Telegram Web
نصوص المذاهب الأربعة في طلب الشفاعة من النبي -صلى الله عليه وسلم- عند زيارته وغيرها:

١- أقوال السادة الشافعية:

26- قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في " الأذكار " و " المناسك " و "المجموع شرح المهذب " في بحث الزيارة النبوية:
{ فإذا صلى تحية المسجد أتى القبر الكريم فاستقبله واستدبر القبلة على نحو أربع أذرع من جدار القبر ، وسلّم مقتصدا لا يرفع صوته ، فيقول : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين ، السلام عليك وعلى آلك وأصحابك وأهل بيتك وعلى النبيين وسائر الصالحين ; أشهد أنك بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة ، ونصحت الأمة ، فجزاك الله عنا أفضل ما جزى رسولا عن أمته......
..ثم يرجع إلى قبالة وجه النبي -- ويتوجه به في حق نفسه ويستشفع به -- إلى ربه سبحانه وتعالى . ويدعو لنفسه ولوالديه وأصحابه وأحبابه ومن أحسن إليه وسائر المسلمين ، وأن يجتهد في إكثار الدعاء ، ويغتنم هذا الموقف الشريف ويحمد الله تعالى ويسبّحه ويكبّره ويهلّله ، ويصلّي على رسول الله -- ويكثر من كل ذلك }.

27- وقد ذكر الاستشفاع برسول الله -- أيضًا الإمام الماوردي في الحاوي الكبير (4/544) .

28- وقال العلامة المجتهد شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني في جواب سؤال رُفع إليه فيمن قال في مدح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

فاشْفعْ لقائلها يا من شفاعتُه *** تفكّ مَن هو مكبوت ومكبول
فاعترض معترض بأن السؤال للنبي -- لم يَرِد .
فقال البلقيني رحمه الله تعالى في الجواب :
{ الله الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، نعوذ بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن. لقد ارتكب هذا المعترض قبائح أتى بها على أنها نصائح ، فجاءت عليه فضائح .لقد أخطأ وما أصاب ، وكثر به وبأمثاله المُصاب ......
...ولقد جهل جهلاً قبيحاً بقوله ، فأما سؤال النبي -- نفسه ، فكيف لا نسأله وهو وسيلتنا ووسيلة أبينا آدم من قبلنا إلى ربنا..}. إلى آخر كلامه رحمه الله .

29- وقال الإمام المجتهد شيخ الإسلام تقي الدين السبكي كما ذكره في "شفاء السقام" ونقله المناوي وغيره في " شرح الجامع الصغير " ما نصه :
{ ويحسُن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي -- إلى ربه ، ولم يُنكر أحدٌ من السلف}اهـ

30- و قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "فتح الوهاب شرح منهج الطلاب" في باب الزيارة:
{.. وصلى تحية المسجد بجانب المنبر وشكر الله تعالى بعد فراغها على هذه النعمة، ثم وقف مستدبر القبلة مستقبل رأس القبر الشريف ويبعد منه نحو أربعة أذرع ناظرا لأسفل ما يستقبله، فارغ القلب من علق الدنيا، ويسلّم بلا رفع صوت وأقلّه: السلام عليك يا رسول الله -- , ثم يتأخر صوب يمينه قدر ذراع فيسلّم على أبي بكر ثم يتأخر قدر ذراع فيسلّم على عمر رضي الله عنهما، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه النبي -- ويتوسل به في حق نفسه , ويستشفع به إلى ربه , ثم يستقبل القبلة ويدعو بما شاء لنفسه وللمسلمين } اهـ .

31- وقال الإمام القسطلاني رحمه الله تعالى شارح البخاري في كتابه " المواهب اللدنّية " :
{ ويجوز الاستغاثة والتشفع والتوسل به -- ، فجدير لمن استشفع به أن يشفّعه الله ، فلا فرق بين أن يعبّر بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو التشفع أو التوجه ، فكلٌّ من هذه الأشياء واقعة منه -- كما ذكره في " تحقيق النصرة " ، و " مصباح الظلام " قبل خلقه وبعده ، في حياته وبعد مماته في مدة البرزخ ، وبعد البعث ، و في عرصات يوم القيامة.} اهـ. ثم ذكر بعض الأدلة على ذلك.

- وقال أيضا في هذا الكتاب في بحث معجزاته -- :
{ وأما القسم الثاني وهو ما وقع بعد وفاته -- ، فكثير جداً إذ في كل حين يقع لخواصّ أمته من خوارق العادات بسببه- مما يدل على تعظيم قَدْره الشريف- ما لا يُحصى من الاستغاثة به ، وغير ذلك مما يأتي في المقصد الأخير في أثناء الكلام على زيارة قبره الشريف المنير صلى الله عليه وعلى آله وسلم}. انتهى.
رفعُ الأعمالِ للهِ ربِّ العالمينَ.
{ مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِیعًاۚ (إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ یَرۡفَعُهُۥۚ) وَٱلَّذِینَ یَمۡكُرُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدࣱۖ وَمَكۡرُ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُوَ یَبُورُ }
[سُورَةُ فَاطِرٍ: ١٠].
عن أسامةَ بنِ زَيْدٍ -رضيَ اللهُ عَنهُما قالَ قُلتُ:
يا رسولَ اللهِ لم أرَكَ تَصومُ مِن شهرٍ من الشُّهورِ ما تَصومُ مِن شعبانَ قال ذاكَ شَهرٌ يَغفَلُ النَّاسُ عنهُ بين رجبٍ ورمضانَ وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ وأُحِبُّ أنْ يُرفعَ عَمَلي وأنا صائمٌ
أخرجه النَّسائيُّ (2357) باختلاف يسير، وأحمدُ (21753) مُطوَّلاً.
لقد كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم يَرقُبونَ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في عِباداتِه ومُعاملاتِه وفي كلِّ حَياتِه، ومِن ذلك مُراقبتُهُم له في صِيامِه؛ الْفَرْضِ منه والتَّطوُّعِ؛ لِيَتعلَّموا منه.
وقد ورَد في صِيامِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِشعبانَ ما رُوِيَ في الصَّحيحَيْن مِن حَديثِ عائشَةَ رَضِي اللهُ عنها:
فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَامًا منه في شَعبانَ.
رواه البخاريُّ
(1969)،
ومسلمٌ (1156).
فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- لأُسامةَ مُبيِّنًا له سَببَ صِيامِهِ: "ذلك شَهرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بَين رجبٍ ورَمضانَ"، أي: يَسْهو النَّاسُ عنه لِإكثارِهِمُ العِبادةَ في هَذَينِ الشَّهرينِ، "وهوَ شَهرٌ تُرفَعُ فيه الأعمالُ"، أيْ: أَعمالُ بَني آدمَ مِنَ الخيرِ والشَّرِّ والطَّاعةِ والمَعصيةِ
"إلى رَبِّ العالمينَ"؛ فلِذلك يَنبغي أن تكونَ الأعمالُ فيه صالِحةً، "فأُحِبُّ أن يُرفَعَ عَملي وأنا صائمٌ"؛ أي: لِأنَّ مِن أفضلِ الأعمالِ عِندَ اللهِ مِن عِبادِه الصَّومَ، أو أنَّ الأعمالَ الصالحَةَ إذا صاحَبَها الصَّومُ رَفَعَ مِن قَدرِها، وأثبَتَ خُلوصَها للهِ -عزَّ وجلَّ-.
قيل: إنَّ المُرادَ بِالأعمالِ الَّتي تُرفَعُ إليه في شَهرِ شَعبانَ هيَ أعمالُ السَّنةِ، وقد جاءَ في الصَّحيحَيْن مِن حَديثِ أبي موسى الأشعَريِّ -رَضِي اللهُ عنه- أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ "يُرفَعُ إليه عَملُ اللَّيلِ قبلَ عَملِ النَّهارِ، وعَملُ النَّهارِ قبلَ عَملِ اللَّيلِ"
أخرجه مسلمٌ (179)، وابنُ ماجَه (195)، وأحمدُ (19632) باختلافٍ يسيرٍ، وابنُ خزيمةَ في ((التَّوحيد)) (1/177) واللفظُ لهُ.
وأنَّ أعمالَ الأُسبوعِ تُعرَضُ يومَ الإثنَيْن ويومَ الخميسِ، كما ورد في حديثِ أبي هُريْرةَ-رَضِي اللهُ عنه-
أخرجه التِّرمذيُّ (747) واللفظُ لهُ، وابنُ ماجَه (1740)، وأحمدُ (8343) بنحوه.
وقيل: هذا يَحتمِلُ عَرْضَها في السَّنةِ جُملةً، ويَحتمِلُ عَرْضَها في الأيَّامِ أوِ الأُسبوعِ تَفصيلًا أوِ العَكسَ؛ فكأنَّ الأعمالَ تُعرَضُ عرضًا بَعد عَرْضٍ، ولِكلِّ عَرْضٍ حِكمةٌ يُطْلِعُ اللهُ تَعالَى عليها مَن يَشاءُ مِن خَلقِه، أو يَستأثِرُ بِها عندَه مع أنَّه تعالى لا يَخفى عليهِ مِن أعمالِهِم خافيةٌ.
وفي الحَديثِ: أنَّ شَهرَ شَعبانَ مِنَ الأَشهُرِ المُرغَّبِ فيها بالصَّومِ.
رَفعٌ تفصيليٌّ يَوْمَيْ الإثنينِ والخميسِ:
عن أبي هريرة رضيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللهُ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«تُعرَض الأعمالُ يومَ الإثنينِ والخميسِ؛ فأُحِبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائمٌ»
أخرجه الترمذي (747) واللفظ له، وابن ماجه (1740)، وأحمد (8343) بنحوه .
كما قال العلامة الهروي في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1422): [قول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تُعرَضُ الأعمالُ» أي على الملكِ المُتعالِ، «يومَ الإثنينِ والخميسِ» «فأُحِبُّ أن يُعرَض عملي وأنا صائمٌ» أي طلباً لزيادة رفعة الدرجة، قال ابنُ حجر: ولا ينافي هذا رفعُها في شعبانَ كما قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«إنه شَهْرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ، وأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ»؛ لجواز رفع أعمالِ الأسبوع مُفصَّلةً، وأعمالِ العامِ مُجمَلةً.
قال في تحفة الأحوَذي: قال ابن الملك: وهذا لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام:
(يُرفعُ إليه عملُ اللَّيلِ قبل عملِ النَّهارِ ، وعملُ النَّهارِ قبلَ عملِ اللَّيلِ) ،
أخرجه مسلم (179) ،
للفرقِ بين الرَّفعِ والعرضِ، لأنَّ الأعمال تُجمعُ في الأسبوع وتُعرَضُ في هذين اليَوميْن.
قال ابن حجر: ولا ينافي هذا رفعُها في شعبانَ، فقال: إنَّه شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ، وأحبُّ أن يُرفّعَ عملي وأنا صائمٌ). لجواز رفع أعمال الأسبوعِ مُفصّّلةً، وأعمالُ العامِ مُجملَةً.
انتهى محلُّ الغرضِ منه.
وسُئل الجنيد عن قوله عزّ وجلّ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا ، فقال : نادى موسى عليه السلام لأنّه كان وراء الحجاب، وناجى محمدا لأنه خرق الحجب، ومن كان وراء الحجاب نودي، ومن جاوز الحجاب نوجي
يقول الشيخ ابن تيمية :

(( وَأَيْضًا فَقَدْ يَنْصُرُ الْمُتَكَلِّمُونَ أَقْوَالَ السَّلَفِ تَارَةً وَأَقْوَالَ الْمُتَكَلِّمِينَ تَارَةً كَمَا يَفْعَلُهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلُ أَبِي الْمَعَالِي الجُوَيْنِي وَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ وَالرَّازِي وَغَيْرِهِمْ. وَلَازِمُ الْمَذْهَبِ الَّذِي يَنْصُرُونَهُ تَارَةً أَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. فَلَا يَثْبُتُونَ عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَتَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الشُّكُوكُ. وَهَذَا عَادَةُ اللَّهِ فِيمَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَتَارَةً يَجْعَلُونَ إخْوَانَهُمْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَحْذَقَ وَأَعْلَمَ مِنْ السَّلَفِ وَيَقُولُونَ: " طَرِيقَةُ السَّلَفِ أَسْلَمُ وَطَرِيقَةُ هَؤُلَاءِ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ " فَيَصِفُونَ إخْوَانَهُمْ بِالْفَضِيلَةِ فِي الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْعِرْفَانِ وَالسَّلَفَ بِالنَّقْصِ فِي ذَلِكَ وَالتَّقْصِيرِ فِيهِ أَوْ الْخَطَأِ وَالْجَهْلِ. ))

يستفاد من هذا الكلام ما يلي :

- الشيخ بدأ بتقرير أن هناك تناقض بين منهج المتكلمين ومنهج السلف .

- الشيخ يتهم علماء الأشاعرة كالغزالي والجويني بأنهم طعنوا بالسلف ووصفوهم بالجهل .

- الشيخ اتهم الأشاعرة بأنهم وقعوا بالشك في الاعتقاد .

غفر الله للشيخ فالكلام كله غير صحيح وهو مبني على تصور باطل لكلام العلماء الكبار كالجويني والغزالي ، فالشيخ ابن تيمية بدأ الكلام بمصادرة على المطلوب حيث ادعى أن الأشاعرة أحيانا نصروا منهج السلف وأحيانا نصروا منهج المتكلمين مما يعني أن هناك تناقض بين المنهجين ، وهذا لا يسلمه علماء الأشاعرة هؤلاء بل هم يرون أن دخولهم في القضايا الكلامية كان للضرورة لأن واقعهم اختلف عن واقع السلف .

وهؤلاء العلماء تحديداً من أكثر الأئمة الذين بينوا أنه لا تناقض بينهم وبين أئمة السلف في المذهب العقدي وكل ما فعلوه هو تفصيل المجمل ودعم كلام السلف بأدلة عقلية والمقصود بالسلف هنا الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ، وهؤلاء لم يجدوا ما يحوجهم للتفصيل الكلامي على طريقة المتكلمين الذين جاؤوا فيما بعد ..

فالاختلاف هو في الأسلوب ما بين مجمل ومفصل، وهذا الاختلاف يعود لحاجة الناس فإن لم يكن هناك حاجة للتفصيل يكون السكوت عن الخوض هو الأصل بل يكون الدخول في دقائق الكلام معصية ، أما إن دعت الضرورة خصوصاً عندما يكثر وجود الفرق الضالة يكون التفصيل واجباً وسكوت من يقدر على الكلام عن الكلام والمحاججة ذنباً كبيراً وقد يختلف الأمر حسب المكان لا الزمان ، فالحاجة للتفصيل الكلامي في بلاد ما وراء النهر أشد منها في مكة أو المدينة أو الشام لأسباب كثيرة ..

وهذا ما صرح به الجويني رحمه الله مراراً ، يقول رحمه الله في نهاية المطلب (( لو بقي الناس على ما كانوا عليه في صفوة الإسلام لكنا نقول لا يجب التشاغل بالكلام )) (( وإن استمكن الإنسان من رد الخلق إلى ما كانوا عليه أولاً فهو المطلوب و هيهات فهو أبعد من رجوع اللبن إلى الضرع في مستقر العادة ))

وقد رأينا حجة الإسلام الغزالي يؤيد منهج السلف ويدافع عنه وكثيرا ما تراه يقرر المسألة ثم ينسبها للسلف ، يقول رحمه الله عند حديثه عن صفة الإرادة وما إن كانت الشرور في العالم مرادة لله أم لا ، يقول رحمه الله في الاقتصاد في الاعتقاد :

(( والآن فكما تمهد القول في أصل الإرادة فاعلم انها متعلقة بجميع الحادثات عندنا من حيث أنه ظهر أن كل حادث فمخترع بقدرته، وكل مخترع بالقدرة محتاج إلى ارادة تصرف القدرة إلى المقدور وتخصصها به، فكل مقدور مراد، وكل حادث مقدور، فكل حادث مراد والشر والكفر والمعصية حوادث، فهي إذاً لا محالة مرادة. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فهذا مذهب السلف الصالحين ومعتقد أهل السنة أجمعين وقد قامت عليه البراهين))

فهذه أمثلة قليلة تبين أن منهج هؤلاء الأئمة لا يختلف عن منهج السلف بشكل جوهري .

_

أما العبارة التي يكررها العلماء والتي تقول :
(( مذهب السلف أسلم , ومذهب الخلف أعلم وأحكم )) فقد فهمها الشيخ ابن تيمية على أنها طعن بالسلف واتهام لهم بالجهل ، وهذه عادة الشيخ رحمه الله بالتسرع وسوء الظن بالعلماء وكثيراً ما رأيته يحمل عبارة عالم ما على أقبح معنى ممكن أن تفهم منه ، مع أن العبارة ذاتها تحتمل الكثير من المعاني الحسنة ، وهذه العادة خلاف ما عليه أئمة السلف الذين عرف عنهم الظن الحسن بالناس تمثلاً بحديث النبي عليه الصلاة والسلام ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) ، فالعلماء الذين قالوا هذه العبارة لم يخطر ببالهم أنه سيأتي من يتهمهم بأنهم طعنوا بالسلف فهم أكثر الناس توقيراً للسلف واحتراما لهم ، إنما قالوا هذه العبارة بمعنى أن طريقة الخلف أكثر تفصيلاً من طريقة السلف مما لا يترك مجالاً لأحد بتوجيه سهام الطعن بالكلام ، والسبب في ذلك هو التوضيحات التي يذكرها علماء الخلف ، وبالتالي فطريقة الخلف أكثر إحكاماً وهذا ما صرح به الكثير من الأئمة الذين قالوا
هذه العبارة ، كالعلامة الكمال بن أبي شريف الذي يقول :

(( وأما طريقة الخلف فهي أحكم بمعنى أكثر إحكاما أي إتقانا لما فيها من إزالة الشبه عن الأفهام، وبعضٌ عبَّر بأعلم بدل أحكم بمعنى أن معها زيادة علم لبيان المعنى التفصيلي ))

فانظر للفرق بين هذا الكلام وبين ما فهمه ابن تيمية رحمه الله من أن الأشاعرة اتهموا علماء السلف بالجهل والتقصير ، ولو أن الأشاعرة اتهموا السلف بذلك لرأينا ذلك صريحاً في كلامهم وأنت خبير بأن الجويني رحمه الله كان إماماً جسوراً على الانتقاد فقد خالف الشافعي في مسائل بالفقه والأصول وصرح بذلك في كتابة البرهان وفي نهاية المطلب ، فإن وجد الإمام الجويني شيئاً في كلام السلف فيما يخص الاعتقاد يدل على جهل أو قلة علم لصرح بذلك فمن كلن مثله لم يتهيب من النقد والرد على المخالف .

إضافة لذلك في حال سلمنا جدلاً أن المراد من هذه العبارة أن الخلف أفضل من السلف فيما يخص بعض المسائل الاعتقادية فهذا لا يوجد فيه قدح بأفضلية السلف كما صور الشيخ ابن تيمية أن في ذلك قدح بأفضلية السلف وبالتالي قدح بحديث النبي عليه الصلاة والسلام وصور ذلك على أنه شعبة من شعب الرفض حيث قال ( وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا شُعْبَةٌ مِنْ الرَّفْضِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَكْفِيرًا لِلسَّلَفِ وَلَا تَفْسِيقًا لَهُمْ انَ تَجْهِيلًا لَهُمْ وَتَخْطِئَةً وَتَضْلِيلًا وَنِسْبَةً لَهُمْ إلَى الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِسْقًا فَزَعْمًا: أَنَّ أَهْلَ الْقُرُونِ المفضولة فِي الشَّرِيعَةِ أَعْلَمُ وَأَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ الْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ لِمَنْ تَدَبَّرَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ: أَنَّ خَيْرَ قُرُونِ هَذِهِ الْأُمَّةِ - فِي الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ فَضِيلَةٍ أَنَّ خَيْرَهَا -: الْقَرْنُ الْأَوَّلُ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْخَلَفِ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ: مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَإِيمَانٍ وَعَقْلٍ وَدِينٍ وَبَيَانٍ وَعِبَادَةٍ وَأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْبَيَانِ لِكُلِّ مُشْكِلٍ. هَذَا لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مَنْ كَابَرَ الْمَعْلُومَ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ )) وهذه على عادته بالتهويل على المخالف ..

والسبب في ذلك هو أن هناك فرق كبير بين الأفضلية المطلقة وبين الامتياز فقد يمتاز الخلف على السلف في بعض الأمور مع كون السلف أفضل في الجملة ، كما بين الإمام القرافي في الفروق يقول رحمه الله :

( وَقَدْ يَخْتَصُّ الْمَفْضُولُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ الْفَاضِلَةِ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي التَّفْضِيلِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ وَأَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَأَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وَأَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَعَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَفْضَلُ الْجَمِيعِ وَكَاخْتِصَاصِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْمُلْكِ الْعَظِيمِ وَنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -بِإِنْذَارِ الْمِئِينَ مِنْ السِّنِينَ وَآدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِهِ أَبَا الْبَشَرِ مَعَ تَفْضِيلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجَمِيعِ فَلَوْلَا هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ تَجْوِيزُ اخْتِصَاصِ الْمَفْضُولِ بِمَا لَيْسَ لِلْفَاضِلِ لَلَزِمَ التَّنَاقُضُ))

فإذا فهمت ذلك علمت أنه لو قلنا أن علماء الخلف أعلم من علماء السلف ببعض القضايا العقدية والأمور العلمية الدقيقة فلا يلزم من ذلك طعن بالسلف وانتقاص منهم ولا يلزم من ذلك أن علماء الخلف أعلم بأصل الاعتقاد وبالتالي لا يوجد في ذلك أي مخالفة لحديث النبي عليه الصلاة والسلام ولا لما هو معلوم من الدين بالضرورة ..

وكثيراً ما سمعت من شيوخ المتسلفة أن الشيخ ابن تيمية أعلم من أئمة السلف كالطحاوي وأبو الحسن الأشعري بالاعتقاد بل منهم من ادعى أن الشيخ أعلم من الأئمة الأربعة بالفقه فهؤلاء خالفوا حديث النبي ووقعوا بما هو مناقض للإجماع بناء على كلام الشيخ ابن تيمية!!

أما اتهامه للعلماء بأنهم وقعوا بالشك في الاعتقاد ولم يثبتوا على دين فليته لم يقل ذلك فهذا تكفير لهم كما لا يخفى على أحد وهذه هي نتيجة تجرؤ هذا الرجل وخروجه عن اتزانه كما عُرِف عنه سامحه الله.
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
رفعُ الأعمالِ للهِ ربِّ العالمينَ. { مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِیعًاۚ (إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ یَرۡفَعُهُۥۚ) وَٱلَّذِینَ یَمۡكُرُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدࣱۖ وَمَكۡرُ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ…
أنواعُ رفعِ الأعمالِ:
ورفعُ الأعمال الى الله تكون على ثلاثةِ أنواعٍ:
الأولُ: رفعٌ للأعمال كلَّ يومٍ: كما جاء في الحديث عن أبي هريرةَ -رضيَ اللهُ عنه- قال: قال رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يتعاقبون فيكم ملائكةٌ باللَّيلِ وملائكةٌ بالنَّهارِ ويجتمعون في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجرِ ، ثمَّ يعرُجُ الَّذين باتوا فيكم فيسألُهم وهو أعلمُ بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون تركناهم وهم يُصلُّون وأتيناهم وهم يُصلُّون) . أخرجه
البخاري (7486) واللفظ له، ومسلم (632)
الثاني: رفعٌ للأعمال كلَّ أسبوعٍ: فقد روى أبو هريرةَِ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-
عن رسولِ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(تُعرَضُ الأعمالُ على اللهِ يومَ الاثنينِ والخميسِ ، فأُحِبُّ أنْ يُعرضَ عملي وأنا صائمٌ)،أخرجه الترمذي (747) باختلاف يسير، وابن ماجه (1740)، وأحمد (8343) بنحوه،
وهذا الحديث يُبيِّن لنا أنّّ أعمال بني آدم من الخير والشَّرِّ والطَّاعة والمعصية، تُعرض عرضًاً أسبوعيًّاً، والنبيُّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يودُّ ويرغب أن يُرفَع عملُه وهو على طاعة، فسنَّ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
صيامّ الاثنين والخميس).
الثالث: رفعٌ للأعمال كل عامٍ: في شهر شعبانّ من كلِّ عامٍ؛ كما جاء في الحديث:
(… شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ وأُحِبُّ أنْ يُرفعَ عَمَلي وأنا صائمٌ)
أخرجه النَّسائيُّ (2357) باختلاف يسير، وأحمدُ (21753) مُطوَّلاً.
فشهرُ شعبانَ هو الموسمُ الخِتاميُّ لرفع الأعمال إلى الله، ثمشَ تبدأ صفحةً جديدةً مع الله عزَّ وجلّّ في رمضانَ.
وجاء عن أبي موسى الأشعري-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال: (يُرفع إليهِ عملُ اللَّيلِ قبل عمل النَّهار، وعمل النَّهار قبلَ عملِ اللّّيلِ)
أخرجه مسلم (179) ، فيُحتَملُ أنه تُعرض عليه تعالى أعمالُ العبادِ كلَّ يومٍ، ثمَّ تُعرَضُ أعمالُ الجمعةِ في يومِ الاثنينِ والخميسِ، ثمَّ أعمالُ السَّنةِ في شعبانَ، كما في رواية النّّسائي، ولكلِّ عرضٍ حِكمةٌ.
أنْ تختمَ السنةَ الإيمانيّّةّ والموسمّ الخِتاميّّ للأعمالِ بالصيامِ، وتبدأّ السنةَ الجديدةَ في رمضانّ بالصيامِ، واللهُ -سبحانه- لا يردُّ أعمالَك بينَ صيامِ النِّهايةِ والبِدايةِ.
لكلٍّ منَّا صحائفٌ تُسجَّلُ فيها الأعمالُ وهي تُرفَعُ في كلِّ عامٍ في شهرِ شعبانَ .
كما أنَّ هناكَ رفعاً أسبوعيَّاً ويوميَّاً ( كما سيأتي).
والسُّؤالُ الذي يُطرحُ الآنَ : كيفَ تحبُّ أن يُرفعَ عملُك؟!
والجوابُ في حديث أسامةَ بنِ زيدٍ
-رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-عندما قالَ:يا رسولَ اللَّهِ ! لم أركَ تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ ؟ ! قالَ : ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ.

أخرجه النسائي (2357) باختلاف يسير، وأحمد (21753) مطولاً.
فقد بين نبينُّا -ﷺ- أنَّه يحبُّ أن يكونَ صائمًاً عندما يُرفَعُ عملُه .
والنَّاس - غالباً- يغفُلون عن شهرِ شعبانَ إلا مَن رحمَ اللهُ.
وذلكَ أنَّ اجتهادَهم يكونُ في شهر رجبٍ المشهورِ بينهم عُرفًا وفي رمضانَ المشهورِ شرعاً وهذا جعلَهم يغفُلون عن الطَّاعةِ في شعبانَ كما مرَّ في الحديثِ الشَّريفِ .
وينبغي أنْ تعلمَ أنَّ
رفعَ الأعمالِ لا يقتصرُ على شهرِ شعبانَ؛ وإنَّما هناكَ أربعُ صُورٍ لرفعِ الأعمالِ:
وهي الرَّفعُ اليوميُّ والأسبوعيُّ والسنويُّ والخِتاميُّ، وقد بيَّنها
ابنُ القَيِّمِ -رحمه الله- فقالَ: فإنَّ عملَ العامِ يُرفَعُ في شعبانَ كما أخبرَ به الصادقُ المَصدوقُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّهُ تُرفعُ فيه الأعمالُ فأحبُّ أن يرفعَ عملي وأنا صائمٌ، ويُعرضُ عملُ الأسبوعِ يومَ الإثنينِ والخميسِ، وعملُ اليومِ يُرفعُ في آخرِه قبلَ اللَّيلِ، وعملُ اللَّيلِ في آخرِه قبلَ النَّهارِ، فهذا الرَّفعُ في اليومِ واللَّيلةِ أخصُّ من الرَّفعِ العامِ، وإذا انقضى الأجلُ رُفِعَ عملُ العُمرِ كلِّه، وطُويَتْ صحيفةُ العملِ."
وقد سُئلَ النبيُّ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عن سببِ صومِه يَوْميِ الإثنينِ والخميسِ فقالَ : ذانِكَ يومانِ تُعرَضُ فيهما الأَعمالُ على ربِّ العالمينَ ، فأحبُّ أن يُعرَضَ عمَلي وأَنا صائمٌ. [صحيح النَّسائي ].
فاجتهادُ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لم يقتصرْ على صومُ شعبانَ وحسب ؛ بل كانَ يصومُ الإثنين والخميس .
وكذلك كان يُرغّبُ بأذكارِ الصَّباح والمساءِ ويحثُّ على صلاتَيْ العصرِ والفجرِ حيثُ تجتمعُ الملائكةُ قبل الصُّعودِ بأعمالِ العبادِ.
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
رفعُ الأعمالِ للهِ ربِّ العالمينَ. { مَن كَانَ یُرِیدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِیعًاۚ (إِلَیۡهِ یَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّیِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ یَرۡفَعُهُۥۚ) وَٱلَّذِینَ یَمۡكُرُونَ ٱلسَّیِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدࣱۖ وَمَكۡرُ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ…
عن أبي هريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-أنَّ رسولَ اللهِ
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: (يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ).
أخرجه البخاري (7486) واللفظ له، ومسلم (632) .
قال الإمام ابن الجزري عن قبر الإمام الشاطبي رضي الله عنهما:

وقبره مشهور معروف يقصد للزيارة، وقد زرته مرات، وعرض علي بعض أصحابي الشاطبية عند قبره، ورأيت بركة الدعاء عند قبره بالإجابة رحمه الله ورضي عنه

غاية النهاية في طبقات القراء (2/ 23)
إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه.

إنّ الأعمال لا تُقْبَل عند الله إلا أنْ تُوافِق الشريعة، وموافقةُ الشَّرع وعدم مُوافَقَته لا يُعرف إلا بالعلم، والعِلمُ لا يُؤخَذُ إلا مِن أفواه العلماء، ولا تكفي مطالعة الكتب بغير تَلَقٍّ مِن أفواه العلماء، بل كثيرٌ من الناس الذين يَضِلُّون سَبَبُه أنهم لا يَتَلَقُّون عِلمَ الدين من أفواه العلماء بل يعتمدون على المطالعة في مُؤلَّفات العلماء، فكيف الذي يطالع في الكتب التي حُشِيَتْ بالأحاديث المكذوبة والأخبار المعلولة والغُلُوّ المذموم والكَذِب على الدين والتجسيم والتشبيه أي تشبيه الله بخلقه والعياذ بالله تعالى.

فقد قال الحافظ الكبير الخطيب البغدادي نقلاً عن بعض المحدِّثين:

(مَن طالَع الكُتُبَ لنفسهِ بدونِ مُعَلِّمٍ يُسمَّى صُحُفِيًّا ولا يُسمى مُحَدِّثَا ومَن قَرأ القُرءآن لِنَفْسه بِدُون مُعَلِّمٍ يُسَمَّى مُصْحَفِيًّا ولا يسمى قارئًا).

و قال الشافعيّ رضي الله عنه:

مَنْ تَفَقّهَ مِن بُطُون الكتُب ضَيّعَ الأحكام.

وكانَ بعضُهم يقول:

مِنْ أَعظَم البَلِيّةِ تَشَيُّخ الصّحَفِيّة ، أي الذينَ تَعلّموا مِن الصُّحُف.

87 مِن تَذكِرة السّامِع والمتكلّم في أدب العَالم والمتعلّم للقَاضِي إبراهيم بن جَماعة المُتوفّى سنة 733 هجرية.

فقد قال أهل العلم:

لا تحسبن بجمع الكتب مثلنا تصير *** فالدجاجة لها ريش لكنها لا تطير

العلم لا يؤخذ من كتاب أو دليل *** انتبه حتى لا تصبح له أسير

خذ العلم من متعلم جليل *** فلن تفيدك الكتب ولو قليل

و إن كان المعنى به كثير *** فالدجاجة لها ريش لكنها لا تطير

إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه.

وكان أبو حيّان الأندلسيّ النَّحْوي كثِيرًا ما ينشد:

يَظُنُّ الغَمْرُ أنَّ الكُتْبَ تَهْـدِي*** أَخـَا فَـهْمٍ لِإدْراكِ العُلُـــومِ

وَمـا يَدْرِي الجَـهُولُ بِأنَّ فِيـها *** غَوامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الفَهِيمِ

إِذا رُمْتَ العُلُومَ بِغَيْرِ شَيْــخٍ *** ضَلَلْتَ عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ

وتَلْتَبِسُ الأمورُ عَلَيْكَ حَتَّـى *** تَصِيرَ أَضَلَّ مِن تُومَا الحَــكِيمِ


* الغُمْر: الجاهل الذي لم يُجَرِّب الأُمور.

* رُمْتَ: طَلَبْتَ.
وتوما هذا كان طبيبا، ولكن تَطَــبُّبُه مِن الكُتُب، وقد وَقَع التَّصحيف في بَعض الكتُب التي عِندَه، فكان يَقْرَأ: (الحيَّةُ السَّوداء شِفاءٌ مِن كُلّ داءٍ). تَصَحَّفَتْ كَلِمَة (حَبّة) إلى (حَيّة) فمَاتَ بِسَبَب تَطَبـُّبِه خَلْقٌ كَثِير.

فلا تكون المعرفة بمطالعة الكتب بل باختيار عارف ثقة أخذ العلم عَمَّن قبله بالسند المتصل فنـتلقى منه العلم الشرعي الصافي الخالي من الأفكار الدسيسة والآراء المنحرفة.

وسبحان الله والحمد لله، والله أعلم.

https://www.tgoop.com/ahlussonna
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
مسألة قول الإمام القرطبي تفسّر على ضوء أشعريته واتباعه للسلف كالطبري وغيره.... ولا يحتاج شرحها من تيمي أو طفلٌ من النابتة لا يفهم العبارة إلا على طريقة الخوارج والمجسمة... وكلام القرطبي رحمه الله نفسه يدل على نفي ما يفهمه المبتدعة حين يحرّفون كلامه ويدّعون…
تحرير مراد الإمام القرطبي في إثبات الجهة
===
هذا سؤال أرسل إلي:
---
أتمنى من فضيلتكم الجواب على كلام القرطبي الذي في تفسيره (7/ 219): (وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الْأَوَّلُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يَقُولُونَ بِنَفْيِ الْجِهَةِ وَلَا يَنْطِقُونَ بِذَلِكَ، بَلْ نَطَقُوا هُمْ وَالْكَافَّةُ بِإِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا نَطَقَ كِتَابُهُ وَأَخْبَرَتْ رُسُلُهُ).
---
الجواب عن ذلك:
الحمد لله العلي الكبير، والصلاة والسلام على البشير النذير، وعلى آله الخِيَـرة، وأصحابه البررة، وبعد:
فمقصود الإمام القرطبي لا يخفى على من سلك سبيل الإنصاف، وترك مهاوي الاعتساف، فإنه قطعاً لا يريد (الجهة الحسية) التي يثبتها المجسمة وينفيها أهل السنة، وإنما يريد إثبات العلو والفوقية بالمعنى اللائق بذي الجلال والإكرام، والدليل القاطع على ذلك ما يلي:
أولاً: قوله في نفس الموضع الذي نقلته أنت أخي السائل (كما نطق كتابه وأخبرت رسله)، ومعلوم قطعا أن (الجهة) لم ترد فيما نطق به الكتاب، ولا فيما أخبر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وإنما ورد في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم إثبات العلو كقوله تعالى في آية الكرسي {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]، وقوله: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62]، وإثبات الفوقية كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وإثبات الاستواء كما في قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54].
وإذا كانت (الجهة الحسية) لم ترد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن الإمام القرطبي يريد بـ (الجهة) العلو، ويكون المعنى أن القرآن أثبت العلو والفوقية، وأن السلف والكافة من بعدهم أثبتوا ما أثبته القرآن والسنة.
ثانياً: إذا ثبتَ أن مقصود الإمام القرطبي بـ (الجهة) هو (العلو والفوقية والاستواء) فإنه يتعين علينا حتى نفهم كلامه أن ننظر في تفسيره لهذه الكلمات، وهذا ما سأورده قريباً.
ثالثاً: لو كان مقصود الإمام القرطبي أن الذي ورد إثباته (1- في كتاب الله و 2- أخبرت به رسل الله و 3- كان السلف ينطقون به و 4- وأثبته كافة العلماء بعدهم) هو (الجهةَ الحسية) فلا يمكن أن يقرر الإمام القرطبي نفي الجهة فإنه يكون -وباعترافه هو- قد خالف الكتاب والسنة والسلف والخلف، وهو قد قرر بالفعل نفي الجهة الحسية.
وبهذه الأمور الثلاثة يتبين قطعاً أن الإمام القرطبي المالكي الأشعري لا يريد إلا إثبات العلو والفوقية والاستواء بالمعاني التنزيهية اللائقة بالله تعالى، ويوضح ذلك أقواله التالية:
1- قوله قبل الموضع الذي نقلته أخي السائل (7/ 219): (والأكثر من المتقدمين والمتأخرين أنه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة والتحيز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم من المتأخرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة، فليس بجهة فوق عندهم، لأنه يلزم من ذلك عندهم متى اختص بجهة أن يكون في مكان أو حيز، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز، والتغير والحدوث. هذا قول المتكلمين). فتراه قد نسب (نفي الجهة) إلى (أكثر المتقدمين والمتأخرين) و (عامة العلماء المتقدمين وقادتهم من المتأخرين).
2- قوله بعد الموضع المنقول (7/ 220): (قلت: فعلوا الله تعالى وارتفاعه عبارة عن علو مجده وصفاته وملكوته. أي ليس فوقه فيما يجب له من معاني الجلال أحد، ولا معه من يكون العلو مشتركا بينه وبينه، لكنه العلي بالإطلاق سبحانه). ففسر العلو – والذي عبر عنه سابقاً بالجهة – بأنه علو المجد والصفات والملكوت، وليس الجهة والتحيز.
3- قال الإمام القرطبي في كتابه (التذكار في أفضل الأذكار) صـ 22 : (وقوله صلى الله عليه وسلم للجارية "أين الله" قالت: "في السماء" ولم ينكر عليها، وما كان مثله ليس على ظاهره، بل هو مؤول تأويلات صحيحة، قد أبداها كثير من أهل العلم في كتبهم، وقد بسطنا القول في هذا بكتاب "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى" عند قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]).
4- وقال في تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18] (6/ 399): (فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم، أي هم تحت تسخيره لا فوقية مكان).
5- وقال في تفسير آية الكرسي {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255] (3/ 278): (يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان، لأن الله منزه عن التحيز. وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا: هو العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه. قال ابن عطية: وهذا قول جهلة مجسمين، وكان الوجه ألا يحكى).
فلو كان الإمام القرطبي يرى أنَّ (الجهة) أي: (الجهة الحسية) مما نطق به القرآن والرسل والسلف والخلف هل كان سيرفضه، بل ويصف القائل بالجهة والمكان بما نقله عن ابن عطية (جهلة مجسمين).
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ
مسألة قول الإمام القرطبي تفسّر على ضوء أشعريته واتباعه للسلف كالطبري وغيره.... ولا يحتاج شرحها من تيمي أو طفلٌ من النابتة لا يفهم العبارة إلا على طريقة الخوارج والمجسمة... وكلام القرطبي رحمه الله نفسه يدل على نفي ما يفهمه المبتدعة حين يحرّفون كلامه ويدّعون…
وبعد هذا لا يبقى أدنى التباس في كلام القرطبي لمن أراد أنْ يفهم، ومن كان مقصوده العناد والجدال فلا علاج له. والله الموفق
كتبه/ الفقير إلى عفو الله
د. سيف علي العصري
20 رمضان 1437هـ
25 يونيو 2016 مـ

القرطبي رحمه الله صرّح في موضع اخر انه لا يقول بهذا القول و لا يختاره فقال :
( أظهر الأقوال ـ وإن كنت لا أقول به ولا أختاره ـ ما تظاهرت عليه الآي والأخبار، والفضلاء والأخيار ، أن الله سبحانه على عرشه كماأخبر في كتابه بلا كيف ، بائن من جميع خلقه ، هذاجملة مذهب السلف الصالح )اهـ
وذكل بعض من تتبع نسخ القرطبي فقال: رأيت في نسخة من القرطبي أنه حكى هذا القول ثم قال: ولستُ أقول به، وهي عبارة ساقطة من بعض نسخ القرطبي المطبوعة.!!
قول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: *يصل ثواب القرآن والاستغفار والذكر إلى الميت بفضل الله تعالى.*

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:
*«وذهب بعض أهل البدع أنه لا يصل إلى الميت شيء ألبتة، لا دعاء، ولا غيره».*
كتاب الروح (١١٧).
انتفاع الميت بعمل غيره:

قال ابن تيمية رحمه الله:
*«ومن تأمل العلم وجد مِن انتفاع الإنسان بما لم يعمله ما لا يكاد يحصى، فمن أعتقد أن الإنسان لا ينتفع إلا بعمله فقد خرق الإجماع، وذلك باطل».*
نقله عنه العلامة الفقيه الأصولي الإمام القرافي المالكي في كتاب الفروق (٤/ ٣٩٦).
إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه.

إنّ الأعمال لا تُقْبَل عند الله إلا أنْ تُوافِق الشريعة، وموافقةُ الشَّرع وعدم مُوافَقَته لا يُعرف إلا بالعلم، والعِلمُ لا يُؤخَذُ إلا مِن أفواه العلماء، ولا تكفي مطالعة الكتب بغير تَلَقٍّ مِن أفواه العلماء، بل كثيرٌ من الناس الذين يَضِلُّون سَبَبُه أنهم لا يَتَلَقُّون عِلمَ الدين من أفواه العلماء بل يعتمدون على المطالعة في مُؤلَّفات العلماء، فكيف الذي يطالع في الكتب التي حُشِيَتْ بالأحاديث المكذوبة والأخبار المعلولة والغُلُوّ المذموم والكَذِب على الدين والتجسيم والتشبيه أي تشبيه الله بخلقه والعياذ بالله تعالى.

فقد قال الحافظ الكبير الخطيب البغدادي نقلاً عن بعض المحدِّثين:

(مَن طالَع الكُتُبَ لنفسهِ بدونِ مُعَلِّمٍ يُسمَّى صُحُفِيًّا ولا يُسمى مُحَدِّثَا ومَن قَرأ القُرءآن لِنَفْسه بِدُون مُعَلِّمٍ يُسَمَّى مُصْحَفِيًّا ولا يسمى قارئًا).

و قال الشافعيّ رضي الله عنه:

مَنْ تَفَقّهَ مِن بُطُون الكتُب ضَيّعَ الأحكام.

وكانَ بعضُهم يقول:

مِنْ أَعظَم البَلِيّةِ تَشَيُّخ الصّحَفِيّة ، أي الذينَ تَعلّموا مِن الصُّحُف.

87 مِن تَذكِرة السّامِع والمتكلّم في أدب العَالم والمتعلّم للقَاضِي إبراهيم بن جَماعة المُتوفّى سنة 733 هجرية.

فقد قال أهل العلم:

لا تحسبن بجمع الكتب مثلنا تصير *** فالدجاجة لها ريش لكنها لا تطير

العلم لا يؤخذ من كتاب أو دليل *** انتبه حتى لا تصبح له أسير

خذ العلم من متعلم جليل *** فلن تفيدك الكتب ولو قليل

و إن كان المعنى به كثير *** فالدجاجة لها ريش لكنها لا تطير

إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه.

وكان أبو حيّان الأندلسيّ النَّحْوي كثِيرًا ما ينشد:

يَظُنُّ الغَمْرُ أنَّ الكُتْبَ تَهْـدِي*** أَخـَا فَـهْمٍ لِإدْراكِ العُلُـــومِ

وَمـا يَدْرِي الجَـهُولُ بِأنَّ فِيـها *** غَوامِضَ حَيَّرَتْ عَقْلَ الفَهِيمِ

إِذا رُمْتَ العُلُومَ بِغَيْرِ شَيْــخٍ *** ضَلَلْتَ عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقِيمِ

وتَلْتَبِسُ الأمورُ عَلَيْكَ حَتَّـى *** تَصِيرَ أَضَلَّ مِن تُومَا الحَــكِيمِ

* الغُمْر: الجاهل الذي لم يُجَرِّب الأُمور.

* رُمْتَ: طَلَبْتَ.
وتوما هذا كان طبيبا، ولكن تَطَــبُّبُه مِن الكُتُب، وقد وَقَع التَّصحيف في بَعض الكتُب التي عِندَه، فكان يَقْرَأ: (الحيَّةُ السَّوداء شِفاءٌ مِن كُلّ داءٍ). تَصَحَّفَتْ كَلِمَة (حَبّة) إلى (حَيّة) فمَاتَ بِسَبَب تَطَبـُّبِه خَلْقٌ كَثِير.

فلا تكون المعرفة بمطالعة الكتب بل باختيار عارف ثقة أخذ العلم عَمَّن قبله بالسند المتصل فنـتلقى منه العلم الشرعي الصافي الخالي من الأفكار الدسيسة والآراء المنحرفة.

وسبحان الله والحمد لله، والله أعلم.
مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي يوضح حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان وبيان فضلها وإحيائها بالعبادة

أوضح مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان وبيان فضلها وإحيائها بالعبادة وجاء نص الفتوي كما يلي:

يجوز الاحتفال بليلة النصف من شعبان، والمعروف بـ«حق الليلة»؛ لأن ذلك من العادات في المجتمع، والأصل في العادات الحل والجواز، كما يجوز تقديم الهدايا في هذه الليلة بقصد إدخال الفرحة والسرور - خصوصا على الأطفال والأقارب والجيران ونوضح الأدلة الشرعية التي تبيح الاحتفال بليلة النصف من شعبان وتثبت استحباب إحيائها بالعبادة فيما يأتي:


أولا: قاعدة الأصل في العادات الإباحة والاحتفال بليلة النصف من شعبان يعتبر من العادات، والأصل فيها الإباحة لأنها من أمور الدنيا، وقد قال النبي ﷺ : «أنتم أعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ».

ثانيا : قاعدة : ما سكت عنه الشرع فهو عفو والاحتفال بليلة النصف من شعبان يدخل ضمن ما سكت عنه الشرع، وقد قال النبي : الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه».

ثالثا: تحقيق مقاصد حسنة من إدخال الفرح والسرور على الأسرة والمجتمع، وتعزيز التواصل بين الأفراد، قال رسول صلى الله عليه وسلم:
أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم".

رابعا: وردت أحاديث، وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم والأئمة بعدهم في تبيين فضل ليلة النصف من شعبان، ومما ورد في ذلك ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قام رسول الله مِن اللَّيْلِ فَصَلَّى فَأَطَالَ السجودَ حَتَّى ظننت أَنَّهُ قَدْ قُبض، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ قُمْت حَتَّى حركت إبهامه ..... فَقَالَ " أتدري أي لَيْلَةٍ هَذه؟ " قلت: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: " هَذِهِ لَيْلَةُ النصف مِنْ شَعْبَانَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النصف من شعبان فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ .

وعن أبي بكر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ : «إذا كان ليلة النصف من شعبان ، ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا ، فيغفر لعباده ، إلا ما كان من مشرك أو مشاحن لأخيه».

خامسا : اختلف التابعون في تخصيص إحيائها بعبادة معينة بين مثبت وناف فذهب جمع منهم إلى الحث على الاجتهاد فيها بصلاة النافلة، وتلاوة القرآن الكريم، والدعاء والذكر، والصلاة والسلام على النبي، وصيام يومها فهو من الأيام البيض.

ومن الآثار التي وردت على استحباب إحيائها بالعبادة ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «خَمْسُ لَيَالِ لا يُرَدُّ فِيهِنَّ الدُّعَاءُ: لَيْلَةُ الْجَمْعَةِ. وَأَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَب، وَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَيْلَتا الْعِيدَيْنِ».

وقال الشافعي: بلغنا أنه كان يقال: إن الدعاء يستجاب في خمس ليال في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان ... وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي من غير أن يكون فرضا».

وقال الفاكهي: وأهل مكة فيما مضى إلى اليوم إذا كان ليلة النصف من شعبان: خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد فصلوا، وطافوا، وأحيوا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام، حتى يختموا القرآن كله، ويصلوا».

وقال ابن الصلاح: «أما ليلة النصف من شعبان فلها فضيلة وإحياؤها بالعبادة مستحب»، وقال ابن رجب: «ينبغي للمؤمن أن يتفرغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب وأن يقدم على ذلك التوبة فإن الله تعالى يتوب فيها على من يتوب».

والحاصل أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان جائز لكونه من العادات، وأن فضل هذه الليلة محل اتفاق بين أكثر أهل العلم، ومن أحيا هذه الليلة رجاء الثواب واستناداً للآثار المذكورة فيرجى له القبول، ومن ترك ذلك فلا حرج عليه دون أن يكون ذلك تجريحاً لغيره أو تحريجاً عليهم فيما اختاروا.
والله تعالى أعلم.
والحمد لله رب العالمين.
2024/05/22 06:27:01
Back to Top
HTML Embed Code:


Fatal error: Uncaught Error: Call to undefined function pop() in /var/www/tgoop/chat.php:243 Stack trace: #0 /var/www/tgoop/route.php(43): include_once() #1 {main} thrown in /var/www/tgoop/chat.php on line 243