Telegram Web
#وإما_اليتيم_فلا_تَقْهرَ٢
الحلقة: الـــــــــرابع
َسِيمْ الـــــوزيرية🖤.



دخل أبو محمود بيت أخته سعاد بصمت، كانت الغرفة تعج، بأصوات النساء وبنات سعاد يتسامرن على الطاولة، رفع عينه على سعاد، وابتسم بسخرية خفيفة: مرحبا يا أختي
نظرت له سعاد ببرود، وهي تكاد تبتسم ابتسامة نصف مقلقة: الله يسلمك، طولت الغيبة يا رجال
وقف أبو محمود، وقال وهو يحدق فيها: تعرفين ليش جيت؟ ما جاي أطالب بشي، ولا أبي أخذ الولد بس حبيت أشوف المكان اللي عايش فيه، وأتأكد إن محمود بخير
قالت سعاد وهي ترفع كوب شاي إلى شفتيها: الحمد لله، الولد عايش بأمان، وعنده رزق الله وكفاية، وإحنا كلنا له
ضحك ناصر وقال: رزق؟ والله لو رزقه من جد ما كنت شايف اللي أشوفه ولدي عمره عشرين سنة ما أدري وين قاعد وش ساوي بس واضح إنه يدفع ثمن غيابي
ردت سعاد: أنت ما تركته لحاله إحنا هنا هو عايش معانا ومحد قدر يوقف معاه مثلنا
تقدم باتجاهها وقال: يعني هالحب اللي تتكلمين عنه ليش ما تشوفينه في عيونه؟ ليش ما شفته يوم؟
سكتت، ونظرت له بحدة: إنت ما تعرف الحياة، ما تعرف شلون الواحد يصير مسؤول بدون معونة، وبدون دعم تبي تقول إنه أنا عاقلة ولدي وأتركه؟
ابتسم ناصر بحزن: لا، ما أقول، بس يمكن كلنا أخطأنا في حقه
صمتت سعاد قليلاً ثم قالت: محمود صار رجال، وشغل، ومشي حياته، ولازم يشيل مسؤوليته
قال أبو محمود وهو يهم بالرحيل: وأنتِ شلون؟ شتسوي له؟
ضحكت بسخرية خفيفة: أنا؟ أنا أحمل عليه وأعطيه نصايح وأشوف مستقبله
نظر إليها وقال بتحدي: لازم تخلين له فرصة، ما تعيقينه ترى ما كل الناس تبي مصلحة
قالت سعاد بنبرة غير مبالية: المصلحة جزء من الحياة، ولازم نعرف كيف نستثمرها

وفي وسط هذي الحوارات، لم يكن محمود يعلم أن والده زار عمته، ولم يكن مستعداً لأي مواجهة، فقد كان غارقاً في عالمه الخاص، وحبه المتزايد لنوال التي كانت النور في حياته.

بعد أشهر من التحديات والصعوبات، جاء اليوم اللي استعد فيه محمود ونوال للاحتفال بزواجهما، كان العرس بسيط، جمع فيه أهل الحي وأقرب الناس، لكن الجو كان مفعم بالدفء والفرح رغم كل شيء، زينت عزيزة البيت بباقات الورود، وكانت تردد: الله يجعل أيامهم كلها فرح وهناء
جمعت نوال وصديقاتها على صوت أغاني خليجية هادئة، والضحك يملأ المكان، والفرحة في عيونهم.

محمود كان واقف قدام الكل، يلبس ثوب جديد، ما قد شاف نفسه بهالشكل، لكنه كان فخور بنفسه وبنوال.

وصلت أخوات محمود من أبوه، "عبير" و"عفاف"، بخجل وحذر، كانوا ينظرون حولهم، مستغربين من بساطة الحفل
عبير قالت بهمس لعفاف: ما توقعت أخونا يتزوج بهالطريقة
عفاف ردت بنبرة مطمئنة: يا بنت المهم محمود يكون مبسوط
في تلك اللحظة دخل أبومحمود، وجهه مليان مشاعر متناقضة، بين الفخر والحزن، اقترب من محمود، وصافحه بقوة، وقال: يا ولدي اليوم يومك وأتمنى لك حياة سعيدة
محمود نظر له بنظرة ما فيها كل المشاعر، وقال: شكراً يا أبوي والله يرزقك الخير
منى وهدى اقتربتا من نوال، ونوال بابتسامة قالت: تشرفنا فيكم
كانت البداية باردة شوي، بس مع مرور الوقت، استسلم الجميع للأجواء، وصار في جو عائلي دافئ.
ناصر جلس مع الجميع وقال بحنان: أنا غلطت ما كنت قد المسؤولية بس اليوم أبغي أكون جزء من حياة محمود
محمود قال له: يا أبوي، الوقت بينا بس إذا كان نيتك صادقة فأنا مستعد
وفي نفس الوقت كانت نوال تشعر بأمان لأول مرة في حياتها، عارفة إن هذا بداية حياة جديدة حقيقية.

والليلة انتهت بدعوات وأغاني، وضحكات صادقة، تحت ضوء القمر اللي شاهد على بداية قصة جديدة، مليانة أمل وصبر.

في نفس الفترة اللي احتفل فيها محمود ونوال بزواجهما، كان بيت سعاد يعج بحفلي زفاف بناتها الاثنين، هدى ومنى، كانت سعاد تفكر تخلي واحده منهم تزوج محمود، لكن الأمور ما، صارت مثل ما كانت تخطط..
هدى، البنت الكبرى، كانت صاحبة شخصية قوية، ما كانت مرتاحة لفكرة الزواج المرتب، وكانت ترفض الفكرة بصراحة.

أما منى، فكانت أكثر هدوءً لكنها كانت تحمل عكس الرفض الداخلي الذي كانت تفكر فيه اختها هدى.

في ليلة الزفاف، اجتمعوا أهل الحي وأصدقاء العائلتين، وكان الحفل مزدحم وأجواؤه متوترة بين مشاعر الفرح والضغط الإجتماعي، في وسط الحفل، حاولت سعاد تلعب دور الوسيط، وقالت لمحمود بحنية مزيفة: يا محمود، أنت تعرف إن بناتي يحبونك، وإن شاء الله تكون السعادة بينكم
محمود رد بهدوء لكنه بحزم: أنا مع نوال، وهي اللي وقفت معي، وما أقدر أخونها
سمعت منى الكلام وهمست لهدى: يمكن حان الوقت نوقف هاللعب
هدى ردت: أبد، ما نبي نعيش حياتنا على أماني أمنا

في تلك اللحظة، دخل ناصر الحفل، وبدأ يحاول يهدئ الأجواء.
❤‍🔥1
قال لهم: يا بنات، كل واحد عنده حق يختار حياته ولازم نحترم قرار محمود ونوال
سعاد كانت تحاول ترد، لكن أبو محمود قاطعها: كفاية لعب، أنا أبي أشوف عيلة وحدة سعيدة
ابتسم محمود وقال: إن شاء الله من اليوم نبني حياة جديدة، بعيد عن المشاكل
صارت البنات تستقبل كلام أبو محمود بتردد، لكن مع الوقت، بدأوا يستسلموا ويتقبلوا الأمر.

وفي وسط هذي الأحداث، استمرت علاقة محمود ونوال تتقوى، وصاروا شركاء في الحياة والعمل، يدعمون بعضهم في كل الظروف.. وكانت نوال بنفس الوقت توهم محمود الحب والإهتمام المزيف توهم به محمود.

في إحدى الأيام كان محمود متجهز ومتوجه إلى عمله، وكانت نوال تتقدم خلفه وتظهر بملابس ناعمة وملفتة، رفع محمود حاجب واستغرب.
محمود: خير يا بنت الناس وين طالعة؟
نوال بتلعثم: آه؟ لا ماني طالعة مكان بس ابي اروح عند جارتنا أم سعد حابه اتونس شوي لين تجي شقلت؟
محمود: قبل لا تطلعين سالتيني واستأذنتي مني؟
نوال: لا، السموحة منك يا بوحمود، طيب شقلت اخرج؟
محمود: لا
نوال: ليه؟
محمود: اتوقع كلامي واضح ما أبيك تطلعين تبين ارضا بالغصب؟
لم ترد نوال ودخلت جناحها وقفلت الباب بقوة حتى اهتز كل أركان مافي المكان، تنهد وقرر ان لن يذهب إلى عمله وام طفله الذي تحمل بين احشائها زعلانه منه، دق الباب، فتحه، راءها جالسة على طرف السرير وتبكي، تقدم منها وجلس بجانبها واحاط يديه حول كتفها، وقال بحنان.
محمود: ليه تبكين؟
نوال بسخرية: يعني ماتدري؟
محمود: إلا بس انا خايف عليك وعلى الجنين
نوال: يعني وش فيها لو زرت ام سعد بتكون نهاية العالم؟
محمود صمت لم ينطق شيء.
نوال استدارت مقابل وجهه وحطت كفيها تحيط وجهه وقالت بنعومة: تكفى محمود والله زهقت من البيت ابي اطلع شوي واغير من نفسيتي هذا مهم لصحة الجنين يعني مو عشاني!
محمود: بس..
قاطعته: تكفى حمودي بلييز
تنهد: لو مسويه كل هالمناحه بس عشان أم سعد شرايك نتمشى اليوم؟
نوال ابعدت عنه بغرابة وأصفر وجهها: وشغلك؟
محمود: عادي كم نوالو عندي؟
نوال ضحكت بغنج وباست جبينه، وضمته إلى صدرها: ربي يخليك لي
محمود بادلها: ولا يحرمني منك !

رجع من عمله في نص الليل رأى الظلام يكسوا منزله، خاف وهروله إلى منزله، دخل كان يبحث عنها في ارجاء شقتهم وهو يصرخ باسمها بذعر: نوال، نواااال
ولكن لم يكن هناك مجيب، ركض إلى بيت الجيران ليسالهم عنها، دق الباب بقوة وخوف، وبعد ثواني اتاه صوت من الداخل: ميين؟
محمود يلتفظ الأحرف بصعوبة: اأنا يا بو محمد
فتح ابو محمد وراى محمود بحالته قال قلقًا عليه: خير بو محمود عسى ماشر؟
محمود: كل خير إن شاء الله بس أبي أسأل ام محمد إذا تدري عن نوال
صرخ بومحمد على زوجته واتت: خير يا بو محمد
سالها وقالت: اي اي أدري وينها.. شفتها مع وحده ما اعرف من هي المهم كانت تساعدها وتسندها وبعدها شفتهم ركبوا سيارة وسألت بعدين وحده كانت معهم وقالت إنه متوجهين للمستشفى
محمود تردد هذه الكلمة على مسامعه ، وفورا هرع إلى المستشفى بسيارة بو محمد الذي لم يسمح له ولم يعطي محمود اي مجال أن يرفض مساعدته في محنته، قاد ووصل إلى المستشفى دخل إلى الداخل وسال عن الممرضات عن المريضة نوال بنت أحمد وبعد عناء من البحث وجدها في إحدى غرف التوليد !
محمود: كيف حالتهم يا دكتور زوجتي والطفل؟
الطبيب: الحمدلله، مستقرة
محمود: طيب فيني اشوفهم؟
الطبيب: أي فيك
محمود حيياه بابتسامة وامتنان: شكراً دكتور
الطبيب: هذا واجبي أستاذ
دخل إلى الغرفة راها مرتحية على السرير، ويديها موصلة أنابيب السيروم، جلس على طرف السرير، وسحب يدها ووضع كفه على يدها وقال بحنان: ليه ما خليتي أحد يعلمني إنك بتوليدين؟ دورت عليك في مكان وما حصلتك خفت عليك من فكرة يسر لك شيء!
نوال: لا تخاف حبيبي ما صار شيء، والحمدُلله ولدنا طل علينا على ما يبدوا رح يكون مثلك نشيط ههههههه
محمود: ممكن هههههه!

مضى سبع سنين على زواج محمود ونوال، وكانت الحياة في ظاهرها تمشي بهدوء نسبي، أنجبوا توأماً بعد عامين من زواجهم لكن المرض ما أعطاهم فرصة فقد خذلهم الزمن ومات الطفلان بعد أشهر قليلة من ولادتهما، أما "عبدالله"، الولد البكر، كان أشبه بمحمود في ملامحه، لكنه أخذ من طبع أمه الكثير، كان عنيد، مزاجي أحيانًا، وفيه شيء من الغموض، وحتى حبه للأناقة الزايدة واهتمامه بنفسه كان يذكر محمود كثيرًا بنوال، فقد كبر وصار عمره ست سنوات،أما طفلهم الأخير "سعود"، فقد جاء إلى الدنيا ضعيف البنية، وعانى من حرارة شديدة في أحد الليالي، فارق الحياة بين ذراعي أمه.

في وسط الحزن هذا، كانت نوال تبكي بحرقة، لكن كانت دموعها تخفي أكثر مما تُظهر، كان محمود متعلق بأطفاله، وخاصة سعود، فموته هز كيانه بشكل ما قدر يتجاوزه بسهولة، وخلى قلبه يلين أكثر تجاه نوال، رغم شعوره الداخلي اللي كل يوم يكبر ويقول له: "في شي مو طبيعي".
❤‍🔥1
محمود كان في بداية زواجه يثق بنوال ثقة عمياء، لكن مع الوقت بدأت بعض الأمور تثير شكوكه..تصرفاتها، خروجها بدون سبب مقنع، ومكالماتها اللي كانت تنهيها بسرعة لما يدخل عليها ما واجهها بشيء بالبداية، حاول يقنع نفسه إن تعب الحمل والولادة وموت أطفالها أثر على تصرفاتها.

أما في المخبز:
العمل في المخبز كان وسيلة نجاة، ومكان يهرب له محمود من مشاكل البيت، تركي كان شاب من أهل الحارة، مجتهد، وكان يأتي لمساعدة محمود كل يوم من غير مقابل، حتى صار بينه وبين محمود علاقة مودة وثقة، في يوم، جلسوا بعد صلاة الفجر في دكة المخبز، قال تركي يسحب نفس من سيجارته: وش رايك نسويها شراكة رسمية؟ يعني لي رزقي ولك رزقك ونكبرها سوا، أنت خباز ماهر، وأنا أعرف أبيع وأتفاهم مع الزباين
محمود ابتسم ببرود وقال: ما أخفيك.. من أول مره شفتك فيها وأنت تذكرني بنفسي، كنت مثل ما أنت، تشتغل بقلبك..
كمل: اتفقنا يا تركي، بس بشرط.. ما نسمح لطمع يدخل بيننا، ولا نترك المخبز لناس ما تعرف طعمه
صافحوا بعض بحرارة، ومن هذا اليوم صار المخبز يزدهر، وكل يوم كان محمود يحس إنه عنده شيء يفتخر فيه بعيد عن تعبه مع نوال.

في ليلة من الليالي، محمود رجع متعب من المخبز، ووجد نوال في الحوش الخلفي تكلم رجل غريب، كان الوقت متأخر، والجو هادئ، ومافي أحد غيرهم.. وقف خلف الباب يسمع، سمع صوتها تتغير، تغنج وضحك ناعم ما سمعه منها من زمان، في البداية حاول يقنع نفسه إنه يتوهم، أو يمكن جاره، أو قريبها، لكن شي في قلبه بدأ ينكسر.

مرت الأيام، وصار محمود يراقب تصرفاتها، وصار يلقى رسائل غريبة في درجها، مرة بخط رجالي، ومرة فيها عطر رجالي واضح، بس ما واجهها، ولا تكلم، لأجل عبدالله، لأجل ما يبغى بيته ينهدم بدون دليل.


في يوم كان محمود مع أخواته من أبوه في عزيمة، وكان فيه موقف بينهم خلاه ينتبه أكثر عبير قالت بسخرية: نوال ما شاء الله، ما تقصر في السوالف، شفناها أمس مع رجال غريب عند بقالة أبو طلال، الله يهنيها بوقتها
ضحكت عفاف وقالت: يا بنت الناس خليه بحاله، هو مبسوط، وأصلاً لو درى ما بيسوي شي، شكله يحبها حب أعمى
محمود سمع الكلام وتجاهل، لكنه بداخله كان يشتعل، لكن ما قال شيء، ما عدا أخته الصغيرة "أمل"، اللي كانت أقرب وحدة له، جلست معاه بعد العزيمة، وقالت له: محمود.. أنا شفت نوال بأكثر من موقف ما ارتحت له، بس ما كنت أبغى أظلم أحد، ولا أكسر قلبك.. يمكن أتوهم؟
محمود تنهد وقال: وأنا بعد يا أمل.. قلبي مو مرتاح.. بس لسا عندي أمل إنها تتغير، لأجل عبدالله على الأقل
أمل تنهدت وربتت على كتف أخوها: ربي يهدي بالك أخي



أتى يومًا، كانت أخته الصغيرة، أمل، تزوره في البيت، وهي الوحيدة من أخواته اللي تحبه وتعزه، رغم إن البقية علاقتهم فيه كانت باهتة، لا يكرهوه ولا يحبوه، أمل كانت واقفة تنتظره في الحوش، وشافت من بعيد نوال تتحدث مع رجل غريب عند زاوية الشارع، وابتسامتها وغنجها ما خلاها تشك إن الأمر مجرد صدفة.
وبعد ذلك رجعت غادة البيت وهي ساكتة، ما قالت له شيء، لكن عيونها كانت تراقب كل تصرف من نوال ومرت الأيام، وتكررت المواقف، ونوال كل مرة تبرر بشيء جديد.

محمود كان يلاحظ برودها معه، قلة اهتمامها، حتى ضحكتها صارت ثقيلة، وكان قلبه يوجعه، لكنه كان ساكت علشان عبدالله، وعلشان ما يهدم البيت، ولكن، في يوم واجهها، وسألها عن كل شي شافه وسمعه، انفجرت بالبكاء، وتوسلت له، وقالت إنها لحظة ضعف، وإنها رح تتغير.
نوال: محمود.. والله ما كنت بوعيي، تعبت، وضغط الحياة والعيال والموت اللي مافارقنا.. صدقني أنا نادمة، أعاهدك من اليوم أكون لك وحدك، بس لا تهدم البيت، عبدالله ما له أحد غيرنا
محمود تردد، وشاف في عيونها نظرة صدق (أو هكذا ظن)، وسامحها: لكن لو كررتيها، والله ما أسامحك، ولا عيوني تشوفك بعد اليوم

مرت شهور، والحياة كانت راجعة لشيء من الهدوء، لكن الغدر دايم له أثر، وذاك الشك ما فارق قلب محمود.
في أحد الليالي، رجع من المخبز بدري، ولقى الباب موصد، دخل البيت، وسمع همسات من غرفة نوال.. فتح الباب، ولقى ما لم يكن يتوقعه، كانت نوال جالسة على الأرض، بيدها ورقة، وصوتها يهمس بكلمات حب عبر جهاز تسجيل صغير كانت تحتفظ فيه، وقف محمود ينظر لها، وعيناه تمتلئان بالخذلان.

محمود: هذا وعدك؟ هذا حبك؟
صوته كان مخنوق، وقلبه ينهار.
نوال: محمود.. مو مثل ما تفكر، أرجوك اسمعني!
محمود بجمود: ما عاد في شي أسمعه، كفيتي ووفيتي
كانت تحاول تمسك كفه، لكنه سحب يده وقال: أنا قررت، هذا آخر يوم بيننا، ما عاد فيني أتحمل كذب، ولا خيانة، الطلاق هو القرار
نوال انكبت تبكي وهي تصرخ: لاااا.. لا تطلقني.. ما لي غيرك، ما عندي سند، والله إني غلطت، بس مو كل غلط يستاهل نهاية!
لكنه خرج دون أن يلتفت، وخلفه كانت أنفاسها تتلاحق، وصوتها ينهار في آخر الليل، تحت ضوء قمر جديد، يشهد نهاية قصة، ما كانت يوم حب حقيقي.


---


يُتبـــــــــــــــــــع..
❤‍🔥1
#وإما_اليتيم_فلا_تَقْهرَ٢
الحلقة: الـــــــــخامس
َسِيمْ الـــــوزيرية🖤.




: إن شاء الله لوين؟
: طالعة ألعب
: متى بتبطلين عوايدك؟
: أي عوايد؟
: عوايد تلعبين مع العيال؟
بضجر: أنا ألعب مع حسن، طب قوليلي وش الغلط؟
: يعني حسن مو ولد؟
سمعت صوت يصرخ من برا باسمها، التفتت لأمها وقالت برجاء طفولي: يمه، الله يخليش خليني أطلع، بوعدك ما أتأخر
: يا بنتي ما باقي غير شهرين وتكملين 15! وأنتي للحين تتصرفين مثل العيال، مسترجلة ولا كأنك بنت
: آخر مرة، والله وعد يا يمه
: هذا وعدك الألف لي!
سمعوا الصوت مرة ثانية، نادت بصوت عالي: تمااام! حاضر! جاية
قالت وهي تلبس نعالها: يلا يمه، ينتظروني، تسمحين لي؟
تنهدت الأم وقالت بقلة حيلة: أمري لله.. مهما قلت لك، راسك مثل الصخر! عنيدة.. مدري من طالعة
ضحكت سكر وقربت وقبلت راس أمها: منج طبعاً يا أحلى أم
: بنشوف
وطلعت من الباب بسرعة وحماس، قفلت الباب وهي تبتسم، ولقاها ولد من الحارة وقال: ما شاء الله بدري طالعة!
: خلي عنك الفضاوة، وين حسن والشلة؟
: سبقونا على الحارة
ركضوا كلهم لين وصلوا الشارع الترابي الواسع، المملوء بالغبار وبعض الحصى الكبيرة، وكانوا مرتبين الملعب بأحجار على الزوايا كأنها مرمى.
قال عمر، الطويل والنحيف: ليه تأخرتي يا سنيوريتا سكر؟
ضحكت سكر وقالت وهي تمسك طرف ثوبها: أمي أعطتني محاضرة كاملة قبل ما تطلعني، بس حسن؟ ليه أمي دايم تمنعني ألعب معكم وهو لا؟
رد حسن: عشان أنا ولد، وأنتي بنت.. وبعدين كلام أمي صح، كبرتي والعين عليك
ردت بحدة: وش يعني؟! كبرت صرت ولد؟! ولا زادت لي لحية؟
قال حسن بنبرة فيها استفزاز: روحي اسألي الماما.. يا "ماما"
استفزها، وقالت بصوت حاد: "ماما"؟! نسيت إنك أصغر مني بسنة؟! ترى أنا أختك، احترم عمرك شوي
تقدم منها وهو يضحك بسخرية: تراها سنة، مو نهاية العالم
سكر قربت منه وقالت وهي تشد على الحروف: دقيقة أو سنة، الأهم احترمني.. يا فهيم
وقفوا قدام بعض، ما يفصلهم إلا نفسهم المتصاعد، والشرر يطير من عيونهم، لولا أن عمر تدخل وقال: يكفي أنتو الاثنين، قبل ما محمد يشوفك يا سكر
ابتعدت عن حسن وهي تهز كتفها: خلاص.. قسمتوا الفرق؟
: ايه، ما باقي غيرك، كنا ننتظرك
: تمام، نبدأ قبل ما تغرب الشمس
رفعت عباءتها وربطتها على خصرها، بان فستانها الأخضر الطويل، شدت شالها بإحكام حتى ما ينكشف شعرها الطويل الناعم.
قال حسن وهو يهددها بنظراته: رح تكوني الحارس يا سكر
ردت بسرعة: ليه إن شاء الله؟
أشر لها بحركات عيونه وهي فهمت، وقالت بتنهيدة: تمممام..
بدأوا المباراة، الكورة تروح وتجي بينهم، وصياح وضحك ومنافسة حقيقية، سكر كانت تتحرك بثقة وحرص عشان ما تنكشف، وتصارخ: لااااا يا عمر مو لهناك، ارجعها يمين!
لكن الكرة ما سمعت كلامها، طارت فوق رؤوسهم وراحت بعيد، فوقعت بين بيتين، في زاوية فيها باب خشبي ومخبز قديم، تناثرت بعض الأكياس الطحين على الأرض.

