IBBFREE Telegram 161613
✍️ د. محمد الخواجا
*طبيب نفسي

في إحدى حلقات الكاميرا الخفية، لعب الممثل دور جزار خشن، ووقفت أمامه امرأة فقيرة مع ابنتها الصغيرة، تحمل نقودًا قليلة بيدٍ ترتجف.

طلبت شراء كيلو من اللحم، فأعطاها الجزار كمية من الدهن والفضلات، كما تقضي حيلة الحلقة، ووضعها في كيس بلاستيكي دون أن يعلّق، ثم واصل عمله.

نظرت المرأة إلى الكيس في حيرة، ولم تجرؤ على الاعتراض.
قالت الطفلة لأمها: “هذا ليس لحمًا!”
فردّت الأم بصوت خافت: “أخاف أن أتكلم… شكله يخيف”.
بعد لحظات، ظهر احد الممثلين المساندين في نفس المشهد، واشترى لحمًا، وتلقى نفس المعاملة.
لكنه لم يسكت، وتوجه للمرأة وألحّ عليها وشجعها على الاحتجاج، وقال لها: “هذا لا يليق، علينا أن نرفض”.
لكن المرأة استمرت في التردّد والخوف.
قالت له: “تكلم أنت”، فقال لها: “سأتكلم إن ساندتِني”. وكرر الرجل الالحاح عليها بعدم تقبل الأمر.

وهنا، وبدون مقدّمات، أمسكت المرأة بالكيس وقذفته في وجه الرجل اللحوح، وليس الجزار، وهي تصرخ بعصبية شديدة!
لكن السؤال هو: لماذا غضبت عليه هو؟
مع أنه لم يظلمها، بل حاول أن يساعدها.
الجواب: لأنها لم تحتمل أن يُواجهها أحد بحقيقتها.
لم تستطع أن ترى نفسها خائفة وضعيفة، فغضبت على من ذكّرها بذلك، لا على من ظلمها فعلًا.

وهذا ما يُعرف في علم النفس بـ”الإزاحة”:
حين نخاف من الشخص الحقيقي الذي سبب لنا الأذى، فنصبّ غضبنا على شخص أضعف، أو أقرب، أو آمن.
وهذه الحيلة النفسية شائعة:
الزوج يفرغ غضبه في زوجته،
الزوجة تغضب على أولادها،
الأولاد يكسّرون ألعابهم،
والألعاب تبقى مكسورة، بلا صوت.
لكن حين تستخدم هذه الآلية النفسية من قبل جماعات أو أنظمة، فتصبح تواطؤا ًوتضليلاً لا مجرد حيلة.

وهذا ما نعيشه اليوم بوضوح في واقعنا:

كثير من الناس لا يطيقون من يُشعل النور في الغرفة المظلمة، لأنهم اعتادوا على الظلام.
يهاجمون من يقول لهم: أنتم تستحقون أفضل… لأن هذه الجملة تضعهم في مواجهة سؤال صعب: “لماذا رضينا بالأقل طوال هذه السنين؟”
حين يأتي من يطالب بالإصلاح، لا يُقابل بالتأييد بل بالاتهام.
وحين يتحدث أحد عن الكرامة أو الوعي أو التحرر، يُقال له: “تنظير، مثالية، تخريب، فتنة…”
الناس غالباً لا تهاجم الظالم لأنه مخيف أو قوي أو يملك السلطة، لكنهم يهاجمون من يذكّرهم بأنهم سكتوا، بأنهم شاركوا في القبول، وساهموا بالصمت، وبنوا جدار الذلّ بأيديهم.

بمعنى آخر:
المجتمع لا يعاقب من أفسده، بل يعاقب من فضحه.
لا يواجه من سرق خبزه، بل من سأله: لماذا رضيت الجوع؟
لذلك، في كثير من مجتمعاتنا، يكون الناصح هو العدو، والصامت هو الحكيم، والمجرم هو “الواقع الذي لا مفرّ منه”.
نحن لا نرتاح لمن يوقظنا، لأن الاستيقاظ مؤلم.
لكننا نطمئنّ لمن يخدّرنا، حتى لو كان سارقًا أو كاذبًا… فقط لأنه لا يطلب منا أن نتحرك.
🔻 لمتابعة آخر الاخبار يرجى الضغط على رابط القناة أسفل 👇
https://www.tgoop.com/ibbfree

🌐 شبكة إب الإخبارية I.N.N🌐



tgoop.com/ibbfree/161613
Create:
Last Update:

✍️ د. محمد الخواجا
*طبيب نفسي

في إحدى حلقات الكاميرا الخفية، لعب الممثل دور جزار خشن، ووقفت أمامه امرأة فقيرة مع ابنتها الصغيرة، تحمل نقودًا قليلة بيدٍ ترتجف.

