Telegram Web
هناك درجة من الرّحابة في النّفس ومن الوِسع في العلم والفهم، ومن الجرأة العلميّة الحكيمة الناضجة، نفتقدها أيّما فقدٍ، وقد كان علماؤنا أحقّ النّاس بها وأجدرهم عليها؛ كيف وقد قال من أوتي جوامع الكلم -عليه أفضل الصلاة والسّلام- : [إذا اجتَهَد فأصاب فله أجرانِ، وإن اجتَهَد فأخطَأَ فله أجرٌ].
روت عائشة رضي اللَّه عنها قالت: سمعتُ رَسُول اللَّه ﷺ، يقول: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُراةً غُرْلًا)، قلت: يَا رَسُول اللَّه الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ؟، قال: (يَا عَائِشَةُ الأَمرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُم ذلكَ).
علّق الإمام ابن أبي جمرة الأندلسي (ت٦٩٥هـ) رحمه الله: «يترتب عليه من الفقه: أنَّ الخوف إذا كان حقيقيًا يذهب بإغواء النفس وخدعها المعلوم منها، وينقل الطَّباعَ السُّوءَ إلى الحُسْنِ والتَّقويم، ولهذا الإشارة بقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَعِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾؛ فلولا أنَّ الخوف يُحدث في الطباع السُّوء شيئًا حسنًا ما جعله الله تعالى سبباً إلى تقواه، الذي هو أصل الأحوال السَنيِة، ولذلك قال أهل السلوك: إنَّ القلب إذا خلا من الخوف خَرِب!».
“you wish to glimpse inside a human soul and get to know a man, don't bother analyzing his ways of being silent, of talking, of weeping, of seeing how much he is moved by noble ideas; you will get better results if you just watch him laugh. If he laughs well, he's a good man”.
"ملاك الأخلاق السافلة: إفراط النفس في الضعف وإفراطها في القوة".

[مدارج السالكين]
Channel photo updated
فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ..

".. وفِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ يَحِقُّ الحَمْدُ لِلَّهِ عِنْدَ هَلاكِ الظَّلَمَةِ، لِأنَّ هَلاكَهم صَلاحٌ لِلنّاسِ، والصَّلاحُ أعْظَمُ النِّعَمِ، وشُكْرُ النِّعْمَةِ واجِبٌ. وهَذا الحَمْدُ شُكْرٌ لِأنَّهُ مُقابِلُ نِعْمَةٍ. وإنَّما كانَ هَلاكُهم صَلاحًا لِأنَّ الظُّلْمَ تَغْيِيرٌ لِلْحُقُوقِ وإبْطالٌ لِلْعَمَلِ بِالشَّرِيعَةِ، فَإذا تَغَيَّرَ الحَقُّ والصَّلاحُ جاءَ الدَّمارُ والفَوْضى وافْتُتِنَ النّاسُ في حَياتِهِمْ فَإذا هَلَكَ الظّالِمُونَ عادَ العَدْلُ، وهو مِيزانُ قِوامِ العالَمِ".

[التحرير والتنوير]
"واعلم أنك لا تشفي الغُلَّة ولا تنتهي إلى ثلج ليقين، حتى تتجاوز حد العلم بالشيء مجملا، إلى العلم به مفصلا، وحتى لا يقنعك إلا النظر في زواياه، والتغلغل في مكامنه، وحتى تكون كمن تتبع الماء حتى عرف منبعه، وانتهى في البحث عن جوهر العود الذي يصنع فيه إلى أن يعرف منبته، ومجرى عروق الشجر الذي هو منه!"
[الجرجاني | دلائل الإعجاز]
في ذاكرة العالم النسيّة غزّة ليست إلا سجلًا للأحداث والتواريخ الجامدة، بيدَ أنّ الذاكرة الحيّة شكلٌ من أشكال المقاومة، والأمّة اليقظة هي التي تُشعل فتيل الذاكرة عملًا دؤوبًا وسعيًا مُستمرًا.
معركتنا القادمة ضدّ النّسيان.
الحمد لله الذي أنزل الكتاب ميزانًا، وجعل في الحديد بأسًا وقوةً..

إذا تأملت سورة الحديد وجدتَ فيها ذلك الميزان القويم؛ بين (الروح)التي تسمو بالإنسان: "هو الذي ينزّل على عبده آيات بيّنات ليخرجكم من الظّلمات إلى النّور"، و(المادة) التي يُقيم بها بنيانه: "وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافع للنّاس"وبه تقوم الصّناعة والآلات المُعينة للإنسان،
وبين الإيمان والعمل: "آمنوا وأنفقوا"، والرهبنة والحرص على الدُّنيا: "ورهبانيّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم" و"اعلموا أنّما الحياة الدنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد".

وقد ابتدأت السّورة بالتسبيح: ةسبّح لله ما في السّماوات وما في الأرض" فالمادة في أصلها تسير بأمرِ الله، بل الكون بكلّ ما فيه يسبّح بحمده سبحانه.
والحديد رمزٌ لحضارة الإنسان، إنّه القوّة الجبارة التي تصوغ الأمم منها عالمها، منه يُصنع السّلاح وبه تُبنى المّدن والجسور والآلات، أليست تلك قوّة يمكنها سحق الإنسان نفسه؟

لكنّ المفارقة الحقيقيّة هي في ذلك الكتاب، الذي هو ميزان قويم، وهدى وذكرى لأولي الألباب، فيسمو بالرّوح عن الانغماس في المادة، أو الانقطاع عنها وترك الاشتغال بالمُعاش وقد "أبدلنا الله بالرهبانيّة الحنيفيّة السّمحاء" اهـ
والكتاب ليس مقابلٌ للمادّة، بل هو -إن شئت- إطارٌ موجّه لها.

"ليقُوم النّاس بالقسط"
والآن، هل ترون أن هذا الميزان الدّقيق هو حقيقة وجودنا؟ ومنتهى سعينا؟ وأنّ كلّ محاولاتنا البشريّة هي تسديدٌ وتقريبٌ بين مساحتي الطيّن والرّوح؟


اللهم إنّا نسألك حالاً دائرة مع الحقّ، وفطنة عقلٍ مضروبة في سلامة صدر.. حتى تكون غايتنا في هذه الدار مقصودةً بالأمثل فالأمثل، وعاقبتنا عندك محمودةً بالأفضل فالأفضل.
من دعاء التوحيديّ بتصرّف يسير.
إنّ في ذلك لذكرى [لمن كان له قلبٌ] أو ألقى السّمع وهو [شهيد]

[لمن كان له قلب] فالأوَّلُ العالِمُ بِالقُوَّةِ وهو المَجْبُولُ عَلى الِاسْتِعْدادِ الكامِلِ فَهو بِحَيْثُ لا يَحْتاجُ إلى غَيْرِ التَّدَبُّرِ لِما عِنْدَهُ مِنَ الكَمالِ المُهَيَّأِ بِفَهْمِ ما يُذَكِّرُ بِهِ القُرْآنُ، والثّانِي القاصِرُ بِما عِنْدَهُ مِن كَثافَةِ الطَّبْعِ فَهو بِحَيْثُ يَحْتاجُ إلى التَّعْلِيمِ فَيَتَذَكَّرُ بِشَرْطِ أنْ يَقْبَلَ بِكُلِّيَّتِهِ، ويُزِيلَ المَوانِعَ كُلَّها، فَلِذَلِكَ حَسُنَ جَدًّا مَوْقِعُ ”أوْ“ المُقَسِّمَةِ، وعُلِمَ مِنهُ عَظِيمُ شَرَفِ القُرْآنِ في أنَّهُ مُبَشِّرٌ لِلْكامِلِ والنّاقِصِ، لَيْسَ مِنهُ مانِعٌ [غَيْرَ الإعْراضِ]