الكل وقف يتلفت حوله، والعيون توسعت: راحت الكورة!
قال واحد من العيال بخوف: يا ساتر.. راحت عند مخبز أبو صياح.. إذا درى بينفجر علينا
قال عمر: نهرب أحسن، ولا كأن شي صار
قالت سكر وهي تحط يدها على خصرها: تهربون؟ علشان كورة؟! نغلط ونهرب؟ ليش؟!
: يعني تبين نطق؟
: نعتذر وخلاص، ما صار شي
: روحي انتي، احنا ما نقدر
قالت بتحدي: ما أقدر لحالي، مين يجي معي؟
قال ولد اسمه ناصر: بروح معك بس بسرعة، لا نطول
مشت هي وناصر بحذر، قربوا من باب المخبز، فجأة سمعوا صوت غليظ من الداخل: منو اللي كسر زجاجتي؟! وين الكورة ذي؟! يا عيال!!
قال ناصر بصوت خافت: خلينا نهرب
ردت سكر: لا! بنرجعها وبنعترف
ووقفت قدام الباب، ودقته بخفة، طلع لهم رجل عريض الكتفين، عبوس، يصرخ: أنتو؟! الكورة لكم؟! ليه ترمونها ع الناس؟!
قالت سكر بثقة طفولية: إي نعم، غلطنا.. ونتأسف.. بس نبي الكورة نكمل لعبتنا
قهقه الرجل وقال: وش ذا اللي يقولي نبي نكمل لعبتنا؟ اسمع يا محمود، تعال شوف!
جاء رجل من خلفه، شعره أسود وملامحه صارمة شوي، عيونه تراقب بتأمل، وقف عند الباب وقال: وش في؟
قال تركي وهو يشير على سكر: شوف شلون تتكلم.. عندها لسان مثل الكبار!
سكر ما سكتت وقالت: أنا ما أهاوش، بس نبي كرتنا ونعتذر عن كسر الزجاجة.. ومستعدين نصلحها إذا طلبتوا
محمود رفع حاجبه وابتسم بخفة: جرأة!
قال تركي وهو يحاول يتمالك ضحكته: بس الكورة دخلت، وكسرت لي اللمبة الجديدة.. وحق اللمبة مين يدفعه؟
محمود قال له: رجع الكورة يا تركي، لا تعقدها، أطفال يلعبون
: أطفال؟ ذولي كسروا اللمبة، وانا توني شاريها بريالين ونص
قال محمود وهو يبتسم له: خلاص، عوضك عليّ، رجّع لهم كورتهم
❤‍🔥1
سكت تركي، ثم دخل وجاب الكورة وقال بسخرية: تفضلوا يا شطار
أخذتها سكر وقالت: شكراً.. وعذرًا مرة ثانية، ما نعيدها
محمود ناداها: يا بنت؟
التفتت: نعم؟
محمود: اسمك؟
سكر: سكر
محمود: حلو.. اسم على مسمى
ابتسمت، وسحبت ناصر وقالت: يلا ناصر، قبل ما يغيرون رأيهم
وابتعدوا وهم يركضون والفرحة على وجوههم، أما محمود، فظل يتأملها وهي تبتعد، وبقلبه شعور غريب.. ما يعرف له اسم، لكن حس إنه هالبنت غير.

بعد أن أنتهى من مهام اليوم، ودع صديقه، و عاد إلى منزله، رأها بفستان أزرق حريري قصير إلى الركبة واقفة أمامه، واضعة يديها في خصرها.
نوال: ليش تأخرت؟
رد عليهآ بعد أن تجاوزها وسار بدون أن ينظر إليها: أنتي تدرين وين كنت
نوال بحده: لا ما أعرف
تجاهل حدة صوتها وسالها: وين عبدالله؟
نوال انقهرت من تجاهل سؤالها: تعشى ونام
كان سيدخل إلى غرفته فتح الباب، ولكن وقفته: ما بتتعشى كنت انتظرك حتى نتعشى سوا
محمود: عوافي تعشي بروحك ما أبغى، وعلى فكرة لا تحاولين ترجعين تصلحين اللي انكسر
نوال ببكى: لسه مو ناوي تسامحني مع انه مر ثمانية سنوات، معقول!
محمود: اللي عملتي معي يا نوال أبد مو أمر هين، واي رجال كان بمحلي مستحيل يرضا وحدة خاينة وكذابة تعيش في بيته وتكون على اسمه، وتراني لا تحسبيني غبي وما ادري عنك أو ما يوصلي أخبارك كل مرة وما توبتي، لو تدرين بس اني كل يوم ادعي في صلاتي لك بالهداية والصلاح، بس أحمدي ربك و اشكري عبدالله لاني ماطلقتك
أنهى جملته ودخل إلى غرفته، تركها في حيرة وندم وقهر وخوف: كيف عرف..؟... كيف؟
بدل ملابسه، استلقى على السرير، كان يفكر بتلك البعيدة الصغيرة والبريئة بتصرفاتها واسلوبها حتى إسمها وكان يردد بينه وبين نفسه: سكر... سكرتي !!
----------
: وين طلعتي؟
سكر: ___
: طلعتي تلعبين مع العيال صح؟
سكر وقفت وقالت بثقة: أيوه طلعت العب كورة مع العيال وحسن كان معنا يلعب، أتوقع ما سويت جريمة!
لم يتحمل ثقتها وحدة كلامها معه، ضربها صفعة على خذها حتى أحمّر وجنتيها.. وسقطت على ركبتيها، عندما رأت الأم ذلك لم تتحمل وقالت بغضب: محمدددد، تمد يدك على أختك قدامي بعد !!
محمد بتبرير: ما سمعتيها كيف كانت تكلمني وكأني بزر
سكر لم تتحمل الصفعة، استجمعت قواها كالثور الهائج وقالت بغضب: والله ما رح اسكت لك
كادت أن تضربه وتسحبه من شعره القصير الذي يصل إلى اذنه، وهو قام بشكل طبيعي لعملية المقاومة والحماية إلا انهم تراجعوا عن بعضهم عندما شعروا صراخ والدتهم قائلة: بعدوا عن بعض.. تتهاوشون قدامي! وانا بالنسبة لكم حيط ماله كلمة أو احترام! فعلاً إني ما عرفت اربي
سكر بأندفاع: بس يم..
قاطعتها بحدة وغضب: اسكتي.. ما ابي اسمع منك شيء.. مو هذا اللي كنتي تبيه؟ منعتك تطلعين بس اصريتي على رأيك وسويتي اللي براسك رغم تحذيري لك.. روحي ادخلي غرفتك
انصاعت لامرها ودخلت شرفتها، إلتفت إلى محمد وقالت بصرامة: وأنت لي حكي ثاني معك.. ليه تضرب اختك؟ كيف تجرأت؟ تدري لو أبوك درى بعملتك مع سكر مارح يسكت لك، لا تفكر إنها بلا ام ولا أبو، حط هالشي حلقة باذانك.. ما ابيك مرة ثانية تتفرد على أختك الصغيرة وآخر مرة اشوفكم تتهاوشون.. ترى مالي خلق لمشاكلكم وهاوشكم والله تعبت، أنت الكبير يا محمد اصبر عليها ولا تحط عقلك بعقل بزر، تدري انها عصبية وعقلها عقل طفلة
اقترب من والدته وقبل راسها بأحترام وقال: آسف يمه ما بسويها مرة ثانية.. إن شاء الله
صيته: روح لغرفتك بخلي اختك زينة تناديك لو جهز العشاء
محمد: تمام

على مائدة الطعام، الجميع كان حاضرًا، إلى أصغر العنقود الذي يبلغ من العمر في منتصف الثالثة عشر، ولكن، الأب لاحظ غياب أحد أولاده في المائدة، استدار إلى زوجته وقال بتأنيب: وين ولدك المصون؟
بلعت ما بحلقها وقالت: مدري وينه
:ووين فاطمة و عهود؟
صيته: راحو زيارة لعند أمهم وان شاء الله بكرة بيرجعون
: وياترى هو يدري.؟
صيته: أيوه
دخل رجل طويل ونحيل، ولكن بجسد رياضي، له سمرة اللون، وشعره الطويل المجعد "كيرلي" يصل إلى رقبته، والعرق يتصبب منه، مرتدي ملابس لفريق المنتخب الوطني: السلام عليكم
إلتفتوا جميعاً ناحيته وردوا السلام بصوت هامس ومن ثم إلتفتوا إلى والدهم الحنون المنفعل: وأخيراً جيت ياولد، وين كنت كل هالوقت؟
قال بفرح وحماس: اليوم فزنا بالمباراة بثلاثة نقاط مقابل لا شيء وهذا الميدالية اعطوني كاحسن لاعب في الفريق
لم يتفوه أحد بكلمة كانوا فقط منتظرين ردة فعل والدهم بكل هدوء وصمت وخوف.
قال: هذا بس اللي فالح فيه ميداليات وكؤوس معك شهادات جامعية بس عالفاضي.. بدل ماتضيع وقتك بهالتفاهات روح ودور شغل يناسب شهادتك وشغل يشرف ومقدّر
❤‍🔥1
صيته قالت محاولة تهدأت الموقف: خلاص سعيد لا تتعب نفسك
سعيد: وهذا الي رح اسويه بريح نفسي ونفسه وخله يسوي اللي بروحه، بس صدقني ما بعطيك حتى ريال من جيبتي فهمت!
وقف بغضب ودخل لشرفته، أما الآخر تحرك لجهة المقابلة متجه إلى شرفته وأغلق الباب بقوة كادت أن تنحطم، انسحبوا واحدًا تلو الآخر بهدوء، كانت سكر آخر من نهضت على المائدة، ساعدت أختها زينة _التي أتت اليهم زيارة مع ابنتها ريم، بتظبيط السفرة وغسل الأواني المنزلية وتنظيف المكان، ومن بعدها تسللت إلى غرفته دخلت بهدوء وسكون.
سكر: ضاري!
رأته متكئ قرب الجدار وامامه جميع شهادات التقدير و الكؤوس والميداليات يشاهدهم وكأنه أولاده ينظر اليهم نظرة حُزن.
ضاري: تفضلي سكر
دخلت وجلست بجواره، مسحت على كتفه بحنان: لا تحط قلبك على أبوي.. ابوي ما يبي غير مصلحتك ويحبك
ضاري: مو هذا اللي يحزني أنه ابوي يحبني بس ما يعرف مصلحتي وما يدري إني عايش بسبب الكورة هي شغفي بالحياة هي حلمي الوحيد
سكر: حاول معه بطريقة ثانية.. وأكيد أنا متأكدة رح يجي يوم و يفتخر فيك انا واثقة أنه رح يجي هاليوم
ضاري: وإذا ما جاء؟
سكر: لا رح يجي
ضاري انغرز في حجرها مثل الطفل والدموع ينسكب من عينيه: سكر.. انتي الوحيدة اللي تفهميني من بين الكل وتحبيني، ياريت لو الكل مثلك أو يكنون لي نقطة من اهتمامك أو حبك لي يا سكرتي، لما كنت افوز في المباراة وللحين ما أحس على غير أنه رجلي توصلني بينكم على حب اني أشارك فرحتي وانجازي لأخواتي ولأهلي.. بس للإسف دائماً امشط خيبتي وحزني ماحدا يشاركني غيرك اتمنى يوم بس يوم يفتخر فيني اشوف لمعة الحب والفخر بين عيونه، ومن جهة ثانية أصلي مثل يبه ماتشوف الكورة إنجاز أو حتى شغل محترم.. دايماً ما ينتهي هواشنا اليومية إني أهرب من البيت واجي لعندك... تعبت يا أختي والله تعبت
ازدادت دموعه ونحيبه.. لم تستطع سكر ان ترى اخوها المفضل والحبيب بهذه الحالة، تمنت لو كان بأستطاعتها تجبر بخاطره أو تصلح مابينه وبين والدها.
سكر بدأ دموعها بالنزول: خلاص أخوي لا عاد تبكي تعور قلبي وتخليني احس بالعجز بحالتك ذي.. حابه اسوي أي شيء يسعدك ويصلح حالك وحال ابوي بس ما بيدي حيلة
ضاري أبتعد عن حجرها، مسح دموعها بكفيه بحنان ورقة: خلاص أختي تكفين لا عاد تبكين.. وجودك يكفي..
بيقاطعه صوت ياترى من خلف الباب: هاا وجود السنيورتا سكر تكفيك مو كذا؟
ضاري ضحك: تعال يا ولد تعال عندي.. وش مقيمك في دا الوقت؟
حسن: لا يا حبيبي علي الشرهة اللي جيت عشان احتفل وياك بفوزك
ضاري: اقول تعال يا حسنو
حسن: إذا هاذي هنا انا مارح أدخل
سكر: إذا هذا سببك المقنع يا فهيم فاطمنك مابطلع وعمرك لا تدخل
ضاري وقف قبل أن يتضخم المشكلة: عيب ياسكرتي هذا أخوكي الصغير ولازم تعطفي عليه
سكر: بس هو ما يحترمني فكيف بعطف عليه هاا قولي؟
ضاري وجه حكيه لحسن: وش هالكلام اللي سمعته من سكر؟ معقول ما تحترم أختك!
حسن: بس ضا..
ضاري: تعالوا واتصالحوا ضموا بعضكم وحبوا بعضكم قدامي يلا أشوف
تقدمت سكر خطوة وكانت تتشبث عينيها بضاري ومرة إلى حسن، وحسن كان نفس الشي، تقدموا مع بعضهم حضنوا بعض و كل واحد منهم قبل رأس الآخر واعتذروا بتأنيب.
صفق ضاري بتشيجع وحرارة: ايوه كذا.. ابيكم كذا يا شطار آخر مرة اشوفكم كذا تتهاوشون سمعتوا؟ ويالله الحين خلينا نحتفل بالفوز على طريقتنا
حسن، سكر: فوقها... ههههههههههههه
انتهى سهرتهم بالضحك والتحدي واخبارهم ضاري بمغامراته و جميع المواقف الذي وقع بها بكل حب وسخرية، على أمل أن يتناسى حزنه معهم.





