هل انتساب الرجل إلى السّنّة مما يقبل التجزُّؤ والانقسام؟

جواب من شيخ الإسلام رحمه الله من الكتاب الجديد: (قاعدة في تفضيل مذهب الإمام أحمد).

وكانت في حياتك لي عظاتٌ ..
وأنتَ اليومَ أوعظُ منكَ حيًّا !

رحم الله سماحة المفتي الشيخ المُتنسِّك القُدْوة: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ (١٣٦٢ - ١٤٤٧ هـ) ، الذي اخترمتْه المنيّة صبيحة هذا اليوم الثلاثاء غُرَّة ربيع الآخر من عام ١٤٤٧ هـ.

كان رحمه الله مُوفَّر الشمائل، مُكتنز الفضائل، من أعفِّ الناس لسانًا، وأسلمهم صدرًا، وأقلِّهم تكلُّفا، وأحرصهم على اجتماع الكلمة، وائتلاف القلوب، يُتأدَّب بهَدْيه ودَلِّه وسَمْته، تلوح فيه سِمة العالِم، وتُنادي عليه بهجةُ العابد. وبموته غاض علمٌ كثير، وطُوِي بساطُ فضلٍ غزير.

رحمه الله وغفر له، وجعله ممن يتقبَّل عنهم أحسن ما عملوا، ويتجاوز عن سيِّئاتهم في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

النَّظر في كتب التُّراث والتهدِّي إلى فهمها وحذقها له قواعدُ وآدابٌ منثورة في كلام أهل العلم، من أهمِّها: إدراكُ الصِّلات والعلائق بين العلوم الإسلامية؛ وقد قال الطناحي الأديب: «إن علومنا يجذب بعضُها بعضًا على نحو ما قال سفيان بن عيينة: (كلام العرب يأخذ بعضُه برقاب بعض)» [مقالاته (ص٣٠٢)].

وعن هذا تتفرع حقيقتان نوّه بهما الطناحي أيضا؛ فقال:

«الأولى: أنّ مجاز كتب التراث مجاز الكتاب الواحد، بمعنى: أن هذه الكتب متشابكة الأطراف، متداخلة الأسباب.
الثانية: أنه لا يغني كتاب عن كتاب».

مما صدر حديثا لشيخنا الجليل د. عيسى بن محسن النعمي: هذا المرقوم الحفيل.

«حلُّ مشكلات أثر مجاهد في تفسير المقام المحمود..

دراسة تحليلية لأبرز الاعتراضات التي أوردها بعض أهل السُّنَّة والجماعة على أثر مجاهد».

إذا صدقت الله تعالى في تعاملك مع الخلق لا تبالي بما تلقاه من جفاء أو جحود ونكران، فأنت تنتظر الجزاء والأجر من أكرم الأكرمين وأجود الأجودين سبحانه وتعالى.

شرفتُ بالمشاركة في هذا الكتاب المبارك الذي يضمُّ شروحَ مقرّرات (حقيبة التأهيل الفقهي الحنبلي)، فقد رغبَ القائمون على "مركز فقهاء" في وضع شروحٍ على مقررات هذه الحقيبة حتى تكون عونًا للمعلِّم وأصلًا للمتعلِّم، فكان أنْ أصدورا هذا السِّفرَ الذي يضم شرحًا لـ (الفقه الأكبر، المدخل إلى الفقه، القواعد الفقهية، أصول الفقه، فروع الفقه)، وعهدوا إليَّ بشرح المقرر الخاص بأصول الفقه، فكتبتُ ما أرجو أن يكون نافعًا لمبتدئي المتفقّهة على المذهب الحنبلي ومنطَلَقًا لدراستهم، فهم المقصودون أصالةً بهذه الشروح.

وقد كتب عامّةَ موادّ هذه الشروح الشيخ الفاضل د. عبد الرحمن بن فهد القاضي، سوى شرح مقرر "المدخل إلى الفقه" الذي تولّاه د. أحمد بن علي بالخير، وشرح مقرر "الأصول" الذي وضعتُه.

وأضع بين أيديكم المقدمةَ العامَّةَ للكتاب، مع المقدمة الخاصة بشرح مقرر أصول الفقه، سائلًا الله تعالى أن ينفع بهذه الشروح كما نفع بأصلها.

موضوع مميز، كان من مقترحاتي لبعض طلبة العلم.

ابن دقيق العيد رأسٌ في النقد والاستدراك، فما أهنأ الباحث باختياره!

النقد الأصولي عند الأعلام

وبالمناسبة: رسائل النقد الأصولي عند الأعلام علمًا علمًا: بابٌ فتح بأخرة، فقد كتب في النقد الأصولي عند الغزالي والشاطبي، والشوكاني، على أن الشوكاني لم يستوف، فهو موضع أفكار بحثية؛ فليصطد كل امرئ فكرته!

بحَث د. عارف الركابي النقدَ الأصوليَّ عند العلامة الشوكاني في جزئية واحدة وهي: (الاستدلال خارج محل النزاع)، في بحثه: (منهج النقد الأصولي عند العلامة الشوكاني: الاستدلال خارج محل النزاع أنموذجًا).
ولهذا ما زال الشوكانيُّ محتاجا إلى بحث شامل يستوفي جوانب النَّقد الأصوليّ في كتابه إرشاد الفحول؛ فإنَّ فيه نظراتٍ نقديةً واسعةً. وفيه مادةٌ تصلح لرسالة دكتوراه، والله أعلم.

أفادتني إحدى الباحثات الكريمات بخبر هذه الرسالة، وأن اللجنة أشادت بها.

#سؤالات_القناة
بعث إليّ أحد طلبة العلم الكرام استشكالا على هذا التقرير التيمي من وجهين:
- الأول: كيف يكون الرجل من أهل الحديث في أصول المعتقد دون فروعه أو العكس؟ مع أنه لو قال في أصول المعتقد بقول أهل السنة؛ لزمه أن يكون في فروع عقائدهم قائلا بقولهم. أليس في هذا تناقض؟
- الثاني: هل مقتضى التجزّي والانقسام الذي أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية أن يصح لنا أن نطلق على الأشاعرة بأنهم من أهل السنة لموافقتهم السنة في أبواب؟ أو لا يدل كلامه على ذلك؟
فأجبته عن ذلك بمقطع صوتي، وأرى في تعميم نشره مزيد فائدة.

الذي يجري عندي على أصول شيخ الإسلام في نسبة الأشاعرة للسنة: أنهم ينسبون إلى (مطلق السنة) لا إلى (السنة المطلقة).

وهذه الطريقة أولع بها شيخ الإسلام رحمه الله، وأكثر منها في باب الأسماء والأحكام، وجعلها مخرجًا من كثير من المضائق!

من ذلك:
- هل يسمى الفاسق المِلِّي مؤمنا؟
- هل المندوب مأمور به أم لا؟
وغيرها من المسائل.

وقد نقل عنه العلاء المرداوي في التفريق بين (الأمر المطلق) و (مطلق الأمر) مسألة طويلة مليئة بالنفائس، منها هذا النقل:

«العاشر: أنك إذا قلت: الأمر المطلق، فقد أدخلت اللام على الأمر، وهي تفيد العموم والشمول، ثم وصفته بعد ذلك بالإطلاق، بمعنى أن لم يقيد بقيد يوجب تخصيصه من شرط أو صفة أو غيرهما، فهو عام في كل فرد من الأفراد التي هذا شأنها.
وأما مطلق الأمر فالإضافة فيه ليست للعموم، بل للتمييز، فهو قدر مشترك، [مطلق] لا عام، فيصدق بفرد من أفراده، وعلى هذا:
- [فمطلق البيع ينقسم إلى: جائز وغيره، والبيع المطلق للجائز فقط] .
- والأمر المطلق للوجوب، ومطلق الأمر ينقسم إلى: واجب، ومندوب، كما تقدم.
- والماء المطلق طهور، ومطلق الماء ينقسم إلى: طهور وغيره.
- والملك المطلق هو الذي يثبت للحر، ومطلق الملك يثبت للحر والعبد،
فإذا قيل: العبد هل يملك أو لا يملك؟
كان الصواب إثبات مطلق الملك له دون الملك المطلق.
- وإذا قيل: الفاسق مؤمن أو غير مؤمن؟ فهو على هذا التفصيل.
وبهذا التحقيق يزول الإشكال في:
- مسألة: المندوب هل هو مأمور به أم لا؟
- وفي مسألة: الفاسق المِلِّي هل هو مؤمن أم لا؟) انتهى.
وهي قاعدة عظيمة، نافعة جدا في أبواب كثيرة، وإنما ذكرتها كلها لعظم نفعها».

التحبير (٦/ ٦٠٤-٦٠٥)

كلَّما رأيتُ كتابًا حسنًا وُفّق فيه كاتبُه، فرحتُ به، كأنني أنا صاحبُه؛ لما في ذلك من عزِّ العلم، ونُصرة الدِّين، والدُّعاء إلى الخير.