tgoop.com/adelhamad1442/613
Last Update:
الطريق إلى الحجة المبرورة (8)
منهجية الصحابة فِي متابعة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم:
لعل من أهمِّ الأسباب الَّتِي أدت إلى هَذَا الانحراف فِي خطَّة سير إداريي حملات الحجِّ هو مخالفتهم لمنهجيَّة الصحابة فِي متابعة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، وتعليم النَّاس هَذِهِ المنهجيَّة.
ومن أفضل ما قرأت فِي هَذَا الموضوع ما كتبه الشَّيخ عبدالرحمن عبدالخالق رحمه الله فِي كتابه اللَّطيف (الطريق إلى حجٍّ مبرور) والذي عالج فيه هَذِهِ المسألة بشكل واضح، أقتطف منه هَذِهِ الفقرات:
قال الشيخ رحمه الله: ((يقسم العلماء أمور العبادة إلى أركان وواجبات ومستحبَّات أو سنن. فالأركان ما كان بمثابة الهيكل الضَّروري للعبادة الذي إذا انهدم ركن منه انهدمت العبادة، والواجب بمثابة الجزء اللازم الذي يطلب فعله وجوبًا، ولكن لا يؤثر تركه سهوًا أو عمدًا فِي صحة العبادة وقبولها، وأما المستحبَّات أو ما يسميه بعضهم بالسنن فهي أجزاء تكميلية تحسينية تضفي على العبادة رونقًا وحلاوةً وتحسينًا، ولا يطلب فعلها وجوبًا، وليس تاركها بمذموم شرعًا، وإن كان فاعلها مأجورًا مثابًا.
وهذا التقسيم جميل فِي ذاته حسن من حيث المنطق والصواب، إذ يضع أيدينا على الأهم فالأهم فِي العبادة فلا نضيع ا لأمور اللازمة الضرورية فِي سبيل تحصيل الأمور التحسينية التكميلية.
وهذا الأمر – أعني وضع كلِّ جزء من العبادة فِي درجته ومنزلته – هو غاية علم الفقه، فهمُّ الفقيه أن يقدر قيمة كل جزء من أجزاء التكليف وأن يعطيه الحكم المناسب؛ ليكون السير فِي أمور العبادة على نور وبصيرة))( ).
((والحق أن البحث الفقهي التقنيني لأدنى صورة ممكنة تصح العبادة بها قلَّص العبادة وشلَّها، وأفقدها ليس فقط رونقها وبهاءها، ولكن هيكلها ومضمونها، وقد رأيت بنفسي من يعتمد على مثل هَذِهِ الأقوال السالفة فيؤدي حجًّا يكاد أن يكون خلوًا من الشكل والمضمون))( ).
((ولا أشك أنَّنَا سنضلُّ الطَّريق إلى الحجِّ الصَّحيح بل وإلى كل عبادة صحيحة إن نحن درسناها على أساس الهيكلية اللازمة أولاً ثُمَّ الواجب ثانيًا ثُمَّ المستحبَّات ثالثًا!
بل الفقه فِي ذلك أن نسأل كيف حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحجّ مثل حجِّه، وكيف صلَّى فنصلي مثل صلاته، وهكذا، ثُمَّ يكون وزننا لجزئيات العبادة بعد ذلك على أساس الأمر اللازم بها فنهتمُّ به، والأمر المخير الذي لا يلزمنا فنحرص عليه ما استطعنا ولا نبطل عملنا إن تركناه. وهذا هو الفقه الذي كان عليه الصحابة الكرام، وسأضرب على ذلك مثالًا.
لا يشكُّ فقيهٌ وعالمٌ أن تقبيل الحجر الأسود من المستحبات، فليس تقبيله واجبًا ولا ركنًا ولكن انظر كيف يعلم ابن عمر رضي الله عنه رجلًا سأله عن حكم تقبيل الحجر الأسود.
روى البخاري رحمه الله فِي صحيحه بإسناده عن الزبير قال: سَــأَلَ رَجُــــلٌ ابْنَ عُمَــــرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَـنِ اسْتِلاَمِ الحَجَــــرِ، فَقَالَ: «رَأَيْتُ رَسُــولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُـهُ وَيُقَبِّلُهُ» قَالَ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ، أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ، قَـالَ: «اجْعَـلْ أَرَأَيْتَ بِاليَمَـنِ، رَأَيْتُ رَسُــولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ».
انظر إلى هَذَا الفقه العجيب من ابن عمر رضي الله عنهما وهو يُعلِّم هَذَا السائل حكم تقبيل الحجر الأسود واستلامه. فأنَّه ما زاد على إخباره برؤية الرَّسُول صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله، ولم يكن ابن عمر يجهل أن هَذَا أمر من مستحبَّات الحجِّ ومكمِّلاته، ولكنه ترك سائله يحاول جاهدًا فعل هَذَا الأمر والاقتداء بسنة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ليكون له بذلك الأجر والمثوبة. ولقد حاول سائله أن يجد لنفسه فسحة فِي إفتاء ابن عمر له بترك استلام الحجر وتقبيله، فقال له مكررًا: أرأيتَ إن غُلبتُ، أرأيتَ إن زُحمتُ. فقال له اترك أرأيت باليمن!
فإما أن يكون السائل من أهل اليمن فقال له اترك أرأيت فِي بلدك وحاول أن تقتدي برسولك صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون ابن عمر أراد اترك أرأيت بعيدًا بعد اليمن، وحاول أن تستلم الحجر وتُقبِّله امتثالاً لفعل نبيك صلى الله عليه وسلم، فإن غُلبت حقيقة وإن زُحمت حقيقة ولم تجد وقتًا ومتَّسعًا لفعل ذلك فلا شكَّ أنك ستجد الفتوى جاهزة عند أربابها، ولكن بعد وقوع الأمر وفشلك فِي تطبيق هَذِهِ السنَّة))( ).
((فلا يكن همُّك أن تؤدي حجَّك على أقل صورة مستطاعة، وليكن همُّك وغايتك أن تمتثل أمرَ ربِّك الذي قال: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]، فأمر بالإتمام، وليكن همُّك أيضًا الاقتداء بسُنَّة نبيِّك صلى الله عليه وسلم الذي قال: ((خذوا عني مناسككم)) واعلم أنَّ الحجَّ إن سنح لك مرَّة فِي عمرك فقد لا يسنح لك أخرى، ولن تستطيع تعويض ما نقص لك ثانية.
BY قناة د. عادل الحمد
Share with your friend now:
tgoop.com/adelhamad1442/613