طلبت شراء كيلو من اللحم، فأعطاها الجزار كمية من الدهن والفضلات، كما تقضي حيلة الحلقة، ووضعها في كيس بلاستيكي دون أن يعلّق، ثم واصل عمله.

نظرت المرأة إلى الكيس في حيرة، ولم تجرؤ على الاعتراض.
قالت الطفلة لأمها: “هذا ليس لحمًا!”
فردّت الأم بصوت خافت: “أخاف أن أتكلم… شكله يخيف”.
بعد لحظات، ظهر احد الممثلين المساندين في نفس المشهد، واشترى لحمًا، وتلقى نفس المعاملة.
لكنه لم يسكت، وتوجه للمرأة وألحّ عليها وشجعها على الاحتجاج، وقال لها: “هذا لا يليق، علينا أن نرفض”.
لكن المرأة استمرت في التردّد والخوف.
قالت له: “تكلم أنت”، فقال لها: “سأتكلم إن ساندتِني”. وكرر الرجل الالحاح عليها بعدم تقبل الأمر.

وهنا، وبدون مقدّمات، أمسكت المرأة بالكيس وقذفته في وجه الرجل اللحوح، وليس الجزار، وهي تصرخ بعصبية شديدة!
لكن السؤال هو: لماذا غضبت عليه هو؟
مع أنه لم يظلمها، بل حاول أن يساعدها.
الجواب: لأنها لم تحتمل أن يُواجهها أحد بحقيقتها.
لم تستطع أن ترى نفسها خائفة وضعيفة، فغضبت على من ذكّرها بذلك، لا على من ظلمها فعلًا.

وهذا ما يُعرف في علم النفس بـ”الإزاحة”:
حين نخاف من الشخص الحقيقي الذي سبب لنا الأذى، فنصبّ غضبنا على شخص أضعف، أو أقرب، أو آمن.
وهذه الحيلة النفسية شائعة:
الزوج يفرغ غضبه في زوجته،
الزوجة تغضب على أولادها،
الأولاد يكسّرون ألعابهم،
والألعاب تبقى مكسورة، بلا صوت.
لكن حين تستخدم هذه الآلية النفسية من قبل جماعات أو أنظمة، فتصبح تواطؤا ًوتضليلاً لا مجرد حيلة.

وهذا ما نعيشه اليوم بوضوح في واقعنا:

كثير من الناس لا يطيقون من يُشعل النور في الغرفة المظلمة، لأنهم اعتادوا على الظلام.
يهاجمون من يقول لهم: أنتم تستحقون أفضل… لأن هذه الجملة تضعهم في مواجهة سؤال صعب: “لماذا رضينا بالأقل طوال هذه السنين؟”
حين يأتي من يطالب بالإصلاح، لا يُقابل بالتأييد بل بالاتهام.
وحين يتحدث أحد عن الكرامة أو الوعي أو التحرر، يُقال له: “تنظير، مثالية، تخريب، فتنة…”
الناس غالباً لا تهاجم الظالم لأنه مخيف أو قوي أو يملك السلطة، لكنهم يهاجمون من يذكّرهم بأنهم سكتوا، بأنهم شاركوا في القبول، وساهموا بالصمت، وبنوا جدار الذلّ بأيديهم.

بمعنى آخر:
المجتمع لا يعاقب من أفسده، بل يعاقب من فضحه.
لا يواجه من سرق خبزه، بل من سأله: لماذا رضيت الجوع؟
لذلك، في كثير من مجتمعاتنا، يكون الناصح هو العدو، والصامت هو الحكيم، والمجرم هو “الواقع الذي لا مفرّ منه”.
نحن لا نرتاح لمن يوقظنا، لأن الاستيقاظ مؤلم.
لكننا نطمئنّ لمن يخدّرنا، حتى لو كان سارقًا أو كاذبًا… فقط لأنه لا يطلب منا أن نتحرك.
🔻 لمتابعة آخر الاخبار يرجى الضغط على رابط القناة أسفل 👇
https://www.tgoop.com/ibbfree

🌐 شبكة إب الإخبارية I.N.N🌐

BY شبكة إب الإخبارية




Share with your friend now:
tgoop.com/ibbfree/161613

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Although some crypto traders have moved toward screaming as a coping mechanism, several mental health experts call this therapy a pseudoscience. The crypto community finds its way to engage in one or the other way and share its feelings with other fellow members. ‘Ban’ on Telegram While the character limit is 255, try to fit into 200 characters. This way, users will be able to take in your text fast and efficiently. Reveal the essence of your channel and provide contact information. For example, you can add a bot name, link to your pricing plans, etc. Telegram users themselves will be able to flag and report potentially false content. The initiatives announced by Perekopsky include monitoring the content in groups. According to the executive, posts identified as lacking context or as containing false information will be flagged as a potential source of disinformation. The content is then forwarded to Telegram's fact-checking channels for analysis and subsequent publication of verified information.
from us


Telegram شبكة إب الإخبارية
FROM American