BOOKS_110 Telegram 1569
‏في أحد الأعوام، كنتُ أسكن بناية ضخمة، تتجاوز عدد الطوابق فيها الستين طابق، وكنتُ كلما دخلت أو خرجت من الممر المخصص للدخول، يرمقني رجل الأمن ذو البشرة السمراء والبنية الضخمة بنظرة لؤم شديدة، حتى إني كرهت البناية، ورحت أبحث عن سكن آخر.
‏حاولت مرة أن ابتسم في وجهه، فقابلها بنظرة ممسوسة بشرارة غير مريحة.
‏شيئاً فشيئاً نما في قلبي حقد غريب نحو هذا الرجل الذي لا أعرفه، فقد كان يكدرني في اللحظات التي أعود بها إلى منزلي مستبشرة، وأحياناً كنتُ أتفرس في ملامحه المتجهمة عندما أكون في مزاج مظلم وأردد مع نفسي" أنا أستحق هذه المعاملة" أنا لا أستحق حتى اللطف من الناس.
‏وهكذا تطور الأمر عندي، فبدأت أنا الأخرى أرسل إليه نظرات مفزعة، وأحسب أنني جيدة في هذا عندما يتملكني الغضب. ولم أزل أتذكر ذلك المساء الذي غرستُ نظرتي في أحشائه حتى تمكن منه الرعب، وبدا واضحاً في ملامحه. وهكذا بدأ كلاسيكو النظرات المسكونة بالغضب والخبث بيننا؛ صار هذا الرجل القربة التي أفرغ بها كل مشاكل يومي وعقدي النفسية، فما أن أدخل المبنى حتى أشرع بتسديد النظرات السامة إليه. وفي يوم من الأيام وصلني خبر رائع كان له علاقة بترشيح روايتي إلى جائزة أدبية مهمة؛ ومن شدة سعادتي، ومن دون أي وعي حاضر مني؛ عطفت نحو الجادة المجاورة حيث محل الورد وابتعت ثلاث وردات وعلبة شوكولاته وعدتُ مشياً نحو المبنى، وما أن دخلت حتى وجدت نفسي أتجه نحوه بملامح جادة،
‏أقترب منه ببطء وهو يبتعد بخطوات لا تُلاحظ؛ ثم مددت الورد والعلبة إليه و ابتسمنا معاً في لحظة واحدة، ابتسامة عميقة أشرقت معها أرواحنا.
‏وكانت الجملة الأولى التي نطقها أجمل كلمة "شكراً" سمعتها في حياتي.
‏سألني بصوت طفولي: لماذا؟ قلتُ له: ربما لأنك أقرب صديق لي هنا، فقد نمت صداقتنا دون كلام. ودون أن أنتبه؛ اكتشفت أنك كنت ملاذاً لي في كل لحظات إخفاقاتي، فهذا الغضب الذي كان يتملك ملامحي ما هو إلا فعل شكوى يومية كنتُ أسكبها عليك دونَ أن أشعر.
‏قال لي والبراءة تطفح من سيمائه: "هذا هو وجهي، لا أعرف طريقة لوصل ملامحي بمشاعري، لكني كنتُ أفرح عندما تلجين المبنى، ثم فجأة كرهتيني؛ بحثتُ عن السبب طويلاً ولكني لم أعثر عليه، وكنتُ أصلي كي تكوني سعيدة".
‏هكذا نحن كائنات ليس لديها القدرة على رؤية نفسها من الخارج، لذلك كانَ التواضع في رأيي وفي كل أشكاله هو أسمى الفضائل، لأنه يصلك بالآخرين كي تتعرف من خلالهم على نفسك التي تظن أنك تعرفها.
‏أصبح "جون" رجل الأمن المحبوب في المبنى، فقد بدأ يتدرب على الابتسامة، حتى تمكنت منه. وهو أيضاً دربني على التوقف عن وضع سيناريوهات كاملة في رأسي والتصرف على أثرها. فكنتُ كلما انزلقتُ في مثل هذه الأفكار ألجأ إلى التأليف.
‏وهكذا كنتُ أنا "كاتبة" وجون "رجل أمن" يحمي بيتها في الطابق ال٣٨ من أشباح الوهم المجيدة .

