Telegram Web
[28] انظر: يوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/95، وليفي بروفنسال: مجموعة رسائل موحدية ص238.
[29] انظر: عبد الواحد المراكشي: المعجب، ص360، وقالت بعض المصادر: إن مدة الهدنة كانت خمس سنين. انظر: ابن الأثير: الكامل، 10/238، والسلاوي: الاستقصا، 2/193.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tgoop.com/iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط
الحلقة (111)

عصر الموحدين

ابن رشد أشهر علماء الموحدين

نستطرد في المقالات التالية لنلقي الضوء على علماء الأندلس في ظل دولة الموحدين وخاصة في عهد المنصور الموحدي، والذين كان لهم دور ليس بالقليل في نماء الدولة فكريا وفلسفيا وعلميا، ومن هؤلاء ابن رشد الحفيد وابن زرقون والإمام الشاطبي صاحب متن الشاطبية.

وفي هذا المقال نلقي الضوء على حياة ابن رشد.

نشأة ابن رشد
هو أبو الوليد، محمد بن أبي القاسم أحمد ابن شيخ المالكية أبي الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي، كان مولده سنة (520هـ=1126م)، وقد نشأ في بيتٍ من بيوت العلم؛ فقد كان جدُّه ابن رشد -كما قال عنه ابن بشكوال في الصلة - فقيهًا عالمًا، حافظًا للفقه، مُقَدَّمًا فيه على جميع أهل عصره، عارفًا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه، بصيرًا بأقوالهم واتفاقهم واختلافهم، نافذًا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرئاسة في العلم والبراعة والفهم مع الدين والفضل، والوقار والحلم، والسمت الحسن والهدي الصالح[1].

نشأ ابن رشد الحفيد في هذا البيت، ومع أنه لم يُدرك جدَّه العظيم هذا -حيث تُوُفِّيَ جدُّه وعُمر الحفيد شهر واحد- إلاَّ أنه ورث العلم الغزير، خاصَّة في الفقه عن أبيه الذي تربَّى وتَعَلَّم على يد جدِّه وعن غيره من فقهاء عصره، وقيل: إنه تلقَّى علوم الفلسفة على ابن باجة[2].

مؤلفات ابن رشد

ذكر الذهبي أن ابن رشد ما ترك الاشتغال مذ عَقَل سوى ليلتين: ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، وأنه سوَّد فيما ألَّف وقيَّد نحوًا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الحكماء، فكانت له فيها الإمامة، وله من التصانيف: بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، والكليات في الطب، ومختصر المستصفى في الأصول، وشرح أرجوزة ابن سينا في الطب، والمقدمات في الفقه، وكتاب الحيوان، وكتاب جوامع كتب أرسطوطاليس، وشرح كتاب النفس، وكتاب في المنطق، وكتاب تلخيص الإلاهيات لنيقولاوس، وكتاب تلخيص ما بعد الطبيعة لأرسطو، وكتاب تلخيص الاستقصات لجالينوس، ولخصَّ له كتاب المزاج، وكتاب القوى، وكتاب العلل، وكتاب التعريف، وكتاب الحميات، وكتاب حيلة البرء، ولخص كتاب السماع الطبيعي، وكتاب تهافت التهافت، وكتاب منهاج الأدلة، وكتاب فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، وكتاب شرح القياس لأرسطو، ومقالة في العقل، ومقالة في القياس، وكتاب الفحص في أمر العقل، والفحص عن مسائل في الشفاء، ومسألة في الزمان، ومقالة فيما يعتقده المشَّاءون وما يعتقده المتكلمون في كيفية وجود العالم، ومقالة في نظر الفارابي في المنطق ونظر أرسطو، ومقالة في اتصال العقل المفارق للإنسان، ومقالة في وجود المادَّة الأولى، ومقالة في الردِّ على ابن سينا، ومقالة في المزاج، ومسائل حكمية، ومقالة في حركة الفلك، وكتاب ما خالف فيه الفارابي أرسطو[3].

أثر فلسفة ابن رشد على الغرب

كان لابن رشد فضل كبير على روجر بيكون الفيلسوف الشهير؛ فقد استفاد هذا الأخير من مؤلفاته وحيًا، واستنزل من حكمته إلهامًا، وذكره في كتابه اللاتيني (أبوس ماجوس)، وأثنى عليه وعلى مواهبه وسعة علمه، فقال: «إنه فيلسوف متين متعمق، صحَّح كثيرًا من أغلاط الفكر الإنساني، وأضاف إلى ثمرات العقول ثروة لا يُستغنى عنها بسواها، وأدرك كثيرًا مما لم يكن قبله معلومًا لأحد، وأزال الغموض عن كثير من الكتب التي تناولها ببحثه».

وأمَّا توماس الأكويني الذي أصبح قديسًا؛ لأنه كان أعظم لاهوتي في كنائس الغرب، وأكبر فلاسفة القرون الوسطى، فقد سطع نجمه وعلا بكتابه إجمال اللاهوت (سوماتيولوجيا)، وقد ذكر توماس أسباب اتصاله بالأفكار الدنيوية، ودلَّ على أن الفضل في وضع كتابه شكلاً ومادة يعود إلى طريقة ابن رشد وفلسفته.

على أن فيلسوف قرطبة - ابن رشد - لم يسلم من ألسنة رجال الكنيسة؛ فقد ذَمُّوه بكل شفة ولسان، وطعنوا عليه أقبح طعن؛ فقد قال عنه بترارك: «إنه ذلك الكلب الكلِب الذي هاجه غيظ ممقوت؛ فأخذ ينبح على سيده ومولاه المسيح والديانة الكاثوليكية». وأما دانتي فقد جعله في هدوء ووقار يتبوَّأ مقعده في الجحيم جزاء له على كفره واعتزاله[4].

ومن ثناء العلماء عليه ما نقله الذهبي عن ابن أبي أصيبعة من قوله: كان أوحد في الفقه والخلاف، وبرع في الطب[5]، وقول الذهبي نفسه: «وكان يُفزع إلى فتياه في الطب، كما يُفزع إلى فتياه في الفقه، مع وفور العربية، وقيل: كان يحفظ ديوان أبي تمام والمتنبي[6].

محنة ابن رشد

كان الخليفة أبو يعقوب يستعين بابن رشد إذا احتاج الأمر للقيام بمهام رسمية عديدة، ولأجلها طاف في رحلات متتابعة في مختلف أصقاع المغرب؛ فتنقَّل بين مراكش وإشبيلية وقرطبة، ثم دعاه أبو يعقوب في سنة (578هـ) إلى مراكش فجعله طبيبه الخاص، ثم ولاَّه منصب القضاء في قرطبة، فلما مات أبو يعقوب يوسف وخلفه ابنه المنصور الموحدي زادت مكانة ابن رشد في عهده مكنة ورفعة، وقرَّبه الأمير إليه، ولكن كاد له بعض المقرَّبين من
الأمير، فأمر الأمير بنفيه إلى قرية كانت لليهود، وأحرق كتبه، وأصدر منشورًا إلى المسلمين كافَّة ينهاهم عن قراءة كتب الفلسفة، أو التفكير في الاهتمام بها، وهَدَّد مَنْ يُخَالِف أمره بالعقوبة[7].

وقد مات ابن رشد محبوسًا في داره بمراكش، وذلك سنة (595هـ=1198م)[8].
#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني
[1] ابن بشكوال: الصلة، 3/839 1278.
[2] رحاب عكاوي: ابن رشد، ص9.
[3] انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء، 21/308، 309.
[4] محمد لطفي جمعة: تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب، ص223.
[5] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 21/308، وانظر: ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء 3/319.
[6] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 21/308.
[7] رحاب عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام، 2/249.
[8] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 21/309.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
https://www.tgoop.com/iqra_history
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
*صفحات من التاريخ الأوروبي الوسيط*

