IBBFREE Telegram 161982
صناعة التفاهة

✍️ صلاح الطاهري

زمان وليس بالبعيد كان الإنسان يكتسب إحترامه بالعلم والمعرفة والمطالعة والتدوين، مكانته بالمواقف، وصوته بالأفكار.

اليوم؟
يكفي أن تفتح الكاميرا، تُخرج لسانك، أو ترقص مع قطة، أو كلب أو تقول كلاماً وقحاً لتصبح مؤثراً يُشار إليه بالبنان وتتهافت عليك الإعلانات من كل حدب وصوب.
للأسف الشديد

منصات التواصل لم تعد منصات للتواصل أصلًا، بل مصانع ضخمة لإنتاج اللا شيء اللا وعي وتغليفه بورق ومسميات براقه. الخوارزميات صارت مثل بائع متجول يصرخ تفضلوا… جديد اليوم
تفاهة أكثر لمعاناً وأقل سعراً إذ لم تكن بالمجان! والجماهير تصفق، تشير، تتابع، تشارك بينما المعنى والوعي والفكر يجلس فى ركن مظلم يبكي على أطلاله.

لم نعد نبحث عن المفكرين، بل عن الترند ولم نعد نُصغي لصاحب رأي رصين، بل لمن يسجل مقطعاً يتشاجر فيه مع زوجته أمام الكاميرا أو يصرخ في وجه أطفاله، أو بثاً مباشراً لا يجيد سوى القدح والذم والقذف فى كل من خالفه الرأي ليحصد المشاهدات. صار السؤال

كم عدد اللايكات؟ لا ما الذي قيل وأصبح الطريق إلى الشهرة أقصر من طريق المدرسة دقيقة واحدة من التفاهة تساوي مليون مشاهدة، أما خمس سنوات من الدراسة والبحث تساوي لايك واحد من أبوك أو أمك!

التفاهة لم تعد تكتفي بإضحاكنا على اللاشيء، بل قفزت قفزة خطيرة تحولت إلى صناعة للإنحلال الأخلاقي والتشهير
صار المؤثر الناجح هو من يفضح أسرار بيته على الملأ ومن يهوى غسيل الغير أكثر من غسيل ملابسه!
هاشتاجات تطير كالرصاص #فضيحة_جديدة، #طلاق_فلانه، #من_سرق_الدجاجة_من_الباب
#من_إبتلع_خمس_حبتين_دفعة_واحده
والجمهور يصفق وكأنها مباراة نهائية لكأس العالم!
لقد تحولت المنصات إلى (محكمة التفاهة العليا) القاضي مجهول، الأدلة مقاطع مقصوصة، والحكم يُنفذ فوراً بالإعدام الأخلاقي عبر التعليقات.

صار بعض إذ لم نقل معظم "المشاهير" يقيسون نجوميتهم بعدد الأشخاص الذين شوهوا سمعتهم. حتى الفضيلة لم تسلم صارت مادة للسخرية، بينما الفضائح تُسوق على أنها إنجازات وهكذا نجح صانعوا التفاهة فى تحويل الإنحلال إلى سلعة، وهتك الأعراض إلى محتوى "ترند"، والفضائح إلى إستثمار مُربح. ثمنه القيم النبيلة وشرخ النسيج الاجتماعي

إنها صناعة كاملة للتفاهة التي لم تعد هواية شخصية بل مشروع مدعوم له ممولون وجمهور وخطط تسويق ولو أردت أن تُبطل هذه الصناعة فعليك أولًا أن تُقنع الملايين أن كرامة الناس ليست مادة إعلان، وأن سمعة البشر ليست "بوست" يختفي بعد 24 ساعة! أو يظل عالقاً وشاهداً على جريمة بحق الاخرين من إساءة وتشهير مجحف وظالم

ومع ذلك يبقى الأمل فكل موجة تفاهة، مهما علت، تُولد معها موجة وعي صغيرة تسبح عكس التيار.

كما سيظل هناك شخص يكتب أو يرسم أو يفكر… بينما البقية يتسابقون على تحدي "من يفضح أسرع في دقيقتين"، أو "من يشتم بطرق إبداعية أكثر"!

نحن أمام معركة غير متكافئة طرف يملك ملايين المتابعين والهاشتاجات، وطرف آخر يملك قلمًا ووجعًا وكوب شاي بارد.

ومع ذلك… لا مفر من المحاولة. لأن مقاومة التفاهة والإنحلال لم تعد رفاهية، بل واجب إنساني، يشبه تماماً واجبك فى مقاومة إعلان مسحوق الغسيل الذي يعدك بحياة سعيدة لمجرد أن ملابسك بيضاء!
🔻 لمتابعة آخر الاخبار يرجى الضغط على رابط القناة أسفل 👇
https://www.tgoop.com/ibbfree

🌐 شبكة إب الإخبارية I.N.N🌐



tgoop.com/ibbfree/161982
Create:
Last Update:

صناعة التفاهة

✍️ صلاح الطاهري

زمان وليس بالبعيد كان الإنسان يكتسب إحترامه بالعلم والمعرفة والمطالعة والتدوين، مكانته بالمواقف، وصوته بالأفكار.

اليوم؟
يكفي أن تفتح الكاميرا، تُخرج لسانك، أو ترقص مع قطة، أو كلب أو تقول كلاماً وقحاً لتصبح مؤثراً يُشار إليه بالبنان وتتهافت عليك الإعلانات من كل حدب وصوب.
للأسف الشديد

منصات التواصل لم تعد منصات للتواصل أصلًا، بل مصانع ضخمة لإنتاج اللا شيء اللا وعي وتغليفه بورق ومسميات براقه. الخوارزميات صارت مثل بائع متجول يصرخ تفضلوا… جديد اليوم
تفاهة أكثر لمعاناً وأقل سعراً إذ لم تكن بالمجان! والجماهير تصفق، تشير، تتابع، تشارك بينما المعنى والوعي والفكر يجلس فى ركن مظلم يبكي على أطلاله.

لم نعد نبحث عن المفكرين، بل عن الترند ولم نعد نُصغي لصاحب رأي رصين، بل لمن يسجل مقطعاً يتشاجر فيه مع زوجته أمام الكاميرا أو يصرخ في وجه أطفاله، أو بثاً مباشراً لا يجيد سوى القدح والذم والقذف فى كل من خالفه الرأي ليحصد المشاهدات. صار السؤال

كم عدد اللايكات؟ لا ما الذي قيل وأصبح الطريق إلى الشهرة أقصر من طريق المدرسة دقيقة واحدة من التفاهة تساوي مليون مشاهدة، أما خمس سنوات من الدراسة والبحث تساوي لايك واحد من أبوك أو أمك!

التفاهة لم تعد تكتفي بإضحاكنا على اللاشيء، بل قفزت قفزة خطيرة تحولت إلى صناعة للإنحلال الأخلاقي والتشهير
صار المؤثر الناجح هو من يفضح أسرار بيته على الملأ ومن يهوى غسيل الغير أكثر من غسيل ملابسه!
هاشتاجات تطير كالرصاص #فضيحة_جديدة، #طلاق_فلانه، #من_سرق_الدجاجة_من_الباب
#من_إبتلع_خمس_حبتين_دفعة_واحده
والجمهور يصفق وكأنها مباراة نهائية لكأس العالم!
لقد تحولت المنصات إلى (محكمة التفاهة العليا) القاضي مجهول، الأدلة مقاطع مقصوصة، والحكم يُنفذ فوراً بالإعدام الأخلاقي عبر التعليقات.

صار بعض إذ لم نقل معظم "المشاهير" يقيسون نجوميتهم بعدد الأشخاص الذين شوهوا سمعتهم. حتى الفضيلة لم تسلم صارت مادة للسخرية، بينما الفضائح تُسوق على أنها إنجازات وهكذا نجح صانعوا التفاهة فى تحويل الإنحلال إلى سلعة، وهتك الأعراض إلى محتوى "ترند"، والفضائح إلى إستثمار مُربح. ثمنه القيم النبيلة وشرخ النسيج الاجتماعي

إنها صناعة كاملة للتفاهة التي لم تعد هواية شخصية بل مشروع مدعوم له ممولون وجمهور وخطط تسويق ولو أردت أن تُبطل هذه الصناعة فعليك أولًا أن تُقنع الملايين أن كرامة الناس ليست مادة إعلان، وأن سمعة البشر ليست "بوست" يختفي بعد 24 ساعة! أو يظل عالقاً وشاهداً على جريمة بحق الاخرين من إساءة وتشهير مجحف وظالم

ومع ذلك يبقى الأمل فكل موجة تفاهة، مهما علت، تُولد معها موجة وعي صغيرة تسبح عكس التيار.

كما سيظل هناك شخص يكتب أو يرسم أو يفكر… بينما البقية يتسابقون على تحدي "من يفضح أسرع في دقيقتين"، أو "من يشتم بطرق إبداعية أكثر"!

نحن أمام معركة غير متكافئة طرف يملك ملايين المتابعين والهاشتاجات، وطرف آخر يملك قلمًا ووجعًا وكوب شاي بارد.

ومع ذلك… لا مفر من المحاولة. لأن مقاومة التفاهة والإنحلال لم تعد رفاهية، بل واجب إنساني، يشبه تماماً واجبك فى مقاومة إعلان مسحوق الغسيل الذي يعدك بحياة سعيدة لمجرد أن ملابسك بيضاء!
🔻 لمتابعة آخر الاخبار يرجى الضغط على رابط القناة أسفل 👇
https://www.tgoop.com/ibbfree

🌐 شبكة إب الإخبارية I.N.N🌐

BY شبكة إب الإخبارية




Share with your friend now:
tgoop.com/ibbfree/161982

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

‘Ban’ on Telegram ZDNET RECOMMENDS The creator of the channel becomes its administrator by default. If you need help managing your channel, you can add more administrators from your subscriber base. You can provide each admin with limited or full rights to manage the channel. For example, you can allow an administrator to publish and edit content while withholding the right to add new subscribers. SUCK Channel Telegram The imprisonment came as Telegram said it was "surprised" by claims that privacy commissioner Ada Chung Lai-ling is seeking to block the messaging app due to doxxing content targeting police and politicians.
from us


Telegram شبكة إب الإخبارية
FROM American