tgoop.com/GedoLibrary/52532
Last Update:
ولقد تأمّلتُ أحوالَ الناس في الهوى، فما رأيتُ أعجبَ من امرئٍ غلبتْه الأنَفةُ والكبرياء على ما يجده في باطنه من الشوق، فتراه يتلظّى بنار الوجد، لكنه يختار أن يتلوّع سرّاً على أن يُظهِر ولو قبساً باهتاً لمن ظنّه قد صَرفَ عنه عنايته.
وإنك لتراه يوالي الفكرَ في محبوبه، ويتطلبُ أخباره طلبَ الظمآنِ للورود، وتهفُو روحه إلى كل ما يتعلّق به غير أنّه يتخفّى تخفّي اللص ماحياً كلّ أثرٍ يدلّ على اهتمامه أو وجودِه، كراهةَ أن يُنسب إلى ضَعفٍ أو يُعرَف له خضوع.
ثم تراه إذا حضر من يهواه، تلحّف جلبابَ الإعراض، وتزيّا بزيّ من لا يكترِث، وما ذلك إلا مداراةٌ لوهنٍ في نفسه لو أظهره لكان أبلغَ في معاني الوفاء.
وقد علمتُ أن المشاعر أحياناً تُستدلّ بأضدادها؛ فكثيرُ التوقّي هو أشدّهم تعرّضاً، والبخيلُ بالوصال هو أكرمهم عطاءً إذا استقرّ قلبُه، وأكثرهم رزانةً هو أجرأهم إذا أمِن، وكثيرُ الصمت ثرثارٌ إذا ارتاح وألِف.
وهذا شأنُ العشاق على مرّ العصور، يفرّون من إظهار ما يملكون، ويتجلّدون على ما لا طاقة لهم به، ويُخفون الشوق كأنّه إثم عظيم، وما هو إلا زينةُ النفسِ إذا صَحَّت وصدقت ودُخِلت البيوت من أبوابها.
ــــــ مريم الشّيخ♥️
•
BY مكتبتي ℡ | 📚

Share with your friend now:
tgoop.com/GedoLibrary/52532
