tgoop.com/ghras2/1036
Last Update:
عن «الدستور» و«البرلمان» و«الصحافة» كأدوات تقييد ومحاسبة!
« -الدستور مفهوم حداثي آخر، وهو مثال صارخ على عمل الحداثة السياسية بالمقلوب في ظل الدولة الاستبدادية الحديثة في بلادنا. فمن أهم أصول الدستور الحداثي هو أن يكون أداة لتقييد سلطات الحاكم، ويجعله تحت مراقبة الشعب الذي هو مصدر السلطات كافة. هذه المهمة النبيلة التي سجلتها الحداثة السياسية في وثيقة اسمها الدستور؛ نجح المستبدون في مجتمعات أمتنا الإسلامية وحلفاؤهم من النخب المتغربة في قلبها رأساً على عقب وهم في مراكز السلطة واتخاذ القرار في «الدولة الحديثة». وأضحى الدستور أداة لإطلاق سلطات الحاكم من كل قيد، وتوسيعها إلى أبعد مدى، وإعفائه من المساءلة أو المحاسبة، وكل ذلك بنصوص دستورية صريحة أو ضمنية، صاغها خبراء حداثيون، أو ينتمون للفكر الحداثي، مع مساعدة طوعية أو إكراهية من «علماء السلطان».
- «البرلمان» بدوره مؤسسة رئيسية من مؤسسات الحداثة السياسية اخترعته المجتمعات الغربية ليكون ساحة للمناقشة والتداول في المصالح العامة، وممارسة الرقابة على الحكومة، وصنع القوانين والتشريعات التي تحقق المصالح العامة وتضبط علاقات القوى بوسائل سلمية.
ولكن هذا «البرلمان» تحول في الدولة الحديثة في أغلب مجتمعات أمتنا الإسلامية إلى «مجمع للخدمات والمنافع الخاصة»، وستاراً لإضفاء الشرعية على الممسكين بالسطة التنفيذية بأساليب ملتوية وغير قانونية. بل إنه أضحى في ظل أنظمة الثورات المضادة للربيع العربي ساحة للردح والسباب، وتصفية الحسابات الشخصية، وبات قبل ذلك وبعده ملجأ يتحصن فيه اللصوص وتجار المخدرات ولصوص البنوك وناهبي المال العام والمتربحين من وراء النيابة عن الشعب.
- «الصحافة ووسائل الإعلام» مثال آخر في هذا السياق باعتبارها سلطة رابعة إلى جانب سلطات الحداثة السياسية التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومعروف أن الأصل المفترض في الصحافة أنها تعبر عن ضمير الشعب، وتنطق بلسان حاله، وتنور الرأي العام، وتشركه كل صباح في الشأن العام، وتحيطه علما بمجريات هذا الشأن على مدار الساعة بفضل تكنولوجيا الاتصالات وتطور أداء «الإنفوميديا» وأدواتها، في المعرفة بما يدور في الوطن؛ بل وفي العالم، وفق مواثيق أخلاقية تستند إلى الصدق والنزاهة وتوخي الحقيقة.
هذه السلطة الرابعة، لا تؤدي وظائفها التحديثية إلا نادراً، وتحولت في أغلب بلدان الأمة الإسلامية إلى عنوان للكذب والنفاق وسوء الأخلاق، ومن ثم فهي تسهم في تثبيت سلطاته الاستبدادية بدلاً من أن تسهم في مقاومتها. ويلفت النظر أن النخب الإعلامية والثقافية لا تمانع في أداء هذا الدور.
إن كل مؤسسات الحداثة السياسية ومفاهيمها التي أشرنا إلى نماذج منها ذات أهمية حاسمة ولا غنى عنها لتمكين مجتمعات أمتنا الإسلامية من الدخول إلى المجال العام والمشاركة السياسية الفاعلة».*
هذه هي الدولة الحديثة، كل سلطاتها فاسدة ويرجع أمرها لسلطة واحدة.. الحاكم!
* - ميراث الاستبداد.
BY غِراس
Share with your friend now:
tgoop.com/ghras2/1036