الترحال ولا يُرضيهِ أن يستريح. يَمْنَحُنَا نُسْختَيْن: قُبْلَةً أو محنةً ؛ يَهْزمُنا مرتَيْن: حين يذبَحُنَا وحين نَخْنُقُهُ. هل علمتَ، إذن، أن السؤالَ شرٌّ لابُدَّ منه.
لا تُزاحِمْ؛ ففي الزِّحام ينعدمُ الكلام. دَعْ سواكَ هناك:
مُرَابطًا على حدود الحظِّ يبحث عن حصّتِه من فكرتهِ. يكفيك من الحظِّ أنك ما زلت حيًّا، وأن بين يديْك مملكةَ الحِبْرِ تَبْنِيهَا حجرًا حجرًا وتُعْلِيها قلعةً لِتَصُون من العيونِ حريمَ المعاني. دَعْ ما حفظتَ من الأغاني عنِ امرأةٍ أَضَعْتَهَا في الحروفِ وضاعتْ منك في دهاليز الذاكرة. دَعْ عنْكَ لعبةَ النسيان وامْسك رأسَكَ بين يدِيْكَ، واطْبقْ جَفنيْك وارْحَل قليلاً في الماضي كي تَعُودَ إليكَ أَشياءُ الطفولهْ. دَعْ عنْكَ البطوله، فَحَبَّةُ اسْبِرِينْ تكفيكَ ويكفيك بين اليديْن مصباحٌ يَحْرُسُ من إغراء يَقْظَتَّكَ الكَسُولَهْ.
لا يُستحلى الذِكر والسرّ مُلتفت إلى غير المذكور.

- الشيخ الرئيس
عندما يجفّ النبع

ستشيّد قصوراً بعطشك
وَردتُ عن ظمٍأ ماءً غَصِصتُ به

فليت أنَّيَ لـم أظَمأْ ولـم أرِد ..

- الجواهري
ان تكن غلطتي هي حياتي فأن موتي هو اعتذاري.
2025/07/08 05:12:40
Back to Top
HTML Embed Code: