tgoop.com/mohammedd6/1025
Last Update:
في رجب من السنة التاسعة للهجرة، خرج النبي ﷺ إلى غزوة تبوك، وعاد منها في رمضان، حيث استغرقت هذه الغزوة خمسين يومًا، أقام منها عشرين يومًا في تبوك، وقضى الباقي في مسيرة الجيش ذهابًا وعودة.
كانت الأجواء المحيطة بهذه الغزوة في غاية الصعوبة، ولهذا سُمِّيت غزوة العسرة. وقد كانت العسرة في هذه الغزوة مركَّبة من أمور، أحدها: شدَّة الحر في ذلك الوقت (الصيف) وذلك المكان (الصحراء). ثانيها: بُعْد المسافة والحاجة إلى الاستعداد الكثير الزائد على ما جرت به العادة في سائر الغزوات. ثالثها: نضج الثمار وطيب الظلال بالمدينة في ذلك الوقت، وكان الناس يحبُّون أن يمكثوا في ثمارهم وظلالهم. رابعها: شدَّة حاجة المسلمين يومئذ إلى الْعُدَّةِ (كالراحلة والسلاح والزاد). وخامسها: كون الْمَغْزُوُِ عَدُوًّا عَظِيمًا، حيث كان الرومان أكبر قوة عسكرية في العالم وقتها.
هذه الخمسون يومًا، بما تضمنته من مشاقَّ مركَّبة، سماها القرآن الكريم ساعة العسرة، في قوله تعالى: {لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: 117]. وَالْمُرَاد بها وقت العسرة، وهو جَمِيع أَوْقَات تِلْكَ الْغَزوة، وليس المراد ساعة بعينها.
غير أن لفظ "الساعة" هنا يستوقف المتأمل ليتبين معناه بدقة. فوَفقًا لابن منظور في "لسان العرب"، فإن لفظ "الساعة" في أصل لغة العرب يُطلق على معنيين: الأول: جزء من أربعة وعشرين جزءًا من اليوم والليلة، والثاني: وقت قصير من النهار أو الليل، كقولهم: "جلست عندك ساعة من النهار" أي وقتًا قليلًا منه. وقد سمى القرآن الكريم الوقت الذي تقوم فيه القيامة بالساعة؛ لأنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم، فلقلة الوقت الذي تقوم فيه سمَّاها ساعة.
تأسيسًا على ذلك، فإن إطلاق القرآن الكريم على الخمسين يومًا في غزوة تبوك لفظ "الساعة" يتفق مع المعنى اللغوي الثاني الذي ذكره ابن منظور؛ إذ إن هذه الشدة التي حصلت للنبي ﷺ وأصحابه تبقى وقتًا قصيرًا في عمر الدعوة، وتضحية محدودة إذا قورنت بنتائجها العظيمة: من انحسار حركة النفاق، وتوطيد سلطان الإسلام في الجزيرة، وإسقاط هيبة الروم، والتمهيد لفتح الشام.
إن تعبير القرآن الذي يفيد بأن وقت العسرة كان قصيرًا، يسكب في قلوب المؤمنين الأمل، وفي الوقت نفسه يدعوهم إلى العمل وألا تكون التضحيات مَجْبَنَةً عن مواجهة الباطل؛ فإن أثمان مواجهته، مهما عظمت، هي بلا شك أقل كلفة من القعود عنه، إذ القعود يؤدي إلى فتنة في الأرض وفساد كبير، كما هو واقع في هذا الزمان. ثم إن الشدائد مآلها إلى انقضاء، وهي -كما يقول ابن القيم- "بتراء لا دوام لها وإن طالت".
BY د. محمد العامودي
Share with your friend now:
tgoop.com/mohammedd6/1025