tgoop.com/yalytanigadamtlhyati/1454
Last Update:
فللَّه العظيم أَعظم حمد وأَتمه وأَكمله على ما منَّ به من معرفته وتوحيده والإقرار بصفاته [العلى] وأَسمائه الحسنى، وإِقرار قلوبنا بأَنه الله الذى لا إِله إِلا هو عالم الغيب والشهادة رب العالمين قيوم السموات والأرضين إِله الأَولين والآخرين، ولا يزال موصوفاً بصفات الجلال، منعوتاً بنعوت الكمال، منزهاً عن أضدادها من النقائص والتشبيه والمثال. فهو الحى القيوم الذى لكمال حياته وقيوميته لا تأْخذه سنة ولا نوم، مالك السموات والأرض الذى لكمال ملكه لا يشفع عنده أَحد إِلا بإِذنه، العالم بكل شيء الذى لكمال علمه يعلم ما بين أَيدى الخلائق وما خلفهم فلا تسقط ورقة إلا بعلمه ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه يعلم دبيب الخواطر فى القلوب حيث لا يطلع عليها الملك ويعلم ما سيكون منها حيث لا يطلع عليه القلب، البصير الذى لكمال بصره يرى تفاصيل خلق الذرة الصغيرة وأعضائها ولحمها ودمها ومخها وعروقها، ويرى دبيبها على الصخرة الصماءِ فى الليلة الظلماءِ، ويرى ما تحت الأرضين [السبع] كما يرى ما فوق السموات السبع. السميع الذى قد استوى فى سمعه سر القول
وجهره، وسع سمعه الأَصوات فلا تختلف عليه أَصوات الخلق ولا تشتبه عليه ولا يشغله منها سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ولا يبرمه كثرة السائلين، قالت عائشة: الحمد لله الذى وسع سمعه الأَصوات، لقد جاءَت المجادلة تشكو إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [وأنه] ليخفى على بعض كلامها، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِع اللهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسمَعَ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة: 1] ،
القدير الذى لكمال قدرته يهدى من يشاءُ ويضل من يشاءُ ويجعل المؤمن مؤمناً والكافر كافراً والبر براً والفاجر فاجراً، وهو الذى جعل إِبراهيم وآله أَئمة يدعون إِليه ويهدون بأَمره، وجعل فرعون قومه أَئمة يدعون إِلى النار. ولكمال قدرته لا يحيط أَحد بشيء من علمه إِلا بما شاءَ سبحانه أَن يعلمه إِياه. ولكمال قدرته خلق السموات والأَرض وما بينهما فى ستة أَيام وما مسه من لغوب ولا يعجزه أحد من خلقه، ولا يفوته، بل هو فى قبضته أَين كان، فإن فر منه فإِنما يطوى المراحل فى يديه كما قيل:
وكيف يفر المرءُ عنك بذنبه ... إِذا كان يطوى فى يديك المراحلا
ولكمال غناه استحال إضافة الولد والصاحبة والشريك والشفيع بدون إِذنه إِليه، ولكمال عظمته وعلوه وسع كرسيه السموات والأَرض، ولم تسعه أَرضه ولا سماواته ولم تحط به مخلوقاته، بل هو العالى على كل شيء وهو بكل شيء محيط، ولا تنفد كلماته ولا تبدل، ولو أَن البحر يمده من بعده سبعة [أبحر] مداداً وأَشجار الأَرض أَقلاماً، فكتب بذلك المداد وبتلك الأَقلام، لنفد المداد وفنيت الأَقلام، ولم تنفد كلماته إِذ هى غير مخلوقة، ويستحيل أَن يفنى غير المخلوق بالمخلوق. ولو كان كلامه مخلوقاً- كما قاله من لم يقدره حق قدره، ولا أَثنى عليه بما هو أَهله- لكان أَحق بالفناءِ من هذا المداد وهذه الأَقلام، لأَنه إِذا كان مخلوقاً فهو نوع من أَنواع مخلوقاته، ولا يحتمل المخلوق إفناءَ هذا المداد وهذه الأَقلام وهو باق غير فان.
وهو سبحانه يحب رسله وعباده المؤمنين ويحبونه، بل لا شيء أَحب إِليهم منه ولا أشوق إليهم من لقائه ولا أَقر لعيونهم من رؤيته ولا أحظى عندهم من قربه، وأَنه سبحانه له الحكمة البالغة فى خلقه وأمره وله النعمة السابغة على خلقه، وكل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل، وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها وأنه أفرح بتوبة عبده من واجد راحلته التى عليها طعامه وشرابه فى الأَرض المهلكة بعد فقدها واليأْس منها.
ابن القيم | طريق الهجرتين
BY يآليتني قدمت لحيآتي❤️
Share with your friend now:
tgoop.com/yalytanigadamtlhyati/1454