_ يُتبــــــــــــــــــــــع..
❤‍🔥1
#وإما_اليتيم_فلا_تَقْهرَ٢
الحلقة: الـــــــــسادس
َسِيمْالـــــوزيرية🖤.




في الصباح، استيقظت سُكر وهي تتثاءب بكسل، فتحت عينيها على ضوء الشمس المتسلل من الستارة، دخلت إلى الحمام أكرمكم الله، توضأت وغسلت وجهها، ثم ارتدت ثوبًا قطنيًّا مريحًا، خرجت إلى شرفة غرفتها، استنشقت الهواء العليل قليلًا قبل أن تتوجه إلى المطبخ.

هناك، رأت ابنة أختها الكبرى "مشاعل" التي تصغرها بسنتين، واقفة عند البوتجاز تحرك دلة القهوة.
سكر: صح النوم يا مشاعل
مشاعل بابتسامة: على ما يبدو شفناكم بنومكم
سكر وهي تميل رأسها بدهشة مصطنعة: أي! وحبيتوا تحققون الرؤيا؟
مشاعل ضحكت: هههههههههه، تقريبًا
سكر: وش تسوين هنا؟
مشاعل: جدتي وصتني أسوي لهم قهوة، تقول مشتاقه لقهوتي
سكر: وأمك معهم؟
مشاعل: إي، عند جدتي... ومعها أخبار صدى الأسبوع
سكر تضحك: هههههههههه، هذي عوايدها، مستحيل تبطلها
سكر وهي تبحث بعينيها: وين إخوانك التوأم... والعريس؟
مشاعل: طلعوا مع خالي محمد
سكر بلهجة تهديد طفولية: أول ما يرجعون أنا أوريهم، يطلعون بدون ما يسلمون علي؟
مشاعل بسخرية: نسيتي إنك صديقتهم مو خالتهم، والصراحة... صالح قبل لا يطلع قالي وقلت له يسلم عليك، وأكيد كنتِ بتزعلين، بس هو قال: كيف أسلّم عليها وأنا أكبر منها؟
سكر بحدة: أنا أوريه صالحو! يحسب نفسه لو تزوج خلاص صار هو الخال وأنا لا؟
خرجت سُكر من المطبخ وهي تهز رأسها، متوجهة إلى الصالة حيث كانت والدتها وأخواتها جالسات.

وما إن دخلت حتى لاحظت همسات بينهن، لكنهن توقفن فجأة حين رأينها، ارتسمت على وجهها ابتسامة فضولية، وجلست على طرف الأريكة وهي تراقب نظراتهن..
أشارت أختها الكبرى "بدور" إليها أن تقترب، وهمست وهي تجلس بجانبها: سُكر... في واحد جا وتقدم لك
سكر بعفوية: طيب؟ وليش الهمس كأني ارتكبت جريمة؟
بدور: الموضوع إنه مو من جماعتنا... يعني من الأشراف
سكر رفعت حاجبها: أشراف؟ قصدك سادة؟
بدور أومأت: إي، شيخ من شيوخ القبيلة، وقريب بعيد مررة من أمي
هنا تدخلت والدتها وهي تضع فنجال القهوة جانبها: يا بنتي، الرجال والنعم فيه، وأنا أعرف أهله وأهلي يعرفونه.. صحيح مو من جماعتنا، لكن بيننا رابطة قديمة... جدته كانت مثل الأخت لجدتي، وعشنا في نفس الحارة سنين
سكر: بس أبوي... والجماعة، ما راح يرضون
صيته: أبوك يمكن يرفض بالبداية، بس أنا أعرفه... إذا شاف فيك الخير مع هالرجل، يلين قلبه أهم شيء عندي يا سكر إنك تكونين مع رجل يعزك ويصونك ويقدرك، مو أي كلام
بدور مازحة: وأنتِ ترى مو صغيرة، العمر يمشي
سكر رفعت حاجبها بسخرية: تلمحون لي ولا تبون أفرح؟
ضحكت صيته وهي تمسك بيدها: نبيك تفرحين يا بنتي، وعيوني تشوفك عروس قبل ما أموت
أخذت نفس عميق قبل ما
تكمل: يا سكر، في شي لازم تعرفينه قبل ما نكمل كلامنا... محمود اللي تقدم لك... متزوج
سكتت سكر لحظة، وكأن الكلام ما وصل لعقلها، ثم رفعت رأسها بسرعة: متزوج؟! وعنده عيال بعد؟
بدور تدخلت وهي تهدي الموقف: إيه... عنده ولد أصغر منك تقريبا 12 سنة وأشهر!
سكر باستغراب: طيب ليه يبغى يتزوج على زوجته؟ يعني هي... مو زينة معه؟
صيته نظرت لبناتها وكأنها تختار كلماتها بعناية: زوجته... ظروفها ما تساعده، ما راح أقولك وش بالضبط، بس أقدر أقول إنها مريضة شوي، وحياته معها مو مستقرة من زمان
سكر ظلت تحدق في الأرض، ما بين رفض داخلي وفضول: يعني أنا أروح أصير الثانية وطبينه؟ والناس وش يقولون؟
هنا دخلت أختها الثانية "نورة"، وهي تحاول تخفف الجو بابتسامة: اسمعيني يا سكر، مو كل زواج ثاني معناه خراب بيت، أحيانًا يكون ستر للطرفين... وبعدين، هذا الرجل مو أي أحد، شيخ الشيوخ وعنده سمعه طيبة، وأهله أهل دين وكرم
بدور وضعت يدها على كتفها: إنتِ تعرفينني يا سكر، أنا مثل أمك... ما أرضى لك إلا الرجل اللي يعزك وأنا وأمك ما فكرنا في الموضوع إلا بعد ما سألنا عن محمود كثير، وطلع رجال بمعنى الكلمة
سكر رفعت حاجبها: بس العادات تقول ما نطلع من جماعتنا، وأبوي؟ كيف بيوافق؟
الأم: أبوك أول ما يسمع عن أصله وأهله، ويشوف أن العيشة معه زينة، بيتلين قلبه، وبعدين إحنا وإياهم مو غريب، ترانا وأهل محمود تربطنا قرابة قديمة، جدته كانت مثل الأخت لجدتي
بدور أضافت بابتسامة دافئة: ولا تنسين، إحنا عشنا بنفس الحارة سنين، وأبوك يعرف عمه ويقدره
نورة وهي تمسك بيد سكر: وبعدين يا أختي، إنتِ آخر العنقود من البنات، ما نبيك تظلين تنتظرين لين يفوتك القطار كلنا تزوجنا من جماعتنا، إلا أختنا فاطمة الله يرحمها، لكنك أنت... يمكن نصيبك يكون غير
الأم بلهجة حنونة: أبوك ولد عمي، وأنا أعرفه زين... صحيح يزعل بالبداية إذا سمع إنه متزوج، لكن لو شاف فيك الخير معاه، بيرضى
سكر تنهدت وهي تشعر بالضغط من نظراتهم: والله ما أدري... الموضوع أكبر مما توقعت
بدور بابتسامة ماكرة: عشان كذا إحنا قاعدين نمهد لك شوي شوي، يا قلبي
❤‍🔥1
بعد ما خلصت صيته أم سكر من كلامها مع أبوها، رجعت الصالة وعلى وجهها ابتسامة رضا،جلست بينهم وقالت بهدوء..
صيته: أبوك وافق… والعرس بيكون بعد ثلاثة أيام، يعني نهاية الأسبوع
سكر فتحت عيونها بدهشة: ها؟! ثلاثة أيام؟!
بدور ابتسمت: إيه يا صغيرة، الحفلة بسيطة، ما نبي تكاليف ولا صخب
صيته أضافت: وبالمناسبة، العريس ما راح يدخل القاعة ولا يتصور، هو بطبعه خجول وما يحب الظهور
سكر تنهدت: زين… بس أنا من زمان وأنا أحب أتميز بثيابي
صيته: وهذا اللي بيصير… بتلبسين ساري هندي، لأنك تحبينه، وصديقاتك قرروا يهدونك هدية زواجك… الأولى هندية والثانية باكستانية، وكل وحدة منهم جابت لك ساري بطريقتها
نورة ضحكت وهي تلمس كتف سكر: صدقيني، ليلة العرس بتكونين أحلى وحدة، حتى اللي مو عاجبهم الزواج بيتغير رأيهم
محمد كان جالس على طرف المجلس، وقال بنبرة جدية: مو كلنا مقتنعين يا نورة… هو مو من جماعتنا، لا هو سيد ولا من الأشراف
صيته رفعت حاجبها: النسب ما يعلي ولا يوطي… الأخلاق والدين هم الأساس. وأبوك وأمك موافقين، والكلام انتهى
ضاري كان ساكت طول الوقت، لكنه أخيرًا قال: أنا بصراحة… مو ضد، طالما هو رجال زين ويعز أختي
محمد تنهد، وبنبرة أقل حدة قال: على راحتكم… أنتم كبار وتعرفون مصلحتكم
سكر نظرت لهم بابتسامة صغيرة، ما كانت تدري إذا الفرحة هي الغالبة أو القلق، لكنها قررت تمشي مع التيار: خلاص… دام الكل موافق، أنا بعد موافقة
بدور صفقت بيدها: إييه خلاص! يلا نبدأ التحضيرات… ما عندنا وقت!