نظم الدرر| الإمام البقاعيّ رحمه الله
وقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ أعْلَمُ بِما وضَعَتْ﴾ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: وضَعَتْ - بِسُكُونِ التّاءِ - فَيَكُونُ الضَّمِيرُ راجِعًا إلى امْرَأةِ عِمْرانَ، وهو حِينَئِذٍ مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى ولَيْسَ مِن كَلامِها المَحْكِيِّ، والمَقْصُودُ مِنهُ: أنَّ اللَّهَ أعْلَمُ مِنها بِنَفاسَةِ ما وضَعَتْ، وأنَّها خَيْرٌ مِن مُطْلَقِ الذَّكَرِ الَّذِي سَألَتْهُ، فالكَلامُ إعْلامٌ لِأهْلِ القُرْآنِ بِتَغْلِيطِها، وتَعْلِيمٌ بِأنَّ مَن فَوَّضَ أمْرَهُ إلى اللَّهِ لا يَنْبَغِي أنْ يَتَعَقَّبَ تَدْبِيرَهُ.

[ابن عاشور]
{وليس الذكر كالأنثى}

ونَفْيُ المُشابَهَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ والأُنْثى يُقْصَدُ بِهِ مَعْنى التَّفْضِيلِ في مِثْلِ هَذا المَقامِ، وذَلِكَ في قَوْلِ العَرَبِ: لَيْسَ سَواءً كَذا وكَذا، ولَيْسَ كَذا مِثْلَ كَذا، ولا هو مِثْلَ كَذا، كَقَوْلِهِ تَعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ. وقَوْلِهِ: ﴿يا نِساءَ النَّبِيءِ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ﴾

[ابن عاشور]
﴿هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ﴾ .
أيْ في ذَلِكَ المَكانِ، قَبْلَ أنْ يَخْرُجَ، وقَدْ نَبَّهَهُ إلى الدُّعاءِ مُشاهَدَةُ خَوارِقِ العادَةِ مَعَ قَوْلِ مَرْيَمَ: ﴿إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [آل عمران: ٣٧] والحِكْمَةُ ضالَّةُ المُؤْمِنِ، وأهْلُ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ يَعْتَبِرُونَ بِما يَرَوْنَ ويَسْمَعُونَ، فَلِذَلِكَ عَمَدَ إلى الدُّعاءِ بِطَلَبِ الوَلَدِ في غَيْرِ إبّانِهِ، وقَدْ كانَ في حَسْرَةٍ مِن عَدَمِ الوَلَدِ كَما حَكى اللَّهُ عَنْهُ في سُورَةِ مَرْيَمَ. وأيْضًا فَقَدْ كانَ حِينَئِذٍ في مَكانٍ شَهِدَ فِيهِ فَيْضًا إلَهِيًّا. ولَمْ يَزَلْ أهْلُ الخَيْرِ يَتَوَخَّوْنَ الأمْكِنَةَ بِما حَدَثَ فِيها مِن خَيْرٍ، والأزْمِنَةَ الصّالِحَةَ كَذَلِكَ، وما هي إلّا كالذَّواتِ الصّالِحَةِ في أنَّها مَحالُّ تَجَلِّياتِ رِضا اللَّهِ.
وسَألَ الذُّرِّيَّةَ الطَّيِّبَةَ لِأنَّها الَّتِي يُرْجى مِنها خَيْرُ الدُّنْيا والآخِرَةِ بِحُصُولِ الآثارِ الصّالِحَةِ النّافِعَةِ.

