tgoop.com/mohamadaliyousef/6139
Last Update:
"يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَاليَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ.
ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ."
يا الله! أي مشهد هذا وأي قلب يحمله الخليل!
أبوه، آزر، على وجهه سواد الذل والانكسار..
غبار الهوان والخزي.
يراه إبراهيم، فيعاتبه عتاب الحريص المشفق:
ألم أخبرك؟
ألم أنصح لك في الدنيا؟
ألم أحاول وأبذل؟
فيرد الأب بإقرار الندم المتأخر الذي لا ينفع: "اليوم لن أعصيك".
هنا، تتحرك مشاعر البنوة والشفقة في قلب الخليل من جديد ويتذكر وعد ربه له بألا يخزيه يوم القيامة، فيرى أن من أعظم الخزي أن يرى أباه "الأبعد" عن رحمة الله في هذا المآل. فيناجي ربه، لعله يجد سبيلاً لرحمةٍ أو شفاعة.
لكن كلمة الله هي العليا، وحكمه هو العدل. "إِنِّي حَرَّمْتُ الجَنَّةَ عَلَى الكَافِرِينَ".
سنة إلهية لا تتبدل، وقانون لا يحابي أحداً، ولو كان أبا خليل الرحمن.
لكن من تمام إكرام الله لخليله، ومن تمام رحمته به حتى لا يرى أباه يعذب على صورته التي ألفها، يُقال له: "انظر ما تحت رجليك".
فيرى أباه قد مُسخ على هيئة "ذِيخٍ مُلْتَطِخٍ" – وهو ذكر الضبع حين تلطخه القاذورات – ثم يُسحب من قوائمه ويُلقى في النار.
هكذا يُقطع آخر أمل، وتطيب نفس الخليل بحكم الله وعدله، ويُصان عن رؤية ما يؤذيه.
هذا الحديث يكشف لنا مدى عمق حرص سيدنا إبراهيم على الخلق، و خوفه عليهم، حتى أبيه الذي مات على الشرك.
يعلمنا الخليل أن الداعية الحقيقي لا يتوقف عن حمل هم هداية الناس، ولا ييأس من عودتهم مع التسليم الكامل لحكم الله وقضائه.
هذا الجمع النادر بين الغيرة على التوحيد والبراءة من الشرك وأهله في الدنيا، وبين الرحمة الكامنة والشفقة هي ما لتلك المحاولة الأخيرة يوم القيامة
هذه الرحمة الإبراهيمية تبلغ ذروتها في ذلك المشهد القرآني المبهر
حين جاءته الملائكة بالبشرى بالولد، وأخبروه بأنهم مُرسلون لإهلاك قوم لوط الذين بلغوا من الفساد والانحراف مبلغاً لم يسبقهم إليه أحد من العالمين .
ماذا كان رد فعل إبراهيم؟
"فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ" (هود: 74-75).
يا للعجب!
يجادل في قومٍ استحقوا العذاب بجرائمهم الشنيعة!
يجادل الملائكة ويلتمس الأعذار، ويبحث عن أي بصيص أملٍ لنجاتهم.
هل نحاول مرة أخرى؟
هل استنفذ لوط كل السبل؟
هل نعطيهم فرصة لعلهم يرجعون؟
دفاع أخير يتشبث بأي حبل يقي الناس ويلات العذاب
هذه المجادلة النبيلة ليست نابعةً من اعتراض أو ضعف يقينٍ في عدل الله... حاشا وكلا..
بل هي من فيض شفقةٍ لا ينضب
من قلبٍ لا يرغب في رؤية الهلاك يحلّ بأحدٍ من عباد الله.
وهذا حال القلب السليم
إذا امتلأ بمحبة الله؛ تبع ذلك امتلاء برحمة عباد الله..
ليست رحمة العاجز المنهزم، بل رحمة الواثق بعدل ربه وعظيم رحمته، والمطمئن إلى أن حساب الناس ليس إلى البشر وأحكامهم العاجلة..
وأن دوره هو البلاغ والدعوة والشفقة، وليس الحكم وتمنى العذاب.
هذا الحرص على هداية الخلق، وهذا الخوف على مصيرهم، لم يكن خاصاً بإبراهيم وحده، بل هو سمةٌ مشتركة بين كل الأنبياء والمرسلين، ومن سار على دربهم من الصالحين.
انظر إلى خاتمهم وسيدهم، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
كم لاقى من الأذى والتكذيب والاضطهاد من قومه؟
كم مرةٍ جُرح وأُدمي وطُرد؟
رغم ذلك، حين جاءه ملك الجبال يعرض عليه أن يُطبق عليهم جبلين فيسحقوا سحقا لا قبل لبشر به؛ ماذا كان رده؟
"بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً".
يا له من أملٍ لا ينقطع في هداية البشر!
ويا لها من رحمة!
وحين اشتد عليه الأذى في الطائف، ورموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين؛ لم يدعُ عليهم بالهلاك، بل رفع يديه إلى السماء بذلك الدعاء الخالد: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".
وكرر ذات الدعاء أو قريبا منه يوم أحد حين كسروا رباعيته وأشاعوا قتله
«اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»
كم من دمائه الطاهرة سالت من تلك الرباعية المكسورة في فم طالما كان يلهج بذكر مولاه والدعوة إلى سبيل رضاه
BY قناة د. محمد علي يوسف
Share with your friend now:
tgoop.com/mohamadaliyousef/6139