M_S_ALF Telegram 6171
ورجعنا مع الصديق إلى بيته،

وله خمسة أطفال صغار لو أنهم هم الذين انتزعوا من أمهم لترك كل واحد على قلبها مثل المكواة المحمى عليها في النار إلى أن تحمر؛
ولكن أمهم هي التي نزعت منهم،
فكان بقاؤهم في الحياة تخفيفا لسكرة الموت عليها.
وغشيتها الغشية فماتت وهي تضحك،
إذ تراهم نائمين تحت جناح الرحمة الإلهية الممدود،
وقالت: إنها تسمع أحلامهم.
وكانوا هم عقلها في ساعة الموت!

تبارك الذي جعل في قلب الأم دنيا من خلقه هو،
ودنيا من خلق أولادها !
تبارك الذي أثاب الأم ثواب ما تعاني،
فجعل فرحها صورة كبيرة من فرح صغارها!

وجاء أكبر الأطفال الخمسة،
وكأنه ثمانية أرطال من الحياة لا ثمانية أعوام من العمر؛
جاء إلينا كما يجيء الفزع لقلوب مطمئنة،
إذ كان في عينيه الباكيتين معنى فقد الأم!

وطغت عليه الدموع فتناول منديله ومسحها بيده الصغيرة،
ولكن روحه اليتيمة تأبى إلا أن ترسم بهذه الدموع على
وجهه معاني يتمها!

وظهر الانكسار في وجهه يعبر ببلاغة أنه قد أحس حقيقة ضعفه
وطفولته بإزاء المصيبة التي نزلت به،
وجلس مستسلما تترجم هيئته معاني هذه الكلمة: "رفقا بي! ".

ثم تطير من عينيه نظرات في الهواء،
كأنما يحس أن أمه حوله في الجو ولكنه لا يراها!

ثم يرخي عينيه في إغماضة خفيفة،
كأنما يرجو أن يرى أمه في طويته!
ولا يصدق أنها ماتت،
فإن صوتها حي في أذنيه لا يزال يسمعه من أمس!
ثم يعود إلى وجهه الانكسار والاستسلام،
ويتململ في مجلسه،
فينطق جسمه كله بهذه الكلمة" يا أمي! ".

أحس -ولا ريب- أنه قد ضاع في الوجود،
لأن الوجود كان أمه.
ولمس خشونة الدنيا منذ الساعة،
بعد أن فقد الصدر الذي فيه وحده لين الحياة,
لأن فيه قلب أمه وروحها.
وشعر بالذل ينساب إلى قلبه الصغير؛
لأن تلك التي كان يملك فيها حق الرحمة قد أخذت منه
وتركته بلا حق في أحد؛
وليس لأحد أمان!
ولبسته المسكنة،
لأن له شيئا عزيزًا أصبح وراء الزمان فلن يصل إليه!
ولبسته المسكنة،
لأنه صار وحده في المكان كما هو وحده في الزمان!
وارتسم على وجهه التعجب،
كأنه يسأل نفسه:"إذا لم تكن أمي هنا، فلماذا أنا هنا؟ ".

ثم تغرغرت عيناه فيخرج منديله ويمسح دمعه بيده الصغيرة،
ولكن روحه اليتيمة تأبى إلا أن ترسم بهذه الدموع على
وجهه معاني يتمها!
ونهض الصغير ولم ينطق بذات شفة؛
نهض يحمل رجولته التي بدأت منذ الساعة!

انتهت -أيها الطفل المسكين- أيامك من الأم؛
فهذه الأيام السعيدة التي كنت تعرف الغد فيها قبل أن يأتي معرفتك أمس الذي مضى؛ إذ يأتي الغد ومعك أمك!

وبدأت -أيها الطفل المسكين- أيامك من الزمن،
وسيأتي كل غد محجبا مرهوبا؛
إذ يأتي لك وحدك،
ويأتي وأنت وحدك!

الأم ... يا إلهي! أي صغير على الأرض يجد كفايته من الروح إلا في الأم؟

موت أم
وحي القلم
😔



tgoop.com/m_s_alf/6171
Create:
Last Update:

ورجعنا مع الصديق إلى بيته،

وله خمسة أطفال صغار لو أنهم هم الذين انتزعوا من أمهم لترك كل واحد على قلبها مثل المكواة المحمى عليها في النار إلى أن تحمر؛
ولكن أمهم هي التي نزعت منهم،
فكان بقاؤهم في الحياة تخفيفا لسكرة الموت عليها.
وغشيتها الغشية فماتت وهي تضحك،
إذ تراهم نائمين تحت جناح الرحمة الإلهية الممدود،
وقالت: إنها تسمع أحلامهم.
وكانوا هم عقلها في ساعة الموت!

تبارك الذي جعل في قلب الأم دنيا من خلقه هو،
ودنيا من خلق أولادها !
تبارك الذي أثاب الأم ثواب ما تعاني،
فجعل فرحها صورة كبيرة من فرح صغارها!

وجاء أكبر الأطفال الخمسة،
وكأنه ثمانية أرطال من الحياة لا ثمانية أعوام من العمر؛
جاء إلينا كما يجيء الفزع لقلوب مطمئنة،
إذ كان في عينيه الباكيتين معنى فقد الأم!

وطغت عليه الدموع فتناول منديله ومسحها بيده الصغيرة،
ولكن روحه اليتيمة تأبى إلا أن ترسم بهذه الدموع على
وجهه معاني يتمها!

وظهر الانكسار في وجهه يعبر ببلاغة أنه قد أحس حقيقة ضعفه
وطفولته بإزاء المصيبة التي نزلت به،
وجلس مستسلما تترجم هيئته معاني هذه الكلمة: "رفقا بي! ".

ثم تطير من عينيه نظرات في الهواء،
كأنما يحس أن أمه حوله في الجو ولكنه لا يراها!

ثم يرخي عينيه في إغماضة خفيفة،
كأنما يرجو أن يرى أمه في طويته!
ولا يصدق أنها ماتت،
فإن صوتها حي في أذنيه لا يزال يسمعه من أمس!
ثم يعود إلى وجهه الانكسار والاستسلام،
ويتململ في مجلسه،
فينطق جسمه كله بهذه الكلمة" يا أمي! ".

أحس -ولا ريب- أنه قد ضاع في الوجود،
لأن الوجود كان أمه.
ولمس خشونة الدنيا منذ الساعة،
بعد أن فقد الصدر الذي فيه وحده لين الحياة,
لأن فيه قلب أمه وروحها.
وشعر بالذل ينساب إلى قلبه الصغير؛
لأن تلك التي كان يملك فيها حق الرحمة قد أخذت منه
وتركته بلا حق في أحد؛
وليس لأحد أمان!
ولبسته المسكنة،
لأن له شيئا عزيزًا أصبح وراء الزمان فلن يصل إليه!
ولبسته المسكنة،
لأنه صار وحده في المكان كما هو وحده في الزمان!
وارتسم على وجهه التعجب،
كأنه يسأل نفسه:"إذا لم تكن أمي هنا، فلماذا أنا هنا؟ ".

ثم تغرغرت عيناه فيخرج منديله ويمسح دمعه بيده الصغيرة،
ولكن روحه اليتيمة تأبى إلا أن ترسم بهذه الدموع على
وجهه معاني يتمها!
ونهض الصغير ولم ينطق بذات شفة؛
نهض يحمل رجولته التي بدأت منذ الساعة!

انتهت -أيها الطفل المسكين- أيامك من الأم؛
فهذه الأيام السعيدة التي كنت تعرف الغد فيها قبل أن يأتي معرفتك أمس الذي مضى؛ إذ يأتي الغد ومعك أمك!

وبدأت -أيها الطفل المسكين- أيامك من الزمن،
وسيأتي كل غد محجبا مرهوبا؛
إذ يأتي لك وحدك،
ويأتي وأنت وحدك!

الأم ... يا إلهي! أي صغير على الأرض يجد كفايته من الروح إلا في الأم؟

موت أم
وحي القلم
😔

BY مصطفى صادق الرافعي


Share with your friend now:
tgoop.com/m_s_alf/6171

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

According to media reports, the privacy watchdog was considering “blacklisting” some online platforms that have repeatedly posted doxxing information, with sources saying most messages were shared on Telegram. Healing through screaming therapy How to Create a Private or Public Channel on Telegram? To delete a channel with over 1,000 subscribers, you need to contact user support 6How to manage your Telegram channel?
from us


Telegram مصطفى صادق الرافعي
FROM American