خاف كوبرنيكوس (١٥٤٣م) من إعلان رأيه حول مركزية الشمس، والسبب يعود لخشيته من رد فعل: ١-الفلاسفة الأرسطيين، ٢-القساوسة اللاهوتيين، القائلين بمركزية الأرض. حاول صديق له وهو أندرياس أوسياندر أن يحتوي الموقف، واقترح عليه أن يقدم كتابه ببيان واضح أن نظريته مجرد فرضية وليست حقيقة جازمة!
وأكد له أوسياندر أنه بهذه الطريقة سيمتص غضب الفلاسفة الأرسطاليين أولاً، واللاهوتيين ثانيًا. رفض كوبرنيكوس نشر كتابه، ولما طبع الكتاب سنة ١٥٤٣م كان كوبرنيكوس يحتضر على سرير الموت، ووصلت أول نسخة من كتابه ليديه بعد أن فارق الحياة، وبهذا كتبت له النجاة من غضبة الفلاسفة واللاهوتيين.
ثم لما جاء غاليليو بعده وأخذ برأيه، تم محاكمته وأدانته عام ١٦١٦م، وتضمن بيان إدانة المحكمة الاستدلال ببطلان رأيه على ركنين رئيسين: أولاً: من الناحية الفلسفية التي تؤكد زيف هذا الرأي. ثانيًا: نصوص الكتاب المقدس التي تبين أنه اعتقاد ضال ومنحرف وكفر. رضخ غاليليو للتهديد وتراجع.
يقول غاليليو، في اعترافه وتوبته أمام رئيس المحكمة الكنسية:"أنا غاليليو، وقد بلغت السبعين من عمري، سجينٌ راكعٌ أمام فخامتك، والكتاب المقدس أمامي المسه بيدي، أرفض وألعن واحتقر القول الإلحادي الخاطئ بدوران الأرض".
وفي رسالة من غاليليو إلى يوهانس كيبلر (١٦٣٠م)، عالم رياضيات وفلكي وفيزيائي ألماني، يشكو إليه من الفلاسفة الأرسطيين في عصره، ورفضهم للعلم التجريبي وتفضيلهم الحجاج المنطقي والتأمل العقلي، يقول في تلك الرسالة: "ما الذى يمكن أن تقوله لفلاسفة جامعاتنا الذين يرفضون إلقاء أية نظرة على القمر أو المنظار المقرب، رغم إلحاحى في دعوتهم إلى ذلك، أنهم يغمضون أعينهم عن نور الحقيقة، ويعتقدون أن الحقيقة سوف تتكشف، كما يؤكدون هم أنفسهم، من خلال مقارنة النصوص بعضها ببعض لا عن طريق دراسة العالم أو الطبيعة، ومن المضحك أن تسمع بعضهم يدحض وجود الكواكب الجديدة بحجج منطقية محضة، كما لو كانت هذه الأجرام مجرد طلاسم سحرية".

يقول الدكتور محمود زقزوق: "أضحى العقل الأوروبي خاضعًا لسلطتين كبيرتين هما: سلطة دينية تتمثل في الكنيسة، وسلطة عقلية تتمثل في سيطرة الآراء الأرسطية على العقول. وقد كان من نتيجة ذلك أن الغرب ظل مستعبدًا لهاتين السلطتين فترة من الزمان، فأغلقتا أمامه أبواب البحث، وضيقتا حدود الدراسة".
*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (112)
#عصر_الموحدين

*ابن زرقون شيخ المالكية*

*نشأة ابن زرقون*

أبو عبد الله محمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد الأنصاري الإشبيلي المالكي، المعروف بابن زرقون... وزرقون هو لقب جدهم سعيد.

وُلِدَ سنة (502هـ/1109م) في شريش بالأندلس وتُسمى الآن هريز في جنوب إسبانيا، تلقَّى العلم على شيوخها، ثم انتقل مع أبيه إلى مَرَّاكُش، وبعد ذلك إلى الأندلس وتجوَّل فيها.

*ابن زرقون القاضي*
لازم ابن زرقون القاضي عياض (ت 544هـ)، وتلقَّى العلم بمراكش وبسبتة، وتولَّى ابن زرقون القضاء في إشبيلية وشلب.

*ابن زرقون المسند*
وكان مسند الأندلس في وقته، وقد وصفه الذهبي في السير- المسند الفقيه، وله مؤلَّف جَمَعَ بين الجامع الكبير للترمذي وسنن أبي داود في الحديث.

*وفاة ابن زرقون*
وقد تُوُفِّيَ بإشبيلية في نصف رجب (586هـ=1190م) عن أربع وثمانين سنة[1].
#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني
[1] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 21/147، وما بعدها بتصرف.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tgoop.com/iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (113)

*#عصر الموحدين*

*الشاطبي .. .عالم القراءات*

*الإمام الشاطبي*

هو كما يصفه الذهبي في السير: الشيخ الإمام، العالم العامل، القدوة، سيد القرَّاء، أبو محمد، وأبو القاسم القاسم بن فِيرُّه بن خلف بن أحمد الرعيني، الأندلسي الشاطبي، الضرير، وُلِدَ في شاطبة من بلاد الأندلس سنة (538هـ=1144م) [1].

*قرأ ببلده القراءات (أي علم قراءات القرآن الكريم) وأتقنها، ثم رحل إلى بلنسية بالقرب من بلده وسمع الحديث، ثم رحل للحج فأخذ العلم -أيضًا- بالإسكندرية[2].*

*مؤلفات الشاطبي*

ومن أشهر مؤلفات الإمام الشاطبي قصيدته الرائعة العظيمة الفائدة، الجمَّة النفع، المسماة: (حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع)، والتي عُرفت بـ «متن الشاطبية»، وقد أبدع الشاطبي فيها غاية الإبداع، ورزقه الله من التوفيق في هذا المتن ما لا يُوصف إلاَّ بأنه نور من الله سبحانه وتعالى وَّر به عقله وقلبه، فأطلق لسانه بهذا المتن العظيم (متن الشاطبية)؛ ويقع هذا المتن في أبيات تزيد على الألف، وقد قال الشاطبي في خاتمته: [الطويل]

وَأَبْيَاتُهَا أَلْفٌ تَزِيدُ ثَلاَثَةً *** وَمَعْ مِائَةٍ سَبْعِينَ زُهْرًا وَكُمَّلاَ

قال الشارح: زُهْرًا وَكُمَّلاً: حالان من الضمير في تزيد الراجع إلى الأبيات؛ أي: هي زاهرة كاملة، يعني: مضيئة كاملة الأوصاف. ثم قال الشاطبي:

وَقَدْ كُسِيَتْ مِنْهَا الْمَعَانِي عِنَايَةً *** كَمَا عَرِيَتْ عَنْ كُلِّ عَوْرَاءَ مِفْصَلا

قال الشارح: أثنى في هذا البيت على معانيها وألفاظها؛ فنصب (عناية) على أنه مفعولي كُسيت؛ أي أنه اعتنى بها فجاءت شريفة المعاني، حسنة المباني، وقابل بين الكسوة والعري، فقال: كُسيت معانيها عناية، وعَرِيت في التعبير عنها عن كل جملة عورًا؛ أي لا تُنْبِئُ عن المعنى المقصود فهي ناقصة[3].

ونَظَم -أيضًا- قصيدته الرائية المسمَّاة: (عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد)، وهي في علم الرسم[4]، و(ناظمة الزهر) وهي في علم عدد الآي، وله -أيضًا- قصيدة دالية تقع في خمسمائة بيت لخَّص فيها التمهيد لابن عبد البر[5].

وتتلمذ عليه كثيرون، فقد كان شيخَ القراء بلا منازع، وقد بارك الله له في تصنيفه وأصحابه، فلا نعلم أحدًا أخذ عنه إلا قد نجب[6].

*ثناء العلماء عليه*

*قال عنه الإمام ابن الجزري*: وكان إمامًا كبيرًا أُعجوبة في الذكاء، كثير الفنون، آية من آيات الله تعالى، غاية في القراءات، حافظًا للحديث، بصيرًا بالعربية، إمامًا في اللغة، رأسًا في الأدب مع الزهد والولاية والعبادة والانقطاع والكشف، شافعي المذهب، مواظبًا على السُّنَّة، بلغنا أنه وُلِدَ أعمى، ولقد حكى عنه أصحابه ومَنْ كان يجتمع به عجائب، وعَظَّمُوه تعظيمًا بالغًا؛ حتى أنشد الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي-رحمه الله- من نظمه في ذلك: [الوافر]

رَأَيْتُ جَمَاعَةً فُضَلاءَ فَازُوا *** بِرُؤْيَةِ شَيْخِ مِصْرَ الشَّاطِبِيِّ

وَكُلُّهُمُ يُعَظِّمُهُ وَيُثْنِي *** كَتَعْظِيـمِ الصَّحَابَةِ لِلنَّبِيِّ[7]

*وقال عنه المقري في نفح الطيب*: *وكان إمامًا علاَّمة ذكيًّا، كثير الفنون، منقطع القرين، رأسًا في القراءات، حافظًا للحديث، بصيرًا بالعربية، واسع العلم، وقد سارت الركبان بقصيدتيه: (حرز الأماني) و(عقيلة أتراب الفضائل) اللتين في القراءات والرسم، وحَفِظَهما خلقٌ لا يُحْصَوْنَ، وخضع لهما فحول الشعراء وكبار البلغاء وحُذَّاق القرَّاء، ولقد أوجز وسهَّل الصعب[8].*

*وقال السبكي في حقِّ الإمام الشاطبي*: إنَّه كان قويَّ الحافظة، واسع المحفوظ، كثير الفنون، فقيهًا، مقرئًا، محدِّثًا، نحويًّا، زاهدًا، عابدًا، ناسكًا، يتوقَّد ذكاءً. وقال السخاوي: أقطع أنَّه كان مكاشفًا، وأنَّه سأل الله كتمان حاله، ما كان أحدٌ يعلم أي شيء هو[9].

*وقال ابن خلّكان*: ولقد أبدع كل الإبداع في حرز الأماني، وهي عمدة قرَّاء هذا الزمان في نقلهم، فقلَّ مَنْ يشتغل بالقراءات إلاَّ ويُقَدِّم حفظها ومعرفتها، وهي مشتملة على رموز عجيبة وإشارات لطيفة، وما أظنُّه سُبِقَ إلى أسلوبها، وقد رُوِيَ عنه أنَّه كان يقول: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلاَّ وينفعه الله؛ لأنني نظمتها لله[10].

*وقال عنه الذهبي*: كان يتوقَّد ذكاء، له الباع الأطول في فنِّ القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث، وله النظم الرائق مع الورع والتقوى، والتألُّه والوقار... وكان إذا قُرِئَ عليه (الموطأ) و(الصحيحان)، يُصَحِّحُ النسخ من حفظه، حتى كان يقال: إنه يحفظ وِقْر بعير من العلوم[11].

*من كراماته*

*ومن عجيب ما يُروى له من الكرامات، ما أورده الإمام ابن الجزري، قال: أخبرني بعض شيوخنا الثقات عن شيوخهم أن الشاطبي كان يُصَلِّي الصبح بغلس بالفاضلية، ثم يجلس للإقراء، فكان الناس يتسابقون السُّرَى([12]) إليه ليلاً، وكان إذا قعد لا يزيد على قوله: مَنْ جاء أولاً فليقرأ.
ثم يأخذ على الأسبق فالأسبق، فاتُّفِقَ في بعض الأيام أن بعض أصحابه سبق أولاً، فلما استوى الشيخ قاعدًا، قال: مَنْ جاء ثانيًا فليقرأ. فشرع الثاني في القراءة، وبقي الأول لا يدري حاله، وأخذ يتفكَّر ما وقع منه بعد مفارقة الشيخ من ذنب أوجب حرمان الشيخ له، ففطن أنه أَجْنَبَ تلك الليلة، ولشدَّة حرصه على النوبَة نسي ذلك لَمَّا انتبه، فبادر إلى الشيخ، فأُطْلِع الشيخ على ذلك، فأشار للثاني بالقراءة، ثم إنَّ ذلك الرجل بادر إلى حمام جوار المدرسة فاغتسل به، ثم رجع قبل فراغ الثاني، والشيخ قاعد أعمى على حاله، فلما فرغ الثاني قال الشيخ: مَنْ جاء أولاً فليقرأ. فقرأ، وهذا من أحسن ما نعلمه وقع لشيوخ هذه الطائفة، بل لا أعلم مثله وقع في الدنيا[13].*

*وفاته*

توفي الشاطبي –رحمه الله- بعد حياة حافلة بالعلم الواسع الغزير والجهاد في نشره- بالقاهرة في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة (590هـ= 19/6/1194م) ودُفِنَ بالقرافة بين مصر والقاهرة بمقبرة القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني، وقبره مشهور معروف[14].
___
د.راغب السرجاني
[1] انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء، 21/261، 262.
[2] انظر: ابن الجزري: غاية النهاية، 2/20-22.
[3] أبو شامة: إبراز المعاني من حرز الأماني، ص756.
[4] أي رسم المصحف وهو كتابة القرآن الكريم.
[5] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 21/263، 264.
[6] ابن الجزري: غاية النهاية، 2/22.
[7] ابن الجزري: غاية النهاية، 2/20، 21.
[8] المقري: نفح الطيب، 2/24.
[9] السبكي: طبقات الشافعية الكبرى 7/273، والمقري: نفح الطيب، 2/24.
[10] انظر: ابن خلكان: وفيات الأعيان، 4/71.
[11] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 21/262، 264.
[12] السُّرَى: سَيرُ عامة الليل. الجوهري: الصحاح، باب الواو والياء فصل السين 6/2376، وابن منظور: لسان العرب، مادة سرا 14/377، والمعجم الوسيط 1/428.
[13] ابن الجزري: غاية النهاية، 2/221.
[14] ابن الجزري: غاية النهاية، 2/22.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tgoop.com/iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
*قصة الأندلس من الفتح حتى السقوط*
الحلقة (114)

*عصر الموحدين*

*الناصر لدين الله الموحدي*


لقي المنصور الموحدي ربه في سنة (595هـ= 1199م) عن عُمر لم يتعدَّى الأربعين سنة، تمَّ له فيه حُكم دولة الموحدين خمس عشرة سنة؛ من سنة (580هـ=1185م) وحتى وفاته في سنة (595هـ=1199م)، ثم تولَّى من بعده ابنه الناصر لدين الله أبو محمد عبد الله، وعمره آنذاك سبعة عشرة سنة وأشهر[1]، ورغم أن صِغَر السنِّ ليس به ما يشوبه في ولاية الحُكم خاصة وقد رأينا من ذلك الكثير، إلاَّ أنَّ الناصر لدين الله لم يكن على شاكلة أبيه في أمور القيادة.

وكان المنصور الموحدي قد استخلف ابنه الناصر لدين الله قبل وفاته على أمل أن يُمِدَّ الله في عمره؛ فيستطيع الناصر لدين الله أن يكتسب من الخبرات ما يُؤَهِّله لأن يُصبح بعد ذلك قائدًا فذًّا على شاكلة أبيه، لكن الموت المفاجئ للمنصور الموحدي عن عُمر لم يتجاوز الأربعين عامًا وضع الناصر لدين الله على رئاسة البلاد وهو لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره[2].

*عقبات في طريق الناصر*

*بنو غانية*

كان الناصر لدين الله شابًّا طموحًا قويًّا مجاهدًا[3]، لكنه لم يكن في كفاءة أبيه، وفضلاً عن هذا فقد كانت البلاد محاطة بالأعداء من كل جانب، والنصارى بعدُ لم ينسوا هزيمتهم في معركة الأرك، التي كانت قبل سنوات قلائل، ويُريدون أن يُعيدوا الكرة من جديد على بلاد المسلمين.

لكن المشكلة التي ما فتئت تؤرق الموحدين، وتمثل شوكة في ظهر المسلمين، هم بنو غانية، والحقيقة أن بني غانية قاموا بأسوأ دور يمكن أن يقوموا به، ولقد كان المنصور قد عزم على أن يواصل الجهاد حتى يقضي على التهديد النصراني الإسباني نهائيًّا؛ لولا أن استغل هؤلاء انشغاله بالجهاد في الأندلس فنشطوا حركتهم في إفريقية مرة أخرى؛ حتى كان تمردهم هذا من أسباب قبوله بمهادنة النصارى، فلما مات المنصور زاد نشاطهم وتكثف، فبدأت الخلخلة والاضطرابات تتزايد داخل الدولة الإسلامية الكبيرة، وفي سبيل استعادة الوضع إلى ما كان عليه وجَّه الناصر لدين الله جُلَّ طاقته للقضاء على ثورات بني غانية داخل دولة الموحدين، فخاض معهم معارك وحروب كثيرة، حتى استطاع في نهاية الأمر إخمادها تمامًا، وكان على محمد الناصر أن يبدأ عهده بالعمل على استئصال شوكتهم، فوجَّه الحملات، وتوجَّه هو بنفسه إلى إفريقية لحرب بني غانية فيها، وعاد سنة (604هـ) بعدما تمكَّن من الاستيلاء على المدن التي استولوا عليها من قبل في إفريقية[4].

*هجمات ألفونسو الثامن على الموحدين*

في هذه الأثناء التي كان يسعى فيها الناصر لدين الله للقضاء على ثورات بني غانية، كان قد تجدَّد الأمل عند ألفونسو الثامن، فعمل على تجهيز العُدَّة لرَدِّ الاعتبار، وقبل انتهاء الهدنة ومخالفةً للمعاهدة التي كان قد عقدها مع المنصور الموحدي قبل موته، هجم ألفونسو الثامن على بلاد المسلمين، فنهب القرى وأحرق الزروع، وقتل العُزَّل من المسلمين، وكانت هذه بداية حرب جديدة ضد المسلمين[5].

*اعتداد الناصر لدين الله برأيه ومخالفته أمر الشورى*

إضافة إلى ضعف كفاءة القيادة في دولة الموحدين المتمثِّلة في الناصر لدين الله، والتي لم تكن بكفاءة السابقين، فقد كان ثمة عيب خطير آخر في القيادة، كان متأصلاً في أجداده من قبله، وهو اعتداد الناصر لدين الله برأيه ومخالفته أمر الشورى[6]، ذلك العيب الذي تفاداه أبوه من قبله، فأفلح وساد وتمكَّن، ونصره الله سبحانه وتعالى ، وفوق هذا وذاك فكان المسلمون قد أُنْهِكُوا في رَدِّ الثورات المتتالية لبني غانية داخل دولة الموحدين.

وزاد من ذلك أمر آخر كان في غاية الخطورة، وهو أن الناصر لدين الله كان قد استعان ببطانة سوء، ووزير ذميم الخلُق وسيئ التدبير والسياسة يُدْعَى أبا سعيد بن جامع، والذي شكَّ كثير من المؤرخين في نياته، وشكَّ كثير من الأندلسيين والمغاربة المعاصرين له في اقتراحاته[7].

وقد كان لتلك العيوب أثرها الكبير في هزيمة الموحدين في موقعة العقاب، والتي سوف نفصَّل أحداثها في المقال القادم إن شاء الله.

*أشهر علماء الأندلس في عهد الناصر*

*ابن جبير* (540-614هـ=1145-1217م)

هو العلامة أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي، أديب رحَّالة، وُلِدَ سنة (540هـ) ببَلَنْسِيَة، تعلم القراءات، وعني بالأدب فبلغ الغاية فيه، وتقدَّم في صناعة الشعر والكتابة[8]، من أشهر مؤلفاته (رحلة ابن جبير)، و(نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان)، وهو ديوان شعره، و(نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرن الصالح) وهو مجموع ما رثى به زوجته (أم المجد)[9].

ومن شعره: [المنسرح]

تَأَنَّ فِي الأَمْرِ لا تَكُنْ عَجِلاً *** فَمَنْ تَأَنَّى أَصَابَ أَوْ كَادَا

وَكُنْ بِحَبْـلِ الإِلَـهِ مُعْتَصِمًا *** تَأْمَنُ مَنْ بَغْيِ كَيْدِ مَنْ كَادَا

فَكَمْ رَجَاهُ فَنَالَ بُغْيَتَهُ *** عَبْدٌ مُسِيءٌ لِنَفْسِهِ كَـادَا

وَمَنْ تَطُلْ صُحْبَةُ الزَّمَانِ لَهُ *** يَلْقَ خُطُوبًا بِهِ وَأَنْكَادَا[10]
ومن شعره -أيضًا- قوله وقد دخل إلى بغداد فاقتطع غصنًا نضيرًا من أحد بساتينها فذوى[11] في يده: [مجزوء الرجز]

لا تَغْتَرِبْ عَنْ وَطَنٍ *** وَاذْكُرْ تَصَارِيفَ النَّوَى

أَمَا تَرَى الْغُصْنَ إِذَا *** مَا فَارَقَ الأَصْلَ ذَوَى[12]

ومن إبداع ابن جبير في النثر ما أورده صاحب نفح الطيب أن ابن جبير قال في رحلته في حقِّ دمشق: جنَّة المشرق، ومطلع حسنه المُونِق المشرق، هي خاتمة بلاد الإسلام التي استقريناها، وعروس المدن التي اجتليناها، قد تَحَلَّت بأزاهير الرياحين، وتجلَّت في حلل سندسية من البساتين، وحلَّت من موضع الحُسن بمكان مكين، وتزيَّنت في منصَّتها أجمل تزيين، وتشرَّفت بأن آوى الله تعالى المسيح وأمّه منها إلى رَبْوَةٍ ذات قَرَار ومَعِين، وظلٍّ ظليل، وماء سلسبيل، تنساب مَذانبه انسيابَ الأراقم بكل سبيل، ورياض يُحيي النفوسَ نَسِيمُها العليل، تتبرَّج لناظريها بمجتلى صقيل، وتناديهم هلمُّوا إلى مُعَرَّس للحُسن ومَقيل، قد سئمتْ أرضها كثرة الما، حتى اشتاقت إلى الظَّما، فتكاد تناديك بها الصُّمُّ الصلاب، {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]، قد أحدقَتْ بها البساتينُ إحداق الهالة بالقمر، واكتنفتها اكتناف الكمامة للزهَر، وامتدَّتْ بشرقيها غُوطَتُها الخضراء امتداد البصر، فكلُّ موقع لحظة بجهاتها الأربع نظرته اليانعة قَيْدُ النظر، وللهِ صِدْقُ القائلين فيها: إن كانت الجنَّة في الأرض فدمشق لا شكَّ فيها، وإن كانت في السماء؛ فهي بحيث تُسامتها وتحاذيها! [13].

ومن ثناء العلماء عليه قول لسان الدين بن الخطيب في حقِّه: إنَّه من علماء الأندلس بالفقه والحديث، والمشاركة في الآداب. وقول المقري في نفح الطيب: وكان أبو الحسين بن جبير المترجم قد نال بالأدب دنيا عريضة، ثم رفضها وزهد فيها[14].

تُوُفِّيَ ابن جبير بالإسكندرية في 29 من شعبان سنة (614هـ) [15].

*ابن القرطبي* (556-611هـ=1161-1214م)

هو عبد الله بن الحسن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري مالقي، قرطبي الأصل، يكنى أبا محمد، ويُعرف بالقرطبي، ولد بمالقة لثمانٍ بقين من ذي القعدة سنة (565هـ)، الموافق لشهر نوفمبر 1161م[16].

كان -كما يوصف- كاملَ المعارف، صدرًا في المقرئين والمجوِّدين، رئيس المحدِّثين وإمامهم، واسع المعرفة، مُكْثِرًا، ثقةً، عدلاً، أمينًا، مَكِينَ الرواية، رائق الخطِّ، نبيل التقييد والضبط، ناقدًا، ذاكرًا أسماء رجال الحديث وطبقاتهم وتواريخهم، وما حُلُّوا به من جرح وتعديل، لا يدانيه أحد في ذلك، عزيز النظر، متيقِّظًا، متوقِّد الذهن، كريم الخلال، حميد العشرة، دَمِثًا، متواضعًا، حسن الخلق، مُحَبَّبًا إلى الناس، نزيه النفس، جميل الهيئة، وقورًا، مُعَظَّمًا عند الخاصَّة والعامَّة، دَيِّنًا، زاهدًا، ورعًا، فاضلاً، نحويًّا ماهرًا، ريَّان من الأدب[17].

قال تلميذه الأثير جعفر بن زعرور: بِتُّ معه ليلة في دُوَيْرَتِه التي كانت له بجبل فَارَه[18] للإقراء والمطالعة، فقام ساعة كنتُ فيها يقظانًا، وهو ضاحك مسرور، يَشِدُّ يده كأنَّه ظفر بشيء نفيس، فسألتُه، فقال: رأيت كأن الناس قد حُشروا في العَرْضِ على الله، وأُتِيَ بالمحدِّثين، وكنتُ أرى أبا عبد الله النميري يُؤْتى به، فيوقف بين يدي الله تعالى، فيُعطى براءته من النار، ثم يُؤْتَى بي، فأُوقِفت بين يدي ربِّي، فأعطاني براءَتي من النار، فاستيقظتُ، وأنا أشدُّ عليها يدي اغتباطًا بها وفرحًا، والحمد لله[19].

وقد ألف في العروض مجموعات نبيلة، وفي قراءة نافع، ولخَّص أسانيد الموطأ، وله كتاب (المُبْدِي لخطأ الرُّندي)، وألف في القراءات أيضًا.

وقد تُوُفِّيَ ابن القرطبي في السابع من ربيع الآخر سنة (611هـ)[20].
#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني
[1] انظر: عبد الواحد المراكشي: المعجب، ص386.
[2] ابن عذاري: البيان المغرب، قسم الموحدين، ص230.
[3] انظر: عبد الواحد المراكشي: المعجب، ص386.
[4] عبد الواحد المراكشي المعجب، ص398، وابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/249.
[5] انظر: عبد الواحد المراكشي: المعجب، ص398، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص233، والسلاوي: الاستقصا، 2/220.
[6] انظر ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/249، والسلاوي: الاستقصا، 2/220.
[7] انظر: السلاوي: الاستقصا، 2/221.
[8] المقري: نفح الطيب، 2/382.
[9] ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 2/234.
[10] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 22/46، 47.
[11] ذوى: ذبل ويبس. ابن منظور: لسان العرب، مادة ذوي 14/290، والمعجم الوسيط 1/318.
[12] المقري: نفح الطيب، 2/382.
[13] المقري: نفح الطيب، 2/386، 387.
[14] المصدر السابق، 2/487.
[15] ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 2/239.
[16] ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 3/408.
[17] المصدر السابق، 3/405.
[18] جبل فاره: جبل يشرف على مدينة مالقة من ناحية الجنوب الشرقي. انظر: لسان الدين بن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 1/506، حاشية رقم 4.
[19]ابن خلدون:، 3/406، 407.
[20] ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، 3/408.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tgoop.com/iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
قصةالأندلس من الفتح حتى السقوط
الحلقة(115)

*عصر الموحدين*

*موقعة العقاب*

*البابا والحرب الصليبية*

في الوقت الذي كان فيه الناصر لدين الله مشغولا في القضاء على ثورات بني غانية كانت هناك تعبئة روحية عالية في جيش النصارى، يقودها البابا في روما بنفسه، وقد أعلنوها حربًا صليبية، وراحوا يُضْفُون عليها ألوانًا من القداسة[1].

