tgoop.com/ansarmagazine/3684
Last Update:
إن القوة الخارقة التي تتخطى قدرات البشر تُخرج صاحبها عن خاصية وموضوعية القدوة الشريفة التي هي من صميم عمل النبي الكريم ﷺ، وإن وردت أحاديث في بيان قدرته ﷺ على مصارعة الأبطال -كحديث ركانة- وهو معلول بالإرسال عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ بِالْبَطْحَاءِ فَأَتَى عَلَيْهِ رُكَانَةَ وَمَعَهُ أَعْنُزٍ لَهُ، فَقَالَ: لَهُ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ لَكَ أَنْ تُصَارِعَنِي؟ قَالَ: «مَا تَسْبِقُنِي» قَالَ: شَاةٌ مِنْ غَنَمِي، فَصَارَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَصَرَعَهُ فَأَخَذَ شَاةً، فَقَامَ رُكَانَةُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي الْعَوْدَةِ؟ فَصَارَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَصَرَعَهُ، فَقَالَ: لَهُ مِثْلَهَا، فَصَارَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَصَرَعَهُ، ذَكَرَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا وَضَعَ جَنْبِي أَحَدٌ إِلَى الْأَرْضِ، وَمَا أَنْتَ الَّذِي صَرَعَنِي، فَأَسْلَمَ وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرَدَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ».
لكن هذا وإن كان تأييداً ربانياً لم يكن خارجاً عن إطار الطاقة البشري في مجال القوة الجسدية الذي قد يتفق لأحاد الناس مثله أو أكثر! وأكثر الصحابة -رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ- آمنوا على ضعف في الحال، وتحملوا الاستضعاف ممنوعين من رد العدوان في أول الأمر، فلم يكن الدافع هو خروج النبي ﷺ كصاحب قوة خارقة فاتبعوه لذلك! بل كان الإيمان بالوحي والعمل به هو السر المكنون في إيمانهم وعظمة إنجازاتهم، فما حققوه في ربع قرن عجزت عنه سائر الأمم بل حتى أتباع كل الأنبياء -عَلَيْهِم السَّلَام-!
ومن هذا كان الاعتراض -المعروف- على العنوان الذي وضعه الأستاذ العقاد لكتابه الرائع «عبقرية محمد» فإن عظمة الرسول ﷺ ليس في كونه عبقرياً، وكذلك لا يختصر وصف الرسول ﷺ في الذكاء الاجتماعي كزوج متوافق لم تعترض على معيشته أيٍ من زوجاته -رَضِي الله عَنْهُن- ولا كقائد عسكري منتصر في أغلب ما خاض من غزوات، ولا حتى زعيماً، بل إن عظمته ﷺ في «الوحي الشريف» كما دل عليه القرآن الكريم: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ﴾.
الاستقامة سر النجاح
وكما كان الوحي الشريف خاصية للنبي ﷺ فإن اتباع الوحي هو مزية أتباعه على مر التاريخ وأبوبكر الصديق -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كأول خليفة له ﷺ لم يكن في إهاب المصارعين الأبطال، ولكنه صاحب قلب امتلأ إيماناً وإرادة قوية في الحفاظ على الدين والحرص على تطبيقه، يروى عن النبي ﷺ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ»(). شهد مع النبي ﷺ المشاهد كلها، ولم يفارقه في جاهلية، ولا في الإسلام، وهو أول الرجال إسلامًا، كان أبيض نحيفًا خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة [وفي رواية: والوجنة] عاري الأشاجع() أجنأ() لا يستمسك، إزاره يسترخي عن حقويه()، له ولأبويه وولده وولد ولده صحبة، ولم يجتمع هذا لأحد من الصحابة() رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ.
فها نحن نرى رجل من ناحية البنية الجسدية لا يختلف عن عموم الناس، ولا شك أن فيهم من هو أقوى منه، لكن لما تُراجع مواقفه تجد أن له جوانب قوة لم تتوفر لأحد بعد رسول الله ﷺ إلا لأبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ومن الصحابة أيضا عمرو بن الجموح (ت 3ه) كان أعرجًا، ورغم ذلك أصر على الجهاد في غزوة أحد واستشهد فيها -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
ومن أبرز الصابرين على البلاء مع الشيخوخة
أحمد بن حنبل (164- 241ه) رغم معاناته السجن والتعذيب أثناء محنة القول بخلق القرآن، إلا أنه لم يساوم على مبدأه، وظل صامدًا في مواجهة ظلم السلطة، ولم تمنعه أوجاعه من أن يصبح أحد أعظم الأئمة في الإسلام! بل قال علي بن المديني: إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث، أبو بكر الصديق يوم الردة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة.
ولك أن تقول أن أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ- لم يتوفر له من الأعوان في المحنة ما توفر لسيدنا أبي بكر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- في مواجهة الردة.
ومن القادة المسلمين:
القائد الأفغاني السلطان محمود بن سُبُكْتِكِيْن الغزنوي (361-421ه) الذي أسس إمبراطورية قوية وقاد حملات ناجحة في الهند، خاض ما يقرب من سبع عشرة معركة ضد الهنود في الفترة من 1001م إلى 1027م، وأمضى أغلب حياته في الجهاد والغزو، وبالأخص غزواته إلى الهند التي أنهكته جدًا، «أصيب بمرض عاناه مدة سنتين، لم يضطجع فيهما على فراش بل كان يتكئ جالساً، حتى مات وهو كذلك».
ومن قبله «محمد بن القاسم الثقَفي الذي حاز من الهند ما لم يَحُزْه قبله فاتح ولم يَزِدْ عمره يومئذ عن سبع عشرة سنة، وهي سنّ تلميذ في الصف الثاني الثانوي!».
وللمقال بقية.
BY مجلة أنصار النبي ﷺ
Share with your friend now:
tgoop.com/ansarmagazine/3684