ولأن تُدعى من بعيد مرّاتٍ خيرٌ من أن تقصى من قريب مرّة، وليكن كلامك جوابًا تتحرَّزُ فيه، ولا تُعجبَنَّ بتأتّي كلمةٍ محمودةٍ فيلِجَّ بك الإطناب توقُّعًا لمثلها؛ فربما عثرتَ بما يَهدِم ما بنَتْه الأُولى، ثم لا تسلم من تمثُّل صاحبك بقولهم: «رُبَّ رمية من غيرِ رامٍ»، وبضاعتُك من النثر قليلة مُزْجاةٌ، وبالعقلِ يُزَمّ اللسان ويلزم السداد.
[التوحيدي]
[التوحيدي]
أصعب الكلامِ الكلامُ على الكلام!
أبو حيان التوحيدي
والمعنى أن أصعب الكلام ما كان بسبيل التماس وجوه الحسن في بلاغة البلغاء. وسبب ذلك أن الجمال في البيان العالي يتأبى على الشرح والتفصيل، لأن الشرح تحديد، والتحديد تقييد، والجمال الحقيقي من وراء الحدود والقيود. وهَبْكَ بَيَّنتَ شيئًا من هذا الجمال المقيَّد للعقول، فمن أين تنشئ لذته في النفوس، ومدارُ أمرها على الذوق؟! ولذلك كانت العرب تستحسن الحذف حتى شاع في كلامها جدًّا، ونزل منزلة الذكر، وعدَّه أيمة اللغة بابًا من شجاعة العربية، ومرادهم بذلك أن تذهب النفس في المحذوف كلَّ مذهب، فيَحفظ عليها جولانُها في المعاني والمرادات لذةَ الإطلاق في تلقي الجمال، ولا تُثقلها آصارُ القيود والحدود، فإن الحذف أوسع من الذكر لاتصاله بعالم الغيب، والغيب أرحب من الشهادة بما لا يتقارب!
[أسامة السيّد رحمه الله]
أبو حيان التوحيدي
والمعنى أن أصعب الكلام ما كان بسبيل التماس وجوه الحسن في بلاغة البلغاء. وسبب ذلك أن الجمال في البيان العالي يتأبى على الشرح والتفصيل، لأن الشرح تحديد، والتحديد تقييد، والجمال الحقيقي من وراء الحدود والقيود. وهَبْكَ بَيَّنتَ شيئًا من هذا الجمال المقيَّد للعقول، فمن أين تنشئ لذته في النفوس، ومدارُ أمرها على الذوق؟! ولذلك كانت العرب تستحسن الحذف حتى شاع في كلامها جدًّا، ونزل منزلة الذكر، وعدَّه أيمة اللغة بابًا من شجاعة العربية، ومرادهم بذلك أن تذهب النفس في المحذوف كلَّ مذهب، فيَحفظ عليها جولانُها في المعاني والمرادات لذةَ الإطلاق في تلقي الجمال، ولا تُثقلها آصارُ القيود والحدود، فإن الحذف أوسع من الذكر لاتصاله بعالم الغيب، والغيب أرحب من الشهادة بما لا يتقارب!
[أسامة السيّد رحمه الله]
"إنني أرى اللجوءَ إلى الرمز ضربًا من ضروب الجُبن اللغويّ! فاللغة إذا اتّسمت بالجُبن كثر فيها "الرمز" وقلّ فيها الإقدام على التعبير الصحيح الواضح المفصح، ولا تقل إنّ الكناية شبيهة بالرمز، فهذا باطلٌ من قِبل الدراسة الصحيحة لطبيعة "الرمز" وطبيعة "الكناية" و "المجاز" وأنا أستنكف من "الرمز" لأنّ العربية شجاعةٌ صادقة في تعبيرها وفي اشتقاقها وفي تكوين أحرفها".
[شيخ العربية محمود شاكر رحمه الله]
[شيخ العربية محمود شاكر رحمه الله]
Forwarded from عبدالله الوهيبي
«الطريقة التي نتحدث بها مع أبنائنا تصبح هي صوتهم الداخلي!»
-بيجي أومارا
"The way we talk to our children become their inner voices."
- Peggy O'mara
-بيجي أومارا
"The way we talk to our children become their inner voices."
- Peggy O'mara
الطّبع العجول ضدٌّ للسّكينة والتأنّي والذّكر، وقلّما وجدت عجولًا حسن الذّاكرة ساكن الطبع؛ فالنّزق والنسيان قرينا العجلة لا ينفكّان "فأنساه الشّيطان ذكر ربّه".
أمّا التأنّي ففاصلٌ شعوريّ بينك وبين العالم، يحصّن الذّاكرة، ويمدّ الرّوح، فالذّكر حضورٌ للقلب، ولا حضور لمن لم يتوقف وينظر ويتأمّل، ومن هنا كانت الأذكار المصاحبة للأحوال الإنسانيّة المختلفة، وكانت الصلاة، وكان الجلوس للذّكر بعدها، امدادًا للذّاكرة، وتوقّفًا للنّفس، وحضورًا للقلب..
أمّا التأنّي ففاصلٌ شعوريّ بينك وبين العالم، يحصّن الذّاكرة، ويمدّ الرّوح، فالذّكر حضورٌ للقلب، ولا حضور لمن لم يتوقف وينظر ويتأمّل، ومن هنا كانت الأذكار المصاحبة للأحوال الإنسانيّة المختلفة، وكانت الصلاة، وكان الجلوس للذّكر بعدها، امدادًا للذّاكرة، وتوقّفًا للنّفس، وحضورًا للقلب..
بعض الأفكار الذكيّة مرعبة، لها كسوة شفيفةٌ، فصاحبها يورد المعنى عريًا قاتمًا مرًّا، تورطك بداهتُه ويكسرك قوله، وبعض الأفكار الذكية "صلواتٌ" لها حلية بهيّة ورائحة شذيّة ومستطاب عذب، يُشجيك صدقه، ويشفيك قوله، "وكل كلام يخرج وعليه كسوة القلب الذي منه خرج".
من الإشارات اللطيفة التي أوردها الإمام ابن عاشور في تفسيره للآية: "وإن يمسسك الله بضرٍّ فلا كاشف له إلا هو، وإن يمسسك بخير فهو على كلّ شيء قدير"، قال: أنّ الله عزّ وجلّ ذكر الضرّ مقابل الخير، في حين أنّ ما يقابل الضّر هو النّفع وما يقابل الشرّ هو الخير كما هو معلوم، فالضرّ جزء من الشرّ (استعان بالجزئي لفهم الكلي)، والنفع جزء من الخير (فيكون استعان بالكلي لفهم الجزئيّ)، فانظُر هذا الإيجاز البارع!
ومما انقدح في خاطري من مراد الآية أنّه عز وجل لا يريد لك الشرّ؛ وإنما يبتليك ببعضه ليردّك إليه، وهو يريد لك الخير (كلّه) سبحانه.
ومما انقدح في خاطري من مراد الآية أنّه عز وجل لا يريد لك الشرّ؛ وإنما يبتليك ببعضه ليردّك إليه، وهو يريد لك الخير (كلّه) سبحانه.
"One of the prerequesiste for caryying out acts that are evil is to shed responsibilty from your shouldres and hand it over to the person in charge".
..
"إنّه لصحيح أنّ الإنسان يمكن أن يكيّف نفسه حتى مع الشروط غير المرضية، ولكنه في عملية التكيّف هذه يُظهر ردود فعلٍ عقليّة وانفعاليّة محددة تنبع من الخواص النوعيّة في طبيعته، وقد يكيّف الإنسان نفسه مع العبوديّة، ولكنه يستجيب لذلك بتخفيض خصائصه الفكريّة والأخلاقيّة؛ وقد يتكيّف مع ثقافة يتفشّى فيها تبادل سوء الظنّ والعداوة، ولكنه يستجيب لهذا التكيّف بأن يصبح ضعيفًا وعقيمًا، ويستطيع أن يتكيف مع أي نموذج ثقافي تقريبًا، ولكن بقدر ما تكون هذه النماذج مناقضة لطبيعته يتكشّف عن اضطرابات عقلية وانفعالية".
[إريك فروم]
"إنّه لصحيح أنّ الإنسان يمكن أن يكيّف نفسه حتى مع الشروط غير المرضية، ولكنه في عملية التكيّف هذه يُظهر ردود فعلٍ عقليّة وانفعاليّة محددة تنبع من الخواص النوعيّة في طبيعته، وقد يكيّف الإنسان نفسه مع العبوديّة، ولكنه يستجيب لذلك بتخفيض خصائصه الفكريّة والأخلاقيّة؛ وقد يتكيّف مع ثقافة يتفشّى فيها تبادل سوء الظنّ والعداوة، ولكنه يستجيب لهذا التكيّف بأن يصبح ضعيفًا وعقيمًا، ويستطيع أن يتكيف مع أي نموذج ثقافي تقريبًا، ولكن بقدر ما تكون هذه النماذج مناقضة لطبيعته يتكشّف عن اضطرابات عقلية وانفعالية".