ومُشاهَدَةُ خَوارِقِ العاداتِ خَوَّلَتْ لِزَكَرِيّاءَ الدُّعاءَ بِما هو مِنَ الخَوارِقِ، أوْ مِنَ المُسْتَبْعَداتِ، لِأنَّهُ رَأى نَفْسَهُ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنْ عِنايَةِ اللَّهِ تَعالى، لا سِيَّما في زَمَنِ الفَيْضِ أوْ مَكانِهِ، فَلا يُعَدُّ دُعاؤُهُ بِذَلِكَ تَجاوُزًا لِحُدُودِ الأدَبِ مَعَ اللَّهِ عَلى نَحْوِ ما قَرَّرَهُ القَرافِيُّ في الفَرْقِ بَيْنَ ما يَجُوزُ مِنَ الدُّعاءِ وما لا يَجُوزُ. وسَمِيعٌ هُنا بِمَعْنى مُجِيبٍ.

[ابن عاشور]
[قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون]

المَعْلُومِ أنَّ الخَبِيثَ لا يُساوِي الطَّيِّبَ وأنَّ البَوْنَ بَيْنَهُما بَعِيدٌ، عَلِمَ السّامِعُ مِن هَذا أنَّ المَقْصُودَ اسْتِنْزالُ فَهْمِهِ إلى تَمْيِيزِ الخَبِيثِ مِنَ الطَّيِّبِ في كُلِّ ما يَلْتَبِسُ فِيهِ أحَدُهُما بِالآخَرِ، وهَذا فَتْحٌ لِبَصائِرِ الغافِلِينَ كَيْلا يَقَعُوا في مَهْواةِ الِالتِباسِ لِيَعْلَمُوا أنَّ ثَمَّةَ خَبِيثًا قَدِ التَفَّ في لِباسِ الحَسَنِ فَتُمُوِّهَ عَلى النّاظِرِينَ، ولِذَلِكَ قالَ ﴿ولَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ﴾ . فَكانَ الخَبِيثُ المَقْصُودُ في الآيَةِ شَيْئًا تَلَبَّسَ بِالكَثْرَةِ فَراقَ في أعْيُنِ النّاظِرِينَ لِكَثْرَتِهِ، فَفَتَحَ أعْيُنَهم لِلتَّأمُّلِ فِيهِ لِيَعْلَمُوا خُبْثَهُ ولا تُعْجِبُهم كَثْرَتُهُ.
ولَيْسَ قَوْلُهُ ﴿ولَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ﴾ بِمُقْتَضٍ أنَّ كُلَّ خَبِيثٍ يَكُونُ كَثِيرًا ولا أنْ يَكُونَ أكْثَرَ مِنَ الطَّيِّبِ مِن جِنْسِهِ، فَإنَّ طَيِّبَ التَّمْرِ والبُرِّ والثِّمارِ أكْثَرُ مِن خَبِيثِها، وإنَّما المُرادُ أنْ لا تُعْجِبَكم مِنَ الخَبِيثِ كَثْرَتُهُ إذا كانَ كَثِيرًا فَتَصْرِفُكم عَنِ التَّأمُّلِ مِن خُبْثِهِ وتَحْدُوكم إلى مُتابَعَتِهِ لِكَثْرَتِهِ، أيْ ولَكِنِ انْظُرُوا إلى الأشْياءِ بِصِفاتِها ومَعانِيها لا بِأشْكالِها ومَبانِيها، أوْ كَثْرَةُ الخَبِيثِ في ذَلِكَ الوَقْتِ بِوَفْرَةِ أهْلِ المِلَلِ الضّالَّةِ.

