GAREEB_DES Telegram 8114
أخذت 580 إبرة هيبارين!

تقولُ نشرات الأخبار: سقطَ كذا وكذا شهيد!
والحقيقة أنهم ما سقطوا، لقد ارتقوا! نحن الذي نسقطُ كلّ يومٍ!
نحن الذين خذلناهم إلا بمقدار ثقب إبرة تنفذُ منه بعض المساعدات بمقدار ما يبقيهم أحياء بانتظار أن تحصدهم القذائف، فلا نُعيّرُ بموتهم جوعى!

أتخيّلُ مرارتهم وقد كانوا يحسبون أنَّ لهم ظهراً، وأنهم جزء من أمّة، فإذا بهم يكتشفون أنهم مقطوعون من شجرة!
ولستُ أحبُّ جلد الذّات ولا جلد الآخرين، وأعرفُ جيّداً رأي الشُّعوب في هذا العدوان وأنها تحترقُ غضباً ولكنها عاجزة ومكبلة، ولكن العجز ليس مبرراً بقدر ما هو خطيئة!

بعض المقاطع المُصوّرة القادمة من غزّة ترفعُ الرأس عالياً، تُخبركَ عن مدى إيمان النّاس هناك، وعن جمال قلوبهم، وصلابة عقائدهم، وتكشفُ أنَّ العقيدة ليست وليدة ظرفٍ طارىءٍ أو فقدٍ، ولكنّها بناء أُميطَ عنه اللثام فرأينا عجائب صبر المؤمنين عندما يكونون مؤمنين حقاً!

وبعض المقاطع تُخبرنا أنهم ناسٌ مثلنا، ليسوا ملائكة كما نتصوّرهم، وليسوا جبالاً من صخرٍ كما يوحي مشهد ثباتهم! لهم قلوبٌ تنفطرُ، ودموع تسيل، وأحزانٌ تُزلزلهم، ولستُ أدري أنبكيهم أم نبكي على أنفسنا، ثمّة ألم لا يُطاق، ووجع لا تحمله الجبال وهي حجارة فكيف يحمله النّاسُ وهم من لحمٍ ودم!

منذ يومين وأنا عالق في فيديو المرأة الغزّاوية التي تحمل ابنها الشّهيد بين ذراعيها، والأسى في ملامح وجهها لو وُزّع على البشرية لكان كافياً أن يُقيم كلّ واحدٍ منا مأتماً!
كانت تقول بلهجتها الفلسطينية القريبة إلى القلب، الحبيبة إلى الروح: تعبت فيك يمّة، أخذت 580 إبرة هيبارين!

كلّ آلام الحمل، كلّ الإبر في جسدها، كل وجع الوضع، كان يُهوّنه عليها أنها ستعانق ابنها ... ثم جاء أخيراً، حضنته خليّة خليّة، بثّتْ فيه من روحها وعزيمتها، ثم ها هو بين يديها جثّة هامدة، في لحظة صارتْ سبقاً صحفياً، تناقلنا نحن وجعها، وحتماً سيشغلنا عنه وجع آخر، هذه المدينة مليئة بالأوجاع، ولكل جرح حكايته! أما هي فستبقى عالقة في جرحها إلى الأبد!
أنتَ حين تقتل أغلى ما عند الإنسان فقد قتلته هو فعلياً، حين تهدمُ حلمه فإنك تهدمُ روحه، لا يوجد شيء أكثر مرارة من أن تأخذ من إنسانٍ ذاك الشيء الذي كان يعيش لأجله ثم تُطالبه أن يعيش بدونه!

واللهِ لو كان الشُّهداء هم المقاتلون لزففناهم وما ذرفنا عليهم دمعة، فما ربّيناهم إلا لهذه اللحظة، وما وضعنا في أيديهم البنادق إلا لأننا نُؤمن بصواب هذه الطّريق وقدسيتها! ونحن في حضرتهم نتضاءل ونصغر، ونقول لهم قولة الرّاهب للغلام: أنتَ اليوم أهمّ مني! وكنّا نودُّ لو تبادلنا معهم الأدوار، لأن كل منصب غير الميدان تافه، وكل كلام غير الرصاص تنظير!
ولكنّ الشّهداء ناس، آباء وأمهات وأطفال وعجائز، وهذا هو الذي يكسر الظهر!
يُعاقبون النّاس كي يتخلوا عن المقاومة ويطعنونها في ظهرها، ويتعمدون قتل النّاس ليقولوا للمقاومة: لولاكم ما كان هذا!
يريدون منّا أن نعتذر لأننا كنّا أبطالاً، لا والله، ليس بيننا وبينهم إلا قذائف الياسين 105، ولو عاد الزّمان دورته لعدنا حتى يحكم الله بيننا وبين عدوّنا وهو خير الحاكمين، ومن مضى شهيداً منّا فهنيئاً له، ومن بقي فسيشهدنَّ خاتمة الأمر، وإنه لم يكن في يوم من الأيام أقرب منه اليوم!

أدهم شرقاوي / مدونة العرب



tgoop.com/gareeb_des/8114
Create:
Last Update:

أخذت 580 إبرة هيبارين!

تقولُ نشرات الأخبار: سقطَ كذا وكذا شهيد!
والحقيقة أنهم ما سقطوا، لقد ارتقوا! نحن الذي نسقطُ كلّ يومٍ!
نحن الذين خذلناهم إلا بمقدار ثقب إبرة تنفذُ منه بعض المساعدات بمقدار ما يبقيهم أحياء بانتظار أن تحصدهم القذائف، فلا نُعيّرُ بموتهم جوعى!

أتخيّلُ مرارتهم وقد كانوا يحسبون أنَّ لهم ظهراً، وأنهم جزء من أمّة، فإذا بهم يكتشفون أنهم مقطوعون من شجرة!
ولستُ أحبُّ جلد الذّات ولا جلد الآخرين، وأعرفُ جيّداً رأي الشُّعوب في هذا العدوان وأنها تحترقُ غضباً ولكنها عاجزة ومكبلة، ولكن العجز ليس مبرراً بقدر ما هو خطيئة!

بعض المقاطع المُصوّرة القادمة من غزّة ترفعُ الرأس عالياً، تُخبركَ عن مدى إيمان النّاس هناك، وعن جمال قلوبهم، وصلابة عقائدهم، وتكشفُ أنَّ العقيدة ليست وليدة ظرفٍ طارىءٍ أو فقدٍ، ولكنّها بناء أُميطَ عنه اللثام فرأينا عجائب صبر المؤمنين عندما يكونون مؤمنين حقاً!

وبعض المقاطع تُخبرنا أنهم ناسٌ مثلنا، ليسوا ملائكة كما نتصوّرهم، وليسوا جبالاً من صخرٍ كما يوحي مشهد ثباتهم! لهم قلوبٌ تنفطرُ، ودموع تسيل، وأحزانٌ تُزلزلهم، ولستُ أدري أنبكيهم أم نبكي على أنفسنا، ثمّة ألم لا يُطاق، ووجع لا تحمله الجبال وهي حجارة فكيف يحمله النّاسُ وهم من لحمٍ ودم!

منذ يومين وأنا عالق في فيديو المرأة الغزّاوية التي تحمل ابنها الشّهيد بين ذراعيها، والأسى في ملامح وجهها لو وُزّع على البشرية لكان كافياً أن يُقيم كلّ واحدٍ منا مأتماً!
كانت تقول بلهجتها الفلسطينية القريبة إلى القلب، الحبيبة إلى الروح: تعبت فيك يمّة، أخذت 580 إبرة هيبارين!

كلّ آلام الحمل، كلّ الإبر في جسدها، كل وجع الوضع، كان يُهوّنه عليها أنها ستعانق ابنها ... ثم جاء أخيراً، حضنته خليّة خليّة، بثّتْ فيه من روحها وعزيمتها، ثم ها هو بين يديها جثّة هامدة، في لحظة صارتْ سبقاً صحفياً، تناقلنا نحن وجعها، وحتماً سيشغلنا عنه وجع آخر، هذه المدينة مليئة بالأوجاع، ولكل جرح حكايته! أما هي فستبقى عالقة في جرحها إلى الأبد!
أنتَ حين تقتل أغلى ما عند الإنسان فقد قتلته هو فعلياً، حين تهدمُ حلمه فإنك تهدمُ روحه، لا يوجد شيء أكثر مرارة من أن تأخذ من إنسانٍ ذاك الشيء الذي كان يعيش لأجله ثم تُطالبه أن يعيش بدونه!

واللهِ لو كان الشُّهداء هم المقاتلون لزففناهم وما ذرفنا عليهم دمعة، فما ربّيناهم إلا لهذه اللحظة، وما وضعنا في أيديهم البنادق إلا لأننا نُؤمن بصواب هذه الطّريق وقدسيتها! ونحن في حضرتهم نتضاءل ونصغر، ونقول لهم قولة الرّاهب للغلام: أنتَ اليوم أهمّ مني! وكنّا نودُّ لو تبادلنا معهم الأدوار، لأن كل منصب غير الميدان تافه، وكل كلام غير الرصاص تنظير!
ولكنّ الشّهداء ناس، آباء وأمهات وأطفال وعجائز، وهذا هو الذي يكسر الظهر!
يُعاقبون النّاس كي يتخلوا عن المقاومة ويطعنونها في ظهرها، ويتعمدون قتل النّاس ليقولوا للمقاومة: لولاكم ما كان هذا!
يريدون منّا أن نعتذر لأننا كنّا أبطالاً، لا والله، ليس بيننا وبينهم إلا قذائف الياسين 105، ولو عاد الزّمان دورته لعدنا حتى يحكم الله بيننا وبين عدوّنا وهو خير الحاكمين، ومن مضى شهيداً منّا فهنيئاً له، ومن بقي فسيشهدنَّ خاتمة الأمر، وإنه لم يكن في يوم من الأيام أقرب منه اليوم!

أدهم شرقاوي / مدونة العرب

BY قنــاة غريب في الدنيا


Share with your friend now:
tgoop.com/gareeb_des/8114

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Clear With the administration mulling over limiting access to doxxing groups, a prominent Telegram doxxing group apparently went on a "revenge spree." To view your bio, click the Menu icon and select “View channel info.” How to Create a Private or Public Channel on Telegram? How to create a business channel on Telegram? (Tutorial)
from us


Telegram قنــاة غريب في الدنيا
FROM American