[إريك فروم]
في الصّحراء، التشابه والرتابة قرينا الأصالة والفرادة، كثبان بعد كثبان وطريق طويل ممتّد لا نهاية له، ويا للعجب كيف للتشابه في المدى أن يبصّرك في الأصالة فيك!
وكيف للحنِ الصّامت، أن يصيّرك تسبيحةً متناغمة مع كل الأشياء والمخلوقات في الوجود.
أمّا في المدينة فيشذّ اللحن، ويتأصّل الاختلاف، تعمُّ الرتابة والتشابه، كأنّك تسبيحة هاربة من كفّ جبريل.
وادي رمّ- 8/10/2022
وكيف للحنِ الصّامت، أن يصيّرك تسبيحةً متناغمة مع كل الأشياء والمخلوقات في الوجود.
أمّا في المدينة فيشذّ اللحن، ويتأصّل الاختلاف، تعمُّ الرتابة والتشابه، كأنّك تسبيحة هاربة من كفّ جبريل.
وادي رمّ- 8/10/2022
Forwarded from أرواحُ المعاني.
"الآلام أنواع: فهناك آلام تخفّض قيمتنا أو تنقص قدرنا، كالجوع مثلًا؛ فالنّاس تحب أن تصدقنا في ما يتعلق بهذا النوع من الآلام؛ ليجعلوا من أنفسهم محسنين إلينا بعد ذلك. أمّا إذا كان الألم أرفع من هذا درجة أو درجتين، إذا كان ألمًا نحتمله في النّضال من أجل فكرة مثلاً، فإنّ الناس يرفضون أن يصدقوه، باستثناء قلّة قليلة. وهم لا يصدقونه لأنهّم حين نظروا إلى صاحبه رأوا أن رأسه ليس رأس من يتألّم في سبيل قضية رفيعة تلك الرفعة كلها. وهم عندئذ يأبون أن يتعاطفوا معه أيّ تعاطف؛ دون أن يكون في موقفهم هذا شيء من روح الشّر على كل حال".
[ الإخوة كارامازوف]
[ الإخوة كارامازوف]
يجنح الروائيّ للخيال أحيانًا، لكن تظلّ الأرض رقعته ومحلّه، فهو في رباط وعروج بين عالمين، يستكشف الحياة الممكنة على أمّه الأرض.
أما الشاعر فهو ابن السّماء، لا أمّ له سواها؛ بها يحيا ويتنّفس ويقتات، فإن أخلد إلى الأرض ضمرت روحه؛ هل كانت الأرض إلا منفاه؟
أمّا الفنّان -لله روح الفنّان- فهو تائه بين سماء وأرض، بل هو غريب العالمين، يحرقه حنينه إلى موطنه الأول السماء، وتأسره الأرض بروحها الفاتنة، فتراه هائمًا بين عالم هو منزعه، وعالم هو موطنه، فلا عجب أن يبعث الفنّ أشجانك ويثير أشواقك.
أما الشاعر فهو ابن السّماء، لا أمّ له سواها؛ بها يحيا ويتنّفس ويقتات، فإن أخلد إلى الأرض ضمرت روحه؛ هل كانت الأرض إلا منفاه؟
أمّا الفنّان -لله روح الفنّان- فهو تائه بين سماء وأرض، بل هو غريب العالمين، يحرقه حنينه إلى موطنه الأول السماء، وتأسره الأرض بروحها الفاتنة، فتراه هائمًا بين عالم هو منزعه، وعالم هو موطنه، فلا عجب أن يبعث الفنّ أشجانك ويثير أشواقك.
"إن حضور الذكر خيرٌ من ذهول النسيان، لأنّ نور الوجود خيرٌ من ظلمة العدم، والذكر وجود والنسيان عدم؛ وإنّ الإنسان العموديّ أوسع وجودًا من الإنسان الأفقيّ، لأنّ مجال الفضاء أفسح من مدى المكان، والإنسان العموديّ في فضاء، والإنسان الأفقيّ في مكان؛ فهل من سبيل للخروج من هذا العالم الناسي، وقد أُشربت قلوب أهله بمقولاته ومسلّماته وقضاياه ودعاويه، حتى لا تكاد تتصوّر بديلًا، ساكنة تحت مجاريه، راضية بمراضيه كأنّما هو القدر المحتوم الذي لا يخطئ أحدًا؟".
[روح الدّين| د. طه عبدالرحمن]
[روح الدّين| د. طه عبدالرحمن]
قلتُ: كيف ترى كتابنا أعني القرآن؟ وأنت رجلٌ قد أشرفت على غاية هذا الباب، واستوعبْتَ جميع ما فيه.
قال: ذاك كلامٌ ليس فيه أثرٌ للصَّنعة، ولا علامة للتكلُّف، وهو كلام منسكب انسكابًا، وجارٍ جريًا يزيد من لُطفه على الطبع، بقدر ما يزيد الطبع على التصنُّع، قليله كثير، وكثيره غزير، ومعناه أقوَم من لفظه، ولفظه أرشق من وزنه، ووزنه أعدل من نظمه، ونظمه أحلى من نثره، ومجموعه أبْهى من مفرّقه، ومُفرّقه أظرف من مجموعه، وبعضه أغرب من كله، وكلّه أعجب من بعضه؛ وهو شيء يستوي تعجّب الجاهل، وتحيُّر العالم، ويستعلي الذهن ويستغرق الفهم، ويحجب الرُّؤية عن الإدراك، ويرُدُّها إلى البديهة في التسليم، وهذا يصحُّ ويبينُ لمن كان ذا أداة تامّة، وعقلٍ ثابت، وعلمٍ غزير، وطبعٍ سجيح.
[أخلاق الوزيرين]
قال: ذاك كلامٌ ليس فيه أثرٌ للصَّنعة، ولا علامة للتكلُّف، وهو كلام منسكب انسكابًا، وجارٍ جريًا يزيد من لُطفه على الطبع، بقدر ما يزيد الطبع على التصنُّع، قليله كثير، وكثيره غزير، ومعناه أقوَم من لفظه، ولفظه أرشق من وزنه، ووزنه أعدل من نظمه، ونظمه أحلى من نثره، ومجموعه أبْهى من مفرّقه، ومُفرّقه أظرف من مجموعه، وبعضه أغرب من كله، وكلّه أعجب من بعضه؛ وهو شيء يستوي تعجّب الجاهل، وتحيُّر العالم، ويستعلي الذهن ويستغرق الفهم، ويحجب الرُّؤية عن الإدراك، ويرُدُّها إلى البديهة في التسليم، وهذا يصحُّ ويبينُ لمن كان ذا أداة تامّة، وعقلٍ ثابت، وعلمٍ غزير، وطبعٍ سجيح.
[أخلاق الوزيرين]
"ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشّر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشرَّ الشّرين".
"علينا أن نحترز من الاعتقاد بأن ديانة أهل العصر الحجري القديم كانت مجرد مرآة لمجتمعهم. ولنتخيل علماء الآثار بعد عشرة آلاف سنة من الآن منقّبين عن بقايا مجتمعنا ويحاولون تفسير فكرنا ومشاعرنا بناء على فنوننا، فلنتصور أولئك العلماء المتخصصين في الآثار وقد توصلوا إلى بقايا كشك من أكشاك بيع الصحف وهم يهنئون أنفسهم على قيمة ما اكتشفوه. ألا تكون دهشتهم، على الأرجح، كبيرة حين يكتشفون أنّ معظم
فنوننا مكرّسة لتصوير الأنثى العارية، وقد لا يكون من الخطأ بالنسبة لعلماء المستقبل أن يستنتجوا أنّ الأمريكيين في القرن العشرين كانوا يعبدون شكل الأنثى. لكنهم يخطئون إذا استنتجوا أن هؤلاء الأمريكيين كانوا يعيشون في مجتمع تسوده النساء. فوجود هذا العدد الضخم من المجلات الإباحية، والجاذبية التي تمارسها «ربات» السينما في المجلات السينمائية، وصحف الفضائح بل والصحف اليومية، لن تزوّد علماء الآثار إلا بالقليل من المعلومات عن سلطة النساء الحقيقية ومكانتهن في مجتمعنا".
[الغرب والعالم| كافين رايلي]
فنوننا مكرّسة لتصوير الأنثى العارية، وقد لا يكون من الخطأ بالنسبة لعلماء المستقبل أن يستنتجوا أنّ الأمريكيين في القرن العشرين كانوا يعبدون شكل الأنثى. لكنهم يخطئون إذا استنتجوا أن هؤلاء الأمريكيين كانوا يعيشون في مجتمع تسوده النساء. فوجود هذا العدد الضخم من المجلات الإباحية، والجاذبية التي تمارسها «ربات» السينما في المجلات السينمائية، وصحف الفضائح بل والصحف اليومية، لن تزوّد علماء الآثار إلا بالقليل من المعلومات عن سلطة النساء الحقيقية ومكانتهن في مجتمعنا".
[الغرب والعالم| كافين رايلي]