#شهد_الراوي



tgoop.com/books_110/1569
Create:
Last Update:

‏في أحد الأعوام، كنتُ أسكن بناية ضخمة، تتجاوز عدد الطوابق فيها الستين طابق، وكنتُ كلما دخلت أو خرجت من الممر المخصص للدخول، يرمقني رجل الأمن ذو البشرة السمراء والبنية الضخمة بنظرة لؤم شديدة، حتى إني كرهت البناية، ورحت أبحث عن سكن آخر.
‏حاولت مرة أن ابتسم في وجهه، فقابلها بنظرة ممسوسة بشرارة غير مريحة.
‏شيئاً فشيئاً نما في قلبي حقد غريب نحو هذا الرجل الذي لا أعرفه، فقد كان يكدرني في اللحظات التي أعود بها إلى منزلي مستبشرة، وأحياناً كنتُ أتفرس في ملامحه المتجهمة عندما أكون في مزاج مظلم وأردد مع نفسي" أنا أستحق هذه المعاملة" أنا لا أستحق حتى اللطف من الناس.
‏وهكذا تطور الأمر عندي، فبدأت أنا الأخرى أرسل إليه نظرات مفزعة، وأحسب أنني جيدة في هذا عندما يتملكني الغضب. ولم أزل أتذكر ذلك المساء الذي غرستُ نظرتي في أحشائه حتى تمكن منه الرعب، وبدا واضحاً في ملامحه. وهكذا بدأ كلاسيكو النظرات المسكونة بالغضب والخبث بيننا؛ صار هذا الرجل القربة التي أفرغ بها كل مشاكل يومي وعقدي النفسية، فما أن أدخل المبنى حتى أشرع بتسديد النظرات السامة إليه. وفي يوم من الأيام وصلني خبر رائع كان له علاقة بترشيح روايتي إلى جائزة أدبية مهمة؛ ومن شدة سعادتي، ومن دون أي وعي حاضر مني؛ عطفت نحو الجادة المجاورة حيث محل الورد وابتعت ثلاث وردات وعلبة شوكولاته وعدتُ مشياً نحو المبنى، وما أن دخلت حتى وجدت نفسي أتجه نحوه بملامح جادة،
‏أقترب منه ببطء وهو يبتعد بخطوات لا تُلاحظ؛ ثم مددت الورد والعلبة إليه و ابتسمنا معاً في لحظة واحدة، ابتسامة عميقة أشرقت معها أرواحنا.
‏وكانت الجملة الأولى التي نطقها أجمل كلمة "شكراً" سمعتها في حياتي.
‏سألني بصوت طفولي: لماذا؟ قلتُ له: ربما لأنك أقرب صديق لي هنا، فقد نمت صداقتنا دون كلام. ودون أن أنتبه؛ اكتشفت أنك كنت ملاذاً لي في كل لحظات إخفاقاتي، فهذا الغضب الذي كان يتملك ملامحي ما هو إلا فعل شكوى يومية كنتُ أسكبها عليك دونَ أن أشعر.
‏قال لي والبراءة تطفح من سيمائه: "هذا هو وجهي، لا أعرف طريقة لوصل ملامحي بمشاعري، لكني كنتُ أفرح عندما تلجين المبنى، ثم فجأة كرهتيني؛ بحثتُ عن السبب طويلاً ولكني لم أعثر عليه، وكنتُ أصلي كي تكوني سعيدة".
‏هكذا نحن كائنات ليس لديها القدرة على رؤية نفسها من الخارج، لذلك كانَ التواضع في رأيي وفي كل أشكاله هو أسمى الفضائل، لأنه يصلك بالآخرين كي تتعرف من خلالهم على نفسك التي تظن أنك تعرفها.
‏أصبح "جون" رجل الأمن المحبوب في المبنى، فقد بدأ يتدرب على الابتسامة، حتى تمكنت منه. وهو أيضاً دربني على التوقف عن وضع سيناريوهات كاملة في رأسي والتصرف على أثرها. فكنتُ كلما انزلقتُ في مثل هذه الأفكار ألجأ إلى التأليف.
‏وهكذا كنتُ أنا "كاتبة" وجون "رجل أمن" يحمي بيتها في الطابق ال٣٨ من أشباح الوهم المجيدة .

#شهد_الراوي

BY مكتبتي📚✍🏻🕯


Share with your friend now:
tgoop.com/books_110/1569

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Public channels are public to the internet, regardless of whether or not they are subscribed. A public channel is displayed in search results and has a short address (link). In the “Bear Market Screaming Therapy Group” on Telegram, members are only allowed to post voice notes of themselves screaming. Anything else will result in an instant ban from the group, which currently has about 75 members. More>> How to build a private or public channel on Telegram? Add the logo from your device. Adjust the visible area of your image. Congratulations! Now your Telegram channel has a face Click “Save”.!
from us


Telegram مكتبتي📚✍🏻🕯
FROM American