Telegram Web
ولذلك كان السلف يربطون بين قوة الدين وقوة الأخلاق، فقد قال ابن القيم رحمه الله: "الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين" [مدارج السالكين 2/294].

والأمة التي تحفظ منظومتها الأخلاقية لا تُهزم بسهولة، لأنها محصنة من الداخل، متماسكة البنيان، قادرة على مواجهة الغزو الثقافي والفكري مهما اشتدت العواصف. أما إذا انهارت أخلاقها، فإنها تفتح أبوابها للغزاة دون معركة، وتنهزم من داخلها قبل أن تنهزم من خارجها.

وهذا هو التحدي الذي نعيشه اليوم؛ أمتنا تُحاصر في هويتها وأخلاقها أكثر مما تُحاصر في حدودها وأوطانها، ويُغزى شبابها في قلوبهم قبل أن يُغزوا في أرضهم، ولن تكون لنا نهضة حقيقية حتى نعيد للأخلاق مكانها، فنجعلها الثمرة الطبيعية لعقيدتنا، والميزان الصادق لعبادتنا.

□ أيها الأحبة! إن العقيدة بلا عبادة وهمٌ لا حقيقة له، والعبادة بلا أخلاق رسمٌ بلا روح، وإنما يكتمل الدين حين تنعكس العقيدة على العبادة، وتنعكس العبادة على الأخلاق.

فلنقس إيماننا لا بكثرة ما نقول، ولا بكثرة ما نظهر من شعائر؛ بل بصدقنا في السوق، وبرّنا في البيوت، وعدلنا في المجتمع، وأمانتنا في العمل، وصفائنا مع الجيران، ووفائنا مع الأمة... هناك يظهر معدن العقيدة، وهناك يوزن ميزان العبادة.

هذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير، محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ ۚ يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب : 56].
اللهم صل وسلم وبارك على النبي وآله وارضَ عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم برحمتك وفضلك يا رب العالمين!

اللهم يا مكمّل مكارم الأخلاق، ويا هادي القلوب للحق والرشاد، نسألك عقيدةً صافية لا نفاق فيها، وعبادةً خالصة لا رياء فيها، وأخلاقاً زكيةً لا ريبة فيها.
اللهم اجعل صلاتنا تنهانا عن الفحشاء والمنكر، وزكِّ نفوسنا بما زكيتها أنت، واجعلنا من أقرب عبادك مجلساً إلى نبيك يوم القيامة بحسن الخلق.
اللهم أصلح بيوتنا وأهلينا، وبارك لنا في أعمالنا وتجاراتنا، وارزقنا الأمانة والإتقان في كل مسؤولياتنا، ووفّقنا للتعاون على البر والتقوى، واجعلنا ناصرين للحق، قائمين بالعدل، صادقين مع الأمة.
اللهم احفظ أخلاق أمتنا، واصرف عنها أسباب الفساد والانحلال، واجعلها أمة متماسكة قوية، تنهض بدينها وتقوم برسالتها، وتكون قدوة في العدل والرحمة للعالمين.

عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
*بسم الله الرحمن الرحيم*
*خطة ترامب وفرض السلام المخزي*
*إملاءات الاستسلام ليست طريقاً للحل*
*✍️ بقلم الدكتور/ كمـال بامخـرمه*
١/١٠/٢٠٢٥
إن هذه الخطة ليست خطة سلام بأي معيار، بل هي وثيقة استسلام مفروضة. لقد فُرِضت شروطها بإملاءات أحادية من الجهة المعتدية، دون أيّ مشاركة أو شراكة من أصحاب القضية أو الضحايا.
إنها تمثل تعبيراً عن غطرسة واستكبار، وتستغل حالة الانقسام والضعف في الصف العربي والإسلامي، رغم الإمكانات الهائلة الكامنة في وحدتهم.
تصفية القضية واستدامة الاحتلال:
تهدف الخطة بشكل أساسي إلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها وحماية الاحتلال الإسرائيلي عبر تجريد الفلسطينيين من أي قوة رادعة.
وهي أسوأ من اتفاقية أوسلو، حيث تم تحييد أصحاب القضية كلّهم عن قول كلمتهم فيها، كما أنها لا تقدم أي أفق تفاوضي حقيقي، وتجرد أهلها من كل أوراقهم، وترجئ مجرد الحوار حول إقامة الدولة الفلسطينية، وليس إقامتها ذاتها، إلى أجل غير مسمى يرتبط بشروط مائعة وإصلاحات غير محددة المدى داخل السلطة الفلسطينية، وكل ذلك يظل رهناً للفيتو الإسرائيلي.
تُظهر الشروط تفاوتاً صارخاً يخدم الاحتلال: التزام زمني وحيد بفك الأسرى خلال ٤٨ ساعة وتدمير سلاح المقاومة فوراً، في حين تُترك باقي القضايا الحيوية للمستقبل، تحت مظلة شروط فضفاضة.
الفخ الاستراتيجي والوصاية الأجنبية:
إن الخطة تمثل فخاً استراتيجياً محكماً يفرض وصاية أجنبية واستعماراً نافذاً، واحتلالاً مقنعاً عبر تمركز الجيش الإسرائيلي في محيط قطاع غزة، وهو ما يتناقض صراحة مع أيّ تعهد بعدم احتلال القطاع.
تُنشئ الخطة "مجلس سلام" لتوظيف تكنوقراط منفصلين عن الخيارات الوطنية والشعبية، وتحويلهم إلى مجرد موظفين إداريين، مع تأجيل مصير الدولة الفلسطينية وتجميد القضية وتحويلها إلى سراب دبلوماسي، إذ يربطها بشروط عائمة تخضع بشكل دائم لحق النقض الإسرائيلي.
استغلال الكارثة الإنسانية:
تستغل الخطة الكارثة الإنسانية التي صنعها الاحتلال لفرض "سلام اقتصادي" يمثل ثمناً للخنوع والاستسلام، وتحويل سكان غزة إلى عمال وموظفين يخدمون الاستثمارات الأجنبية التي يديرها "مجلس السلام"، في حين يتم تصفية أيّ شكل من أشكال المقاومة، بما في ذلك التحكم في المناهج التعليمية التي ترتبط بثقافة الشعب ودينه.
بالإضافة إلى ذلك، تُحوَّل القوة الدولية المقترحة إلى مجرد وكيل أمني لإسرائيل، مهمته حماية الاحتلال ضد أي محاولة اعتراض من السكان الأصليين، بدلاً من حماية السكان من إجرام الاحتلال المتوقع في أي لحظة.
دعوة للوحدة ورفض الإملاء:
إن هذه الخطة، لو تمت الموافقة عليها، ستكون إحدى أكبر خدع القرن الحادي والعشرين وكارثة استراتيجية على الشعب الفلسطيني والمنطقة.
إن كان ما يخشى من رفض الخطة على ما هي عليه هو زيادة القتل والتجويع، فمن يضمن أن تتوقف إسرائيل عن القتل والتجويع بعد إخراج المقاومة من المعادلة؟ وهل عهدنا من إسرائيل وحكومة نتنياهو التزاماً بأيّ اتفاق أو عهد في هذه الحرب خاصة أو غيرها؟
الكرة الآن ليست في ملعب المقاومة وحدها، بل في ملعب الفلسطينيين كلّهم، والأمة العربية والإسلامية.
تأتي هذه الخطة في وقت تعاني فيه إسرائيل من أضعف حالاتها على صعيد العزلة الدولية ونبذ معظم دول العالم لها، والخطة تعيد إنتاج صورتها وتجميل ووجهها وتقديم مبرر للاستمرار في إبادة الشعب الفلسطيني إذا رفضتها المقاومة، لذلك فإن الواجب يحتم على الأمة بجميع مكوناتها ألا تحشر المقاومة وحدها في هذا المأزق، وأن ترفع الفيتو الجماعي ضد الخطة بصورتها الحالية، والعمل على تعديلها بما يحافظ على القضية الفلسطينية كخيار استراتيجي، وعلى أوراق القوة الفلسطينية وعلى رأسها خيار المقاومة، بل وتطويرها لتكون رادعاً تجاه كلّ محاولات النكث بالمواثيق والعهود الذي عهدناه من الصهاينة ومن يدعمهم، وخاصة أن هذه الخطة مُعدَّلة جوهريًا عن الصيغة التي اتفق عليها ترامب مع بعض الدول العربية؛ فهو لم يحترم تعهده لأيام، فكيف سيحترم تعهداته أو ضماناته لسنين مقبلة؟
قال الشاعر:
إِذا غَدَرَت حَسناءُ وَفَّت بِعَهْدِها
فَمِن عَهْدِها أَن لا يَدومَ لَها عَهْدُ
وعلى لسان المثل: "يعدك بالذهب ويعطيك التراب" — أي يمنّيك بالربح لكنه يُقدّم لك الخسارة.
أن تملي شروطك على المفاوض ثم تطلب منه قبولها دون نقاش! هذا لا يعد اتفاق سلام وإنما إعلان استسلام! وهو لا يكون إلا حين يوجد انتصار مطلق وانهزام كامل من الطرف المقابل!
فهل انهزمت المقاومة، وهل انهزم الشعب الفلسطيني واستسلم حتى يفرض عليهم مثل هذه الشروط الظالمة، إما أن تنتحر أو أن أبيدك؟!
إن مفاد هذه الخطة هو: إما أن تنتحر وتدمر نفسك، وإما أن تدعني أذبحك، الأولى تحدث بدون أن يصيب العدو أيّ تكلفة، والثانية لا تحدث إلا بتكلفة عظيمة يتكبدها العدو إن حدثت ولم يرتدع!
إن توحيد الصف واستثمار الرفض الدولي للوصاية الغربية الاستعمارية هو المسار الأمثل حالياً لتحويل هذا التحدي إلى فرصة تنهي الظلم وتضمن الحق الفلسطيني كاملاً، خاصة أن هذه الخطة لا تستند إلى أيّ قانون دولي، وتخالف قرارات الأمم المتحدة التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في أرضه وحق مقاومة المحتل.
مقترحات بديلة تستند إلى القانون الدولي:
استناداً إلى القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة المعترف بها من الدول، يجب إدخال تعديلات جوهرية على الخطة لضمان التوازن والعدالة:
أولا: " إلغاء "مجلس السلام" (ترامب - بلير)، لأنه يمثل فرض وصاية أجنبية على السيادة ويتناقض مع مبدأ حق تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، وبدلا عنه يقترح تشكيل هيئة إعمار فلسطينية يمكن أن تكون تحت إشراف هيئة تنسيق عربية.
ثانيا: الشرعية الوطنية والإدارة الفلسطينية:
تمكين الفلسطينيين من إدارة غزة، مع ضمان إجراء انتخابات شفافة لاحقاً، استناداً إلى مبدأ الشرعية الوطنية.
ثالثا: ربط السلاح بالسيادة:
يجب أن يرتبط ترتيب وضع السلاح بإقامة الدولة الفلسطينية والانسحاب الكامل من الضفة الغربية والقدس، استناداً إلى القانون الدولي الإنساني الذي يكفل حق المقاومة للاحتلال.
رابعًا الانسحاب ونشر القوة الدولية:
انسحاب إسرائيلي كامل من غزة والمناطق العازلة (صفر تواجد). ونشر قوة حماية دولية (ISF) تابعة للأمم المتحدة تكون مهمتها منع أي عدوان إسرائيلي، وليس قمع خيارات الشعب الفلسطيني، شريطة موافقة الفلسطينيين على وجودها. وهذا يستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 242 (عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة).
خامساً تحديد إطار زمني ملزم للدولة:
تحديد جدول زمني ملزم لا يتجاوز عامين للاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية وعاصمتها القدس، استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة (حق فلسطين في العضوية الكاملة).
سادساً إعمار وتنمية غير مشروطة:
إعمار غزة غير المشروط وربط التمويل ببرامج التنمية الوطنية الفلسطينية المستدامة لرفع القيود الاقتصادية، وذلك تفادياً للتبعية الاقتصادية وفصل غزة عن الاقتصاد الوطني الذي تقترحه الخطة. هذا ما تقره مبادئ التنمية المستدامة والسيادة الاقتصادية.
ولضمان التطبيق، يجب أن تكون الأمم المتحدة (وليس الولايات المتحدة الأمريكية) هي الضامن الرئيسي للاتفاق، ويجب إنشاء لجنة مراقبة دولية ذات سلطة عقابية لضمان التزام إسرائيل بالانسحاب وتفكيك الاستيطان.
وختامًا: إن هذه الجولة من المفاوضات هي جولة هدنة تتبعها جولات حتى يعود الحقّ إلى أهله ويوضع في نصابه، مع الأخذ في الاعتبار أن القضايا المصيرية التي تضمنتها الخطة لا يخول حماس وحدها البت فيها بل تحتاج إلى إجماع فلسطيني، والطريق المحقّ والطويل يتطلب توحيد الصف واستثمار الدعم الدولي لرفض الوصاية والاحتلال.
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*الدعاء .. فضائل وآداب وأحكام*
*للشيخ/ علي عبدالرحمن الحذيفي*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*عناصر الخطبة:*
1/ فضائل الدعاء
2/ آثارَ الدعاء وبركاته
وخيراته ونتائجَه العجيبة
3/ آداب وشروط الدعاء
4/ من أسباب إجابة الدعاء
5/ بعض آداب الدعاء وشروط قبوله.

*الخطبة الأولى:*
الحمد لله، الحمد لله ربِّ الأرض والسماء، سميع الدعاء، يبدأُ بالنِّعم والآلاء، ويكشِفُ السوءَ والبلاء، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العزَّة والكبرياء، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ بالشريعة التامَّة الغرَّاء، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه السابقين إلى كل عملٍ مبرور، وسعيٍ مشكور.
 
أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ تقواه؛ فمن تمسَّك بالتقوى جمع الله له الخيرَ في دُنياه وأُخراه، ومن جانبَ التقوى شقِيَ في عواقِب أموره وإن أقبلَت عليه دُنياه.
 
أيها المسلمون:
لقد قدَّر الله أسبابَ كل خيرٍ وسعادةٍ في الدنيا والآخرة، وقدَّر أسبابَ كل شرٍّ في الدارَين، فمن أخذ بأسباب الخير والفلاح، ضمِنَ الله له صلاحَ دُنياه، وكان له في الآخرة أحسن العاقِبة مُخلَّدًا في جنات النعيم، فائزًا برِضوان الربِّ الرحيم، قال الله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60].
 
ومن عمِل بأسباب الشرِّ، حصدَ جزاءَ عمله شرًّا في حياته وبعد مماته، قال الله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) [النساء: 123].
 
ألا وإن من أسباب الصلاح والإصلاح والفلاح، وتتابُع الخيرات، وصرف النوازِل والعقوبات، ورفع المصائِب الواقعة والكُرُبات: الدعاءَ بإخلاصٍ، وحضور قلبٍ، وإلحاح، فالربُّ - جل وعلا - يُحبُّ الدعاء ويأمر به.
 
والدعاءُ ينفع مما نزل ومما لم ينزِل، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].
 
والدعاءُ هو العبادة، كما في حديث النُّعمان بن بشيرٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الدعاءُ هو العبادة» (رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح).
 
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء» (رواه الترمذي وابن حبان في "صحيحه" والحاكم، وقال: "صحيحُ الإسناد").
 
والدعاءُ مُرغَّبٌ فيه في كل وقتٍ، فهو عبادةٌ يُثيبُ عليها الربُّ أعظمَ الثواب، وهو مُحقِّقٌ للمطالِبِ كلِّها الخاصَّة والعامَّة، الدينية والدنيوية، في الحياة وبعد الممات.
 
ولمنافِع الدعاء العظيمة شرعَه الله في العبادات المفروضة وجوبًا أو استِحبابًا، رحمةً من ربِّنا - سبحانه -، وتكرُّمًا وتفضُّلاً لنعمل بهذا السبب الذي علَّمَنا الله إياه، ولو لم يُعلِّمنا الدعاءَ لم نهتَدِ إليه بعقولنا، قال الله تعالى: (وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ) [الأنعام: 91].
فلله الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، كما يُحبُّ ربُّنا ويرضَى.
 
وتشتدُّ الحاجةُ إلى الدعاء دائمًا خاصَّةً في هذا العصر، مع تظاهُر الفتن وكثرتها، وحُلول الكوارِث المُدمِّرة، ونزول الكُرُبات بالمُسلمين، وظهور الفِرَق المُبتدِعة التي تُفرِّقُ صفَّ المُسلمين، وتستحلُّ الدماءَ والأموالَ المعصومة، وتجفُوا العلمَ وأهلَه، وتُفتِي بالجهل والضلال.
 
ومع تمالُئِ أعداء الإسلام عليه، وتآمُرهم على أهل الإيمان، والتخاذُل والفُرقة والاختلاف بين المُسلمين، ومع الأضرار التي لحِقَت بكل فردٍ مُسلم أُخرِج من دياره بظُلمٍ ومسَّه الضُّرُّ، وتعسَّرت عليه حوائِجُه، وضاقَت عليه الأرضُ بما رحُبَت، تشتدُّ الحاجةُ إلى الدعاء في هذه الأحوال العَصيبة التي يصطلِي بنارها المُسلمون في بُلدانٍ شبَّت فيها الفتن.
 
ولقد أثنَى الله على الذين يدعُونه، ويتضرَّعون إليه - عز وجل - إذا نزلَت بهم الخُطوب والشدائِد، قال الله تعالى عن أبوَيْ البشر - عليهما الصلاة والسلام -: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
 
وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155- 157]، وقال - عز وجل - عن يونس - عليه السلام -: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87].
 
وعن سعد بن أبي وقَّاصٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «دعوةُ ذي النُّون إذ دعاه وهو في بطن الحُوت، لم يدْعُ بها رجلٌ مُسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجابَ الله له» (رواه أحمد والترمذي والحاكم، وقال: "صحيحُ الإسناد").
 
ولما دعا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ثقيفًا إلى الإسلام، ردُّوا عليه دعوتَه، ورمَوه بالحجارة حتى أدمَت عقِبَيْه، فدعا ربَّه قائلاً: «اللهم أشكُو إليك ضعفَ قوَّتي، وقلَّةَ حيلَتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين! إلى من تكِلني؟ إلى بعيدٍ يتجهَّمُني، أم إلى عدوٍّ ملَّكتَه أمري؟ إن لم يكُن بك غضبٌ عليَّ فلا أُبالِي، ولكن عافيتُك أوسعُ لي، أعوذُ بنور وجهِك الذي أشرقَت له الظُّلُمات، وصلُح عليه أمرُ الدنيا والآخرة أن يحِلَّ بي غضبُك، أو ينزِل بي سخَطُك، لك العُتبَى حتى ترضَى، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بك».
 
فبالدعاء تُستقبلُ الشدائدُ والكُرُبات إذا لم يقدِر البشرُ على دفعها، عن ثوبان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاء، ولا يزيدُ في العُمر إلا البرُّ، وإن الرجلَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يُصيبُه» (رواه ابن حبان في "صحيحه" والحاكم، وقال: "صحيحُ الإسناد").
 
وعن ابن عُمر - رضي الله عنهما -، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الدعاءَ ينفعُ مما نزل، ومما لم ينزِل، فعليكم - عباد الله - بالدعاء» (رواه الترمذي والحاكم).
 
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله تعالى يقول: أنا عند ظنِّ عبدِي بي، وأنا معه إذا دعاني» (رواه البخاري ومسلم).
وكفَى بهذا ثوابًا وفضلاً أن يكون الله مع الداعي.
 
كما ذمَّ الله الذين يترُكون الدعاءَ عند نزول العقوبات، وتظاهُر الفتن والكُرُبات، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون: 76]، وقال - عز وجل -: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 42، 43]، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف: 94].
 
وتركُ الدعاء في الكُرُبات إصرارٌ على الذنوب، واستِخفافٌ ببطشِ الله الشديد، قال الله - سبحانه -: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج: 12].
 
والدعاءُ سببٌ عظيمٌ لنزول الخيرات والبركات، ودفع الشرِّ أو رفعه عن الداعي.
والداعي أقوى الأسباب للخروج من الشرِّ الذي وقع، والمكروه الذي حلَّ، قال الله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83، 84]، وقال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62]؛ أي: لا أحدَ يفعلُ ذلك إلا الله تعالى.
 
وقال - سبحانه -: (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [الأنعام: 63].
 
والمُسلمُ عليه أن يرغبَ إلى الله في إصلاح شأنه كلِّه، وأن يرفعَ إلى ربِّه حوائِجَه كلَّها، ويسألَه كلَّ شيءٍ، وأعظمُ مطلوبٍ الجنة والنجاة من النار، قال الله تعالى في الحديث القُدسيِّ: «يا عبادي! كلُّكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستَهدوني أهدِكم، يا عبادي! كلُّكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، فاستَطعِموني أُطعِمكُم، يا عبادي! كلُّكم عارٍ إلا من كسَوتُه، فاستَكسُوني أكسُكم، يا عبادي! إنكم تُخطِئون بالليل والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا، فاستغفِروني أغفِر لكم» (رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -).
ومعناه: اسأَلُوني الهدايةَ والإطعامَ والكسوةَ والمغفرةَ.
اللهم اهدِنا وأطعِمنا واكسِنا واغفِر لنا يا أرحم الراحمين.
وفي الحديث: «ليسأَل أحدُكم ربَّه حتى شِسْع نعلِه ومِلحَ طعامه».
 
وكم دعوةٍ غيَّرَت مجرَى التاريخ من شرٍّ إلى خير، ومن حسنٍ إلى أحسن، قال الله تعالى عن أبينا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة: 129].
 
عن أبي أُمامة - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسول الله! ما كان بدءُ أمرك؟ قال: «دعوةُ أبي إبراهيم، وبُشرى عيسى، ورأَت أمي أنه خرجَ منها نورٌ أضاءَت له قُصورُ الشام، وكذلك أمهاتُ الأنبياء يرَيْن» (رواه أحمد).
فالمُسلمون في الخير الدائِم بهذه الدعوة، والأرضُ نالَتها هذه الدعوةُ المُبارَكة.
 
ودعوةُ نوحٍ - عليه الصلاة والسلام - كانت خيرًا ونجاةً للمُؤمنين المُوحِّدين، وشرًّا على المُشرِكين وهلاكًا.
 
ودعوةُ عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الذين يُحصَرون في الطُّور في آخر الزمان، تكون نصرًا للمُسلمين، وهلاكًا ليأجوج ومأجوج الذين هم كالجراد الذي يعمُّ الأرض، شرُّ الخلق والخليقة، وأشدُّهم فسادًا وطُغيانًا وجبروتًا.
 
وفي حديث النوَّاس بن سَمعان - رضي الله عنه - بعد قتل عيسى - صلى الله عليه وسلم - للمسيح الكذاب الدجَّال الذي يعيثُ في الأرض فسادًا، يقول في الحديث: «إذ أوحَى الله تعالى إلى عيسى - صلى الله عليه وسلم -: أني قد أخرجتُ عبادًا لي، لا يَدانِ لأحدٍ بقتالهم - أي: لا طاقةَ لأحدٍ بهم -، فحرِّز عبادي إلى الطُّور، ويبعثُ الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدَبٍ ينسِلُون، فيمُرُّ أوائِلُهم على بُحيرة طبريَّة فيشرَبون ما فيها من ماءٍ، ويمُرُّ آخرُهم فيقولون: لقد كان بهذه مرَّةً ماء.
 
ويُحصَرُ نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه بالطُّور، حتى يكون رأسُ الثَّور لأحدهم خيرًا من مائةِ دينارٍ لأحدِكم اليوم، فيرغَبُ نبيُّ الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه إلى الله - عز وجل - فيدعُونه، فيُرسِلُ الله عليهم النَّغَف في رقابهم - وهو الدُّود -، فيُصبِحون موتَى كموتِ نفسٍ واحدةٍ.
ثم يهبِطُ نبيُّ الله - عليه الصلاة والسلام - وأصحابُه إلى الأرض، فلا يجِدون في الأرض موضِع شِبرٍ إلا ملأَه زهَمُهم ونَتنُهم، فيرغَبُ نبيُّ الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه إلى الله يدعُةونه، فيُرسِلُ الله تعالى طيرًا كأعناقِ البُخْت، فتحمِلُهم فتَطرحُهم حيث شاءَ الله» (رواه مسلم).
 
ودُعاءُ النبي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - سيِّد البشر وأصحابِه في بدرٍ، كان نصرًا للإسلام إلى الأبَد، وخِذلانًا للكفر إلى الأبَد، قال الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9].
 
ودعا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وألحَّ في الدعاء ببدرٍ حتى سقطَ رداؤُه، فالتَزَمه أبو بكرٍ من وراءِه - رضي الله عنه -، وقال: كفَى مُناشدتُك ربَّك يا رسول الله، فإن الله مُنجِزٌ لك ما وعدَك، فقال: «أبشِر يا أبا بكر، هذا جبريلُ - عليه السلام - يزَعُ الملائكة، على ثناياه النَّقْع».
 
ولم تُقاتل الملائكةُ مع نبيٍّ قبلَه، خُصَّ بذلك لكمال فضلِه - عليه الصلاة والسلام -، وقوَّة يقينه وتوكُّله على الله، وإخلاصِ أصحابِه - رضي الله تعالى عنهم -.
 
والدعاءُ بنصر الحقِّ ودحضِ الباطل نُصحٌ لله ولكتابه ولرسولِه ولأئمة المُسلمين وعامَّتهم، فلا يزهَدُ في الدعاء ولا يهجُرُه إلا من أضاعَ حظَّ نفسِه في الدنيا والآخرة، وأضاعَ ما يجبُ عليه للإسلام والمُسلمين، وفي الحديث: «من لم يهتمَّ بأمرِ المُسلمين فليس منهم».
 
ولو تتبَّعنا آثارَ الدعاء وبركاته وخيراته ونتائجَه العجيبة الطيبة، لطال السَّرْدُ، وحسبُنا ما أشرنا إليه.
وللدعاءِ شُروطٌ وآداب؛ فمن شروط الدعاء: أكلُ الحلال، ولُبس الحلال، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقَّاص: «يا سعد! أطِب مطعمَك تُستجَب دعوتُك».
 
ومن شروطه: التمسُّك بالسنَّة، والاستِجابةُ لله تعالى بفعلِ أوامره واجتِناب نواهِيه، فمن استجابَ لله استجابَ الله له، قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186]، وقال تعالى: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [الشورى: 26].
وأما المظلُوم فيُستجابُ له ولو كان كافرًا أو مُبتدِعًا.
 
ومن شرط الدعاء: الإخلاصُ وحُضور القلب، والإلحاحُ على الله، وصِدقُ الالتجاء إلى الربِّ تعالى، قال - سبحانه -: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [غافر: 14].
وفي الحديث: «لا يقبلُ الله الدعاءَ من قلبٍ ساهٍ لاهٍ غافلٍ».
 
ومن شروطه: ألا يدعُو بإثمٍ ولا قطيعة رحِم، وألا يعتدِيَ في الدعاء.
ومن أسباب إجابة الدعاء: الثناءُ على الله تعالى بأسمائِه الحُسنى وصفاته العُلى، والصلاةُ على النبي - عليه الصلاة والسلام -، وفي الحديث: أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سمِع رجلاً يقول: اللهم إني أسألُك بأني أشهدُ أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلِد ولم يُولَد، ولم يكُن له كُفُوًا أحد، فقال: «لقد سألتَ اللهَ بالاسمِ الأعظَم الذي
إذا سُئِل به أعطَى، وإذا دُعِيَ به أجاب» (رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديثٌ حسن"، وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث بُريدَة - رضي الله عنه -).
 
وعن فُضالة بن عُبيد - رضي الله عنه - قال: بينما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قاعِدٌ، إذ دخل رجلٌ فصلَّى، فقال: اللهم اغفِر لي وارحَمني، فقال - عليه الصلاة والسلام -: «عجِلتَ أيها المُصلِّي، إذا صلَّيتَ فقعدتَ فاحمَد الله بما هو أهلُه، وصلِّ عليَّ، ثم ادعُه» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: "حديثٌ حسن").
 
وفي حديثٍ آخر: «إن الدعاءَ مُعلَّقٌ بين السماء والأرض حتى يُصلَّى على النبي - صلى الله عليه وسلم -».
 
ومن آداب الدعاء وشروط قبوله: ألا يستعجِل الإجابة، بل يصبِرُ ويُداوِمُ على الدعاء، ففي الحديث: «يُستجابُ لأحدكم ما لم يعجَل، يقول: دعوتُ فلم يُستجَب لي» (رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -).
 
فدوامُ الدعاء معه الإجابة، وفي الحديث: «ما على وجهِ الأرض رجلٌ مُسلمٌ يدعُو الله بدعوةٍ إلا آتاه الله إياها، أو صرفَ عنه من السوء مثلَها ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحِم»، فقال رجلٌ: إذًا نُكثِر؟ قال: «الله أكثر» (رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح").
ورواه الحاكم من رواية أبي سعيدٍ، وزادَ فيه: «أو يدَّخِرُ له من مثلِها».
 
وعلى المُسلم أن يتحرَّى أوقاتَ الإجابة، قيل لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الدعاء أسمَع؟، قال: «جوفُ الليل الآخر، ودُبُر الصلوات المكتوبات» (رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسن"، من حديث أبي أُمامة - رضي الله عنه -.
 
وفي الحديث: «ينزِلُ ربُّنا إلى السماء الدنيا ثُلُث الليل الآخر، فيقول: هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائلٍ فأُعطِيَه؟ هل من مُستغفرٍ فأغفر له؟» (رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
 
وبين الأذان والإقامة لا يُردُّ الدعاء، وفي الحديث: «أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربِّه وهو ساجِد، فأكثِروا الدعاءَ» (رواه مسلم من حديث أبي هريرة).
وعند رؤية الكعبة، وعند نزول الغيث، وعند الاضطرار، وبعد خَتم القرآن، وبعد الصدقة.
 
فما أعظمَ سعادةَ وفلاحَ وأجرَ من عكَفَ قلبُه على الله –تعالى-، يدعُوه ويرجُوه ويتوكَّلُ عليه، ويستعينُ به، ويُلِحُّ الدعاءَ على الله، وما أشقَى وما أشدَّ شركَ وكُفرَ من يدعُو الأضرحة والقبور وأصحاب القبور، أو يستغيثُ بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، أو الأولياء، أو يدعُوهم من دون الله تعالى، أو يرفع حاجاته لمَلَكٍ مُقرَّب، أو نبيٍّ مُرسَل. فإن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - جاؤوا لدعوة الناس أن يخُصُّوا الله تعالى بالدعاء، ويُفرِدوه وحدَه بالعبادة والدعاء.
 
والأولياءُ أُمِرنا بالعمل بمثل عملهم، وبمحبَّتهم والاقتِداء بهم، ونُهينَا عن دعائِهم، قال الله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن: 18]، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا) [الجن: 20].
 
والغائبُ والموتَى لا يستجيبُ أحدٌ منهم الدعاء؛ لأن الدعاءَ لا يقدِرُ على إجابته إلا الله - عز وجل -، قال - سبحانه -: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [الرعد: 14]، وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [الأحقاف: 5، 6].
 
وقال تعالى يُخبِرُ عن أفعاله وتدبيره: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 13، 14].
 
ولم يأذَن الله في دعوةِ أحدٍ من دونه مهما كان مُقرَّبًا، قال الله تعالى: (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة: 72]، وقال - سبحانه -: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 80].
 
وفي الحديث: «من ماتَ وهو يدعُو من دون الله نِدًّا دخل النار» (رواه البخاري من حديث ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -).
 
أيها المسلم:
هذا كتابُ الله تعالى، وأحاديثُ رسولِه - صلى الله عليه وسلم - تُبيِّنُ لك أن الدعاءَ هو العبادة، وأنه يختصُّ بالله - عز وجل -، وهو حقُّه على العباد، لا يُصرَفُ إلا لله؛ فمن أشركَ مع الله أحدًا في الدعاء فهو مُشرِكٌ شِركًا أكبر.
 
ولا يُقلِّد أحدٌ أحدًا في الضلال والشرك، فما وقعَ الشركُ والكفرُ في بني آدم إلا بالتقليد، واتباع الضالِّين المُشرِكين، قال الله تعالى: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) [الصافات: 62- 70].
 
قال الله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 55، 56].
 
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، وبهديِ سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقولُ قولي هذا وأستغفِرُ الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
 
 

*الخطبة الثانية:*
الحمدُ لله الرحمن الرحيم، العزيز الحكيم، له الأسماءُ الحُسنى والصفاتُ العُلى، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له العليُّ الأعلى، وأشهدُ أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُجتبَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبِه الأتقِياء.
 
أما بعد:
فاتَّقُوا الله تعالى يُصلِح لكم الأعمال، ويجعَلكم من الفائزين في الحال والمآل.
 
عباد الله:
كُونوا إلى الله راغِبين، ولدُعائِه مُداوِمين، فما خابَ من دعاه، ولا حُرِم من رَجاه، وكلُّ إنسانٍ له حاجاتٌ مُتجدِّدة، ومطالِبُ في كل وقتٍ مُتعدِّدة، فليسأَل كلُّ أحدٍ ربَّه ما يعلمُه خيرًا له، وليستعِذ بالله مما يعلمُه شرًّا.
وأعظمُ سُؤلٍ هو رِضوانُ الله والجنة، وأعظمُ ما يُستعاذُ منه هو النار.
 
وليُلِحَّ المُسلمُ على ربِّه في المطلَبِ الذي يهمُّه، فالله غنيٌّ حميدٌ كريم، جوادٌ عظيمٌ قادِر، قال الله تعالى في الحديث القُدسيِّ: «يا عبادي! لو أن أولَكم وآخرَكم، وإنسَكم وجنَّكم، قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسأَلوني فأعطيتُ كلَّ واحدٍ منهم مسألتَه ما نقصَ ذلك مما عندي إلا كما ينقُصُ المِخيَطُ إذا أُدخِلَ البحر» (رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -).
وفي الحديث: «من لم يسأل اللهَ يغضَب عليه».
 
ويُستحبُّ للمُسلم أن يتخيَّر جوامِع الدعاء الوارِد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كقوله تعالى: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، وكان النبي يدعُو بها كثيرًا.
 
ومثلُ: اللهم إني أسألُك الجنةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عمل، وأعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل.
 
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
 
فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، وسلِّم تسليمًا، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
 
اللهم وارضَ عن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
 
اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين يا رب العالمين.
 
اللهم إنا نسألُك من الخير كلِّه، عاجِله وآجِله، ما علِمنا منه وما لم نعلَم، ونعوذُ بك من الشرِّ كلِّه، عاجِلِه وآجِلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلَم.
 
اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل.
 
اللهم اغفر لموتانا وموتى المُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمُسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
 
اللهم نوِّر على أهل القبور قبورَهم من المُسلمين، اللهم اقضِ الدَّينَ يا رب العالمين عن المدينين من المُسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المُسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المُسلمين.
 
اللهم تولَّ أمر المُسلمين يا رب العالمين، وأصلِح شأنَهم، إنك على كل شيء قدير.
 
اللهم عليك بالظلَمة، اللهم عليك بالظالمين الذي تسلَّطوا على المُسلمين فأخرَجوهم من ديارهم يا رب العالمين، اللهم عليك بالظالمين الذين ظلموا المُسلمين في الشام، اللهم اكفِ المُسلمين شرَّهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اكفِ المُسلمين شرَّهم عاجلاً غيرَ آجِلٍ يا أرحم الراحمين، إنك على كل شيء قدير.
 
اللهم انصُر دينَك، وكتابَك، وسُنَّة نبيِّك يا أرحم الراحمين.
 
اللهم طهِّر قلوبَنا، واغفِر ذنوبَنا، اللهم أحسِن عاقِبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة، برحمتِك يا أرحم الراحمين.
 
اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ باطلاً وارزُقنا اجتِنابَه، ولا تجعَله مُلتبِسًا علينا.
 
اللهم أعِذنا وأعِذ ذريَّاتنا من إبليس وشياطينه وجنوده وذريَّته يا رب العالمين.
 
اللهم إنا نعوذُ بك من شُرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، اللهم أعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا أرحم الراحمين، اللهم أعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.
 
اللهم احفَظ بلادَنا من كلِّ شرٍّ ومكروه، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في دُورنا، وأصلِح اللهم ولاةَ أمورِنا.
 
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا مُغيثًا مُبارَكًا، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق، اللهم واجعَل فيه البركةَ والخيرَ، ولا تجعل فيه ضررًا يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
 
عباد الله:
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90- 91].
 
واذكُروا الله العظيم الجليل يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعون.
 
*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
🎤
*خطـبــة جمـعــة بعـنــوان :*
*من.الشكر.الواجب.للنعم.tt*
*للشـيخ/ عـبـدالســلام النـهـاري*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبــة.الأولــى.tt*
الحمدلله والصلاة على رسول الله
محمد صلى الله عليه واله وسلم .

أمــــا بعــــد:
فإن نعم الله علينا في الأنفس والأموال وغيرها كثيرة لا تعد ولا تحصى.
منها ما هي ظاهرة
ومنها ما هي مخفية باطنة.
منها المعلومة ومنها المجهولة، قال الله تعالى: {ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة..}.

# ألا وإن من أعظم النعم الظاهرة العامة السابغة هذا العام نعمة الأمطار.

# ولقد أغدق الله على البلاد والعباد هذا العام من الأمطار ما لم يأت مثلها منذ سنين.

# لقد بقي المطر هذا العام منهمرا قرابة ستة أشهر، اكتست به الأرض بانواع الشجر وتزينت، وأنتجت أنواع الثمر وأينعت، فدرّٙ الضرع، وطاب الزرع، كل ذالك جودا من المولى وتفضلا وابتلاء، قال الله {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون}.

# إن من أهم الأسباب الرئيسية للحفاظ على النعم وديمومتها شكر المنعِم قال الله تعالى {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم..}، فالشكر يحفظ الموجود من النعم ويأتي بالمفقود، كما أن عدم شكرها موجبٌ لزوالها.

# ألا وإن من أعظم مظاهر شكر النعم أداء حق الله تعالى فيها.
# وقد أثمرت الأرض هذه السنة محصولا عظيماً في أغلب العزل والمخاليف والمحافظات..

# وإن من الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها الكثير من المزارعين عدم الاهتمام بالزكاة...
زكاة هذه الثمرة..
وهذا فيه من المفاسد الكثيرة ما لا يحصى:
_ فمنها: الإخلال بركن من أركان الإسلام ومبانيه العظام، قال النبي صلى الله عليه واله وسلم:( بني الاسلام على خمس) ...وذكر منها إيتاء الزكاة.

_ ومنها: حرمان الفقراء من حقوقهم اللازمة لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما أرسله إلى اليمن: ( وأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، فهي حق عظيم لله وحق للفقراء لا يسقط، ويبقى الشخص متحملا له حتى يوم القيامة.

ومنها: محق بركة المال وذهاب نفعه وفائدته، فإن الزكاة تجلب له البركة والنماء، قال الله تعالى {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فؤلئك هم المضعفون}، فمن لم يؤد زكاة ماله فقد أفسده.

ومنها: حلول العقوبات والمصائب العاجلة في المال والأهل والولد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وما منع قوم زكاة أموالهم إلا مُنِعوت القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطٙروا)،

قال العلماء: من تلاعب في مال الله عاقبه الله في أعز ما يملك. والمراد بمال الله هنا: الزكاة، فمن لم يؤد الزكاة المفروضة فلينتظر العقوبة العاجلة فهي آتية آتية.

ومنها: العقوبات الاخروية في البرزخ ويوم المحشر وفي النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه ثم يأخذ بلهزمتيه فيقولون: أنا مالك أنا كنزك")، ثم قرأ النبي قول الله تعالى:{ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة..}، فمانع الزكاة في عذاب عظيم مستديم.

# لقد قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة.
فهما قرينان في القرآن قال الله:{وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون}، فمن أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وأحل الحلال وحرّٙم الحرام سلم وغنم.

# إن الأموال التي تجب فيها الزكاة هي:
_ الذهب والفضة والنقود بكل أنواعها.
_ بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم).
_ جميع أنواع السلع التجارية المعروضة للبيع.

_ الزروع والثمار وأهمها (الحبوب بكل أنواعها كالبر والشعير والذرة والدخن و...) وكذالك التمر والزبيب.

# فمن جمع من هذه المحاصيل ما يبلغ النصاب وجب عليه المبادرة إلى إخراج زكاتها إذا بلغت النصاب، ولو كان المالك صغيرا أو مجنونا فيخرجها عنه وليه، فإن الزكاة فريضة متعلقة في عين مال كل مسلم، قال الله تعالى:{وآتوا حقه يوم حصاده..}.

# لقد حدد النبي المقدار الذي تجب عليه الزكاة فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(ليس فيما دون خمسة اوسق صدقة) رواه البخاري ومسلم.

_ ومعنى الحديث أنه من كان محصوله أقل من خمسة اوسق لا زكاة واجبة عليه.

_ وقدر الخمسة الأوسق تقدر بستمائة كجم، ويعدل ذالك ستة اقداح بالقدح الوصابي.

فمن جمع هذا المقدار وجب عليه العشر، يعطيه الفقراء أو يسلمه إلى بيت المال إذا طلبه الوالي، أو يسلم ثمنه.

وإذا أعطى بيت المال ثمن بعضه وجب عليه إخراج المتبقي.

فهذه فريضة من أوجب الفرائض، وهذا واجب من أوكد الواجبات، والتساهل فيه تساهل في ركن عظيم من أركان الإسلام.
والحمد لله رب العالمين .
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*طوفان الأقصى عامان من العزّة*
*إعـــداد / حــســــن الـكـنزلـي*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*محاور الخطبة:*
□ مقدمة
□ طوفان الأقصى الحدث الذي غيّر المعادلات
□ الطوفان من منظور إيماني وقرآني
□ إنجازات الطوفان في عاميه الأول والثاني
□ الطوفان بين الميدان والوجدان
□ وحدة الأمة على طريق التحرير
□ الطوفان ومراجعة الواقع الإسلامي
□ رسائل الطوفان في الذكرى الثانية
□ معالم الطريق بعد عامين من الطوفان
□ خاتمة

*الخطبة الأولى:*
المقدمة الحمدُ لله الذي كتب للأمَّة طريقًا للعزَّةِ والتمكينِ، وجعل الجهادَ سبيلًا لإقامةِ الحقِّ وردِّ الظلمِ عن المظلومين. نحمده على ثباتِ القلوبِ، ونشكرهُ على أن مِحَنَنا كانت مدرسةً وأملًا وباعثًا على الصحوة.
أوصيكم وإيّاي بتقوى الله؛ فإنَّ التقوى عنوانُ الثباتِ والصفاءِ في محنِ الأمة، وهي الضابطُ الذي يُميِّز بين خيرٍ يُرادُ به وجهُ اللهِ، وبين نزوعٍ يَضلُّ عن منهجِ الحقِّ.
وبعد،

□ فقد بيّنَ ربُّنا حكمةَ تبدُّل الأيّامِ فقال: «﴿إِن يَمَسَّكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُۥ ۖ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾» [سورة آل عمران: 140].

ثمّ نقول: إنّ مكانةَ فلسطينَ والمسجدِ الأقصى ليست أرضًا فحسب؛ بل عقدٌ دينيٌّ وضميرٌ أمَّتي، وهي مركزٌ للعقيدة والتاريخ والروابطِ الإنسانيةِ التي تجمع الأمةَ على عهدِها مع ربِّها وقِيمِها. ليست قضيةَ حدٍّ جغرافيّ؛ بل امتحانُ أُمَّةٍ، ورسالةٌ تُختبر بها المواقف.

أمّا "طوفان الأقصى" فليس مجرّدَ حدثٍ عسكريّ أو يومٍ واحدٍ؛ هو رمزٌ دعويّ وحركيّ للثورةِ على الظلمِ وبعثِ أمّةٍ من سباتها؛ الطوفانُ اجتاح صورَ اليأسِ، وأجلى عن العيونِ من ظنَّ أنَّ العزّة لا تُستردّ إلاّ بالتواكل، فأعاد للأمةِ روحَ التضحيةِ والكرامةِ.

□ طوفان الأقصى حدث غيّرَ المعادلات؛ ففي السابع من أكتوبر تجلّت حقائقُ صارخةٌ على الأرض؛ حدثٌ قلب معادلاتٍ استراتيجيّةً وسياسيّةً وأمنيةً، وأعاد إلى واجهةِ الصراعِ خيارَ المقاومةِ بعدما هيمنت سنواتُ الإحباطِ على المشهد. لقد أثبتَت الوقائعُ أنّ صفحاتٍ من التاريخ يمكنُ أن تتقلبَ في لحظاتٍ قليلة، وأنّ قواعدَ القوىِ قابلةٌ لإعادةِ القراءةِ حينَ تتوافرُ الصدقُ والإصرارُ والتضحية.

وكشفت الأيامُ هشاشةَ منظومةٍ اعتُبِرتْ لا تُقهرُ؛ بانْكشافِ إخفاقاتٍ استخباراتيةٍ وتكتيكيّةٍ، ومراجعاتٍ داخليةٍ في دولٍ إقليميةٍ وحلفاءٍ دوليين؛ ما أرخى بظلاله على حسابِ المعنوياتِ الدوليةِ والإقليميةِ، وأعادَ النقاشَ حول جدوى السياساتِ والعقيدةِ الأمنية.

وأوقعَ الطوفانُ خسائرَ بشريةً وفعلَ صدمةٍ أليمةٍ على طرفيْ الصراعِ وشدَّ أنظارَ العالمِ إلى معاناةِ المدنين ولا سيما في غزة، حيث تحوّلَت الأزمةُ الإنسانيةُ إلى كارثةٍ واسعةٍ على مدى عامين يُشهدُ لها بتدميرٍ هائلٍ وبمعاناةٍ لا تزال تُقوِّضُ كلَّ نُسُقِ الحياةِ الاعتياديةِ.

ومع ذلك فإنّ الطوفانَ أعادَ الاعتبارَ لخيارِ المقاومةِ في نظرِ أجيالٍ عظيمةٍ من أمّتنا: لم يعدَ الحديثُ عن قضيةٍ هامشيةٍ؛ بل عن مركزٍ يتّسعُ لضمائرِ الناسِ، وعن استنهاضٍ جمعيٍّ للمشاعرِ والأفكارِ والالتزامات. وقد أحيا ذلك فينا روحَ الفداءِ والتضحيةِ، وجعلنا نراجعُ أساليبَنا، ونعيدُ ترتيبَ أولوياتِ العملِ السياسيِّ والدعويِّ والاجتماعيِّ.
﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249]

□ الجهادُ في سبيلِ الله منهجٌ لتحقيقِ الحقِّ وردِّ العدوانِ؛ فليسَ مجرّدَ فعلٍ عسكريٍّ أو سياسةٍ؛ بل سلوكٌ تربيَ عليه الأمَم الصالحةُ؛ إيمانٌ يتجسّدُ بعملٍ، وصبرٌ يسبقُ الفتحَ، واستعدادٌ للتضحيةِ إنْ اقتضت الحكمةُ ذلك. وقد بيّن ربُّنا سُنّةَ الابتلاءِ والتمحيصِ فقال: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214]؛ فلا ننتظر حدوث النجاةِ دون امتحانٍ ولا نصِيبَ دون صبرٍ ومجاهدةٍ.

والطوفانُ الذي نتحدثُ عنه مظهَرٌ من مظاهرِ وعدِ اللهِ للمجاهدين: وعدٌ بالتمكينِ يومًا أو بالرفعةِ في الدارين إن كانت الشهادةُ نصيبًا. فمن ثباتٍ وصبرٍ يَبتدئُ النصر، ومن وِقوفٍ على الحقِّ تُستعادُ الحقوقُ والكراماتُ. فالعلاقةُ بين الصبرِ والثباتِ والنصرِ علاقةٌ قرآنيةٌ ممتدة: ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128].
ومن السنةِ نقلٌ واضحٌ يذكِّرنا بالتمسُّكِ بالكتابِ والسنةِ في كلّ منعطفٍ؛ فقد ورد في وصايا النبي ﷺ نصُّ اعتزازٍ بالكتابِ كحبلٍ ممدودٍ، فقال: «إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا: كتابُ الله» [صحيح مسلم: كتاب الحج، حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه].
ولنا في سيرةِ السلفِ إشاراتٌ تلامسُ حالَ أمّتنا؛ حينما دخلَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه بيتَ المقدس وسلَّمَ أهلَها أمانًا، خاطبَ أهلَ إيلياء: «لكم ما لنا وعليكم ما علينا» — موقفٌ يدلُّ على رباطِ الأرضِ والناسِ، وعلى حفظِ الحقوقِ والكرامةِ. [معاهدة عمر مع أهل إيليا، مصدر تاريخي]
إنّ معنى الجهاد هنا أوسعُ من عنوانٍ عسكريٍّ؛ هو جهادُ نفسٍ ومجتمعٍ ومشروعٍ حضاريٍّ يقومُ على الاستقامةِ، والتعليمِ، وبناءِ المجتمعِ الصالحِ الذي لا يُسلمُ المقدراتِ ولا يفرّطُ في الأمانةِ. والابتلاءُ جزءٌ من طريقِ النصرِ، كما علمتنا الآياتُ والسُّنن.

الطوفانُ تجربةُ مراجعةٍ ومنهجُ تمكين الطوفانُ ليس نهايةً؛ بل بدايةُ مراجعةٍ؛ مراجعةُ السياسات، ومراجعةُ التجاربِ الدعويةِ والسياسيةِ، ومراجعةُ أدواتِ العملِ الوطنيِّ. لقد فرضتْ الوقائعُ على النخبِ وعلى البازغينَ في الحقلِ الدعويِّ والإداريِّ أن يعيدوا قراءةَ الأوضاعِ ويضعوا إطارًا متوازنًا بين ثوابتِ الدينِ وضروراتِ الواقع.

ولا ننسَى أنّ الطوفانَ كشفَ أيضًا عن أبعادٍ إنسانيةٍ عميقةٍ: أبطالٌ وهبوا أنفسَهم، أسرٌ تشتعلُ فيها الآلام، وبلادٌ تشهدُ دمارًا ونزوحًا؛ وهذه كلُّها حقائقُ ينبغي أن توثّقَ وتُذكّرَنا بمسؤولياتِنا الدينيةِ والإنسانيةِ في نصرةِ المظلومِ وإغاثةِ المنكوبِ. تقاريرُ الأممِ والمنظماتِ تثبتُ أن الأثرَ الإنسانيّ كانَ هائلًا وأن الضحايا والمدنينَ هم الذين حملوا ثقلَ الحربِ الأكبرَ على مدى سنتين.

□ أيها المؤمنون! لقد كان 'طوفان الأقصى" علامة فارقة في تاريخ الأمة المعاصر، لا لأنه معركة عسكرية فحسب؛ بل لأنه تحوّلٌ حضاريّ وإيمانيّ أعاد تعريف القوة والعزة والموقف.
وما جرى خلال عامين من الصمود والقتال، والتحدي والمراجعة، هو تجلٍّ لسُنّة الله في تمحيص الصفوف ورفع الدرجات، قال تعالى: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران: 141].

لقد نقل الطوفانُ المعركةَ إلى عمق العدو، بعد أن كان يتوهّم أن أرضه عصيّة على الاقتحام، فإذا بجنوده يفرّون، وقياداته تضطرب، ومنظومته الأمنية والاستخباراتية تنهار أمام رجالٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
لقد سقطت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، واهتزّت عقيدته الأمنية من جذورها؛ إذ كشفت التقارير الإسرائيلية الرسمية أنّ ما حدث في السابع من أكتوبر كان "أعظم فشل استخباراتي وعسكري في تاريخ الكيان". [تقرير لجنة الدولة للتحقيق في أحداث 7 أكتوبر – 2024].
وأصبحت المقاومة بعد عامين أكثر خبرةً وصلابةً وتكتيكًا، بعد أن فرضت معادلات ردعٍ جديدةٍ، وأثبتت أن إرادة الإيمان أقوى من آلة الحديد. قال تعالى: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 249].

في زمنٍ غلبت فيه الفُرقةُ، وحوصرت فيه الرايات؛ جاء الطوفان ليعيد للميدان الفلسطيني روحه ووحدته رغم الفصائلية والاختلافات، فامتزج الدم بالدم، وسقطت الحواجز أمام الهدف الأسمى؛ تحرير الأقصى.
لقد عاد الوعي الإسلامي المقاوم إلى قلوب الأمة من جديد، وعادت معاني الجهاد والعزّة والكرامة لتملأ المساجد والمنابر والمناهج والإعلام.
وكانت مشاهد الأسرى والمجاهدين والمصلّين في خنادقهم دروسًا أبلغ من الخطب. قال الحسن البصري رحمه الله: «إن القوم لم تُنصروا بكثرةٍ ولا بعدّةٍ؛ ولكن بطاعتهم الله ومعصية عدوهم له» [سير أعلام النبلاء للذهبي: 4/583].

لقد استطاعت المقاومة أن تقلب السردية العالمية رأسًا على عقب. لم يعد الاحتلالُ ضحيةً في نظر الشعوب؛ بل ظهر أمام العالم على حقيقته كقوة بطشٍ وإبادة.
في عامين فقط تغيّر ميزان التعاطف الدولي، وتزايدت حركات المقاطعة في الجامعات الغربية والأسواق العالمية، وكُشف زيف الإعلام المنحاز. [تقرير العفو الدولية ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" – 2024–2025]
لقد أضحى الطوفان معركة وعيٍ بامتياز؛ لا في الميدان فقط؛ بل في الوجدان والعقول.

إن الطوفان لم يكن معركة سلاحٍ فحسب؛ بل كان صحوةً دعويةً للأمة كلّها؛ إذ أعاد إليها الإيمان بالوعد الإلهيّ، وجعلها تستشعر أن قضية الأقصى ليست شأناً فلسطينياً ضيقاً؛ بل قضيةَ دينٍ وعقيدةٍ وأمةٍ بأسرها.
وقد رأينا كيف اشتعلت المساجد بنداءات الدعاء، وكيف امتلأت القلوب بحب المجاهدين والمرابطين، حتى صار ذكرهم يوقظ الغافلين، ويهزُّ قلوب المترددين.
قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» [صحيح مسلم: 2586].
لقد اضطرَب المشهدُ الإقليميُّ والدوليّ اضطراباً عميقاً؛ فالأمة بدأت تستعيد خطابها الأصيل، وارتفع صوتُ المقاومة في المنابر والبرلمانات، وتغيّر ميزانُ التحالفات، وانكشفت هشاشة الأنظمة المتواطئة.
وصعد خطابُ المقاومة كخيارٍ شرعيٍّ وسياسيٍّ في آنٍ واحدٍ، لا كحلمٍ ثوريٍّ، بل كحقٍّ إلهيٍّ وضرورةٍ واقعيةٍ ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾ [الحج: 40].

□ لقد شكّل الطوفانُ مدرسةً إيمانيةً تربويةً فريدةً، تربّى فيها جيلٌ جديدٌ على معاني العبوديةِ الصادقةِ لله، وعلى الثبات في وجه البلاء، والصبر على الجراح؛ كلّ خندقٍ كان محرابًا، وكلّ أمٍّ شهيدٍ كانت داعيةً، وكلّ طفلٍ يتيمٍ كان شاهدًا على وعد الله الحق.

إن رمزيةَ الأمهاتِ الصابراتِ اللواتي قدّمن أبناءهنّ راضياتٍ محتسباتٍ، هي أعظم من آلاف الخطب. هنّ نساءٌ على منهاج خنساء الإسلام، قال النبي ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير» [صحيح مسلم: 2999].
تلك الأمّهاتُ ربّين أبناءهنّ على حبّ الله والدار الآخرة، وعلى أن العبوديةَ الحقّة لا تُختصر في صلاةٍ أو دعاء؛ بل في بذلٍ وجهادٍ وتضحية.

وفي الميدان تعلّم المجاهدون دروسَ التوكّل والإخلاص واليقين؛ فلم يعتمدوا إلا على الله، ولم يطلبوا إلا وجهه، وعاشوا معنى العبودية الجهادية التي تربط الإيمان بالعمل، وتجمع بين الصلاة والسيف، بين الدعاء والدم. قال ابن تيمية رحمه الله: «المؤمن قويٌّ بالله، ضعيفٌ بنفسه، فمتى اعتمد على نفسه وُكِل إليها، ومتى اعتمد على ربه أُعِين» [مجموع الفتاوى: 10/50].

وهكذا يظهر الطوفانُ تطبيقًا حيًّا لسنن الله في التغيير: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].
لقد غيّرت المقاومة ما بنفسها؛ فبدّلت الخوف إيماناً، واليأس عملاً، والخذلان توكلاً، فكان التمكين وعداً صادقاً من ربّ العالمين.

□ لقد أعاد الطوفان إلى الأمة بوصلتها المفقودة؛ فتوحدت القلوب حول القضية المركزية، بعد أن كانت تتنازعها الجغرافيا والسياسة والهوى. إنّ صوت القدس اليوم هو النداء الجامع لكل الأحرار، وصار الأقصى رمزاً لا يختلف عليه مسلم، ولا ينساه طفل.

لقد هبّت الشعوبُ الإسلامية والعربية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، تخرج في الميادين، وتُقيم الصلوات والدعاء، وتعبّر عن انتمائها لقضيتها الكبرى، في مشهدٍ لم تشهده الأمة منذ عقود.
ولم تقتصر الموجة على المسلمين؛ بل امتدت إلى أحرار العالم من مفكرين وصحفيين وطلابٍ في الجامعات الغربية، أعلنوا رفضهم للظلم والإبادة، وكشفوا زيف الشعارات التي تخفي وراءها استعماراً جديداً. [تقرير منظمة العفو الدولية – مايو 2025]

إن "التحرير الشامل" الذي يتراءى في فكر الأمة ليس تحريرَ أرضٍ فحسب؛ بل هو تحريرُ الإنسان من الاستبداد، ومن التبعية، ومن الجهل، ومن الذلّ الذي قعد بالأمة عن مكانها الطبيعيّ في قيادة العالم ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: 5].

ومن هنا تأتي دعوةُ الأمة اليوم إلى العودة إلى محورها القرآنيّ؛ أن يكون الأقصى قبلتنا السياسية كما هو قبلتنا الدينية، وأن تكون المقاومة سبيلنا إلى العزة كما كانت سبيلَ أسلافنا إلى النصر. فمن خان الأقصى؛ فقد خان أمّته، ومن نصره؛ فقد نصر دينه، ومن أحيا القضية في قلبه؛ فقد أحيا في نفسه روح الإسلام. قال الشاعر:
وللحرية الحمراء بابٌ ** بكل يدٍ مضرّجةٍ يُدقُّ
فطريق القدس لا يُفتح بالكلمات؛ بل بالتربية والإعداد والإيمان والعمل.
وهكذا، يظلّ "طوفان الأقصى" بعد عامين مدرسةً في الوعي، ومحرّكاً في الضمير، وبوصلةً للأمة في طريق عزّتها وتمكينها.

قال الله تعالى آمرًا الأمة بالإعداد الشامل للدفاع عن دينها وعزتها:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ۖ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ [الأنفال: 60].

بارك الله لنا ولكم في القرآن العظيم ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم!
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين؛ إنه هو الغفور الرحيم والتواب الحليم!



*الخطبة الثانية:*
الحمدُ للهِ حمدًا يليقُ بجلالِ وجهِه، وكمالِ صفاتِه، وصِدقِ وعودِه. نحمدُه تعالى على ما وهبنا من صبرٍ وبلاءِ ابتُليت به أُممُ الأرض، ونثني عليه أن جعلَ في البلاء منافعَ للقلوبِ تهذِّبُها، وتذكّرُها بخِلٍّ لا يخون، وبعزمٍ لا يلين. وأشهد أن لا إله إلا اللَّه، وحدَه لا شريك له، وأن محمّدًا عبده ورسوله.
وبعد،
□ فقد تعلّمنا من القرآنِ والسنةِ أنَّ النصرَ لا يقاسُ فقط بسطورٍ في بياناتٍ سياسية؛ بل بالثباتِ على الحقِّ، وبالقدرةِ على بناءِ وعيٍ مستقلٍّ يُحافظُ على الشرفِ والكرامة. قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]. [المصحف: آل عمران: 103].
هذا الاعتصامُ دعوةٌ لأن نعيدَ للوعيِ مقاييسَه: الوعيُ موقفٌ، والمقاومةُ مبدأ؛ والتمكينُ لا يتحقّقُ ببيعِ الحقوقِ أو بالتطبيعِ على حسابِ دماءِ شهدائنا.

من أخطاءِ السياسةِ التي يجبُ أن تُراجعَ أن تُساومَ على حقٍّ مسلوبٍ، أو تُعتبرَ المساومةَ طريقًا للانفتاحِ والخير. إنَّ دماءَ من استُهدِفوا وأُسِروا لا تقبلُ أن تُجعلَ ورقةَ تفاوضٍ تُسجَّلُ في سجلاتِ الذممِ الناقصة. وعلى الحكوماتِ والأحزابِ والعلماءِ أن يقولوا كلمةَ الحقِّ بلا مواربةٍ، وأن يستنهضوا الضمائرَ؛ فالموقفُ الشرعيُّ يحمِلُ أمانةَ الدفاعِ عن الأمةِ كنتيجةٍ لِـقِيَمٍ أخلاقيةٍ قبل أن يكونَ نتيجةً لِحساباتٍ استراتيجية.

إنّ المشروعَ الذي يختزلُ القوةَ في مؤسساتٍ دونَ وعيٍ عامٍّ، أو يقيسُ النجاحَ بخلاصاتٍ سياسيةٍ قصيرةِ الأمد، مشروعٌ هشٌّ. لا بدَّ أن نُعيدَ تأسيسَ مشروعٍ يجمعُ بين التربيةِ الوجدانيةِ والوعيِ الفكريِ، وبين المقاومةِ المشروعةِ في ضوئِ الشرعِ، وبين بناءِ مؤسساتٍ شاملةٍ تُقوّي المجتمعَ من الداخلِ. ولنتذكّر قولَ النبيِّ ﷺ عن ترابطِ المؤمنين: «مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثلِ الجسدِ؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمى». [متفقٌ عليه: البخاري ومسلم].

ما جرى يكشفُ ضعفَ مشاريعِ التفتيتِ والتمييعِ: حينَ يصحو الضميرُ العامُّ، وتعودُ المشاعرُ المشتركةُ، تندثرُ أوهامُ الانفصالِ عن قضايا الأمةِ وقلوبُ الناسِ تعودُ لتلتفّ حولَ قضيتِها؛ الطوفانُ كانَ محفزًا لهذا الالتفافِ الوطنيِّ والإنساني.


□ وللطوفانِ في الذكرىِ الثانيةِ رسائل:

- رسالة للمجاهدين: اثبتوا فأنتم على ثغرِ الأمةِ، ودماؤكم جسورُ التحرير.
نعلمُ أنَّ الصبرَ والجهدَ في ميادينِ الصمودِ يخلقانَ أملاً لا يزول؛ وقد علّمنا القرآنُ أنَّ الصبرَ طريقٌ إلى النصرِ حين قال: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 6].

- ورسالة للأمّةِ: لا تنسوا فلسطينَ، فهي مِحكُّ الإيمانِ والولاءِ للهِ.
من تركَ قضيةَ المظلومِ استدلقَت عليه أسبابُ النسيانِ الروحيِّ والتفتُّتِ الاجتماعيِّ؛ فالقضيةُ ليستْ قضيةَ جغرافيا فقط؛ بل هي امتحانُ قيمةِ الإيمانِ في الأمة.

- ورسالة للأنظمةِ: التاريخُ لا يرحمُ من تواطأَ على الدمِ والحقِّ. إنَّ الموقفَ في التاريخِ يُدون، وسيحاسِبُهُ اللهُ، ويُسجَّلُ عند الناسِ؛ ومن خانَ مصلحةَ أمته فقد خانَ التاريخَ قبلَ اللهِ والناسِ.

- وسالة للعالمِ: لا عدالةَ مع الكيلِ بمكيالين، ولا حريةٌ تُبنى على أنقاضِ الأطفال. العالمُ الذيَ يدّعي الحريةَ والعدالةَ لا يمكنُ أن يغمضَ عينه أمامَ مآسيِ أُمّةٍ تُهدمُ بيوتها وتُحاصر، وتُمنعُ فيها المياهُ والدواءُ والطعامُ؛ والمنظماتُ الدوليةُ مطالَبَةٌ بالوضوحِ والإنصافِ في تقريرِ الحقائقِ. (انظر تقاريرَ وكالاتِ الإغاثةِ والأممِ المتحدةِ حولَ الأضرارِ الإنسانيةِ في غزة).

- ورسالة للحركاتِ الإسلاميةِ: أنتم أمناءٌ على الوعيِ والاتجاهِ، فجدّدوا الخطابَ ووازنوا بين الدعوةِ والحركةِ. الخطابُ الدينيُّ يحتاجُ اليومَ إلى صفاءٍ وجلاءٍ؛ أن نحافظَ على مناعةِ الأمةِ الروحيةِ والثقافيةِ مع احتضانِ أدواتِ الحراكِ الواقعيِّ، دونَ إغفالِ الحاجةِ لإعادةِ بناءِ مناهجِ التربيةِ التي تُرَسِّخُ ثقافةَ الجهادِ والاجتهادِ والمقاومةِ الأخلاقيةِ.

□ وللطريق معالم بعد عامين من الطوفان:

أولًا: استمرارُ المقاومةِ نهجًا حتى زوالِ الاحتلالِ؛ فالمقاومةُ حقٌّ مشروعٌ في شريعةِ العدلِ والدفاعِ عن الأرضِ والكرامةِ؛ وتستمدُّ شرعيتها من نصوصِ القرآنِ والسنةِ ومن فطرةِ الأمةِ في الدفاعِ عن نفسها.

ثانيًا: بناءُ جبهةِ وعيٍ عالميةٍ تناصُرُ الحقَّ الفلسطينيَّ؛ فاليومَ أكثرَ من أيِّ وقتٍ نحتاجُ إلى حشدِ الدعمِ الثقافيِّ والإعلاميِّ والقانونيِّ: جامعاتٌ، منابرُ دعويةٍ، شبكاتُ تواصلٍ تُصوغُ خطابًا واعيًا يُعرّفُ بالقضيةِ وجهودِ التحريرِ، ويُبطلُ دعاوى التهوينِ والتشويةِ.

ثالثًا: ترسيخُ ثقافةِ الجهادِ والتضحيةِ في مناهجِ التربيةِ والدعوةِ؛ فلا بدَّ أن نعلِّمَ أجيالًا ترى في التضحيةِ قيمةً، وفي الدفاعِ عن المظلومِ شرفًا، مع حفظِ الحكمةِ والمنهجِ الشرعيِّ الذي يميّزُ العملَ المشروعَ عن كلِّ ما سوى ذلك.

رابعًا: دعمُ المقاومةِ بكلِّ أشكالِها؛ فالكلمةُ، المالُ، الدعاءُ، الوعيُ، الموقفُ
كلُّ شخصٍ ومؤسسةٍ يمكنُ أن تُسهمَ: بدعمٍ إنسانيٍّ، بتوعيةٍ إعلاميةٍ، بفِكرٍ يُعضدُ جبهةَ الحقِّ، وبمواقفٍ سياسيةٍ وعمليةٍ تحقِّقُ صمودَ المُقاومينَ وتخفِّفُ عن المدنيينَ.
خامسًا: الإيمانُ بأن الطوفانَ ليس حدثًا عابرًا؛ بل محطةٌ في مسيرةِ الأمةِ نحو الخلافةِ الراشدةِ؛ فليسَ الهدفُ أن نحتفلَ بحدثٍ وننساهُ؛ بل أن نقرأهُ قراءةً تُنتجُ خططًا عملانيةً لمواصلةِ المسيرِ: إصلاحٌ داخليٌّ، توعيةٌ عامةٌ، وتجديدٌ في الأداءِ السياسيِّ والدعويِّ.

□ ختاما: نؤكدُ أنَّ طوفانَ الأقصى لم يكن معركةَ حدودٍ فقط؛ بل كانَ معركةَ هويةٍ وأُمّةٍ؛ وأنَّ ما يتبدّى اليومَ من آلامٍ يجبُ أن يتحوّلَ إلى درسٍ ومعلمٍ يُعيدُ للأمةِ بوصلةَ عزّها وكرامتها. فالبشارةُ قريبةٌ بإذنِ الله لمن تمسّكَ بأسسِ الحقِّ وآمنَ بأنَّ النصرَ موعودٌ لمن يثبتُ على منهجِه. قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾ [الحج: 40]. [المصحف: الحج: 40].

وندعو للثباتِ على خطِّ الجهادِ والمقاومةِ حتى يتحقّقَ وعدُ الله تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا﴾ [الملك: 27].

هذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير، محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ ۚ يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب : 56].
اللهم صل وسلم وبارك على النبي وآله وارضَ عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعلينا معهم برحمتك وفضلك يا رب العالمين!

اللهمّ يا مُغيّرَ الأحوالِ، يا مُدبّرَ الأيّامِ، كما تبدّلُها حكمتك فاجعل هذا الطوفانَ فتوحةً ورحمةً وبلاءً ممحصًا يرفعُ درجاتِ المؤمنينَ ويُمهِدُ لنصركَ القريبِ.

اللهمّ نصراً مَجيدًا للمُجاهدينَ على طريقِ الحقِّ، وثباتًا لا يَلينُ، وصبراً جميلًا يبلّغهم مرادَك ويجعل كفّهم عزّاً ودفاعًا عن المقدّساتِ والأراضيِ، واجعلهم سببًا لكرامةِ أمتنا ورفعتها.

اللهمّ ألبس الأقصى والعِزةَ تاجاً لا يُنزع، واحفظَ القدسَ ومرابِطِهَا ومقدّساتِنا، واجعلها قبلةَ قلبِ كلِّ مؤمنٍ ونبراسَ هدايةٍ للأمةِ.

اللهمّ ارحم شهداءَنا، واغفر لهم، واجعل قبورَهم روضاتٍ من رياضِ الجنة، وارحم أمهاتِهم وذويهم وداوِ جراحَ المكلومينَ، وارفع عن المدنيينَ البلاءَ وارزقهم السّدّ والدواءَ والغذاءَ والرحمةَ.

اللهمّ قوّ قلوبَنا ووحّدَ صفوفَنا على كتابِك وسُنّةِ نبيّك، وأصلِحْ شؤونَنا الداخليةَ، وامنحْ علماءَنا وحُكماءَنا حكمةَ الرأيِ والصبرَ على الحقِّ، واهدِ الأنظمةَ إلى موقفِ العدالةِ والإنصافِ.

اللهمّ كفّف عن المستضعفينَ ظُلمَ الظالمينَ، وأخذِلْ أعداءَ الحقِّ وخيّبَ كيدَ المُعتدينَ، واجعلَ كلمتَنا كلمةَ صدقٍ ومنهجَنا طريقَ حقٍّ يسوقُ للعدلِ والإنصافِ.

اللهمّ اجعل هذا الطوفانَ مدرسةً لتربيةِ الأمةِ على الجهادِ بالعلمِ والعملِ والإعدادِ، وقدّرْ لنا بناءَ جبهةِ وعيٍ عالميّةٍ تنصُرُ الحقَّ وتكشفُ الباطلَ، وارزقْنا السدادَ في القولِ والفعلِ.

اللهمّ اهدِ النفوسَ الضالّةَ، وثبّتِ المواقفَ الضعيفةَ، وارفع عنا أدواءَ اليأسِ والفرقةِ، واجعلنا من الذين قال فيهم ربّنا: «وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».

اللهمّ اجعل خاتمتَنا خيرًا، ونصرك مقرونًا بعملٍ صالحٍ، واجمعُ كلمَنا على ما يرضاكَ، واسقِنا من يدِ النبيّ شربةَ هُدى ونجاةٍ يومَ اللقاءِ.

عباد الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
2025/10/09 01:15:05
Back to Top
HTML Embed Code: