PERFECTKID Telegram 1427
#ارشادات_تربوية
عين جليّة
كيف نربّي أطفالًا قادرين على التعاطف مع الآخرين ومواساتهم؟
#امل_عبدالله
كاتبة للأطفال وروائية

تتوالى المشاهد والتقارير المفجعة على شاشة التلفاز. زلزال مدمّر ضرب تركيا وسوريا مخلّفًا آلاف الضحايا وآلاف البيوت المدمّرة. نستغرق في المتابعة، ثم نلتفت إلى طفلنا الذي تسمّر أمام الشاشة يراقب عملية انتشال طفل في مثل سنه من تحت الركام. نسارع إلى تغيير القناة، ونحاول إشغاله بأي شيء كي يتلهّى عمّ شاهد للتوّ.
ليست هذه المرّة الأولى التي نسعى فيها لعزل أطفالنا عن أحداث قد تُثقل قلوبهم الصغيرة، ولن تكون الأخيرة. ففي كل يوم يطالعنا ما ينبئ بدرجة التوحّش التي بلغتها البشرية. لكن خلال سعينا لإبقاء الحياة وردية في عيون أطفالنا، نتساءل إن كنّا بذلك نعزّز لديهم مشاعر الأنانية وعدم الاكتراث لأحزان الآخرين وآلامهم.
نحن لا نريد لأطفالنا قلوبًا قاسية، لكننا في الوقت نفسه نشفق على طفولتهم من كل هذه المآسي. فهل سيعيقهم حرصنا عن استشعار آلام الآخرين؟ وكيف نربّي أطفالا قادرين على التعاطف مع الآخرين ومواساتهم؟
يشبه السؤال الثاني ذاك عن كيف نعلّم أطفالنا المشي. والحقيقة هي أننا لا نعلّم أطفالنا المشي؛ نحن فقط نهيّئ لهم البيئة الآمنة والمناسبة لذلك. الأمر لا يختلف كثيرًا في موضوع التعاطف مع الآخرين. يكفي أن نراقب رد فعل طفل في سنته الأولى على بعض المشاهد المؤلمة ـ حتى تلك المفتعلة خلال اللعب ـ لندرك أن التعاطف شعور أصيل لديه. لذلك فإن الأسئلة التي ينبغي أن نطرحها هي:
كيف نبقي تعاطف أطفالنا مع الآخرين أصيلا؟ وكيف نحول دون أن يصبح تعاطفهم انتقائيًّا ومزاجيًّا؟ وكيف نحميهم من سطوة الإعلام المسيّس المُضلِّل الذي بات في أغلب الأحيان يحدّد لنا متى وكيف نتعاطف، ومتى ندير ظهرنا ونتابع حياتنا بشكل طبيعي؟

حقيقة التعاطف
تتعدّد مظاهر تفاعلنا مع مآسي الآخرين. ربما يقتصر تعاطفنا على شعور بالضيق، وقد يُترجم أعمالا تسعفهم وتدواي جراحهم. لكن جميع هذه المظاهر ما كانت لتتحقّق لولا مجموعة ثوابت ومسلّمات نتبناها وننقلها لأولادنا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ويمكن وضع هذه الثوابت والمسلّمات تحت عنوانين رئيسيين هما: تقدير الجمال واستقباح الظلم.
حين تشعر طفلة بالحزن على صبي يسكن خيمة مزّقتها الرياح، فذلك لأنّ البيت المحكم النوافذ والأبواب من المسلّمات في حياتها وبيئتها. بالنسبة لها، البيت الذي يعني أمنًا وسكينة وسترًا وخصوصية وراحة ودفئا.. هو حقّ لكل إنسان، ليس فقط حقًّا لها ولأقاربها وأصدقائها. وهي تقدّر جمال هذا الحق وتستقبح الحرمان منه. لهذا نراها تتعاطف مع هذا الصبي الغريب، وتسأل عن سبب وجوده في هذه الخيمة، وترغب في التخفيف عنه.
إنّ الأطفال الذين ينشأون في عائلة تتجلّى فيها القيم الأسرية الجميلة كالحب والثقة والتعاون والتضحية، سيكونون أكثر تقديرًا لجمال العائلة وأكثر استقباحًا لأي خلل عائلي يرونه عند الآخرين، كخسارة أحد أفرادها أو التواصل السلبي أو سوء المعاملة. كذلك الأمر بالنسبة للأطفال الذين ينشأون في أسرة تشكر نعمة الصحة وتسعى للحفاظ عليها، أو في أسرة تجعل من الحفاظ على البيئة جزءًا من أنشطتها اليومية، سواء بالنسبة للتوفير في مصادر الطاقة أو الحفاظ على النظافة العامة والتقليل من النفايات.. وأيضًا سيكون الأطفال الذين ينشأون في أسرة تُقدّر العلم والبحث عن الحقيقة وحريّة التفكير أكثر تحسسًا لقبح الجهل والقمع الفكري، وبالتالي أكثر تعاطفًا مع الذين يعانون منهما.
كلما ازداد تقدير أولادنا للجمال ومظاهره، سيزداد استقباحهم لكل ما يمسّه. ومع تعاظم هذا التقدير في نفوسهم، لن يستطيعوا غضّ الطرف عن أي تجاوز، لأن الجمال بمختلف مظاهره سيصبح مسألة شخصية تعنيهم بشكل مباشر، بصرف النظر عن المكان والزمان أو هوية الأشخاص. ولن يستطيع أي إعلام أو خطاب مضلِّل إقناعهم أن الأمر لا يعنيهم، وأن ما لديهم من مشاكل وأزمات يكفيهم. فهم سيدركون بعين الجمال الجليّة التي يملكونها أنّهم جزء لا يتجزأ من هذه الكرة الأرضية بكل ما عليها. ولَكَم هو جميل أن ننعم بأبناء يملكون تعاطفًا يتجاوز كل الحدود التي اصطنعها الإنسان بأطماعه وأنانيته! لكن، في الوقت نفسه، علينا أن نعلم أن لهذا التعاطف ثمنًا، فهل نحن مستعدون لدفعه؟!

ثمن التعاطف
حين يقوم طفلنا ذو السبع سنوات بالتبرّع بلعبته المفضّلة لأطفال خسروا كل شيء في لحظات، نكاد نطير فرحًا وفخرا. نتشارك هذا الفعل النبيل مع كل الأقارب والأصدقاء الحقيقيين والافتراضيين. لكن ماذا لو كان تعاطفهم أكثر كلفة لهم ولنا؟ ماذا لو كانت كلفته استقرارًا مهنيًا وعائليًا أو مستقبلًا علميًا طالما حلمنا به؟ ماذا ولو كانت الكلفة أوقاتًا سعيدة وآمنة يعيشونها مع أحبتهم؟ ماذا لو كانت الكلفة حياتهم؟
علينا أن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة، لنعلم إن كنا نملك تلك العين الجليّة التي نريدها لأطفالنا؛ العين التي تبصر كل جمال في هذا الكون وتبكي على أي خسارة تطاله.
🪷🪷🪷



tgoop.com/perfectkid/1427
Create:
Last Update:

#ارشادات_تربوية
عين جليّة
كيف نربّي أطفالًا قادرين على التعاطف مع الآخرين ومواساتهم؟
#امل_عبدالله
كاتبة للأطفال وروائية

تتوالى المشاهد والتقارير المفجعة على شاشة التلفاز. زلزال مدمّر ضرب تركيا وسوريا مخلّفًا آلاف الضحايا وآلاف البيوت المدمّرة. نستغرق في المتابعة، ثم نلتفت إلى طفلنا الذي تسمّر أمام الشاشة يراقب عملية انتشال طفل في مثل سنه من تحت الركام. نسارع إلى تغيير القناة، ونحاول إشغاله بأي شيء كي يتلهّى عمّ شاهد للتوّ.
ليست هذه المرّة الأولى التي نسعى فيها لعزل أطفالنا عن أحداث قد تُثقل قلوبهم الصغيرة، ولن تكون الأخيرة. ففي كل يوم يطالعنا ما ينبئ بدرجة التوحّش التي بلغتها البشرية. لكن خلال سعينا لإبقاء الحياة وردية في عيون أطفالنا، نتساءل إن كنّا بذلك نعزّز لديهم مشاعر الأنانية وعدم الاكتراث لأحزان الآخرين وآلامهم.
نحن لا نريد لأطفالنا قلوبًا قاسية، لكننا في الوقت نفسه نشفق على طفولتهم من كل هذه المآسي. فهل سيعيقهم حرصنا عن استشعار آلام الآخرين؟ وكيف نربّي أطفالا قادرين على التعاطف مع الآخرين ومواساتهم؟
يشبه السؤال الثاني ذاك عن كيف نعلّم أطفالنا المشي. والحقيقة هي أننا لا نعلّم أطفالنا المشي؛ نحن فقط نهيّئ لهم البيئة الآمنة والمناسبة لذلك. الأمر لا يختلف كثيرًا في موضوع التعاطف مع الآخرين. يكفي أن نراقب رد فعل طفل في سنته الأولى على بعض المشاهد المؤلمة ـ حتى تلك المفتعلة خلال اللعب ـ لندرك أن التعاطف شعور أصيل لديه. لذلك فإن الأسئلة التي ينبغي أن نطرحها هي:
كيف نبقي تعاطف أطفالنا مع الآخرين أصيلا؟ وكيف نحول دون أن يصبح تعاطفهم انتقائيًّا ومزاجيًّا؟ وكيف نحميهم من سطوة الإعلام المسيّس المُضلِّل الذي بات في أغلب الأحيان يحدّد لنا متى وكيف نتعاطف، ومتى ندير ظهرنا ونتابع حياتنا بشكل طبيعي؟

حقيقة التعاطف
تتعدّد مظاهر تفاعلنا مع مآسي الآخرين. ربما يقتصر تعاطفنا على شعور بالضيق، وقد يُترجم أعمالا تسعفهم وتدواي جراحهم. لكن جميع هذه المظاهر ما كانت لتتحقّق لولا مجموعة ثوابت ومسلّمات نتبناها وننقلها لأولادنا، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ويمكن وضع هذه الثوابت والمسلّمات تحت عنوانين رئيسيين هما: تقدير الجمال واستقباح الظلم.
حين تشعر طفلة بالحزن على صبي يسكن خيمة مزّقتها الرياح، فذلك لأنّ البيت المحكم النوافذ والأبواب من المسلّمات في حياتها وبيئتها. بالنسبة لها، البيت الذي يعني أمنًا وسكينة وسترًا وخصوصية وراحة ودفئا.. هو حقّ لكل إنسان، ليس فقط حقًّا لها ولأقاربها وأصدقائها. وهي تقدّر جمال هذا الحق وتستقبح الحرمان منه. لهذا نراها تتعاطف مع هذا الصبي الغريب، وتسأل عن سبب وجوده في هذه الخيمة، وترغب في التخفيف عنه.
إنّ الأطفال الذين ينشأون في عائلة تتجلّى فيها القيم الأسرية الجميلة كالحب والثقة والتعاون والتضحية، سيكونون أكثر تقديرًا لجمال العائلة وأكثر استقباحًا لأي خلل عائلي يرونه عند الآخرين، كخسارة أحد أفرادها أو التواصل السلبي أو سوء المعاملة. كذلك الأمر بالنسبة للأطفال الذين ينشأون في أسرة تشكر نعمة الصحة وتسعى للحفاظ عليها، أو في أسرة تجعل من الحفاظ على البيئة جزءًا من أنشطتها اليومية، سواء بالنسبة للتوفير في مصادر الطاقة أو الحفاظ على النظافة العامة والتقليل من النفايات.. وأيضًا سيكون الأطفال الذين ينشأون في أسرة تُقدّر العلم والبحث عن الحقيقة وحريّة التفكير أكثر تحسسًا لقبح الجهل والقمع الفكري، وبالتالي أكثر تعاطفًا مع الذين يعانون منهما.
كلما ازداد تقدير أولادنا للجمال ومظاهره، سيزداد استقباحهم لكل ما يمسّه. ومع تعاظم هذا التقدير في نفوسهم، لن يستطيعوا غضّ الطرف عن أي تجاوز، لأن الجمال بمختلف مظاهره سيصبح مسألة شخصية تعنيهم بشكل مباشر، بصرف النظر عن المكان والزمان أو هوية الأشخاص. ولن يستطيع أي إعلام أو خطاب مضلِّل إقناعهم أن الأمر لا يعنيهم، وأن ما لديهم من مشاكل وأزمات يكفيهم. فهم سيدركون بعين الجمال الجليّة التي يملكونها أنّهم جزء لا يتجزأ من هذه الكرة الأرضية بكل ما عليها. ولَكَم هو جميل أن ننعم بأبناء يملكون تعاطفًا يتجاوز كل الحدود التي اصطنعها الإنسان بأطماعه وأنانيته! لكن، في الوقت نفسه، علينا أن نعلم أن لهذا التعاطف ثمنًا، فهل نحن مستعدون لدفعه؟!

ثمن التعاطف
حين يقوم طفلنا ذو السبع سنوات بالتبرّع بلعبته المفضّلة لأطفال خسروا كل شيء في لحظات، نكاد نطير فرحًا وفخرا. نتشارك هذا الفعل النبيل مع كل الأقارب والأصدقاء الحقيقيين والافتراضيين. لكن ماذا لو كان تعاطفهم أكثر كلفة لهم ولنا؟ ماذا لو كانت كلفته استقرارًا مهنيًا وعائليًا أو مستقبلًا علميًا طالما حلمنا به؟ ماذا ولو كانت الكلفة أوقاتًا سعيدة وآمنة يعيشونها مع أحبتهم؟ ماذا لو كانت الكلفة حياتهم؟
علينا أن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة، لنعلم إن كنا نملك تلك العين الجليّة التي نريدها لأطفالنا؛ العين التي تبصر كل جمال في هذا الكون وتبكي على أي خسارة تطاله.
🪷🪷🪷

BY أولادنا نحو الكمال


Share with your friend now:
tgoop.com/perfectkid/1427

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

With the “Bear Market Screaming Therapy Group,” we’ve now transcended language. Each account can create up to 10 public channels In 2018, Telegram’s audience reached 200 million people, with 500,000 new users joining the messenger every day. It was launched for iOS on 14 August 2013 and Android on 20 October 2013. According to media reports, the privacy watchdog was considering “blacklisting” some online platforms that have repeatedly posted doxxing information, with sources saying most messages were shared on Telegram. The best encrypted messaging apps
from us


Telegram أولادنا نحو الكمال
FROM American