Telegram Web
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*التكافل والتراحم في الفتن والشدائد*
*للشـيخ / حــســــان الـعـمــاري*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبة الأولى:*
الحمد لله الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه، وتوحد في صمديته بدوام بقائه، ونور بمعرفته قلوب أوليائه، وطيب أسرار القاصدين بطيب ثنائه، وأسبغ على الكافة جزيل عطائه، وأمن خوف الخائفين بحسن رجائه، الحي العليم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أرضه ولا سمائه، القدير لا شريك له في تدبيره وإنشائه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.

يا رب:
أنا من أنا .. أنا في الوجود وديعة *** وغدا سأمضى عابرا في رحلتي
أنا ما مدت يدي لغيرك سائل *** فارحم بفضلك يا مهيمن ذلتي

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد، عبدُ الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته، واقتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله: لقد حرص الإسلام على بناء المجتمع المسلم البناء القوي والمنيع الذي يستطيع به أن يواجه الكوارث والأزمات، والفتن والتحديات في هذه الحياة.

ومن تتبع آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحياة المجتمع المسلم في القرون الأولى، يجد الكثير من النصوص الشرعية، والتوجيهات النبوية، والصور الرائعة، والممارسة العملية، التي تبين أهمية ذلك؛ من خلال الدعوة إلى التعاون والتكافل والتراحم والتعاطف، في كل وقت.

وأما عند نزول المصائب، وحلول الكوارث، وحدوث الفتن والشدائد،؛ فإن الأمر يكون أوجب، والأجر يكون أعظم، قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) [النساء:36].وقال -سبحانه وتعالى-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:71].

كما أن الفرد مأمور بإجادة أدائه الاجتماعي، بأن يكون وجوده فعالاً ومؤثراً في المجتمع الذي يعيش فيه، قال الله -تعالى-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2].

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" [البخاري: 467].

وقد بين الرسول -صلى الله عليه وسلم- حال أفراد المجتمع في تماسكهم وتكافلهم بصورة تمثيلية رائعة، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [مسلم:2586].

بل لا بد للمسلم في زمن المصائب والشدائد والفتن أن يتنازل عن حظوظ نفسه، ومصالحة الشخصية، من أجل مصلحة العامة، فالطمع والجشع، وحب الذات، يظهر في النفوس؛ لأنه لا يثبت على الأخلاق العظيمة في مختلف الظروف إلا العظماء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا، هم أهل المعروف في الآخرة" [صححه الألباني في صحيح الجامع].

هذا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في عام الرمادة، وقد اشتد بالمسلمين الفقر والجوع، بسبب القحط، جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت، والزبيب، فجاءه تجار المدينة ، وقالوا له: تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين؟ فقال عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لهم: لقد بعتها بأكثر من هذا، فقالوا: نزيدك الدرهم بخمسة؟ فقال لهم عثمان -رضي الله عنه-: لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة، فقالوا له: فمن الذي زادك؟ وليس في المدينة تجار غيرنا؟ فقال لهم عثمان -رضي الله عنه-: لقد بعتها لله ولرسوله، فهي لفقراء المسلمين.

ماذا لو لم يكن يحمل بين جوانحه ضمير المؤمن الحي، لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموال طائلة، ولو كانت على حساب البطون الجوعى، والأجساد العارية، وآهات المرضى والجرحى والثكالى، وهموم أصحاب الحاجات!.

وقد وصف الله المجتمع المسلم، وهو في أحلك الظروف، وأشد الأوقات، عندما هاجر المسلمون إلى المدينة، وقد تركوا أموالهم وأعمالهم وتجارتهم، بسبب قريش وأعمالها العدائية ضدهم، لكنهم وجدوا الأنصار في المدينة أهل إيمان وتقوى، وحب للخير، فقد قسموا كل ما يمتلكون بينهم وبين إخوانهم المهاجرين، في هذا الوقت العصيب من حياتهم، فخففوا العبء عنهم والشدة، فخلد الله ذكرهم، وشكر لهم ذلك العمل، فقال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن
قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر:9]

أيها المؤمنون.. عباد الله: ما أحوجنا إلى هذه المعاني السامية، وما أشد افتقارنا إلى التخلق بالرحمة والتعاطف والتكافل، وهذه القيم العظيمة التي تضمّد جراح المنكوبين، والتي تواسي المستضعفين المغلوبين، وتدخل السرور على المحزونين، وتعين المشردين والنازحين، بسبب الحروب والصراعات، والمشاكل والفتن، ولا سيما في هذا العصر، الذي تتعرض فيه كثير من بلاد المسلمين للشدائد والمحن، والذي تلاشت فيه الرحمة من أكثر الخلق، وقست فيه القلوب، فلا يسمع في هذا العصر لصرخات الأطفال، ولا لأنين الثكلى، ولا لحنين الشيوخ، ولا لكلمة الضعفاء، لا يسمع فيه إلا للغة القوة، ومنطق القدرة، ومبدأ المصلحة الشخصية، فأين نحن قول رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته، حتى يثبتها له أثبت الله -تعالى- قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل" [صحيح الجامع: 176].

وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- صورة من صور المجتمع المسلم، وهم في أحلك الظروف، وأشد الأوقات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا -أي: فني زادهم- فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ" [البخاري: 2354].

وأكد -صلى الله عليه وسلم- على علاقة المسلم بأخيه المسلم، فقال: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [البخاري:2310].

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله" [صححه الشيخ شاكر في تخريج المسند:4880].

بل قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- قوم من مضر عراة ليس عليهم إلا كساء من صوف، وعليهم آثار الفاقة والحاجة، فتغير وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى من حالتهم، وكان أرحم بالناس من أنفسهم، فقام فصلى بالناس، ثم خطب بهم، فقال: "تصدق رجل من ديناره ، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة" فجاء، رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتهلل كأنه مذهبة -يشبه الذهب من الفرح-؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" [رواه مسلم].

فالمسلم لا يعيش لنفسه وحسب، بل لابد أن يتعدى نفعه، وخيره للآخرين، وفي وقت الشدائد والمحن والنكبات يكون الأمر أعظم، وفيه تظهر صورة المجتمع المسلم المتماسك والمتراحم والمتعاون، كما أمر الشرع بذلك، قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) [الأنبياء:73]. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77].

اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ما فسد من أحوالنا ...

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


*الخطبة الثانية:*
الحمد لله على فضله وإحسانه وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:
عباد الله: ليقوم كل واحدٍ منا بواجبه تجاه الآخرين من حوله، خاصة مثل هذه الأيام والشدائد والمحن، والحروب والصراعات، تعصف ببلادنا وبالمسلمين عصفاً، حتى رأينا انعدام الكثير من المواد الغذائية، والمشتقات النفطية، والمواصلات، وتوقفت الأعمال، ومصادر دخل الكثير من الأفراد والأسر، وارتفاع الأسعار.

وهناك الكثير من الفقراء والمحتاجين والمساكين، ومن انقطعت بهم السبل والمشردين والنازحين من المدن والقرى، وهناك من لا مأوى لهم، وقد أنعم الله علينا من فضله، فلنجد على الآخرين من حولنا من فضل، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والعمل النافع خير تقدمه بين يدي الله ليوم القيامة، وإدخال السرور على الآخرين ليس له جزاء إلا الجنة، ودفع المصائب والفتن والكوارث، ومصارع السوء عن الفرد والأمة، لا يكون إلا بالتكافل والتراحم، والتعاطف والتسامح، وتقدير ظروف بعضنا البعض، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا، قالوا: تذكر، قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر، قال: قال الله -عز وجل-: تجوزوا عنه".

وفي رواية عند مسلم: "فقال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي" [مسلم:1560].

فأحسنوا العمل، وتراحموا فيما بينكم، وثقوا بالله، وتضرعوا بين يديه.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولها.

عبادَ اللهِ: وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين

اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
فيما يلي عشرة مخاطر لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤثر على الأفراد والمجتمعات:

1. إضاعة الوقت وضعف الإنتاجية:
يقضي كثير من الناس ساعات طويلة على هذه الوسائل مما يضعف تركيزهم ويقلل من إنجازهم الدراسي أو العملي.

2. العزلة الاجتماعية وضعف العلاقات الواقعية:
رغم التواصل الافتراضي، إلا أن كثرة استخدام هذه الوسائل قد تُضعف العلاقات الأسرية والاجتماعية الحقيقية.

3. نشر الشائعات والمعلومات المضللة:
تنتشر الأخبار الكاذبة بسرعة، مما يؤدي إلى اضطراب الرأي العام ووقوع الناس في اللبس والفتن.

4. انتهاك الخصوصية وسرقة البيانات:
مشاركة الصور والمعلومات الشخصية قد تعرّض المستخدمين للاختراق أو الابتزاز أو التتبع.

5. الابتزاز الإلكتروني والتحرش:
يستغل بعض ضعاف النفوس هذه الوسائل للتهديد أو الإساءة أو التلاعب بالآخرين.

6. تأثير سلبي على القيم والأخلاق:
التعرض المستمر للمحتوى الفاسد أو غير اللائق يُضعف الحياء ويُعوّد على المنكرات.

7. الاضطرابات النفسية:
مثل القلق والاكتئاب وقلة الثقة بالنفس بسبب المقارنة المستمرة مع الآخرين أو البحث عن الإعجابات والمتابعين.

8. إدمان الإنترنت:
يصبح الشخص متعلقًا بوسائل التواصل لدرجة يصعب عليه الانفصال عنها، مما يؤثر على نومه وصحته وحياته.

9. الفتن والنزاعات المجتمعية:
إذ تُستعمل هذه الوسائل لنشر الكراهية أو التحريض أو الإساءة إلى الجماعات والدول.

10. الاستغلال التجاري والتأثير في العقول:
تُستخدم في الترويج لمنتجات أو أفكار بطرق خفية، مما يوجّه سلوك الأفراد دون وعيهم.


الذكاء الاصطناعي

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
سأذكر لك — بلغة علمية رصينة ومنضبطة — عشرة مخاطر دينية واجتماعية وسياسية قد تترتب على تطبيع المسلمين مع اليهود (دولة الاحتلال الصهيوني)، استنادًا إلى ما يقرره العلماء والمفكرون في هذا الباب:

1. الإقرار بشرعية الاحتلال والغصب:
التطبيع يعني ضمنًا الاعتراف بشرعية اغتصاب أرض فلسطين، وهو إقرار بباطلٍ يخالف العقيدة والعدل الذي أمر الله به.

2. موالاة أعداء الله ورسوله:
قال تعالى: «وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ»، والتطبيع صورة من صور الموالاة المحرمة، إذ فيه مودة وتعاون مع من يحاربون الإسلام والمسلمين.

3. إضعاف عقيدة الولاء والبراء:
يؤدي التطبيع إلى تمييع المفاهيم العقدية، فيتربى جيل لا يفرق بين وليّ الله وعدوّه، مما يضعف هوية الأمة الإيمانية.

4. خداع الأمة وتشويه وعيها التاريخي:
تُقدَّم دولة الاحتلال كصاحبة “حق” أو “سلام”، فيُطمس التاريخ الحقيقي للجرائم والمجازر، ويُنسى دم الشهداء.

5. نشر الفكر الصهيوني والثقافة الدخيلة:
من خلال الإعلام والتعليم والتبادل الثقافي، مما يهدد القيم الإسلامية ويُبدّل المفاهيم العقدية والأخلاقية.

6. اختراق أمني واقتصادي لبلاد المسلمين:
يفتح التطبيع الباب أمام التجسس، ونهب الثروات، والتحكم في القرار السياسي والاقتصادي للأمة.

7. تفكيك وحدة الصف الإسلامي والعربي:
يؤدي إلى انقسام الأمة بين مؤيد ومعارض، ويضعف قضية فلسطين التي تمثل رمز وحدة المسلمين.

8. إضعاف روح الجهاد والمقاومة:
إذ يُربّى الناس على الاستسلام باسم “السلام”، ويُجرَّم الدفاع عن الأرض والمقدسات، فتُقتل روح العزة والإباء.

9. تمكين العدو من المقدسات الإسلامية:
وخاصة المسجد الأقصى، الذي يسعى الصهاينة لتهويده وهدم معالمه، والتطبيع يمنحهم غطاءً دوليًا لذلك.

10. إسقاط القدوة الدينية والسياسية:
حين يرى المسلمون أن قادتهم يوادّون من يحاربون الله ورسوله، تُصاب الأمة بالإحباط، وتفقد الثقة في مرجعياتها.

الذكاء الاصطناعي

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
*خُلـق الأمــــانة*
*للشيخ/ رمضان العجرمي*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبة الأولى:*
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أيها المسلمون عباد الله، إننا على موعد مع خُلُق مِن أخلاق الأنبياءِ والمرسَلين؛ خُلُق عظيم، وفضيلة من فضائل المؤمنين؛ إنه خُلُق الأمانة؛ فإننا بحاجةٍ كبيرة لأن نتحدَّث عن الأمانة؛ لأن التفريطَ فيها انتشر، ولأنَّ كثيرًا من الناس لا يبالون بتضييعها.

فقد عظَّم الله تعالى أمرَها، ورفع شأنها، وأعلى قَدْرَها؛ فبها تُحفَظ الحقوق، وتُؤدَّى الواجبات، وتُصان الدماء والأموال والأعراض، وبها تُعمر الديار والأوطان، ويُقام الدين، ويُعبَد الله في أرضه، وبها ينال العبد رِضا ربِّه، وثناء الناس له من حوله، فلا يستغني عنها الأفراد ولا الدول ولا الشعوب والمجتمعات، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

وقد أمر الله تعالى بها؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، وقال تعالى: ﴿ فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ ﴾ [البقرة: 283]، ونهى عن ضدِّها وهي الخيانة؛ كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27].

وأثنى على أهلها ممن يحافظون عليها؛ كما قال الله تعالى في وَصفِ عبادِه المفلحين المؤمِنين: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].

ومعنى أداء الأمانة كما ذكر العلماء: توصيلها إلى أصحابها كما هي من غير بخس أو تطفيف أو تحريف أو غير ذلك؛ فهيَّا بنا نقف مع الأمانة هذه الوقفات:

الوقفة الأولى: فضائل وثمرات خُلُق الأمانة:

1- إن الأمانة لهي علامة من علامات إيمان العبد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم))؛ [سنن الترمذي، وقال: حسن صحيح].

وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالْمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ))؛ [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

2- إن الأمانة وحفظها هي سِرُّ السعادة في الدنيا والآخرة؛ فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربعٌ إذا كُنَّ فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحُسْن الخُلُق، وعِفَّة مطعم))؛ [صحيح الترغيب].

3- إن حفظ الأمانة وعدم تضييعها سبب من أسباب نيل محبة الله تعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَرَّه أن يحبَّه الله ورسوله فليصدُق حديثه إذا حدَّث، وليُؤدِّ أمانته إذا ائتمن))؛ [رواه البيهقي وحسَّنَه الألباني].

4- إن الأمانة مَن حفظها وأدَّاها ولم يُضيِّعها كانت سببًا من أسباب دخول الجنة؛ بل ضمن له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اضمنوا لي سِتًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم))؛ [رواه أحمد، وحسَّنَه
الألباني في صحيح الجامع].

5- الأمانة يكفيها أهمية وفضلًا أنها من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد عُرِف بها صلى الله عليه وسلم، ولُقِّبَ بها قبل البعثة؛ ولذلك لما نزل عليه الوحي قالت له خديجة رضي الله عنها وهي تطمئنه: (فواللهِ إنك لتؤدِّي الأمانة، وتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصدُق... الحديث).

وقصة وضع الحجر الأسود مشهورة؛ حيث فرح القوم بمقدِمِه صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا الأمين، وفي قصَّة هرقل مع أبي سفيان رضي الله عنه، لما قال له هِرَقل: سألتُك عن ماذا يأمركم؟ فزعمتَ أنه يأمُر بالصلاة، والصِّدق، والعفاف، والوفاءِ بالعهد، وأداء الأمانة، وهذه صِفَة نبيٍّ؛ [متفق عليه].

أمَّا أمانته بعد البعثة: فقد أدَّى الرَّسول صلى الله عليه وسلم الأمَانَة الكبرى التي تكفَّل بها وهي الرِّسالة أعظم ما يكون الأداء، وتحمَّل في سبيلها أعظم أنواع المشقَّة.

6- وحفظ الأمانة وعدم تضييعها من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((ألا ومن كانت عنده أمانة فليُؤدِّها إلى من ائتمنه عليها)) وبسط يده، فقال: ((ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟))، ثم قال: ((ليبلغ الشاهد الغائب؛ فإنه رُبَّ مبلغ أسعد من سامع))؛ [رواه أحمد وأبو داود].

7- ومما يبين عظمها وأهميتها أنها تؤدَّى حتى للبرِّ والفاجر؛ قال ميمون بن مهران: (ثلاثة يؤدين إلى البرِّ والفاجر: الأمانة، والعهد، وصِلة الرحم).

ولما جاء الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة ترك عليًّا رضي الله عنه في مكة لأداء الأمانات، ورد الودائع إلى أهلها، برغم ما فعلوه معه ومع أصحابه الكِرام من اضطهاد وإيذاء؛ ولكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعلِّمنا هذا الخُلُق العظيم؛ فأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثلاث ليالٍ وأيامها، حتَّى أدَّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لَحِق برسول الله صلى الله عليه وسلم.

8- الأمانة بها يعلو شأن الإنسان إذا اتَّصَف بها، فقد رفع بها النبي صلى الله عليه وسلم شأنَ أبي عبيدة رضي الله عنه، فلَمَّا أتى صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا: "ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا، ولا تَبْعَثْ مَعَنَا إلا أَمِينًا"، فقالَ: ((لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ))، فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: ((قُمْ يا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ))، فَلَمَّا قَامَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((‌هَذا ‌أَمِينُ ‌هذهِ ‌الأُمَّةِ))؛ [رواه البخاري].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ))؛ [رواه البخاري].

9- الأمانة من صفات صفوة الخلق من الأنبياء والمرسلين، فما من نبيٍّ إلا وقد قال لقومه وهو يدعوهم: ﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾ [الشعراء: 107، 108].

واتَّصَف بها موسى عليه السلام؛ كما قال الله تعالى: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، واتَّصف بها هودٌ عليه السلام؛ كما قال الله تعالى عنه وهو يخاطب قومه: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ [الأعراف: 68]، ولما اتَّصف بها يوسف عليه السلام؛ جعلت الملك يقول له: ﴿ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴾ [يوسف: 54]، وقد وصف الله تعالى بها جبريل عليه السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ [الشعراء: 193]، وقال تعالى: ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: 21].

10- حفظ الأمانة وعدم تضييعها من أعظم أسباب تفريج الكربات؛ ففي خبر الثلاثة الذين آوَاهُمُ الْمبِيت في الغار وانطبقت عليهم الصخرة؛ فتوسَّل كل منهم بصالح الأعمال فقال أحدهم: ((.. اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجرَاءَ وَأَعْطَيْتُهمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي له وَذَهبَ فثمَّرت أجْرَهُ حَتَّى كثرت منه الأموال، فجاءني بَعدَ حِينٍ، فَقالَ: يَا عبدَاللهِ، أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى منْ أَجْرِكَ: مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَم وَالرَّقِيق، فقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، لا تَسْتهْزئ بي، فَقُلْتُ: لا أَسْتَهْزئ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْه شَيْئًا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فخرَجُوا يَمْشُونَ)).

الوقفة الثانية: خطورة تضييع الأمانة:
1- تضييع الأمانة علامة على نقص الإيمان، وآية من آيات المنافقين؛ كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آيةُ المنافقِ ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعَدَ أخلَفَ، وإذا ائْتُمِنَ خان))؛ [البخاري].

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له))؛ رواه أحمد في مسنده، وفي الصحيحين عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا: ((أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ (أي: في وسطها)، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ))، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: ((يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ....، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا! وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ! وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ)).

2- تضييع الأمانة من صفاتِ اليهود؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾ [آل عمران: 75].

3- ولخطورة تضييع الأمانة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من ضدِّها وهي الخيانة.

فتأمَّل هذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهُمَّ إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة)).

4- وتضييع الأمانة علامة من علامات الساعة؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ، جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: ((أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟))، قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((فَإِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ))، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: ((إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَة)).

وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الزمن الذي تُقلَب فيه الحقائق وتُزوَّر الوقائع، وتُغيَّر العناوين، فقال: ((سيأتي على الناس سنوات خدَّاعات يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلَّم في أمر العامة))؛ [ابن ماجه في سننه، وصحَّحه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه].

5- خائن الأمانة مفضوح يوم القيامة على رؤوس الأشهاد؛ ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الْغَادِرَ يَنصِبُ اللهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَلَا هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ)).

نسأل الله العظيم أن يهدينا لأحسن الأخلاق، وأن يرزقنا الأمانة في الأقوال والأفعال.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله،وإحسانه،وأشكره على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه،وسلَّم تسليماً كثيرًا، أما بعد:

صور من الأمانات التي يجب حفظها؛ (مجالات الأمانة)

فإن الأمانة مفهومها واسع في دين الإسلام؛ فهي لا تقتصر على حفظ ودائع الناس فقط كما يظن البعض؛ وإنما هي تشمل كل ما ائتُمن عليه العبد من الحقوق سواء أكانت هذه الحقوق لله تعالى أو للعباد، وسواء أكانت في الأفعال أو الأقوال، ويمكن تقسيم المجالات للأمانة التقسيم التالي:

أولًا: الأمانة التي تتعلق بحقوق الخالق جل جلاله؛ وهي أمانة التكليف، وأمانة القيام بالعبادات والواجبات:

وأعظم أمانة هي أمانة التوحيد؛ بحفظه من شوائب الشرك؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 172].
والصلاة أمانة في عنقك، تؤدِّيها في أوقاتها كاملة الشروط والواجبات والأركان، والصيامُ أمانةٌ بينك وبين الله، والزكاةُ أمانة، والله مُطَّلِعٌ عليك في أدائها كاملةً أو ناقصةً، وَالْمُؤَذِّنُ أَمِينٌ عَلَى الوَقْتِ؛ كما قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ))؛ [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ].

ثانيًا: الأمانة التي تتعلَّق بحقوق الخلق؛ وذلك في المعاملات وغيرها:

ومنها الأمانة في البيع والشراء والتجارة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا))، وقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ، مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))؛ [رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه، وَقَالَ عَنْهُ الذَّهَبِيُّ: حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ].

ومنها الأمانة في العهود والمواثيق والمواعيد والوفاء بالديون؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ [البقرة: 283].

ومنها الأمانة في حفظ الأسرار؛ كما قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ))؛ [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ].

ومنها الأمانة التي تتعلَّق بحقوق الجيران، ومنها الأمانة في بذل النصيحة لِمَن استنصحك، وإبداء الرأي السديد لمن استشارك؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ))؛ [رواه أبو داود والترمذي]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ؛ فَقَدْ خَانَهُ))؛ [رواه أبو داود].

ثالثًا: الأمانة التي تتعلَّق بحقوق الأسرة، فهناك أمانة تتعلَّق بحق الوالدين؛ ببرِّهما والإحسان إليهما، والدعاء لهما في حياتهما وبعد موتهما.

وأمانة تتعلَّق بحق الزوجة؛ وذلك بالنفقة عليها، وحسن معاشرتها، وحفظ أسرار الزوجية؛ ففي صحيحِ مسلمٍ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)).

وأمانةٌ تتعلَّق بحق الأبناء؛ وذلك بحسن تربيتهم، وأمانة تتعلَّق بذوي القربى والأرحام؛ وذلك بصلتهم وتعاهدهم.

رابعًا: الأمانة التي تتعلَّق بحفظ النفس؛ فهذه النفس التي أودعها الله تعالى فيك أمانة، والصحة أمانة، والجوارح أمانةٌ عندك، وسوف تسأل عنها يوم القيامة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].

خامسًا: الأمانة التي تتعلَّق بالوظائف العامة؛ فكُلٌّ في مجاله مؤتمن، فقد سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم الوظائف أمانات، ونصح الضعفاء عن عدم طلبها والتعرُّض لها؛ ففي صحيح مسلم أن أبا ذَرٍّ رضي الله عنه سأله أن يستعمِلَه فضرب بيده على منكبه، وقال: ((يا أبا ذَرٍّ، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلَّا مَنْ أخذها بحقِّها، وأدَّى الذي عليه فيها)).

والله سبحانه تعالى سائلٌ كلًّا عمَّا ائتمنه عليه؛ ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كُلُّكم راعٍ وكُلُّكم مسئولٌ عن رعيَّتِه))، وفي الصحيحين عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته إلَّا حرَّم اللهُ عليه الجنة))، وفي رواية: ((فلم يحطها بنصحه، لم يرح رائحة الجنة)).

الوقفة الخامسة والأخيرة: صور مضيئة في حفظ الأمانات:

قال ابن جرير: لما قدم بسيف كسرى مع بقية الكنوز، قال عمر رضي الله عنه: (إن أقوامًا أدَّوا هذا لذوو أمانة)، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إنك عففت يا أمير المؤمنين فعفَّت الرعية)، فدفعوا الأموال لعمر رضي الله عنه، فلما رآها بكى، فقال: (والله الذي لا إله إلا هو، إن قومًا دفعوها إليَّ لأمناء).

وهذا رجل بينما هو يسير بجانب بستان إذ وجد تفاحةً ملقاةً على الأرض، فتناول التفاحة وأكلها، ثم حدَّثَتْه نفسُه بأنه أتى على شيء ليس من حقِّه؛ فأخذ يلوم نفسه وقرَّر أن يرى صاحب هذا البستان، فإمَّا أن يُسامحه، أو أن يدفع له ثمنها، وذهب الرجل لصاحب البستان وحدَّثَه بالأمر فاندهش صاحب البستان لأمانة الرجل، وقال له: ما اسمك؟ قال له: ثابت، قال له: لن أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط؛ أن تتزوَّج ابنتي، واعلم أنها خرساء عَمْياء صَمَّاء مشلولة؛ إما
أن تتزوَّجَها، وإمَّا لن أسامحك في هذه التفاحة، فوجد ثابت نفسه مضطرًّا؛ يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فوجد نفسه يوافق على هذه الصفقة، وحين حانت اللحظة التقى ثابت بتلك العروس، وإذ بها آية في الجمال والعلم والتُّقَى؛ فاستغرب كثيرًا لماذا وصفها أبوها بأنها صمَّاء مشلولة خرساء عَمْياء؟! فلما سألها قالت: أنا عمياء عن رؤية الحرام، خرساء صمَّاء عن قول وسماع ما يغضب الله، ومشلولة عن السير في طريق الحرام.

فكان من ثمرة هذا الزواج الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، فنشأ أبو حنيفة وتربَّى على الأمانة، فيوم أن جاءت امرأة إلى أبي حنيفة تبيع له قطعة من قماش فقال لها: كم ثمنها؟ قالت: مائة درهم، فقال: كلا، إنها تساوي أكثر من ذلك، فقالت المرأة: أتهزأ بي، قال: لا، فأحضَرَ رجلًا آخر يُسعِّرها فقال: إنها تساوي خمسمائة درهم.

وكان لأبي حنيفة رحمه الله شريك في التجارة، يقال له بِشْر، فخرج بِشر في تجارته بمصر، فبعث إليه أبو حنيفة سبعين ثوبًا من ثياب خَزٍّ، فكتب إليه: إن في الثياب ثوبَ خَزٍّ معيبًا بعلامة كذا، فإذا بِعْتَه فبيِّن للمشتري العيب، قال: فباع بِشْر الثياب كلها، ورجع إلى الكوفة، فقال أبو حنيفة: هل بيَّنت ذلك العيب الذي في الثوب الخزِّ؟ فقال بِشْر: نسيت ذلك العيب، قال: فتصدَّق أبو حنيفة بجميع ما أصابه من تلك التجارة، (الأصل والفرع جميعًا) قال: وكان نصيبه من ذلك ألف درهم، وقال: مالٌ قد دخلَتْ فيه الشُّبْهة، فلا حاجة لي به.

وهذا ابن المبارك رحمه الله يعود من مَرْو في خراسان إلى الشام ليرد قلمًا استعاره من صاحبه، ومكث في هذه الرحلة شهرًا كاملًا.

وهذا العالم الجليل عقيل رحمه الله يقول عن نفسه: حججت عامًا فالتقطت عقد لؤلؤ في خيط أحمر، فإذا شيخ ينشده، ويبذل لمن وجده مائة دينار، فرددته عليه، فقال: خذ الدنانير، فامتنعت وخرجت إلى الشام، وزرت القدس، وقصدت بغداد، ثم وصلت إلى حلب وبِتُّ في مسجد وأنا بردان جائع، فقدَّموني، صليت بهم، فأطعموني، وكان أول رمضان، فقالوا: إمامنا تُوفِّي فصلِّ بنا هذا الشهر، ففعلت، فقالوا: لإمامنا بنت فزوَّجوني بها، فأقمت معها سنة، وولدت ولدًا بكرًا، فمرضت في نفاسها، فتأملتُها يومًا فإذا في عنقها العقد بعينه بخيطه الأحمر، فقلت لها: من أين لك هذا العقد؟ فقالت: إنَّ أباها كان له مال وفير وقد اشترى هذا العقد عندما ذهب إلى الحج وضاع هناك فوجده شاب وأبى أن يأخذ مكافأته من أبي؛ قال: فحكيت لها، فبكت وقالت: أنت هو والله، لقد كان أبي يبكي، ويقول: اللهم ارزق ابنتي مثل الذي رد العقد عليَّ وقد استجاب الله منه.

نسأل الله العظيم أن يرزقنا الأمانة والأخلاق الفاضلة.

عباد الله : صلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتبع رضاك يا رب العالمين
اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا يا رب العالمين

اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]
(رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*الصلاة وعقوبة تاركها*
*للشـيخ/ صـلاح الـبـديـر*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبة الأولى:*
الحمد لله الذي أكمل علينا الدين وأتم علينا النعمة وجعل أمتنا خير أمة وبعث رسول منا يتلو علينا آيته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، أحمده على نعمه الجمة وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له.. وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله أرسله ربه للعالمين رحمة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تبقى وسلام يترى.

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله فإن تقواه أفضل مكتسب وطاعته أعلى نسب ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102].

أيها المسلمون: لقد أنعم الله عليكم بنعم سابغة وآلاء بالغة، نعم تركنون في أعطافها ومنن أسبلت عليكم جلابيبها وإن أعظم نعمة وأكبر منة هي نعمة الإسلام والإيمان يقول تبارك وتعالى ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) [الحجرات: 17]، فاحمدوا الله على ما أولاكم واشكروه على ما إليه هداكم حيث جعلكم من خير أمة أخرجت للناس وهداكم إلى معالم هذا الدين الذي ليس به التباس..

ألا وإن من أظهر معالمه وأعظم شعائره وأنفذ ذخائره الصلاة ثانية أركان الإسلام ودعائمه العظام، هي بعد الشهادتين آكد مطلوب وأعظم معروض وأجل طاعة وأرجى بضاعة من حفظها حفظ دينه ومن أضاعها فهو لما سواها أضيع، هي عمود الديانة ورأس الأمانة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة " جعلها الله قرة للعيون ومفزعا للمحزون فكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة ويقول: " وجعلت قرة عيني في الصلاة " وكان ينادي " يا بلال أرحنا بالصلاة ".

فكانت سروره وهنأه قلبه وسعادة فؤاده صلوات الله وسلامه عليه، هي أحسن ما قصده المرء في كل مهم، وأولى ما قام به عند كل خطب مدلهم خضوع وخشوع واضطراب وافتقار ودعاء وثناء وتحميد وتمجيد وتذلل لله العالي الحميد يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنه يناجي ربه " متفق عليه.

أيها المسلمون: الصلاة هي أكبر وسائل حفظ الأمن والقضاء على الجريمة وأنجح وسائل التربية على العفة والفضيلة ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) [العنكبوت: 45]، هي سر النجاح وأصل الفلاح وأول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر، المحافظة عليها عنوان الصدق والإيمان، والتهاون بها علامة الخذلان والخسران.

طريقها معلوم وسبيلها مرسوم من حافظ عليها كانت له نور وبرهان ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع فرعون قارون وهامان وأبي أبن خلف، من حافظ على هذه الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله وجبت له الجنة، نفحات ورحمات وهبات وبركات بها تكفر السيئات وترفع الدرجات وتضاعف الحسنات يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا " متفق عليه، عبادة تشرق بالأبد في لجة الظلمات، وتنقذ المتردي في درب الضلالات، وتأخذ بيد البائس من قعر بأسه واليأس من درك يأسه إلى طريق النجاة والحياة ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) [هود: 114].

أيها المسلمون: إن مما يندى له الجبين ما فشى بين كثير من المسلمين من التفريط والتضييع لهذه الصلاة العظيمة فمنهم التارك لها بالكلية، ومنهم من يصلي بعض ويترك البقية، لقد خف في هذا الزمان ميزانها وعظم هجرانها وقل أهلها وكثر مهملها، يقول الزهري رحمه الله " دخلت على أنس بن مالك في دمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت " أخرجه البخاري.

أيها المسلمون: إن من أكبر الكبائر وأعظم الجرائر ترك الصلاة تعمداً وإخراجها عن وقتها كسلا وتهاون يقول النبي صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " أخرجه أحمد ويقول عليه أزكى الصلاة والسلام " بين الرجل والكفر أو الشرك ترك الصلاة " أخرجه مسلم.
ومن فوََت صلاة من الصلوات كمصيبة سلب الأموال والضيعات وفقد الزوجة والبنين والبنات يقول النبي صلى الله عليه وسلم " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " صححه ابن حبان، وغضب الله ومقته حال على تارك الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " من ترك الصلاة لقي الله وهو عليه غضبان " أخرجه البزار، وقال جل وعلى ( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى )، ويقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم محذراً ومنذراً " لا تتركن صلاة متعمداً. فإنه من ترك صلاة متعمداً برئت منه ذمة الله وذمة رسوله " أخرجه الطبراني، ويقول عبد الله ابن شقيق رحمه الله تعالى " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيء من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " أخرجه الترمذي.

أيها المسلمون: إن التفريط في أمر الصلاة من أعظم أسباب البلاء والشقاء ضنك دنيوي وعذاب برزخي وعقاب أخروي ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً )، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا " إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيفدغ رأسه أي يشدقه، فيتدهده الحجر ها هنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى قال – قلت لهما سبحان الله، سبحان الله، ما هذان فقالا في آخر الحديث: إخبارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما رآه أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يفلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة " أخرجه البخاري.

فيا عبد الله، يا عبد الله، يا عبد الله: كيف تهون عليك صلاتك وهي رأس مالك وبها يصح إيمانك، كيف تهون عليك صلاتك وأنت تقرأ الوعيد الشديد في قول الله جل وعلى ( فَويْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) [الماعون: 4 – 5]، كيف تتصف بصفة من صفات المنافقين الذين قال الله عنهم ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) [النساء: 142].

أيها المسلمون: الصلاة عبادة عظيمة لا تسقط عن مكلف بحال ولو في حال الفزع والقتال ولو في حال المرض والإعياء ما عدا الحائض والنفساء يقول الله جل وعلى ( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ ) [البقرة: 239]، فيا عباد الله أقيموا الصلاة لوقتها وأسبغوا لها وضوئها وأتموا لها قيامها وركوعها وسجودها وخشوعها تنالوا ثمرتها وبركتها وقوتها وراحتها.

أيها المسلمون: جاءت الأدلة الشرعية الصحيحة الصريحة ساطعة ناصعة على وجوب صلاة الجماعة على الرجال حضراً وسفراً يقول تعالى ( وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ ) [البقرة: 43]، مع المقتضية للجمعية والمعية ويقول الله تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو في ساحة القتال وشدة النزال ( وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ ).

ويقول عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: " من سره أن يلقى الله غداً مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو إنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد رأيتنا، وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف " أخرجه مسلم.

يا شباب الإسلام.. يا أصحاب القوة والفتوة: هذا ابن أم مكتوم رضي الله عنه وأرضاه يقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويقول يا رسول الله قد دبرت سني ورق عظمي وذهب بصري ولي قائد لا يلايمني قياده إياي فهل تجد لي رخصة أصلي في بيتي الصلوات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تسمع المؤذن في البيت الذي أنت فيه قال نعم يا رسول الله ,قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أجد لك رخصة ولو يعلم هذا المتخلف عن الصلاة في الجماعة ما لهذا الماشي إليها لأتاها ولو حبوا على يديه ورجليه" أخرجه الطبراني في الكبير.
واشتد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المتخلفين عن جماعة المسلمين فقال عليه الصلاة والسلام " لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار‏" متفق عليه، ويقول أبو هريرة رضي الله عنه " لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاص مذاب خير له من أن يسمع النداء ولا يجيب ".

أيها المتخلف في بيته عن أداء الصلاة جماعة في بيوت الله: أصخ السمع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من سمع المنادي للصلاة فلم يمنعه من إتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلى، قيل وما العذر يا رسول الله – قال خوف أو مرض " أخرجه أبو داوود، وتعظم المصيبة وتكبر الخطيئة حين يكون المتخلف عن صلاة الجماعة ممن يقتدى بعمله ويتأسى بفعله وهي أعظم خطر وأشد ضرر حين يكون المتخلف ممكن ينتسب إلى العلم وأهله يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه " ما بال أقوام يتخلفون عن الصلاة فيتخلف لتخلفهم آخرون لأن يحضروا الصلاة أو لأرسلن عليهم من يجافي رقابهم ".

أيها المسلمون: تلك أدلة ونصوص لاح الحق في أكنافها وظهر الهدى في بيانها، ولقد أفصحت الرسل لولا صمم القلوب ووضحت السبل لولا كدر الذنوب.

أيها المسلمون: لقد كثر المتخلفون عن أداء الصلاة مع الجماعة في المساجد، رجال قادرون أقوياء يسمعون النداء صباح مساء فلا يجيبون ولا هم يذكرون ألسنتهم لا غية وقلوبهم لاهية ران عليها كسبها وضل في الحياة سعيها، قد انهمكوا غوايتهم وتغولوا في عمايتهم التحفوا بسقبة الدهر، وتجللوا بأخبث سوئة وأشر، شغلوا عن الصلاة بكسبهم وبلهوهم ولعبهم ولو كانوا يجدون من الصلاة في المساجد كسب دنيوي ولو حقير دني لرأيتهم إليها مسرعين ولندائها مذعنين مهطعين، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء "متفق عليه.

أيها المسلمون: إن الواجب على المسلمين وولاتهم وعلمائهم وأئمتهم وأهل الحل والعقد فيهم تفقد هؤلاء المتخلفين وأطرهم على الجماعة أطرا وٌسرهم عليها قسرا فعن أببي أبن كعب رضي الله عنه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح " فقال أشاهد فلان قلنا نعم ولم يشهد الصلاة، ثم قال صلى الله عليه وسلم أشاهد فلان قلنا نعم ولم يشهد الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو تعلمون ما فيهما من الرغائب لأتيتموهما ولو حبوا " أخرجه أبو داوود.

فيا عبد الله: يا من يأتي المساجد في فتور وكسل ويقضي وقت قليل على ملل أما علمت أن المساجد بيوت الله وأحب البقاع إليه جل في علاه يقول النبي صلى الله عليه وسلم " المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة " أخرجه الطبراني، ويقول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. وذكر منهم ورجل قلبه معلق بالمساجد " متفق عليه، فيا من يتوانى ويتثاقل ويتساهل ويتشاغل لقد فاتك الخير الكثير والأجر الكبير يقول النبي صلى الله عليه وسلم " من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح " متفق عليه.

ومن تظهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة وإن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يأخرهم الله نعوذ بالله من الخذلان والخسران ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [النور: 36 – 38].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه..وأشهد أن نبينا وسيدنا محمد عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فيا أيها المسلمون اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه.. يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.
أيها المسلمون: اتقوا الله في أبنائكم، إتقوا الله في أبنائكم، إتقوا الله في أبنائكم، قرة عيونكم وتتابع نسلكم وذكركم فإنهم أمانة في أعناقكم مروهم بالمحتفظة على الصلوات وحضور الجمع والجماعات رغبوهم ورهبوهم وشجعوهم بالحوافز والجوائز نشئوهم على حي الآخرة وكنوا لهم قدوة صالحة ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) [ طه: 132].

ويقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم " مروا أبنائكم للصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين " أخرجه أحمد، واحذروا الملهيات والمغريات التي تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة والحوا على الله بالدعاء أن يصلح أولادكم وأولاد المسلمين، اللهم اجعلنا وذرياتنا وشبابنا وفتياتنا من مقيمي الصلاة، اللهم اجعلنا وذرياتنا وشبابنا وفتياتنا من مقيمي الصلاة، اللهم اجعلنا وذرياتنا وشبابنا وفتياتنا من مقيمي الصلاة برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وأيه بكم أيها المؤمنون من جنه وأنسه فقال قولا كريما: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) [الأحزاب: 56 ]
اللهم صلي وسلم على نبينا محمد وأرضى اللهم عن خلفائه الراشدين وزوجاته أمهات المؤمنين وأهله الطاهرين وسائر الصحابة أجمعين والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وفضلك وإحسانك يا أرحم الراحمين

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأخذل الطغاة والمعتدين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين..برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أنصر لإخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين، اللهم أنصر لإخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين، اللهم أنصر لإخواننا في فلسطين على اليهود الغاصبين يا قوي يا عزيز يا رب العالمين
اللهم إن اليهود قد طغوا وبغوا وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم وألقي الرعب في قلوبهم واجعلهم غنيمة للمسلمين وعبرة للمعتبرين يا رب العالمين
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء وعضال الداء وخيبة الرجاء
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجائة نقمتك وجميع سخطك
اللهم لا تشمت بنا أحد ولا تجعل لكافر علينا يد
اللهم أدم على بلاد الحرمين الشريفين أمنها ورخائها وعزها واستقرارها، ووفق قادتها لما فيه عز الإسلام والمسلمين وخدمة الحجاج والزوار والمعتمرين

اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك وإتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم
اللهم أحفظنا بالإسلام قائمين، و أحفظنا بالإسلام قاعدين، و أحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء والحاسدين
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب سميع الدعوات
اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، وعافي مبتلانا وفك أسرانا وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [النحل: – 90].. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
2025/10/08 23:00:52
Back to Top
HTML Embed Code: