SISTANI_1930 Telegram 849
ثالثاً: يختلف تعريف الفساد باختلاف موضوعاته، فهناك الفساد الأخلاقي، والديني، والإداري، والاقتصادي، والاجتماعي، والقانوني، والسياسي، والثقافي، والقضائي، والإعلامي، وغيرها، وقد ذكرت عشرات المصادر والدراسات تعريفات لهذه الموضوعات(10) بما لا سبيل لذكره في كلمة مقيدة زمنياً معدة لمهرجان أدبي. ويصعب تقديم تعريف شامل موحد للفساد، حتى ان الأمم المتحدة "تجنبت ذلك، معتبرة أن مثل هذا التعريف غير ممكن، وغير ضروري(11) ". ولعل أشمل تعريف اطلعت عليه للفساد هو انه "كل سلوك لا يلائم كل ما هو (أخلاقي، قيمي، عقلائي) في سلسلة العلاقات الإنسانية(12) ."
ويمكن القول أن الفساد الاقتصادي والمالي هو أُس كل فساد، وهو الذي يمهد لكافة أنواع الفساد، وهو ما يُتبادر في الأذهان عندما تطرح موضوعة الفساد ومكافحته.
وقد تحدث أغلب مفكري التاريخ وعباقرته عن الفساد، مثل كونفوشيوس في كتابه التعليم الأكبر، وأفلاطون في كتابه الجمهورية والقوانين، وأرسطو في كتابه الأخلاقيات(13) ، وابن خلدون في مقدمته الشهيرة(14) . وأن الفساد ظاهرة عرفتها كافة المجتمعات في كل الأزمنة والعصور، وأنه ظاهرة عالمية ومستمرة لأنها لا تخص مجتمعاً بذاته أو مرحلة تاريخية بعينها(15) . كما أن الفساد عرفته جميع النظم السياسية، وثقافات الأديان على تنوعها، وان اختلفت النسبة باختلاف النظم والظروف.
رابعاً: زخرت كتب التراث الروائي، بنقل ظواهر الفساد، والتصدي لها والتحذير منها، بما لو جمعت لفاقت على مجلدات ضخام، ما يحار المرء معه من أين يبدأ؟ وماذا يذكر؟ من ذلك ما ورد عن الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "... ما بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا(16) ؟..." إلى آخر الحديث. فالهدية للمسؤول حسب حديث الرسول: رشوة واضحة وباب فساد.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول(17) " أي خيانة، فالمسؤول هو موظف يستلم راتبه من أموال الشعب، وما يحصل عليه غير ذلك بحكم موقعه فهو فساد...
وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمَّر عليهم أحداً محاباة له... فعليه لعنة الله." أَوْ قَالَ: "بَرَأَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ(18) ".
وقال علي (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر: " ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولهم محاباة وأثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة..."
فأي مسؤول يوظف على أساس المحسوبية والمحاباة والقرابة فهو فاسد.
وعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل(19) ".
وهذا عليّ (عليه السلام) يقدم كشفاً بذمته المالية للشعب حين يقول: "دخلت بلادكم بأسمالي هذه، ورحلي وراحلتي ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت، فإنني من الخائنين(20) ".
كما يؤسس لمفهوم: من أين لك هذا؟ عندما يخاطب أحد أصحابه قائلاً: "فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك، أو نَقَدْتَ الثمن من غير حلالك فإذاً أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة(21). "
إن مفاهيم كشف الذمة المالية، ومن أين لك هذا؟ وغيرها، شرعت كقوانين في عالمنا المعاصر، ولكنها لم تغادر مظانها من ملفات وكتب، إذ بقيت حبراً على ورق، لا تجد طريقها إلى عالم التطبيق في أغلب بلداننا، رغم أنها من أهم مطالب الناس الدائمة.
إن فداحة الفساد المالي والاقتصادي المفضي إلى غياب العدالة الاجتماعية، البالغة الضرر على كافة المجتمعات، هي التي جعلت علياً (عليه السلام) يتشدد في أمره، من عدم محاباة ومداراة القوى السياسية الفاعلة آنذاك في الحفاظ على المال العام واسترجاع ما أخذ منه بغير وجه حق، وهو القائل:"والله لو وجدته قد تُزوج به النساء، ومُلك به الإماء لرددته(22) ..."

أيها الحضور الكريم:
إن الفساد لا دين له ولا طائفة ولا مذهب ولا عرق، فالدين الحقيقي براء من الفساد والمفسدين. وصدق الشاعر اليمني حسين العماد حيث يقول:

أنا ثائر ضد الفساد وإن يكن في معشر الأنصار أو في الناصري

ويقول الشاعر العراقي وليد الأعظمي:

إسلامنا لا يرى فينا له تبعاً إذا رآنا لأهل الظلم ننقادُ
صلاتنا لا يراها اللهُ قائمةً ويحكمُ الناسَ فسّاقٌ وفسّادُ

رغم ان الفاسدين يتمترسون بالدين والطائفة والقومية _في أغلب الأحيان_ لتمرير مخططاتهم، أو للإفلات من العقاب، ولطالما نجحوا في ذلك للأسف، لقوة تأثير التجييش الطائفي والقومي من جهة، ولضعف الوعي العام من جهة أخرى...



tgoop.com/sistani_1930/849
Create:
Last Update:

ثالثاً: يختلف تعريف الفساد باختلاف موضوعاته، فهناك الفساد الأخلاقي، والديني، والإداري، والاقتصادي، والاجتماعي، والقانوني، والسياسي، والثقافي، والقضائي، والإعلامي، وغيرها، وقد ذكرت عشرات المصادر والدراسات تعريفات لهذه الموضوعات(10) بما لا سبيل لذكره في كلمة مقيدة زمنياً معدة لمهرجان أدبي. ويصعب تقديم تعريف شامل موحد للفساد، حتى ان الأمم المتحدة "تجنبت ذلك، معتبرة أن مثل هذا التعريف غير ممكن، وغير ضروري(11) ". ولعل أشمل تعريف اطلعت عليه للفساد هو انه "كل سلوك لا يلائم كل ما هو (أخلاقي، قيمي، عقلائي) في سلسلة العلاقات الإنسانية(12) ."
ويمكن القول أن الفساد الاقتصادي والمالي هو أُس كل فساد، وهو الذي يمهد لكافة أنواع الفساد، وهو ما يُتبادر في الأذهان عندما تطرح موضوعة الفساد ومكافحته.
وقد تحدث أغلب مفكري التاريخ وعباقرته عن الفساد، مثل كونفوشيوس في كتابه التعليم الأكبر، وأفلاطون في كتابه الجمهورية والقوانين، وأرسطو في كتابه الأخلاقيات(13) ، وابن خلدون في مقدمته الشهيرة(14) . وأن الفساد ظاهرة عرفتها كافة المجتمعات في كل الأزمنة والعصور، وأنه ظاهرة عالمية ومستمرة لأنها لا تخص مجتمعاً بذاته أو مرحلة تاريخية بعينها(15) . كما أن الفساد عرفته جميع النظم السياسية، وثقافات الأديان على تنوعها، وان اختلفت النسبة باختلاف النظم والظروف.
رابعاً: زخرت كتب التراث الروائي، بنقل ظواهر الفساد، والتصدي لها والتحذير منها، بما لو جمعت لفاقت على مجلدات ضخام، ما يحار المرء معه من أين يبدأ؟ وماذا يذكر؟ من ذلك ما ورد عن الرسول الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "... ما بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا(16) ؟..." إلى آخر الحديث. فالهدية للمسؤول حسب حديث الرسول: رشوة واضحة وباب فساد.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول(17) " أي خيانة، فالمسؤول هو موظف يستلم راتبه من أموال الشعب، وما يحصل عليه غير ذلك بحكم موقعه فهو فساد...
وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمَّر عليهم أحداً محاباة له... فعليه لعنة الله." أَوْ قَالَ: "بَرَأَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ(18) ".
وقال علي (عليه السلام) في عهده إلى مالك الأشتر: " ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولهم محاباة وأثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة..."
فأي مسؤول يوظف على أساس المحسوبية والمحاباة والقرابة فهو فاسد.
وعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل(19) ".
وهذا عليّ (عليه السلام) يقدم كشفاً بذمته المالية للشعب حين يقول: "دخلت بلادكم بأسمالي هذه، ورحلي وراحلتي ها هي، فإن أنا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت، فإنني من الخائنين(20) ".
كما يؤسس لمفهوم: من أين لك هذا؟ عندما يخاطب أحد أصحابه قائلاً: "فانظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك، أو نَقَدْتَ الثمن من غير حلالك فإذاً أنت قد خسرت دار الدنيا ودار الآخرة(21). "
إن مفاهيم كشف الذمة المالية، ومن أين لك هذا؟ وغيرها، شرعت كقوانين في عالمنا المعاصر، ولكنها لم تغادر مظانها من ملفات وكتب، إذ بقيت حبراً على ورق، لا تجد طريقها إلى عالم التطبيق في أغلب بلداننا، رغم أنها من أهم مطالب الناس الدائمة.
إن فداحة الفساد المالي والاقتصادي المفضي إلى غياب العدالة الاجتماعية، البالغة الضرر على كافة المجتمعات، هي التي جعلت علياً (عليه السلام) يتشدد في أمره، من عدم محاباة ومداراة القوى السياسية الفاعلة آنذاك في الحفاظ على المال العام واسترجاع ما أخذ منه بغير وجه حق، وهو القائل:"والله لو وجدته قد تُزوج به النساء، ومُلك به الإماء لرددته(22) ..."

أيها الحضور الكريم:
إن الفساد لا دين له ولا طائفة ولا مذهب ولا عرق، فالدين الحقيقي براء من الفساد والمفسدين. وصدق الشاعر اليمني حسين العماد حيث يقول:

أنا ثائر ضد الفساد وإن يكن في معشر الأنصار أو في الناصري

ويقول الشاعر العراقي وليد الأعظمي:

إسلامنا لا يرى فينا له تبعاً إذا رآنا لأهل الظلم ننقادُ
صلاتنا لا يراها اللهُ قائمةً ويحكمُ الناسَ فسّاقٌ وفسّادُ

رغم ان الفاسدين يتمترسون بالدين والطائفة والقومية _في أغلب الأحيان_ لتمرير مخططاتهم، أو للإفلات من العقاب، ولطالما نجحوا في ذلك للأسف، لقوة تأثير التجييش الطائفي والقومي من جهة، ولضعف الوعي العام من جهة أخرى...

BY نائِبُ الحُجة 🌿


Share with your friend now:
tgoop.com/sistani_1930/849

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

A few years ago, you had to use a special bot to run a poll on Telegram. Now you can easily do that yourself in two clicks. Hit the Menu icon and select “Create Poll.” Write your question and add up to 10 options. Running polls is a powerful strategy for getting feedback from your audience. If you’re considering the possibility of modifying your channel in any way, be sure to ask your subscribers’ opinions first. Telegram message that reads: "Bear Market Screaming Therapy Group. You are only allowed to send screaming voice notes. Everything else = BAN. Text pics, videos, stickers, gif = BAN. Anything other than screaming = BAN. You think you are smart = BAN. Telegram iOS app: In the “Chats” tab, click the new message icon in the right upper corner. Select “New Channel.” Telegram channels fall into two types: How to Create a Private or Public Channel on Telegram?
from us


Telegram نائِبُ الحُجة 🌿
FROM American