[ابن عاشور]
﴿وَقَالُوا۟ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ عَلَیۡهِ مَلَكࣱۖ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكࣰا لَّقُضِیَ ٱلۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا یُنظَرُونَ ۝٨ وَلَوۡ جَعَلۡنَـٰهُ مَلَكࣰا لَّجَعَلۡنَـٰهُ رَجُلࣰا وَلَلَبَسۡنَا عَلَیۡهِم مَّا یَلۡبِسُونَ ۝٩﴾

فَمَعْنى الآيَةِ أنَّ ما اقْتَرَحُوهُ لَوْ وقَعَ لَكانَ سَيِّئَ المَغَبَّةِ عَلَيْهِمْ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. ولَيْسَ المُرادُ أنَّ سَبَبَ عَدَمِ إنْزالِ المَلَكِ رَحْمَةً بِهِمْ بَلْ لِأنَّ اللَّهَ ما كانَ لِيُظْهِرَ آياتِهِ عَنِ اقْتِراحِ الضّالِّينَ، إذْ لَيْسَ الرَّسُولُ ﷺ بِصَدَدِ التَّصَدِّي لِرَغَباتِ النّاسِ مِثْلَ ما يَتَصَدّى الصّانِعُ أوِ التّاجِرُ، ولَوْ أُجِيبَتْ رَغَباتُ بَعْضِ المُقْتَرِحِينَ لَرامَ كُلُّ مَن عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ أنْ تَظْهَرَ لَهُ آيَةٌ حَسَبَ مُقْتَرَحِهِ فَيَصِيرُ الرَّسُولُ ﷺ مُضَيِّعًا مُدَّةَ الإرْشادِ وتَلْتَفُّ عَلَيْهِ النّاسُ التِفافَهم عَلى المُشَعْوِذِينَ، وذَلِكَ يُنافِي حُرْمَةَ النُّبُوءَةِ، ولَكِنَّ الآياتِ تَأْتِي عَنْ مَحْضِ اخْتِيارٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى دُونَ مَسْألَةٍ.

[ابن عاشور]
قال الرازي: (لم يوجب الله- تعالى- على النساء فهم الكتاب، بل يفتيهم العلماء).

فاستدرك عليه القرافي قائلا:

هذه الدعوى على إطلاقها باطلة، بل النساء كالرجال في جميع الشريعة، إلا ما دل عليه الدليل، فكما أن المرأة العاجزة عن فهم الخطاب لا يجب عليها لعجزها، فكذلك الرجل الأبله العاجز، وكما أن الرجل الذكي المحصل يجب عليه فهم الخطاب، كذلك المرأة اليقظة الفطنة.

وهل يجوز أن نقول: إن عائشة- رضي الله عنها-لم يطلب منها فهم الخطاب مع قوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء). وكم وجد في هذه الأمة المحمدية من النساء العظيمات المقدار، الجليلات في العلم والعمل ممن رجحن على العلماء المشهورين؛ فالحاصل أن الرجال والنساء سواء في توجه الطلب، غير أن العجزة من النساء المعذورات بالضعف أكثر من المعذورين من الرجال؛ فإن نوعهن يقتضي ذلك، فيجب البيان لهن، كما وجب للرجال، ويبطل هذا القسم من التقسيم، أو يضيف إليه ضعفة الرجال أيضا، ويصير هذا القسم مسمى بالضعفة لا بالنساء، ويستقيم كلامه على هذا التقدير، والعجب من إطباق الجماعة معه على ذلك التقسيم، والتزام صحته. ذكره صاحب (المعتمد) والعالمي من الحنفية، وصاحب (العمد) والقاضي أبو يعلي من الحنابلة، وجماعة من المصنفين، وهو مقطوع ببطلانه في حق النساء، كما رأيت التقرير والإيراد.

📚 نفائس الأصول ( 5/ 2297).
[قال ربّ بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيرًا للمجرمين].

وقَدْ دَلَّ هَذا النَّظْمُ عَلى أنَّ مُوسى أرادَ أنْ يَجْعَلَ عَدَمَ مُظاهَرَتِهِ لِلْمُجْرِمِينَ جَزاءً عَلى نِعْمَةِ الحِكْمَةِ، والعِلْمِ بِأنْ جَعَلَ شُكْرَ تِلْكَ النِّعْمَةِ الاِنْتِصارَ لِلْحَقِّ وتَغْبِيرَ الباطِلِ؛ لِأنَّهُ إذا لَمْ يُغَيِّرِ الباطِلَ والمُنْكَرَ وأقَرَّهُما فَقَدْ صانَعَ فاعِلَهُما، والمُصانَعَةُ مُظاهَرَةٌ. ومِمّا يُؤَيِّدُ هَذا التَّفْسِيرَ أنَّ مُوسى لَمّا أصْبَحَ مِنَ الغَدِ فَوَجَدَ الرَّجُلَ الَّذِي اسْتَصْرَخَهُ في أمْسِهِ يَسْتَصْرِخُهُ عَلى قِبْطِيٌّ آخَرَ أرادَ أنْ يَبْطِشَ بِالقِبْطِيِّ، وفاءً بِوَعْدِهِ رَبَّهُ إذْ قالَ (فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) ؛ لأنَّ القِبْطِيَّ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ والإسْرائِيلِيَّ مُوَحِّدٌ.
وقَدْ جَعَلَ جُمْهُورٌ مِنَ السَّلَفِ هَذِهِ الآيَةَ حُجَّةً عَلى مَنعِ إعانَةِ أهْلِ الجَوْرِ في شَيْءٍ مِن أُمُورِهِمْ. ولَعَلَّ وجْهَ الإِحْتِجاجِ بِها أنَّ اللَّهَ حَكاها عَنْ مُوسى في مَعْرِضِ التَّنْوِيهِ بِهِ فاقْتَضى ذَلِكَ أنَّهُ مِنَ القَوْلِ الحَقِّ.

[التحرير والتنوير]
يرى باومان أن الشيطان، حين يتسلّل إلى الإنسان في زمن الحداثة، لا يبدأ بإيذائه من الخارج، بل من الداخل. فيسلبه ذاكرته، ذلك الجسر الذي يربطه بنفسه وتاريخه وعالمه.

ومن دون ذاكرة، يفقد الإنسان القدرة على التفكير النقدي، فلا يعود يسائل نفسه، ولا يفهم ما يجري حوله. ويتلاشى شعوره بأنه فردٌ مميّز، جزءٌ من جماعة، له رأي وله مسؤولية.

ومع فقدان هذه القوى، يضعف الحسّ الأخلاقي والسياسي، فيصبح الإنسان غير مبالٍ بآلام غيره، لا يهتزّ لظلم، ولا يتحرّك لتعاطف.

الشيطان، في صيغته الحديثة، يختبئ داخل أشكال التقدّم التي تفرّق الإنسان عن ذاته، وتحرمه من شعوره بالمكان، وبالبيت، وبالانتماء. فيعيش الإنسان غريبًا، لا ذاكرة تحميه، ولا مجتمع يربطه.

مقطع قصير مُترجم من كتاب:

[العمى الأخلاقي| زيغمونت باومان]
«التأريخُ موضوع حَيٌّ يقوم بدور بليغ في الثقافة، وفي التكوين الاجتماعي والخُلُقي، وله أثرُهُ في فهم الأوضاع القائمة، وفي تقدير بعض الاتجاهات، والتطورات المقبلة.
وهو يتأثَّرُ بالتيارات الفكرية وبالتطورات العامة؛ ولذا كَثُرت النظرياتُ في تفسيره، بين تفسير ديني، وفلسفي، ومادي، وعلمي، وتباينت الآراءُ في طرق تحليله بين من يجد فيه قوانين عامة، ومن يؤكِّد على الحتمية فيه، وبين مَنْ يرى فيه فوضى متصلة، ومَنْ يجد فيه عبَرًا وفوائد وخبرات.
وهو موضوع ميسور بعض اليسر لمن أراد الكتابة فيه؛ ولهذا كان مسرحًا لكثيرٍ من الهوى ولقليلِ من البحث»

[عبد العزيز الدوري| مقدمة لتاريخ صدر الإسلام]
2025/07/04 04:27:09
Back to Top
HTML Embed Code: