tgoop.com/mohamadaliyousef/6211
Last Update:
لي أكثر من شهر متوقف عن سلسلة #قبل_أن_تتلو وذلك لإتمام مشاريع أخرى بفضل الله
وكنا قد وقفنا عن الفصل الثامن والنظرات الإجمالية لسورة الأنفال
اليوم أعاود النشر في إطارها من جديد بفضل الله وبركته
وإليكم الفصل التاسع منها وتدبرات إجمالية مع بعض التفصيل لقيمة السورة
سورة التوبة
أعلم قبل التعليق المعتاد أنه طويل جدا فهو فصل من كتاب يا أحباب فمن شاء أن يطالعه فليعلم هذا الوصف ليتفهم طبيعته وأسأل الله القبول والنفع
الفصل التاسع: سورة التوبة... حين يُرفع ستارُ البسملة وتُفضحُ السرائر
تُقلّب صفحات المصحف بقلبٍ يبحث عن سكينة..
عن مرفأٍ يرسو عليه في صخب الأيام.
تمرّ بالبقرة وآل عمران وقواعد التأسيس الكبرى للأمة، ثم تسبح في بحر معاني النساء الذي ينسج خيوط العدل والرحمة في بناء الأسرة والمجتمع. تنتقل بعدها للعقود مع الله في سورة المائدة ثم تستمر في تقليب الصفحات فتشعر بشيءٍ مختلف.
يدك ترتجف قليلاً، ثمة وقارٌ مهيبٌ يسبق الكلمات
إنها سورة الأنعام حيث تتدفق مشاعر تعظيم الله وجلاله إلى قلبك
ثم تنبهر بمعاني الحسم واتخاذ القرار المصيري في سورة الأعراف لتفاجأ بعد ذلك بنقلة نوعية إلى القرآن المدني حيث الغزوة الأولى - بدر - والتعليق عليها في سورة الأنفال
تشرع بعدها فيما بعد بدر متوقعا أن يسير الأمر كالمعتاد في كل سورة لكنك تفاجأ من جديد
سورة فريدة، تبدأ بشكل يختلف عن كل ما سبق وما يلي
يُرفع ستارُ الرحمة الظاهرة في البسملة.
هنا لا توجد "بسم الله الرحمن الرحيم" لتُفتتح بها الآيات
هنا... لن تجد تلك الافتتاحية المعهودة التي تُطمئن القلب وتُبارك البدايات.
تلك العبارة الحانية التي اعتدناها في كل سورة مستفتحين لن تجدها في سورة التوبة
سيبدأ الأمر مباشرة ليُكشف عن واقعٍ صارم
عن مواقف مفصلية
عن فضائح لا تحتمل التجميل أو المواربة. كأنها ساحة معركةٍ تُعلن فيها البراءة من المشركين، وتُكشف فيها سرائر المنافقين، وتُوضع فيها النفوس على محك الاختبار الأخير.
إن الخطب جلل والإعلان خطير ولا وقت لمقدمة هادئة أو تمهيد معتاد
هي سورةٌ تبدأ سريعة كريحٍ تفقد صبرها، كسماءٍ تُعلن حالة الطوارئ.
كل شيءٍ فيها يُحذّر، ويُعرّي ويكشف، مرسلا بلسان الحال رسالة لا يُخطئها سمع القلب مفادها: "قد جاء الوقت يا هذا... جاء الوقت لتُفتّش في قلبك، لا في الكتب".
هناك أيامٌ في رحلتنا مع كتاب الله، لا تشبه غيرها.
أيامٌ تشعر فيها بأن الكلمات ليست مجرد حروفٍ تُتلى، بل كأنها سياط تلهب ظهر الغفلة، أو مشرط جراحٍ دقيقٍ يشرّح خبايا النفس ويخرج ما استتر فيها من أدواء. ويومُ تلاوة سورة التوبة هو دائماً واحدٌ من تلك الأيام المختلفة بالنسبة لي.
ربما بدأ الأمر منذ سنوات، حين همس لي صديقٌ عزيزٌ بكلمةٍ عن هذه السورة، كلمةٌ بسيطة لكنها حفرت في وجداني أخدوداً عميقاً، وظلت تتردد في صدري كلما مررتُ بآياتها:
"سورة التوبة ليست فقط فاضحةً للمنافقين والمشركين والطاعنين في الدين...
سورة التوبة، يا صديقي، تفضح عيوبنا نحن أولا
تفضحنا أمام أنفسنا!".
كلماته تلك كانت بمثابة مفتاح لأبواب جديدة لفهم هذه السورة العظيمة
أبواب لم أكن أجرؤ على طرقها من قبل خوفاً من أن أرى ما لا يسرّني من نفسي وخشية أن أكتشف أن بعض تلك الأوصاف المخيفة قد تنطبق عليّ بشكلٍ أو بآخر.
منذ ذلك اليوم كلما شرعتُ في تلاوة سورة التوبة أخلع عن نفسي عباءة "القارئ المحايد" أو "المتأمل من بعيد".
لا أقرأها من موقع ذلك الساكن في برجٍ عاجيٍّ يتخيل نفسه في مأمن مما ورد فيها، و يظن نفسه في قد عُصم من فضائحها ويكتفي بمقعد المشاهد الذي يطالع فيلماً وثائقياً عن كائناتٍ غريبة انقرضت في عصورٍ سحيقة أو مخلوقات أسطورية من كوكب آخر..
أغادر ذلك المقعد المريح كلما برزت الكلمة الافتتاحية "براءة" وأحاول أن أجلس قلبي في موقع المتربص وألبسه ثوب روحٍ متأهبة
أقف أمام مرآتها الكاشفة، وأتعامل مع آياتها التي تتحدث عن صفات النفاق والتردد والقعود كأنها موجهةٌ إليّ أنا ابتداءً.
أقيس نفسي عليها..
أُفتش في زوايا روحي.. وفي دوافعي الخفية و أعذاري الواهية؛ عن أي أثرٍ لتلك الآفات التي فضحتها السورة بوضوحٍ لا يقبل التأويل
وبصراحةٍ لا تعرف المجاملة.
أُذكر نفسي في كل مرة أن هذه الآيات، وإن نزلت في أقوامٍ معينين ولأحداثٍ محددة، إلا أن معانيها تتجاوز الزمان والمكان وأنها تتحدث عن أمراض قلبية وسلوكية قد تُصيب أي إنسانٍ في أي عصر
عن انحرافاتٍ قد تتسلل إلى أي نفسٍ إذا لم تكن يقظةً ومُحصنةً بأسوار الإيمان والتقوى.
أذكر نفسي بكل ذلك بينما أستدعي أسماءها الكثيرة إلى ذهني
وما أكثر أسماءها
BY قناة د. محمد علي يوسف
Share with your friend now:
tgoop.com/mohamadaliyousef/6211