*وقد زاد الأمر تعقيدًا إرسالُ البابا رسالة إلى مملكة نافار - وكانت قد وَقَّعت معاهدة مع المنصور الموحدي قبل وفاته - يحضُّها فيها على نبذ المعاهدة التي مع الموحدين، وعلى استعادة العلاقة مع القشتاليين، وكان القشتاليون - كما ذكرنا - قد اختلفوا مع مملكة ليون ونافار بعد هزيمة الأرك، لكن البابا الآن يُريد منهم التوحد في مواجهة الصفِّ المسلم، فخاطب ملك نافار بنقض عهده مع المسلمين ومحالفة ملك قشتالة، فما كان منه إلاَّ أن أبدى السمع والطاعة*[2].

تكون دول أوربا بذلك قد توحَّدت، وبلغ عدد جيوشها مائتي ألف نصراني، يَتَقَدَّمُهم الملوك والرهبان نحو موقعة فاصلة بينهم وبين المسلمين.

*الناصر يعلن الجهاد*

في مقابل جيوش النصارى تلك كان الناصر لدين الله قد أعلن الجهاد، وجمع المجاهدين من بلاد المغرب العربي والأندلس وقد بلغ الجيش عددًا عظيمًا أوصلته بعض الروايات إلى نصف مليون، وإن كنا نرى في هذا العدد مبالغة كبيرة بالقياس للظروف التاريخية لهذه الفترة[3].

*الطريق نحو العقاب*

انطلق الناصر لدين الله بجيشه من بلاد المغرب وعبر مضيق جبل طارق، ثم توجَّه إلى ذهب إلى إشبيلية، ثم إلى سلبطرة، ثم عاد إلى إشبيلية، ثم ذهب إلى العقاب، وفي طريقه إلى العقاب بقي فترة في ظاهر جيان، وعُرفت منطقة العقاب بهذا الاسم لوجود قصر قديم كان يحمل هذا الاسم في تلك المنطقة- وهي تلك المنطقة التي دارت فيها الموقعة، وقد كانت -وسبحان الله- اسمًا على مسمى، فكانت بحقٍّ عقابًا للمسلمين على مخالفات كثيرة، ظهر بعضها سابقًا وسيظهر الباقي تباعًا[4].

دخل الناصر لدين الله أرض الأندلس بهذا العدد الكثيف من المسلمين، وفي أول عمل حربي له حاصر قلعة سلبطرة، وكانت قلعة كبيرة وحصينة جدًّا، وبها عدد قليل من النصارى، وكانت تقع في الجبل جنوب طليطلة، لكنَّ حصانة القلعة أعجزت المسلمين عن فتحها، حتى كاد الناصر أن يتجاوزها؛ إلا أن الوزير ابن جامع أصر على ضرورة فتح القلعة فبقيت الجيوش تحاصر القلعة[5].

*الاستبداد وبداية الهزيمة*

*كان من جرَّاء هذا العمل الذي قام به الناصر لدين الله أن حدث ما يلي*:

أولاً: إضاعة الوقت في حصار قلعة سلبطرة، وقد كان من الممكن أن يُهاجَم النصارى بهذا الجيش الكثيف قبل أن يتجمَّعُوا في كامل عُدَّتهم.

ثانيًا: أكمل النصارى استعداداتهم خلال هذه الفترة الطويلة، واستطاعوا أن يستجلبوا أعدادًا أخرى كثيرة من أوربا.

ثالثًا: أصاب الضرر الآلاف من المسلمين من صقيع جبال الأندلس في ذلك الوقت؛ حيث كان الناصر لدين الله قد دخل بلاد الأندلس في شهر مايو، وكان مناسبًا جدًّا للقتال، إلاَّ أنه ظلَّ يُحَاصر سَلْبَطْرَة حتى قَدِم الشتاء القارس، وبدأ المسلمون يهلكون من شدَّة البرد، وشدَّة الإنهاك في هذا الحصار الطويل[6].

*أبو الحجاج يوسف بن قادس*

انسحابه وانحيازه إلى الناصر

في بدايةٍ لحربٍ فاصلة قُسِّم الجيش النصراني القادم من الشمال إلى ثلاثة جيوش كبيرة، فالجيش الأول: هو الجيش الأوربي، والجيش الثاني: هو جيش إمارة أراجون، والجيش الثالث: هو جيش قشتالة والبرتغال وليون ونافار، وهو أضخم الجيوش جميعها[7].

قامت هذه الجيوش الثلاث بحصار قلعة رباح، وهي قلعة إسلامية كان قد تملكها المسلمون بعد موقعة الأرك، وكان على رأسها القائد البارع الأندلسي الشهير أبو الحجاج يوسف بن قادس -رحمه الله- وهو من قادة الأندلس المشهورين، حوصرت قلعة رباح حصارًا طويلاً من قِبَل الجيوش النصرانية، وقد طال أمد الحصار حتى أدرك أبو الحجاج يوسف بن قادس أنه لن يفلت منه، كما بدأت بعض الحوائط في هذه القلعة تتهاوى أمام جيش مملكة أراجون.

أراد أبو الحجاج يوسف بن قادس أن يُحَقِّقَ الأمن والأمان لمَنْ في الحصن من المسلمين، وأراد أن يتحيَّز إلى فئة المؤمنين وينضمَّ إلى جيش المسلمين، فعرض على النصارى معاهدة تقضي بأن يترك لهم القلعة بكامل المؤن وكامل السلاح، على أن يخرج هو ومَنْ معه من المسلمين سالمين؛ ليتجهوا جنوبًا فيلتقوا بجيش الموحدين هناك ودون مؤن أو سلاح، فوافق ألفونسو الثامن على هذا العرض، وبدأ بالفعل انسحاب أبي الحجاج يوسف بن قادس من الحصن ومَنْ معه من المسلمين، وقد اتجهوا إلى جيش الناصر لدين الله.

ولأن الوليمة ليست قصرًا على ألفونسو الثامن، فقد اعترض على هذا الانسحاب جيش النصارى الأوربي المتحد مع جيش قشتالة.. فقد كانوا يَرَوْنَ أنهم ما أتوا من أبعد بلاد أوربا ومن إنجلترا وفرنسا والقسطنطينية إلاَّ لقتل المسلمين؛ فلا يجب أبدًا أن يُتركوا ليخرجوا سالمين.
وقد فعل ألفونسو الثامن ذلك حتى إذا حاصر مدينة أخرى من مدن المسلمين يفتحون له كما فعل سابقوهم؛ لأنه لو قاتلهم بعد العهد الذي أبرمه معهم فلن يفتح له المسلمون بعد ذلك مدنهم، فاختلف الأوربيون مع ألفونسو الثامن، وعليه فقد انسحبوا من الموقعة[8].

وبذلك يكون قد انسحب من موقعة العقاب وقبل خوضها مباشرة خمسون ألفًا من النصارى، وبالطبع فقد كان هذا نصرًا معنويًّا وماديًّا كبيرًا للمسلمين، وهزيمة نفسية وهزَّة كبيرة في جيش النصارى، وقد أصبح جيش المسلمين بعد هذا الانسحاب أضعاف جيش النصارى[9].

*بطانة السوء وقتل أبي الحجاج يوسف بن قادس*

عندما عاد أبو الحجاج يوسف بن قادس إلى الناصر لدين الله، وعندما علم منه أنه قد ترك قلعة رباح وسَلَّمَها بالمؤن والسلاح إلى النصارى، أشار عليه وزير السوء أبو سعيد بن جامع بقتله؛ بتهمة التقاعس عن حماية القلعة، ولم يتردَّد الناصر لدين الله، في تنفيذ هذا القتل بحق القائد المجاهد أبي الحجاج يوسف بن قادس[10].

وإن هذا - وبلا شكٍّ - ليُعَدُّ خطأ كبيرًا من الناصر لدين الله، وعملاً غير مُبَرَّر، ويُضاف إلى جملة أخطائه السابقة؛ وذلك للآتي:

أولاً: أن أبا الحجاج يوسف بن قادس لم يُخطئ بانسحابه هذا؛ بل كان متحرِّفًا لقتال، ومتحيِّزًا إلى الجيش المتأهِّب للحرب، كما أنه لو مكث لهلك، ولو لم يهلك لكانت قد حُيِّدَت قواته عن الاشتراك في الموقعة؛ بسب الحصار المفروض عليها.

ثانيًا: وعلى فرض أن أبا الحجاج يوسف بن قادس قد أخطأ، فلم يكن - على الإطلاق - عقاب هذا الخطأ القتل؛ خاصة وأنه لم يتعمَّده، بل كان اجتهادًا منه.

وإن مثل ذلك قد حدث في حروب الردَّة حينما أخطأ عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه في إحدى المعارك، وكان خليفة المسلمين حينئذٍ أبا بكر الصديق رضي الله عنه فما كان من أبي بكر في معالجة خطأ عكرمة إلاَّ أن عَنَّفَه باللسان وأوضح له خطأه، ثُمَّ أعاده مع جيشه من جديد إلى القتال؛ لمساعدة جيش آخر من جيوش المسلمين، بل أرسل إلى قائد هذا الجيش الآخر -يرفع من رُوح عكرمة وجيشه - بأن يستعين برأي عكرمة بن أبي جهل فإنَّ له رأيًّا[11].

ومن هنا وبهذه الطريقة وبجانب فَقْدِ قوَّة كبيرة جدًّا (بفقد هذا القائد البارع)، فقد فقَدَ الجيش الإسلامي -أيضًا- قوَّة الأندلسيين، الذين شعروا أن هناك فارقًا بينهم وبين المغاربة؛ مما كان له أثر سلبي كبير على واقع المعركة، على نحو ما سيأتي بيانه.

وفي ذلك يقول المقري في نفح الطيب: وهذه الوقعة - العقاب - هي الطامة على الأندلس بل والمغرب جميعًا، وما ذاك إلاَّ لسوء التدبير، فإن رجال الأندلس العارفين بقتال الإفرنج استخفَّ بهم الناصر ووزيره، فشنق بعضهم، ففسدت النيَّات، فكان ذلك من بخت الإفرنج، والله غالب على أمره، ولم تقم بعدها -أي: بعد موقعة العقاب- للمسلمين قائمة تحمد[12].

*خطة الناصر لدين الله ومتابعة الأخطاء*

تكملة للأخطاء السابقة فقد وضع الناصر لدين الله خطة شاذَّة في ترتيب جيشه وتقسيمه، حيث لم يَسِر فيه على نهج السابقين، ولم يقرأ التاريخ كما قرأه المنصور الموحدي ويوسف بن تاشفين.. فقد قَسَّم جيشه إلى فرقة أمامية وفرقه خلفية، لكنه جعل الفرقة الأمامية من المتطوِّعين، وعددهم ستون ألفًا ومائة ألف متطوِّع، وضعهم في مقدمة الجيش ومِنْ خلفهم الجيش النظامي الموحدي[13].

وإنْ كان هؤلاء المتطوعة الذين في المقدمة متحمسين للقتال بصورة كبيرة، فليست لهم الخبرة والدراية بالقتال، كما هو الحال بالنسبة لتلك الفرقة المنتخبة من أجود مقاتلي النصارى، والتي هي في مقدمة جيشهم.

فكان من المفترض أن يضع الناصر لدين الله في مقدمة الجيش القادرين على صدِّ الهجمة الأولى للنصارى؛ وذلك حتى يتملَّك الخطوات الأولى في الموقعة، ويرفع بذلك من معنويات المسلمين ويحطَّ من معنويات النصارى، لكن العكس هو الذي حدث؛ حيث وضع المتطوعة في المقدمة.

ولقد زاد من ذلك -أيضًا- فجعل الأندلسيين في ميمنة الجيش، وما زال الألم والحرقة تكمن في قلوبهم من جرَّاء قتل قائدهم الأندلسي المجاهد المغوار أبي الحجاج يوسف بن قادس، فكان خطأ كبيرًا -أيضًا- أن جعلهم يتلقَّوْنَ الصدمة الأولى من النصارى[14].

*فنستطيع الآن حصر أخطاء الناصر لدين الله وهو في طريقه نحو العقاب على النحو التالي*:

أولاً: إطالة الحصار لقلعة سلبطرة حتى تمكَّن النصارى من الاستعداد والتجهز.

ثانيًا: الاستعانة ببطانة السوء، الممثِّلة في وزير السوء أبي سعيد بن جامع.

ثالثًا: قتل القائد الأندلسي المشهور أبي الحجاج يوسف بن قادس.

رابعًا: تنظيم الجيش وتقسيمه الخاطئ في أرض الموقعة.

خامسًا: أمر في غاية الخطورة وهو الاعتقاد في قوَّة العدد والعدَّة، فقد دخل الناصر لدين الله الموقعة وهو يعتقد أنه لا محالة منتصر[15]؛ فجيشه أضعاف الجيش المقابل، ومن هنا تتبدَّى في الأفق سحائب حنين جديدة، يخبر عنها سبحانه وتعالى بقوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ
عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25].

*موقعة العقاب .. والعقاب المر*

تمامًا وكما تكرَّرت غزوة حنين في أرض الأندلس قبل ذلك في بلاط الشهداء، وفي موقعة الخندق مع عبد الرحمن الناصر وهو في أعظم قوَّته، تتكرَّر حُنين -أيضًا- مع الناصر لدين الله في موقعة العقاب وهو في أعظم قوَّة للموحدين، وفي أكبر جيش للموحدين على الإطلاق، بل وفي أكبر جيوش المسلمين في بلاد الأندلس منذ أن فُتحت في سنة (92هـ=711م)، ولتوالي الأخطاء السابقة كان طبيعيًّا جدًّا أن تحدث الهزيمة، فقد هجم المتطوعون من المسلمين على مقدمة النصارى، لكنهم ارتطموا ارتطامًا شديدًا بقلب القشتاليين المدرَّب على القتال، فصدُّوهم بكل قوَّة ومزَّقوا مقدِّمة المسلمين، وقتلوا منهم الآلاف في الضربة الأولى لهم.

واستطاعت مُقَدِّمة النصارى أن تخترق فرقة المتطوِّعة بكاملها، والبالغ عددهم - كما ذكرنا- ستين ألفًا ومائة ألف مقاتل، وقد وصلوا إلى قلب الجيش الموحدي النظامي، الذي استطاع أن يصدَّ تلك الهجمة، لكن كانت قد هبطت وبشدَّة معنويات الجيش الإسلامي؛ نتيجة قتل الآلاف منهم، وارتفعت كثيرًا معنويات الجيش النصارى للنتيجة نفسها.

وحين رأى ألفونسو الثامن ذلك أطلق قوات المدد المدرَّبة لإنقاذ مقدمة النصارى، وبالفعل كان لها أثر كبير، وعادت من جديد الكرَّة للنصارى.

وفي هذه الأثناء حدث حادث خطير في جيش المسلمين، فحين رأى الأندلسيون ما حدث في متطوعة المسلمين، واستشهاد الآلاف منهم، إضافة إلى كونهم يُقاتلون مرغمين مع الموحدين -كما ذكرنا قبل ذلك- وأيضًا كونهم يعتقدون بالعدد وليس في الثقة بالله سبحانه وتعالى ، كل هذه الأمور اعتملت في قلوبهم، ففرُّوا من أرض القتال.

وحين فَرَّت ميمنة المسلمين من أرض الموقعة التفَّ النصارى حول جيش المسلمين، وبدأت الهلكة فيهم، فقُتل الآلاف من المسلمين بسيوف النصارى في ذلك اليوم، والذي سُمِّي بيوم العقاب أو معركة العقاب[16].

هُزم المسلمون هزيمة قاسية، وفرَّ الناصر لدين الله من أرض الموقعة، ومعه فلول الجيش المنهزم المنكسر، والمصاب في كل أجزاء جسده الكبير.

وقد قال الناصر لدين الله وهو يفرُّ: صدق الرحمن وكذب الشيطان([17]). حيث دخل الموقعة وهو يعلم أنه منصور بعدده، فعلم أن هذا من إلقاء الشيطان وكذبه، وصدق الرحمن: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: 25]، فولَّى الناصر لدين الله مدبرًا.

ومما زاد من مرارة الهزيمة أنه ارتكب خطأً آخر لا يقلُّ بحالٍ من الأحوال عن هزيمته المنكرة السابقة وفراره من أرض المعركة، وهو أنه لم يمكث بعد موقعة العقاب في المدينَة التي تلي مباشرة مدينة العقاب، وهي مدينة بياسة، بل فرَّ وترك بَيَّاسَة، ثم ترك أبذة، ترك كلتيهما بلا حامية وانطلق إلى مدينة إشبيلية[18]، وما زالت قوَّة النصارى في عظمها، وما زالت في بأسها الشديد.

*مآسي المسلمين بعد العقاب*

*مأساة بياسة*

انطلقت قوَّة النصارى بعد عقاب المسلمين وهزيمتهم تلك في موقعة العقاب فاقتحمت بياسة، وكان أهلها قد هجروها خوفًا على أنفسهم، ولم يبقَ فيها إلاَّ الضعفاء والمرضى، وكانوا قد اجتمعوا بالمسجد الجامع الكبير في المدينة للاحتماء به، فقام النصارى بقتلهم جميعًا بالسيف.. قال المراكشي في المعجب: «فأما بياسة فوجدها - أي ألفونسو - أو أكثرها خالية فحرق أدؤرها وخرب مسجدها الأعظم»[19].

*مأساة أبذة*

قال صاحب الروض المعطار: أبذة مدينة بالأندلس بينها وبين بياسة سبعة أميال، وهي مدينة صغيرة وعلى مقربة من النهر الكبير، ولها مزارع وغلات قمح وشعير كثيرة جدًّا، وفي سنة تسع وستمائة مالت عليها جموع النصرانية بعد كائنة العقاب، وكان أهلها قد أنفوا من إخلائها، كما فعل جيرانها أهل بَيَّاسَة، ولم ترفع تلك الجموع يدًا عن قتالها حتى ملكتها بالسيف، وقُتل فيها كثير، وأسروا كثيرًا[20].

وقال المراكشي في المعجب: ونزل -أي ألفونسو- على أُبَّذة، وقد اجتمع فيها من المسلمين عدد كبير من المنهزمة وأهل بَيَّاسَة وأهل البلد نفسه، فأقام عليها ثلاثة عشر يومًا، ثم دخلها عَنْوة، فقتل وسبى وغنم، وفصل هو وأصحابه من السبي من النساء والصبيان بما ملئوا به بلاد الروم قاطبة، فكانت هذه أشدَّ على المسلمين من الهزيمة![21]

وقد تدهور حال المسلمين كثيرًا في كل بلاد المغرب والأندلس على السواء، حتى قطع المؤرخون بأنه بعد موقعة العقاب ما كنتَ تجد شابًّا صالحًا للقتال لا في بلاد المغرب ولا في بلاد الأندلس، فكانت موقعة واحدة قد بَدَّدت وأضاعت دولة في حجم وعِظَم دولة الموحدين[22].

ثم إنَّ الناصر لدين الله قد انسحب أكثر مما كان عليه، فانسحب من إشبيلية إلى بلاد المغرب العربي، ثم اعتكف في قصره، واستخلف ابنه وليًّا للعهد من بعده، وهو بعدُ لم يتجاوز خمس عشرة من السنين.

*وفاة الناصر لدين الله*
ثم تُوُفِّيَ الناصر لدين الله بعد هذا الاستخلاف بعام واحد في سنة (610هـ=1214م) عن عمرٍلم يتجاوز الرابعة والثلاثين، وتروي بعض المصادر أنه مات وهو عازم على الجهاد في الأندلس «عزمًا لم يُعرف عن ملك قبله»[23]. وتولَّى حكم البلاد من بعده وليُّ عهده وابنه المستنصر بالله، وعمره آنذاك ست عشرة سنة فقط[24].

ومن جديد وكما حدث في عهد ملوك الطوائف تضيع الأمانة، ويُوَسَّد الأمر لغير أهله، وتتوالى الهزائم على المسلمين بعد سنوات طويلة من العلو والسيادة والتمكين لدولة الموحدين.
#قصة_الأندلس
#تاريخ_الأندلس
______
د.راغب السرجاني
[1] انظر: عبد الواحد المراكشي: المعجب، ص399، وابن عذاري: البيان المغرب، قسم الموحدين، ص263، 264، والحميري: الروض المعطار، ص416، ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/109، وما بعدها.
[2] انظر: ابن عذاري: البيان المغرب، قسم الموحدين، ص264.
[3] المقري: نفح الطيب، 1/446 والسلاوي: الاستقصا، 2/220، ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عصر المرابطين والموحدين 2/108.
[4] ابن عذاري: البيان المغرب، قسم الموحدين، ص260 – 265، و ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 6/249.
[5] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص236، والسلاوي: الاستقصا، 2/221، وثمة رواية أخرى ولها دلائل كثيرة تقول بأن فتح هذه القلعة كان في غزوة مستقلة، انظر: الحميري: الروض المعطار ص344، وابن عذاري: البيان المغرب، قسم الموحدين، ص260، وعبد الواحد المراكشي: المعجب، ص399.
[6] يوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/108.
[7] يوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/112.
[8] عبد الواحد المراكشي: المعجب، ص401، وابن أبي زرع: روض القرطاس، ص238، والسلاوي: الاستقصا، 2/222، ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/114.
[9] شوقي أبو خليل: العقاب، ص34، ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/114.
[10] انظر: ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص238، و ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/249.
[11] الطبري: تاريخ الأمم والملوك، 2/275.
[12] المقري: نفح الطيب، 4/383.
[13] ابن أبي زرع: روض القرطاس ص239، ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/118.
[14] يوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/118.
[15] انظر: المقري: نفح الطيب، 4/383، والسلاوي: الاستقصا، 2/220.
[16] انظر: شوقي أبو خليل: العقاب، ص45، ويوسف أشباخ: تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين، 2/119.
[17] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص239، والسلاوي: الاستقصا، 2/224.
[18] انظر: ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص240، والسلاوي: الاستقصا، 2/224.
[19] عبد الواحد المراكشي: المعجب، ص402.
[20] الحميري: الروض المعطار، ص6.
[21] عبد الواحد المراكشي: المعجب، ص402.
[22] انظر: المقري: نفح الطيب، 1/446.
[23] مجهول: الحلل الموشية، ص161، وابن الخطيب: رقم الحلل، ص60، والسلاوي: الاستقصا، 2/225.
[24] عبد الواحد المراكشي: المعجب، ص404، والذهبي: سير أعلام النبلاء، 22/340، و ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/250، والسلاوي: الاستقصا، 2/226.
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
للاطلاع على الأجزاء السابقة:
*https://www.tgoop.com/iqra_history*
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
#التاريخ_الإسلامي
#قصة_الأندلس
#التاريخ_الأندلسي
#الفردوس_المفقود
#تاريخ_سِيَر_تراجم_أخبار
#اقرأ_التاريخ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#يوميات_في_التاريخ_الاسلامي
#اعرف_عدوك_أيها_المسلم (7)
محاكم التفتيش في الاندلس


فور دخول الإسبان إلى غرناطة نقضوا المعاهدة التي أبرموها مع حكامها المسلمين، إذ كان أول عمل قام به الكاردينال مندوسيه عند دخول الحمراء هو نصب الصليب فوق أعلى أبراجها وترتيل صلاة الحمد الكاثوليكية.

وظهرت *محاكم التفتيش* تبحث عن كل مسلم لتحاكمه على عدم تنصره، فهام المسلمون على وجوههم في الجبال، وأصدرت محاكم التفتيش الإسبانية تعليماتها لتنصير بقية المسلمين في إسبانيا، والعمل السريع على إجبارهم على أن يكونوا نصارى، وأحرقت المصاحف وكتب التفسير والحديث والفقه والعقيدة وكانت محاكم التفتيش تصدر أحكامًا بحرق المسلمين على أعواد الحطب وهم أحياء في ساحة من ساحات مدينة غرناطة أمام الناس، وقد استمرت هذه الحملة الظالمة على المسلمين حتى العام 1577م، وراح ضحيتها حسب بعض المؤرخين الغربيين أكثر من نصف مليون مسلم، حتى تم تعميد جميع الأهالي بالقوة..

ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس، وصدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع المدن والقرى.

ومحاكم التفتيش في الواقع نمط عجيب غريب من المحاكم، فقد مُنحت سلطات غير محدودة، ومارست أساليب في التعذيب لم يعرفها أو يمارسها أكثر الطغاة وحشية عبر التاريخ، وقد بدأت تلك المحاكم أعمالها بهدم الحمامات العربية، ومنع الاغتسال على الطريقة العربية، ومنع ارتداء الملابس العربية أو التحدث باللغة العربية أو الاستماع إلى الغناء العربي، ومنع الزواج على الطريقة العربية أو الشريعة الإسلامية، ووضعت عقوبات صارمة جدًّا بحق كل من يثبت أنه يرفض شرب الخمر أو تناول لحم الخنزير، وكل مخالفة لهذه الممنوعات والأوامر تعد خروجًا على الكاثوليكية ويحال صاحبها إلى محاكم التفتيش.


ويساق المسلم الي سجن مظلم، ترتع فيه الأفاعي والجرذان والحشرات، وتنتشر فيه الأوبئة، وفي هذا المكان على المتهم أن يبقى أشهرًا طويلة دون أن يرى ضوء الشمس أو أي ضوء آخر، فإن مات، فهذا ما تعتبره محاكم التفتيش رحمة من الله وعقوبة مناسبة له، وإن عاش، فهو مازال معرضًا للمحاكمة، وما عليه إلا أن يقاوم الموت لمدة لا يعرف أحد متى تنتهي وقد يُستدعى خلالها للمحكمة لسؤاله وللتعذيب.

ويشتمل التعذيب على كل ما يخطر على البال من أساليب وما لا يخطر منها، وتبدأ بمنع الطعام والشراب عن المتهم حتى يصبح نحيلاً غير قادر على الحركة، ثم تأتي عمليات الجلد ونزع الأظفار، والكي بالحديد المحمي ونزع الشعر، ومواجهة الحيوانات الضارية، والإخصاء، ووضع الملح على الجروح، والتعليق من الأصابع..

وخلال كل عمليات التعذيب يسجل الكاتب كل ما يقوله المتهم من صراخ وكلمات وبكاء، ولا يستثنى من هذا التعذيب شيخ أو امرأة أو طفل، وبعد كل حفلة تعذيب، يترك المتهم يومًا واحدًا ثم يُعرض عليه ما قاله في أثناء التعذيب من تفسيرات القضاة، فإذا كان قد بكى وصرخ: يا الله، يفسر القاضي أن الله التي لفظها يقصد بها رب المسلمين، وعلى المتهم أن ينفي هذا الاتهام أو يؤكده، وفي كلا الحالتين يجب أن يتعرض لتعذيب من جديد، وهكذا يستمر في سلسلة لا تنتهي من التعذيب.

أخيراً، وقبل أربع وعشرين ساعة من تنفيذ الحكم يتم إخطار المتهم بالحكم الصادر بحقه، وكانت الأحكام تتمثل في ثلاثة أنواع:

البراءة: وهو حكم نادرًا ما حكمت به محاكم التفتيش، وعندها يخرج المتهم بريئًا، لكنه يعيش بقية حياته معاقاً مهدوداً بسبب التعذيب الذي تعرض له، وعندما يخرج يجد أن أمواله قد صودرت، ويعيش منبوذاً لأن الآخرين يخافون التعامل أو التحدث إليه خوفاً من أن يكون مراقباً من محاكم التفتيش، فتلصق بهم نفس التهم التي ألصقت به عينها.

الجلد: وقد كان المتهم يساق إلى مكان عام عارياً تماماً وينفذ به الجلد، وغالباً ما كان يموت تحت وطأة الجلد، فإن نفذ وكُتبت له الحياة يعيش كوضع المحكوم بالبراءة من حيث الإعاقة ونبذ المجتمع له.

الإعدام: وهو الحكم الأكثر صدوراً عن محاكم التفتيش، ويتم الإعدام حرقًا وسط ساحة المدينة.

وفي بعض المراحل صارت المحاكم تصدر أحكامًا بالسجن، وبسبب ازدحام السجون صارت تطلق سراح بعضهم وتعدم آخرين من دون أي محاكمات، وفي بعض الحالات تصدر أحكاماً بارتداء المتهم لباسًا معينًا طوال حياته، مع إلزام الناس بسبه كلما سار في الشارع أو خرج من بيته، وفي هذه الأحكام كما قلنا لا يُستثنى أحد بسبب العمر، فهناك وثائق تشير إلى جلد طفلة عمرها أحد عشر عاماً مائتي جلدة، وجلد شيخ في التسعين من عمره ثلاثمائة جلدة، وحتى الموتى كانوا يخضعون للمحاكمة فيتم نبش قبورهم.


المصدر: موقع محاكم التفتيش، نقلاًَ عن مجلة الوعي الإسلامي.



أسعد الله أوقاتكم بطاعته
#يوميات_في_التاريخ_الاسلامي
#أعرف_عدوك_أيها_المسلم (8)
*لورانس العرب*

أتقن الانجليزي توماس لورانس الشهير بلورانس العرب اللهجات في الجزيرة العربية وتعرف على مسالكها الوعرة وعايش العرب في صحراء قاحلة يقاسي شظف العيش كأنه واحد منهم, يلبس الثوب والعقال ويأكل السمن والتمر والإقط, ويستمع إلى حكاياتهم ومغازيهم فنال الثقة من القبائل العربية .

حولته المخابرات البريطانية من طالب آثار إلى موظف خرائط في مكتبها في القاهرة يرسم لها خرائط تفصيلية دقيقة لبلاد العرب كما رآها.

تعلن أوروبا قيام الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية المسلمة، وحلفائها وينجح العثمانيون في العراق بحصار فرقة من البريطانيين، وتأتي الأوامر للورانس بإنقاذ هذه القوات ويحاول جاهدًا عرض رشوة مقدارها مليوني جنيه من الذهب على القائد التركي خليل باشا مقابل فك الحصار.



في ذلك الوقت بالذات تظهر جهود الشريف حسين شريف مكة الذي أراد أن يصطاد بالماء العكر ويسارع بالاتصال سرًا بالانجليز ليدخل معها باتفاق ضد الأتراك يشغلهم بثورته عن الحرب الكبرى، مقابل أن تجعله بريطانيا بعد تقسيم الغنيمة خليفة للمسلمين يستقل بالحجاز ومصر والشام، ويحكمها أبناؤه من بعده.

ووجد الإنجليز ضالتهم فيه فعقدوا معه الوعود البراقة وانتقل لورانس للحجاز للتنسيق مع الشريف وولديه.

رأت بريطانيا أن تضرب العرب بالأتراك فهم أعرف بهم, وكلاهم مسلمون, والدم العربي المسلم رخيص أمام الدم الأوروبي (وهذا من وجهة نظر هؤلاء الانجاس)، كما أن ميدان الحرب سيكون في صحارى قاحلة ودرجات حرارة مرتفعة تصل إلى 45 درجة مئوية تحت الظل, وهذا ما يستصعبه الجندي الأوروبي في أن يقاوم العواصف الرميلة والمسالك الوعرة وعدم توفر الإمدادات.


ويسعى لورانس لإعداد خطة [حملة الحجاز] لتطهير الأراضي العربية من العثمانيين ويشترط على الحلفاء البقاء بعيدين عن مكة والمدينة المنورة لعدم استفزاز المسلمين دينيًا, وتنطلق حملة الحجاز وقد رسمت لنفسها أن تبتدئ من المنطقة الغربية في جدة ثم ينبع فالوجه فالعقبة فدمشق فحلب فحماة، ويكون في مدينة الوجه سقوط أول معاني التسامح والحرية التي كانت تنادي بها بريطانيا وحلفاؤها، حيث تم قتل 250 أسيرًا تركيًا بأمر من لورانس نفسه الذي بدأ يكشف عملته المزورة تحت طيات الكره المسيحي لكل ما هو عربي ومسلم، وتليها الانتصارات لهذا التحالف الشريفي اللورانسي, وتتقدم كثير من القبائل للدخول مع الحلف طمعًا بالمال والجاه، ويقوم لورانس بإرسال تعليماته للطائرات البريطانية بإطلاق القذائف على خط حديد الحجاز في أوقات متباعدة لإشغال العثمانيين بإصلاحه مدة أطول.

كان فيصل بن الشريف حسين ولورانس يريان في العقبة مدينة هامة, فموقعها على البحر الأحمر جعل لها سهولة الوصول إلى الإمدادات القادمة من أوروبا، ولكن ما يؤسف لورانس أن الطريق الذي يصل بهم إلى العقبة مليء بالأشواك من قبائل عربية من سكان العقبة اعتادت السلب والنهب لمن يمر بها, وهم بنظر العثمانيين خارجون على القانون سببوا الكثير من القلق للسلطات التي تضطر لعقد صلح يسمح لهم بموجبه الإغارة على أي قبيلة ليأخذوا منها ما يريدون, وأن يكفوا أذاهم عن السلطات العثمانية، ولذا يلجأ لورانس إلى إغراقهم بألوف الدنانير الذهبية وينجح في كسب ولائهم خاصة 'الشيخ عودة' زعيم قبيلة وادي سرحان, فهو على الرغم من شجاعته جشع قاسي القلب وخلال مقابلة الشيخ عودة مع لورانس يوافق على العروض المغرية ويدللها بأن يخلع من فمه سنًا ذهبيًا مصنوعًا في تركيا! ويعلن الانضمام للمعسكر الثنائي ليغدو ثلاثيًا، ويبدأ التحالف بالزحف من الحجاز شمالاً إلى بلاد الشام لتسقط مدنها تباعًا من يدهم.



في عام 1917م تنشب الثورة الشيوعية 'ثورة قضت على النظام القيصري في روسيا' وسقطت بالصدفة في أيدي الثوار معاهدة سرية أسمها سايكس بيكو وقعت بين فرنسا والانجليز .


ويصدم العرب بهذه المعاهدة ويهددون بريطانيا بالانسحاب في الحرب نحو العثمانيين ولكن للأسف فالوقت قد مضى خاصة وأن لورانس يحاول جاهدًا أن يقنع العرب بأكذوبة هذه المعاهدة وعدم سريان مفعولها .. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها يظهر المخطط بوقوع لبنان وسوريا تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين تحت الحماية البريطانية,

وتزداد الأمور تعقيدًا بصدور وعد بلفور 1917م وزير خارجية بريطانيا الذي تعاطف مع اليهود بجعل فلسطين وطنًا قوميًا لهم, ويزداد العرب والمسلمون حسرة وقهرًا, فقد زرعت بريطانيا الخائنة اليهود في فلسطين وتنكرت لوعودها.


وهلك لورانس عن 46 عاما ولم يهنأ بحياته بعد تقاعده بحادثة عارضة حين انقلبت الدراجة النارية التي كان يقودها بجنون في إحدى ضواحي العاصمة البريطانية.

طريق الاسلام
بتصرف

أسعد الله أوقاتكم بطاعته
2024/05/29 08:09:25
Back to Top
HTML Embed Code:


Fatal error: Uncaught Error: Call to undefined function pop() in /var/www/tgoop/chat.php:243 Stack trace: #0 /var/www/tgoop/route.php(43): include_once() #1 {main} thrown in /var/www/tgoop/chat.php on line 243