بعد كم ساعة من جلستهم مع الأم، كانت سكر في غرفتها تجلس على طرف السرير، تفكر في الكلام اللي سمعته، ثلاث أيام بس وتكون عروس… وهي أصغر وحدة بين أخواتها.. سمعت طرق خفيف على الباب، فتحت، ولقت بدور واقفة ومعها صينية شاي وصوت ضحك خفيف جاي من الممر.
بدور: تعالي الصالة شوي… عندنا ضيوف لك
نزلت سكر وهي تمشي بخطوات مترددة، ولقيت "شاري" — صديقتها الباكستانية — و"أنيتا" — صديقتها الهندية — جالسين عند أمها، كانوا جايين مخصوص من الحارة الثانية عشان يباركون لها.
شاري بابتسامة واسعة: مبروك يا عروس… إحنا ما جينا فاضيات، جينا بهدايا من قلبنا
أنيتا فتحت الكيس وأطلعت ساري باكستاني أزرق غامق، مطرز يدوي بالخيوط الفضية: هذا من عندي، ثقيل شوي، بس يطلع أميرة على جسمك
شاري بدورها طلعت ساري هندي أحمر بتطريز ذهبي: وهذا مني… تقدرين تلبسينه أول أيامك بعد العرس
سكر لمست القماش بإعجاب: والله ما توقعت… تعرفون قديش أحب الساري
صيته وهي تضحك: من زمان وهي تحب تلبس شي يميزها، حتى وهي صغيرة كانت ترفض الفساتين العادية
بدور: جربي واحد منهم، خلي البنات يشوفون
سكر لبست الساري الهندي، ووقفت قدام المراية الكبيرة في الصالة، أنيتا صاحت: يا بخت العريس لو يشوفك بهالشكل!
سكر ضحكت وهي تهز راسها: هو ما يحب هالسوالف، بالعكس، بيتهرب من العرس أصلاً!

وفي زاوية الصالة، كان أخوانها الكبار جالسين بصمت، الأخ الكبير بعد بدور، صوته كان ثقيل: أنا للحين ما هضمت الموضوع
ضاري رد وهو يمد رجله: وأنا مو مقتنع مية بالمية… بس أبوك وأمك شايفين إنه زين، ولا تنسى إنه رجال معروف بالطيب
الأخ الكبير "متعب" : أنا خايف عليها، خاصة إنها صغيرة
ضاري: حتى لو… مو كل الرجال مثل بعض، واللي نسمعه عنه كله خير
صيته قطعت النقاش بابتسامة: اللي كاتبه الله بيصير… وبكرة تقولون الحمد لله
سكر جلست بينهم وهي ترفع طرف الساري: بس لا أحد يضايقني قبل العرس، وإلا أخلي الساري يشتغل كـ(مِقْمَعَة)
ضحكوا الكل، وانكسر جزء من الجو المشحون، لكن بعيون بعضهم كان باقي شيء من التحفظ..


وقفت سكر مترددة لوهلة، تتأمل محمود وهو يقف بعيدًا في الزاوية، كان يبدو خجولًا جدًا، ويداه متشابكتان أمامه، وعيناه تتجولان بين الحاضرين وكأنها تبحث عن شيء مألوف لتتمسك به.
سكر تنهدت: أهلا… محمود
محمود: أه… أهلا… سكر (ابتسامة خجولة، يحاول التحكم في صوته)
سكر: سمعت عنك كثير… يعني… عن حياتك، وزوجتك، وابنك… بس… ما توقعت أشوفك اليوم
محمود: أي… أنا… ما أحب الحفلات… وأنتِ تعرفين، الخجل… (يحاول أن يبتسم لكنه يبدوا متوترًا)
سكر: هههههه، أي أنا أفهم… الجو اليوم مختلف شوي… لكن الحفلة بسيطة… مو كبيرة… الكل عايش على هدوء
وقفت صديقتاها أنجانا وساره على الجانب، تراقبان بهدوء، لا يتدخلن، لكن كل واحدة منهن تشعر بالفضول الشديد لمعرفة رد فعل سكر ومحمود.
محمود: سمعت إنك رح تلبسين الساري… الأحمر المطرز بالذهبي؟
سكر: أيوه… حبيت أتميز شوي… لأن اليوم خاص… وصديقاتي ساعدوني فيه
محمود بنبرة هادئة: يليق فيك… ما توقعت الساري يعطيك هاللمعة…
سكر تشعر بشيء دافئ في قلبها: شكراً…
❤‍🔥1
محمود: أنا… آسف… إذا زعجتك أخبار عني… الزواج… زوجتي… ابني… كل شيء…
سكر: لا… ما أزعجني… بالعكس… أنا… كنت حابة أعرف… كنت متفاجئة شوي… بس… أفهم الوضع
اقتربت بدور قليلاً وقالت بابتسامة:
بدور: يلا يا سكر… كوني مرتاحة… كل شيء تمام… محمود رجل محترم… وكلنا هنا لنساعدك تفهمي الوضع شوي
ضحكت سكر بخجل:
سكر: أي، شكراً… بصراحة، كنت خايفة شوي… يعني… كل شيء غريب علي… الزواج، العائلة، الحفلة…
محمود: أفهم شعورك… أنا… نفسي أشرح لك… بس ما أحب أضغط على أحد… خصوصًا يوم العرس…
نظرت سكر حولها، فرأت ضاري واقف بعيدًا يراقب، يحاول كتم ابتسامته، وأخواتها بدور وليلى يراقبنها بعين الحنان والدعم.
سكر بهمس: محمود… ممكن أسألك… ليه… ليه تبغى تتزوج على زوجتك؟
محمود يتنهد، ينظر بعيدًا: سكر… الموضوع… مو زي ما تتخيلين… زوجتي قوية… شخصية… وأنا محتاج شخص معي… يساعدني… يقدرني… اليوم… يعني… بس مشكلتها… إنها… قوية… وانا محتاج توازن… (ينظر مباشرة إلى عينيها بخجل)
سكر تفكر للحظة: أفهم… يعني مو أي شيء… فيه احترام… و… شخص يحميك… ويقدرك
محمود: بالضبط… وأنتِ… كنت فضولك مشروع… وكنت أعرف إنك قوية… تعرفين حدودك… وتفهمين كل شيء
ابتسمت سكر، شعرت بشيء جديد، مزيج من الفضول والفضول الممزوج بالاعجاب: يعني… كل شيء واضح… بس… أنا… صراحة… اليوم… ثاني مرة أشوفك… وأنت جالس بعيد… كنت أتمنى لو… كنت تعرف كيف تحكي
محمود يضحك بخجل: أنا… ما بعرف… أعبر… بسهولة… بس… اليوم… أنا سعيد إنك موجودة… وتفهمينني شوي
اقتربت صديقتها أنيتا وهمست لها: خليهم يتحدثون… هاد اللقاء الأول… مهم…
شيلا: أي… لا تتدخلوا… خلوا الجو طبيعي…
وبينما سكر ومحمود يتحدثان، بدأت الأحاديث تتخللها ضحكات خفيفة، وتبادل نظرات حذرة، كل كلمة كانت محسوبة، وكل حركة كانت مدروسة، وكأن الزمن توقف للحظة، وترك لهم فرصة التعرف على بعضهم لأول مرة، بعد كل الشائعات، والتوقعات، والتوتر العائلي.

في تلك اللحظة، شعرت سكر بشيء غريب… لم يكن خوفًا، ولم يكن فضولاً فقط… كان مزيجًا من الاحترام، والدهشة، والفضول الممزوج بالفضول… تجاه هذا الرجل الذي يبدو غريبًا، لكنه يحوي شيئًا مختلفًا، شيء جذبها على الفور.
وهي تتحدث، لاحظت محمود يبتسم بخجل، ويده تتراجع قليلًا، لكنه لم يبتعد… كأنه يعرف أن هذه اللحظة قد تغير كل شيء بينهما، وهكذا، انتهت اللحظة الأولى بين سكر ومحمود… لقاء طويل بالكلمات، قصير بالنظرات، لكنه مليء بالشعور المتبادل والفضول، وبدا وكأن بداية فصل جديد في حياتهما قد بدأ للتو.





_ يُتبــــــــًـــــــــــع..
❤‍🔥1
#وإما_اليتيم_فلا_تَقْهرَ٢
الحلقة: الـــــــــسابع
َسِيمْ الـــــوزيرية🖤.


بعد أن انفض الجمع وغادر الضيوف، بقي في البيت صدى الأهازيج وضحكات النساء وهي تتلاشى شيئًا فشيئًا، كأنها تودع يومًا لم يتكرر، كانت سكر جالسة في غرفة الضيوف، يديها تتلمسان أطراف ثوبها الهندي الملون، وشعرها ما يزال يحمل عبق الورد والعود، لم ترَ محمود إلا من بعيد أثناء الحفل، عابرًا بخطواته الخجولة نحو مجلس الرجال، لكنه ترك في قلبها أسئلة أكثر من الإجابات.

في صباح اليوم التالي، فتحت عينيها على ضوء خافت يتسلل من نافذة الغرفة الجديدة، كانت الغرفة مرتبة بعناية، لكن فيها لمسة عملية لا تخطئها العين؛ طاولة صغيرة عليها دفتر وبعض الأقلام، وخزانة تحوي ملفات وأوراق.. سمعت طرقًا خفيفًا على الباب، وصوتًا هادئًا:
: السلام عليكم… أنا محمود
ترددت لحظة، ثم أجابت: وعليكم السلام
فتح الباب قليلًا، وظهر بملامحه الهادئة وابتسامة متحفظة.. كان أطول مما تخيلت، وعيناه فيهما شيء من التعب وكثير من الهدوء. قال: حبيت أسلّم قبل أروح المخبز
سكر: الله معك
أومأ برأسه، وأغلق الباب بهدوء، تاركًا وراءه شعورًا غريبًا… مزيج من الراحة والرهبة.

مرت الأيام الأولى ثقيلة بعض الشيء؛ نوال، زوجته الأولى، كانت تراقب سكر من بعيد، وفي بعض الأحيان تتعمد الدخول في أحاديث جانبية معها، سكر لم تكن من النوع الذي يلين بسهولة، وكانت إذا شعرت بالاستفزاز ترد بكلمة أقوى أو نظرة أكثر حدة، ما جعل نوال أحيانًا تتجنبها، وأحيانًا أخرى تختبر صبرها.

أما عبدالله، ابن محمود، فكان موقفه مختلفًا؛ في البداية لم يتقبل فكرة أن هناك زوجة جديدة لأبيه، خاصة وأن فارق العمر بينه وبين سكر لم يكن كبيرًا، كان يكتفي بالردود الباردة أو الصمت التام حين تكلمه، لكنها لم تحاول فرض نفسها عليه مباشرة، بل تركت الوقت يلين المسافات.. كانت تراقبه وهو يلعب الكرة في فناء البيت، وأحيانًا تضع له كوب عصير على الطاولة دون أن تقول شيئًا.. بمرور الأسابيع، بدأ يرد التحية، ثم صار يسألها عن بعض الأمور الصغيرة، حتى صار يضحك معها، ثم أصبح يرافقها أحيانًا إلى السوق أو المخبز، كأنها أخت أكبر أو صديقة مقربة.

بعد أشهر قليلة، بدأت ملامح حياة جديدة تتشكل.. في إحدى الليالي، جلست سكر قرب محمود وهو يراجع حسابات المخبز، وترددت قبل أن تهمس له: أظن… إني حامل
توقف عن الكتابة، نظر إليها، ولمعت في عينيه نظرة امتنان لم ترها من قبل.. بعد أسابيع، تأكد الخبر، وبدأت أمه وأخواته يحيطنها بالرعاية.

حين وُلدت المولودة بعد عام تقريبًا، كان الأمر كأنه فأل خير على العائلة؛ لم يمر شهر حتى اشترى محمود فيلا جديدة وسيارة خاصة، وبدأ يجلب للمخبز أجهزة إيطالية حديثة، توسع بها الإنتاج، وصار اسمه يلمع في السوق أكثر من أي وقت مضى.. لكن في وسط هذه التحولات، كان هناك شيء خفيّ يتغيّر؛ تركي، أحد المقربين من محمود، صار يزور أكثر من اللازم، وعيناه تحملان شيئًا من الفضول وربما الطموح، لكن الأمر كان غامضًا… كظل يمرّ سريعًا ولا يترك أثره إلا في القلب.

في ظهيرة دافئة، كان محمود جالس في المجلس ومعه عبدالله، يتحدثون عن المدرسة والعمل في المخبز، لما دخلت سكر تحمل صينية شاي، ابتسمت وهي تحط الصينية: شاي بالنعناع، زي ما تحب
عبدالله أخذ الكوب بسرعة وقال: وأنا؟ ما لي نصيب ولا كيف؟
سكر رفعت حاجبها: إنت؟ أنت اللي كل ما شربت شاي تقوم تقول ثقيل، والنعناع كثير، والحين صرت تحبه؟
محمود ضحك: خليه، يمكن تغير ذوقه
بينما هم يتحدثون، دخل أخو محمود، "سليمان"، بوجه متجهم، جلس بدون ما يسلم بحرارة، وأخذ نفسًا عميقًا: سمعت إنك شريت فيلا جديدة، وسيارة بعد… ما شاء الله
محمود بهدوء: إيه، رزق من الله، والمخبز ما قصر
سليمان رفع حاجبه: سبحان الله، زمان كنت تقول ما معك إلا قوت يومك، واليوم صرت تبني وتشتري
عبدالله حس بالتوتر، فحاول يغير الموضوع، لكن سليمان ما أعطاه فرصة: الناس بره تقول إنك لقيت كنز، أو يمكن أحد يمولك… ما ندري
محمود شد على كلماته: إذا كنت جاي تسمع كلام الناس وتردده، الباب قدامك.. أنا ما آخذ رزقي إلا بعرق جبيني
سكر كانت تراقب الموقف بصمت، لكن عيون سليمان وقعت عليها فجأة.
سليمان: وهذي زوجتك الصغيرة… شكلها جابت الحظ معك
ردت سكر بابتسامة باردة: الرزق من الله، والحظ ما هو بيد أحد
بعد ما خرج سليمان، التفتت سكر لمحمود: هو دايم كذا معك؟
محمود هز رأسه: من يوم شاف الحال تغير، وهو يحسب أني أخذت نصيبه مو بس لوحده حتى أخواتي
---

الأخبار اللي توصل من خارج الحي ما كانت تطمن؛ الأسواق بدأت تفرغ من بعض البضائع، الأسعار ترتفع، والناس تتهامس عن مشاكل في الحكومة، وعن توترات مع دول ثانية، الجو صار ثقيل، وكأن السماء تنتظر لحظة تمطر فيها نار بدل المطر.
❤‍🔥1
في إحدى الليالي، كانت سكر جالسة مع نوال في المطبخ، نوال تجهز العشاء وهي ساكتة، سكر حاولت تكسر الصمت: الأسعار صارت نار هالأيام، حتى الطحين غلي
نوال ردت بنبرة جافة:
نوال: إيه… واللي معه فلوس ما يحس باللي ما معه
سكر وقفت وواجهتها: إذا قصدك محمود، فهو ما نسى أحد.. دايم يساعد حتى بدون ما أحد يطلب
نوال رمقتها بنظرة سريعة وسكتت.
---

مع مرور الأيام، زيارات إخوة محمود كثرت، لكن مو بحب… كانوا يجون ويطلعون وهم يرمون كلمات فيها غيرة وطمع اما اخته امل تزوجت من ابن خالها وهو مقرب من محمود، حتى عبدالله لاحظ.
عبدالله: أبوي، ليه عمي وعماتي دايم يحاولون يعرفون كم معك فلوس؟
محمود مسح على رأسه: لأن الطمع يعمي القلوب، يا ولدي
سكر كانت تسمع هالكلام وتفكر… التغير اللي صار في حياة محمود ما جاب له الفرح بس، جاب له الحسد، ومع التوتر اللي يزيد في البلاد، كانت حاسة إن الأيام الجاية مو سهلة.

كان النهار يميل إلى دفء خفيف، والنسيم يتسلل من النوافذ القديمة للبيت.. جلست سكر على الأرض بجانب فراش طفلتها ذات الخمسة أشهر، تُداعب أصابعها الصغيرة وتضحك كلما أصدرت الطفلة أصواتًا بريئة.
سكر تبتسم: يا زينك يا روحي… كبرتي وصرتي تعرفين تلعبين بيدي
مدت الطفلة يدها نحو نظارة أمها، وجذبتها بخفة، فسقطت على طرف السجادة.
ضحكت سكر وهي تُعيد النظارة على أنفها:
سكر: ههههه… حتى النظارات ما سلمت منك يا دلوعة
في تلك اللحظة، سُمِع صوت طرق على الباب.. أسرعت الخادمة لتفتحه، فإذا بها صيته تدخل بخطوات واثقة، ووجهها المليء بالهيبة والحنان.
صيته بصوت متهلل: وين حبيبتي سكر؟
قامت سكر مسرعة، وانحنت لتُقبل رأس أمها:
سكر: يمه! نورتي البيت… والله اشتقت لك
صيته: وأنا بعد يا بنتي… يا الله شوفوا هالزين (تلتفت نحو الطفلة) هذي هي الصغيرة؟ يا عمري وش حلاتها
حملت صيته الطفلة بين ذراعيها، فابتسمت الصغيرة لها ابتسامة عفوية، كأنها تعرفها منذ زمن.
صيته: يا ربي تحفظك… ما شاء الله، تشبهك يا سكر بس عيونها كأنها عيون أبوها
سكر تضحك: أيه يمه… الكل يقول إنها تشبه محمود
جلست صيته على السجادة، والطفلة في حضنها، بينما سكر جلست بجانبها تُراقب أمها بحب.
سكر: يمه… والله ما أقدر أوصف لك فرحتي يوم شفتك تدخلين
صيته: وأنا بعد ما يهون علي أبقى بعيد… خصوصًا وأنتِ متزوجة وصغيرة… قلبي معك دوم
مرت لحظة صمت دافئة، قطعتها ضحكات الصغيرة، ثم انحنت صيته على سكر، وسألتها بصوت منخفض.
صيته: قولي لي يا بنتي… كيفك مع محمود؟ رجال زين معك؟
سكر بخجل: أيه يمه… الحمد لله… هو هادي وما يحب يزعلني بس أحيانًا أحس إنه يفكر واجد
صيته: طبيعي يا بنتي… الرجال رزقه زاد ومسؤولياته كبرت، بس أهم شي يعاملك بالطيب ويصونك
رفعت سكر رأسها بتردد، ثم همست:
سكر: يمه… في شي أبي أقوله لك…
صيته تتأملها: خير يا روحي؟
سكر: أحس إني… حامل مره ثانية
فتحت صيته عينيها بدهشة، ثم ابتسمت بسرعة وهي تضم يد ابنتها الصغيرة:
صيته: يا حظي فيك… ما شاء الله! لسه الصغيرة في خمسة شهور، والحين بتصيرين أم مرتين!
سكر بابتسامة محرجة: أدري يمه… بس خايفة… أنا بعدني صغيرة
صيته: اسمعيني يا سكر… الأطفال رزق وبركة… وأنتِ قوية من يومك.. أنا ربيت ثمان غيرك، وكلهم طلعوا رجال وحريم بتقدرين… وأبوك ومحمود معك

في تلك الأثناء، دخل محمود من الخارج، كان مُتعبًا، وملابسه عليها آثار الطحين من المخبز.
محمود: السلام عليكم…
صيته: وعليكم السلام يا وليدي… الله يعطيك العافية
جلس بجانبهم، ومد يده ليأخذ طفلته:
محمود بابتسامة عريضة: تعالي يا قرة عيني… وحشني ضحكك
بدأ يُداعبها، فمدت الصغيرة يدها لتمسك لحيته، وضحك الجميع.
سكر تضحك: ههههه حتى هي تحب تزعجك زيي
محمود مازحًا: شكلك علمتيها من بدري
نظرت صيته إلى المشهد بحنان، ثم قالت لمحمود:
صيته: يا ولدي… الله يرزقك الرزق الحلال… بس انتبه لبيتك وزوجتك
محمود بوقار: أبشري يمه… سكر تاج راسي، ما أخليها تزعل
تبادلت سكر ومحمود نظرات صامتة… كان في عينيه صدق واطمئنان، وفي عينيها رهبة ممزوجة بالفرح.
وبينما الأم تقلب الصغيرة بين ذراعيها، ارتفعت ضحكاتهم، وامتلأ البيت بجو عائلي دافئ..
لكن، في قلب سكر، كان هناك شعور جديد يتشكل… شعور الأمومة المضاعفة، والخوف من القادم، والرهبة من العالم حولها الذي بدأ يتغير شيئًا فشيئًا.

كان المساء يقترب، وسكر تجلس في ركن الصالة، تُهدهد طفلتها ذات الخمسة أشهر لتنام.. دخلت نوال بهدوء، تحمل بيدها صينية شاي.. وضعتها على الطاولة، ثم جلست دون أن تنطق بكلمة.
سكر بابتسامة خفيفة: الله يعطيك العافية يا نوال
نوال ببرود: العفو
ساد صمت ثقيل لثوانٍ، ثم رفعت نوال نظرها نحو سكر، وقالت بنبرة خافتة.
❤‍🔥1
نوال: البنت دي… كل الناس تقول تشبه محمود كثير
سكر تبتسم: أيه، حتى أمي تقول نفس الشي
نوال بشيء من الغيرة: يمكن… بس أنا أقول شبهه ما يهم، أهم شي يطلع عقلها زي عقل أمها
سكتت سكر لحظة، ثم عدّلت نظارتها وقالت بهدوء:
سكر: قصدك إيه؟
نوال بضحكة مصطنعة: ولا شي… بس يعني عشانك صغيرة… ما تعرفي كثير
شدّت سكر نفس طويل، ثم نظرت إليها مباشرة بعينيها من خلف النظارة:
سكر: صغيرة، صح… بس مو ضعيفة.. لا تحسبي عمري يخليني أقل منك

تغيرت ملامح نوال، وارتبكت قليلًا، لكنها حاولت تخفي توترها بابتسامة مصطنعة.. وفي داخلها، كانت تشعر بشيء من الخوف من قوة شخصية سكر رغم صغر سنها.
---
في اليوم التالي، اجتمعت نساء العائلة عند بيت أم محمود.. كان الجو مليئًا بالثرثرة والضحك، لكن خلف الابتسامات كانت هناك نظرات خفية.
جلست إحدى أخوات محمود، عبير، بجانب أختها عفاف، وهمست لها:
عببر: شوفتي كيف حال محمود؟! صار عنده فيلا وسيارة… حتى المخبز صار غير
عفاف بغصة: أيه… كله من بعد هالصغيرة… شكل حظها حلو عليه
عبير بحقد: وأنا أقول ليه تزوجها؟ شكله كان يدور البركة
ضحكتا بخفة، لكن حين التفتت سكر ناحيتهما، أسكتا نفسيهما فجأة وكأن شيئًا لم يكن..
كانت سكر تراقبهن بصمت، تُدرك أن في قلوبهن شيء لكنها لم تُرد أن تُظهر ضعفها.
---
في تلك الليلة، جلس محمود مع سكر في الباحة الخلفية للبيت..كانت الطفلة نائمة في مهدها، والجو هادئ إلا من صوت الريح البعيدة.
محمود يتأمل السماء: الدنيا صارت غريبة يا سكر… الأخبار من بره تقول إن الوضع ما يطمن
سكر قلقة: قصدك الحرب؟
محمود: أيه… في ناس تقول قريب يصير خراب كبير… الله يستر علينا وعلى بلادنا
سكت لحظة، ثم نظر إليها بابتسامة مطمئنة: بس لا تخافين… طول ما أنا معك، ما راح أخليك تشيلي هم
سكر بصوت واثق: وأنا معك يا محمود… الله يقوينا
اقترب منها، وأخذ يدها بين يديه، بينما في أعماقها كانت تشعر أنها تكبر بسرعة أكبر من عمرها.
---

بعد أيام، جاءت نوال وجلست بجانب سكر بينما كانت تُطعم طفلتها.
نوال بتردد: يعني… بتجيبي ولد ثاني؟ سمعت إنك حامل
سكر بابتسامة صغيرة: أيه، هذا رزق من الله
نوال بهمس متوتر: يعني… بتزيدي عياله وتاخذي مكانك بسرعة
سكر تنظر لها بثبات: المكان ما هو بالحمل والولادة… المكان بالحب والمعزة
سكتت نوال، ولم تجد ردًا، كان في داخلها شعور مُبهم… خليط من الغيرة والخوف.
---
بينما في مكان آخر من المدينة، كانت أخبار السياسة تتسرب، رجال يتحدثون في المجالس عن أسعار ترتفع، وعن خلافات بين الدول، وعن جنود شوهدوا على الطرق.. كانت الأجواء وكأنها تُمهد لقدوم زمن صعب، زمن يغير الأحوال، ويقلب الموازين.

سكر لم تكن تعرف كل التفاصيل، لكنها كانت تشعر أن الأيام القادمة لن تكون كالأيام السابقة…



_ يُتبــــــــــــــــــع..
❤‍🔥1
#وإما_اليتيم_فلا_تَقْهرَ٢
الحلقة: الـــــــــثامن والأخير.
َسِيمْ الـــــوزيرية🖤.



مرت الأيام ثقيلة على بيت محمود… الفيلا اللي قبل أشهر بس كانت عنوان للخير والنعمة، بدت تتغير ملامحها، صارت الكآبة تتسلل لأركانها، وصوت نوال ما عاد يوقف من التذمر واللوم.
نوال وهي تضرب الباب بقوة: محمود! لين متى وانت ساكت؟ المخبز مافيه مثل أول، والفلوس تتبخر، وأنا ما عاد أتحمل!
محمود يجلس على الكرسي ويمسح وجهه بإرهاق: يا نوال، وش تبيني أسوي؟ السوق كله متأثر، التجار نفسهم يشكون، مو بس أنا
سكر كانت جالسة في الصالة، تهز بنتها الصغيرة اللي عمرها خمس شهور، تحاول تسكت بكاءها، وتسمع كل كلمة بينهم.. رفعت نظاراتها وعدلتها بهدوء، لكن لما شافت نوال ترفع صوتها أكثر، ما قدرت تسكت.
سكر: نوال، إنتي لو بدل ما تصارخين وتلومين، وقفتي معاه بالكلمة الطيبة، يمكن الله يفرجها
نوال بحقد: إنتي اسكتي أحسن لك! ما بيني وبين أخوي غير سنين عايشة معاه، وشفنا الشقا من قبل لا تجين إنتي
سكر بابتسامة ساخرة، ترفع حواجبها: إيه بس ما شفنا الخير إلا يوم جيت أنا… كلنا ندري
نوال سكتت لحظة، وعيونها لمعت بغصة وغيرة، تراجعت خطوة للخلف وكأنها خافت من المواجهة، لكنها عضت شفايفها ورجعت غرفتها وهي ترمي الكلام: والله يا سكر، الأيام دول، وكل شي يبان
محمود التفت على سكر ونظر لها نظرة فيها شكر، لكنه ما تكلم.
---
بعد كم يوم، زارتهم أم سكر "صيتة"، دخلت البيت وهي تحمل معاها هدايا بسيطة خبز من التنور، وقطعة قماش لسكر يوم شافت بنت سكر الصغيرة بين يدينها، عيونها امتلأت دموع.
صيتة تضحك وهي تهدهد الطفلة: ما شاء الله تبارك الرحمن… هذي وجه الخير عليكم. الله يخليها لكم، يا ليت أبوك يشوفها، كان ذاب من الفرح
سكر بابتسامة حنونة: الله يخليها يا يمه، هي نورت حياتنا
أمها جلست جنبها، وبدأت تهمس: بس يا بنتي… ديري بالك، أنا شايفة الغيرة في عيون نوال، وحتى أخوات محمود ما يباركون لكم مثل الناس الحسد إذا دخل بيت، يهدّ الحيطان
سكر تنهدت وهي تمسح على شعر بنتها: أدري يمه… بس وش بيدي؟ أحاول أتحاشى المشاكل، بس هم ما يتركوني
محمود دخل عليهم وقتها، وبوجهه هموم واضحة، لكن لما شاف أمه جالسة عندهم، حاول يبتسم: هلا يمه، نورت البيت
صيتة تهز راسها وتتنهد: البيت عامر بأهله، بس يا وليدي شد حيلك، لا تخلي الدنيا تكسر ظهرك
محمود جلس قدامها، وصوته ثقيل: والله يا يمه، أحاول، بس الأحوال صعبة.. المخبز ما عاد يجيب مثل أول، والزباين قلوا
سكر نظرت له وهي تحاول تخفي قلقها، لكنها حسّت قلبها يضيق.. بنفس الليلة، وهي في غرفتها، مسكت يد محمود وقالت له: لا تخاف… يمكن الله يفتحها علينا من باب ثاني
محمود مسح على شعرها بابتسامة مرهقة: إن شاء الله… بس أدعي لي يا سكر
---
الأيام مرّت، وسكر بدأت تحس بتغير في جسمها.. في البداية ظنت إنه إرهاق من كثرة شيل البنت الصغيرة والسهر، لكن مع الوقت، تأكدت إنها حامل من جديد. يوم قالت الخبر لمحمود، عيونه دمعت، رغم همومه ابتسم: الله يبشرك بالخير يا سكر! يمكن هالمولود يكون سبب فرج علينا
سكر تمزح وتعدل نظارتها: أهم شي لا تسميه على ذوقك… المرة هذي اسمي أنا اللي يختاره
ضحك محمود لأول مرة من أسابيع، وقال: أبشري… اسمك يمشي
---
لكن فرحتهم ما كانت كاملة.. أخوات محمود بدأوا يزورونه أكثر، بوجوههم ابتسامات مصطنعة، لكن بين الكلمات يرمون تلميحات مرة.
إحدى أخواته: ما شاء الله يا محمود، كل يوم تزيدون واحد… عاد الرزق ينقص والعيال يزيدون.. الله يعين
نوال كانت تسمع وتضحك بخبث: إيه والله، وأنا أقول نفس الكلام
سكر ما تحملت، وقالت وهي تهز راسها بثقة: الرزق بيد الله، واللي يرزق بعيال يرزقهم بمعيشتهم
الأخت سكتت، لكن عيونها فضحت الحسد.


وبينما بيت محمود يعيش في هذه التوترات، الأوضاع في البلاد كلها بدأت تتغير.. الأخبار اللي توصل كانت كلها عن قلق، عن حرب قادمة، عن خراب يقترب.. الأسواق تتأثر، والرجال في المجالس ما يتكلمون إلا عن ارتفاع الأسعار ونقص البضائع.. الجو كله صار ثقيل، كأن الغيم جالس فوق رؤوسهم.
----

ست سنوات مرّت… ست سنوات قلبت حياة محمود وسكر رأسًا على عقب.
في البيت صارت أصوات الأطفال تملأ الأرجاء: الصغيرة "حور" صار عمرها ست سنوات، متعلقة بأمها، وذكية تلتقط الكلمات بسرعة.. يليها "سالم" خمس سنوات، مشاغب لا يهدأ، يشبه أبوه في العناد.. أما الصغير "عيسى" عمره ثلاث سنوات، لا يترك حضن سكر، مدلل الجميع، لكن ضحكاتهم كانت تختلط بصوت الحرب من بعيد، وبقلق يتسلل لقلوب الكبار.
البلاد تتهاوى يومًا بعد يوم… الأسعار نار، الأسواق فاضية، والناس صاروا يحكون همسًا عن الهروب، عن النجاة.
❤‍🔥1
محمود جلس في المجلس، ملامحه متعبة، يده تشد على مسبحته: يا سكر… الوضع ما عاد يطمن. الرزق قلّ، والناس تهرب.. لازم نقرر قبل ما يفوت الأوان
سكر وضعت نظارتها على عينيها، وضمت ولدها الصغير: تقصد نسافر؟
محمود: أول شي حاولت أطلع تصريح لعُمان، بس سلطان قابوس ما عاد يقبل لاجئين..رديّوني
سكت شوي وكمل: بعدين قلت نتوجه لليمن.. الشمال تحت علي عبدالله صالح… أما الجنوب بيد سالم رُبيع علي، والناس تقول يستقبلون الهاربين
سكر وقفت لحظة تفكر، وبعدين قالت بصوت هادي لكن مليان عزيمة: تتركني وتروح لحالك؟ لا يا محمود وين تروح أنا والأولاد معك
محمود يتنهد: يا سكر… البحر خطر عيالي صغار أنا خايف عليكم
سكر أمسكت يده ونظرت لعينيه: نموت سوى ولا نعيش متفرقين

لكن نوال كان لها رأي ثاني
دخلت عليهم وهي متوترة: أنا ما أترك بلدي! إن متنا نموت على ترابنا
محمود بعصبية: نوال افهمي! ما عاد في أمان العيش صار موت بطيء!
نوال: خذ زوجتك الثانية وروحوا… أنا وأولادي ما نتحرك
عبدالله، اللي صار عمره يقارب عمر سكر، كان يسمع بصمت رفع راسه وقال بثقة: أبوي… أنا أجي معك
محمود ابتسم بحزن وربت على كتفه: الله يرضى عليك يا ولدي
لكن المشكلة وقعت عند الولد الثاني لنوال، عمره أربع سنوات.. محمود جهّز له أوراقه، لكن نوال وقفت تبكي وتصيح: الولد مريض، عنده ضعف في صدره.. البحر يقتله! تبي تحمله للتهلكة بيدك؟
سكر حاولت تقنعها: لو تبغين نجيب له دكتور يفحصه
لكن نوال شدّت ولدها لحضنها وهي تصيح: لا! أنا أعرفه… أمه أدرى فيه خلوه معي
محمود شعر إن قلبه ينكسر، بس كان مجبور يرضخ ما كان عنده وقت يضيع، ولا مجال للجدال أكثر ترك الولد عند نوال… وهو ما يدري إنها خططت من البداية تزرع الحقد في قلبه ضد أبوه.

ووسط هذا كله، انكسرت قلوب سكر مرة ثانية بخبر فاجع
ضاري… أقرب إخوانها لها، قُتل برصاصة طايشة وسط الاشتباكات.. الخبر جاءهم مثل الصاعقة.. سكر انهارت تبكي، صحتها تعبت أيام طويلة.. كان ضاري سندها، صديقها قبل لا يكون أخوها.. فقدانه ترك جرح ما يندمل.

أما محمد، أخوها اللي ما يفترق عن المشاكل معها، قرر يهاجر قبل ما يشتد الوضع أكثر.. قدر يحصل على لجوء وسافر إلى هولندا. رحيله ترك فراغ، لكن خبر نجاته كان عزاء بسيط وسط الخراب.


ركب محمود مع سكر وأولادهم، وعبدالله، سفينة متواضعة متجهة نحو بحر العرب.
الأمواج عالية، والريح تعصف. الأطفال التصقوا بسكر، وهي تضمهم بحنان.
سكر تهمس لأولادها: لا تخافوا… أبوكم معنا، وربنا ما يضيعنا
عبدالله جلس جنبهم، يحاول يلهي الصغار بقصص بسيطة
محمود واقف في مقدمة السفينة، عيونه على الأفق، وصدره مليان هموم: بيت تركه، أولاد فرقهم، زوجة عاندت، بلد رحل عنه غصب

بعد ساعات طويلة، لمحوا سواحل اليمن الجنوبي.. ناس من الساحل استقبلوهم، ومعهم لاجئين آخرين جاؤوا بنفسهم الطريق..أسكنوهم في بيوت متواضعة قريبة من البحر، هناك حيث رائحة الملح تملأ الجو وصوت الأمواج يصير خلفية يومية.

سكر وقفت قدام البيت الصغير، عيونها دامعة: هنا نبدأ من جديد
محمود تنهد، يخبّي وجعه في صدره، وهو يردد: الله يكتب لنا الخير، وين ما نكون
لكن داخله كان يعرف… إن القادم أصعب.

بدأت حياة محمود في اليمن بداية متعبة.. اشتغل أول ما وصل عامل في مغسلة سيارات صغيرة على طرف الساحل، يده اللي كانت تمسك الذهب والفضة زمان، صارت اليوم تمسك خرطوم ماء وصابون، لكن ما اشتكى، بالعكس، كان يقول:
"الشغل مش عيب… العيب إن أولادي يناموا جياع."

سكر واقفة تراقبه من بعيد، وعيونها دامعة، قلبها يوجعها وهي تشوفه يتعب بهذا الشكل، لكنها بنفس الوقت تفتخر فيه… رجل ما ينكسر.

بعد أشهر قليلة، جمعت سكر كل ذهبها اللي كانت مخبياه من أيام ما قبل الحرب، جلست قدام محمود وهي تقول بخجل: خذهم يا بو حور… افتح فيهم رزق جديد.. الذهب للشدائد، وهذي شدتنا
محمود مسك يدها وهو يهز راسه: يا سكر… لو بعت عمري ما أرضى آخذ زينتك
سكر أصرت: زينتي الحقيقية أنت وعيالي.. الذهب يتعوض… بس أنتوا ما تتعوضون

بالفعل، باعوا الذهب وفتح محمود مشروع صغير، بقالة أولاً، ثم توسع شوي شوي وصار عنده رزق يفتح بيت.
لكن… قلب محمود كان مليان جروح قديمة.قبل ما يسافر، كان متفق مع "تركي" إنه يبيع الأجهزة الإيطالية تبع العجانات والمخابز، وكان فيها أرباح كبيرة، تركي كان يماطل ويأجل، ولما محمود سافر، أكل حقه كله. محمود عرف بالموضوع بعدين، بس قال: الله يسامحه.. رزق مكتوب لي ضاع، يمكن ربي يعوضني بغيره

أما بيت الفيلا اللي عاش فيه محمود زمان، فهذيك كانت الطعنة الأعمق.. أبوه بعد ما سمع إنه سافر، راح لحارس الفيلا.. الحارس الأمين رفض يدخل أحد للبيت غير محمود، لكن أبو محمود أصرّ وقال له: أنت أمين؟! إذا أمين خليك أمين معي أنا، مو مع ولدي، الولد سافر ويمكن ما يرجع… الفيلا أنا اللي بنيتها، أنا أحقّ بيها
❤‍🔥1
بكلام وإقناع، قدر يخليه يكتب الفيلا باسمه، وباعها.. لما سمع محمود بالخبر، جلس صامت، ما تكلم بكلمة، بس قلبه نزف، وبعد سنين… سامح أبوه، وقال: الدنيا ما تسوى… أهم شي نلقى الله وقلوبنا صافية

أيامهم باليمن ما كانت سهلة.. نوال ظهرت من جديد فجأة، جابت ولدها الصغير، اللي سمّته "فارس"، وجت على بيت سكر.. دخلت وهي تتصنع الابتسامة، لكن كلماتها كانت سُمّ: عبدالله… تعال شوف أمك… تعال اسمع الحقيقة.. أبوك ما يحبك، تركنا، راح يتنعم بحياته مع زوجته الثانية
سكر حاولت تدافع، بس نوال كانت تعرف وين تضرب.. عبدالله تأثر بكلامها، وصار يبتعد عن أبوه يوم بعد يوم..
إلى أن هرب من البيت.

محمود جن، بلغ الشرطة، لما لقوه، سألوه قدام نوال وسكر ومحمود: هذا أبوك؟
عبدالله، بعناد ودمعة في عينه، قال: لا، ما يكون أبوي
الكلمة نزلت مثل خنجر في صدر محمود، أما نوال، فكانت تضحك في سرها، رجعت لأولادها، وما عاد محمود شافها ولا شاف فارس مرة ثانية، ظلت غصة بعمره كله.


مرت السنين، محمود وسكر كافحوا من الصفر، مرة يسكنوا ببيت صغير قرب البحر، مرة بجمعية خيرية أعطتهم شقة، وبعدين قدروا يبنوا بيتهم بعرق جبينهم.
كبرت العائلة: رزقهم الله بأربعة أولاد وست بنات، لكن وحدة من البنات – "جود" – توفيت صغيرة توأم، فبقوا خمسة.
الأولاد صاروا سند، رجال قبل أوانهم، كانوا يشتغلون مع أبوهم ويساعدونه، ويشيلون عنه هموم الدنيا.

سكر صارت كل يوم تشكر ربها: الحمد لله… كنت أظن حياتنا تنتهي بالبحر، لكن ربي كتب لنا عمر جديد

أما محمود، فمع تقدم العمر، بدأت الأمراض تنهشه، في 2006 عرف إنه مصاب بالسكري، حاول يصبر، لكنه مع الضغط والعصبية تراكمت عليه الأمراض.. ضغط، تعب قلب، مشاكل كثيرة.
ورغم الألم، ما ترك صلاته، ولا ترك دعاءه لفلسطين، كل يوم يجلس قدام الأخبار، يرفع يده للسماء: اللهم انصر إخواننا في غزة… اللهم شد أزرهم
كان يشوف نفسه في وجوه المقاومين، ويشبه إلى حد كبير رئيس وزارة حركة حماس "اسماعيل هنيّة"، يشبه في شكله وقوة عقلها وحكمته في الحياة والأهم من كل ذلك حبهم وتايذهم للقضية الفلسطينية إلى حد الرمق، محمود لديه بعض الملامح الفارسي لانه أصوله من فارس، وكان يقول لأولاده: إذا متّ، لا تنسوا قضيتكم. فلسطين مو بعيدة عنا

في آخر أيامه، كان يجلس بصمت طويل.. يبتسم لسكر وأولاده، لكن عيونه تحكي حزن كبير.. كان الشريط كله يمرّ قدامه:
نوال… تركي اللي غدر فيه… أبوه اللي باع الفيلا… عبدالله اللي أنكره… ضاري اللي راح برصاصة… أمه اللي ما شبع منها…
كلهم صاروا ذكريات.
كان يقول: سامحتهم… كلهم.. ما أبي أقابل ربي وقلبي مليان بغضاء

في 2024، رحل محمود رحل وهو تارك ورى ظهره إرث من الصبر والكفاح، وحب كبير في قلوب أولاده وسكر.
رحل وترك فراغ ما يملأه أحد.

سكر جلست تبكي قدام صورته: يا سندي… يا رجل عمري… تركتني، بس علمتني كيف أعيش.. وإن شاء الله يجمعني ربي فيك في الجنة
عاد شريطها إلى لحظة وفاته..

كان فجر 29 رمضان 1445هـ، يوافق 8 أبريل 2024.
البيت كله ساكن، إلا صوت التسابيح اللي يتهامس فيها محمود وهو يصلي، سكر قامت تتوضأ، وهي متعودة تصلي بجانبه، أولاده كانوا متسحرين معاه، وكل واحد راجع لفراشه إلا محمود، ظل ساجد، طول في السجود… وطول أكثر.
سكر همست بخوف: بو حور…؟
اقتربت، لمست كتفه، لقت جسده يهتز ببطء.. قلبها انقبض، ناديته بصوت مرتجف: محمود…!
رفع رأسه بصعوبة، كانت عيونه تلمع بدموع وسكينة غريبة.. جلس واتكأ على صدرها، والأولاد بدأوا يركضون من غرفهم على صراخ أمهم.
اجتمعوا كلهم حوله: البنات بدموعهم، الأولاد متماسكين رغم الخوف.
محمود ابتسم ابتسامة ضعيفة، وقال بصوت مبحوح: الحمد لله… ربي استجاب دعائي… كنت أتمنى أموت بينكم… في رمضان… بعد الفجر… وهو كتب لي
دموع سكر تساقطت وهي تضمه بين ذراعيها، تحاول تثبته وكأنها ترفض يرحل.
لكن محمود رفع يده بصعوبة، وأشار لأولاده: تعالوا… اسمعوني زين… هذي وصيتي
اقتربوا منه، كل واحد ماسك إيده أو رجله، والدموع تملأ وجوههم.
قال لهم بصوت متقطع، لكن مليان قوة: أوصيكم بأمكم… هي تاج راسي… اللي تعبت معي وصبرت… برّوها… لا تخلوا دمعتها تنزل بعدي
التفت لابنه الكبير: يا وليدي… شد حيلك… كون سند لأمك ولإخوانك… لا تنكسر، ولا تظلم، ولا تخاف غير الله
ثم نظر لبناته: أنتم زينة البيت… احفظوا دينكم وكرامتكم… لا تنسوا إنكم بنات رجل ما رضي يعيش إلا بعزة
أخذ نفساً عميقاً، وصوته صار أضعف: الدنيا ما تسوى… اغفروا وسامحوا حتى لو انظلمتوا… واذكروني بدعوة صادقة… إذا حنّيتوا عليّ، افتحوا المصحف واقروا لي
سكر قربت راسها على جبينه وهي تبكي: لا تتركني… يا سندي
ابتسم لها وهو يرفع يده الضعيفة يمسح دموعها: يا سكر… إنتِ عمري… وصيتي لك: لا تنكسري… ربي يعوضك في الجنة
ثم نظر لأطفاله نظرة طويلة، كأنه يحاول يحفظ وجوههم بذاكرته الأخيرة.
تمتم بصوت مبحوح وهو يرجع يسجد في حضنها: أشهد أن لا إله إلا الله… وأشهد أن محمداً رسول الله…
وسكنت روحه.
❤‍🔥1
ارتفع صوت البكاء في البيت، لكن وجه محمود كان مبتسم، كأنه نايم براحة وسلام.. رحل كما تمنى… في رمضان، بعد الفجر، ساجداً، محاطاً بزوجته وأولاده.
---
هكذا انتهت رحلة محمود، لكن قصته لم تنتهِ، بقيت وصاياه حية في قلوب أولاده، وصبره صار مدرسة، وحبه لسكر صار أسطورة تُروى، رحل جسده، لكن أثره ما زال يعيش مع كل ذكرى وكل دعاء..
محمود كان رجل عادي في نظر الناس… لكنه في عيون سكر وأولاده كان "سيد الرجال"، حياته كانت سلسلة جروح وخسارات، لكن حبه وإيمانه وصبره حولوا الخسارة لقوة، رحل، لكن حكايته صارت تُروى… وتكبر مع كل ذكرى..



كلمة المؤلفة:
إلى القارئ العزيز…
قد تنتهي الحكاية هنا، لكن "محمود" وأمثاله باقون في كل بيت وحيّ وذاكرة، رجال عاشوا بكرامة، كافحوا رغم الظروف، قدموا أسمى معاني الرجولة..
كتبت هذه القصة لأقول: إن الألم مهما كان كبير، يبقى الأمل أكبر.. وإن الحب الحقيقي لا تقتله السنين، ولا تهزمه الخيبات.

إلى كل "سكر" في هذا العالم… اصبري، فالله لا يضيعك.. وإلى كل "محمود"… لا تنسَ أن رجولتك لا تقاس بما تملك، بل بما تقدم وتترك خلفك من أثر.






#النهــــــــــــــــــــاية..
- 2025/8/16
❤‍🔥1
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
❤‍🔥3
قصص وروايات 📚📖 pinned «قصة جديدة: #وإما_اليتيم_فلا_تقهر_2 قراءة ممتعة🫶🏼»
@rwayatyebot
في نفس اسم هل قصة بالقناة وكمان لنفس الكاتبة بس هي قصة بتختلف عن هديك القصة لا تنسوا تتفاعلوا القصة بقلم صديقتنا بالقناة وقصصها ما بتتفوت 👆🏻🤍

ما يُروى من أحداث لا يعني بالضرورة تأييدًا لها، وبعض القصص تحتوي أخطاء أو تصرفات لا نرضاها شرعًا – نرجو الفهم بعين الناقد
❤‍🔥3
2025/08/20 11:57:17
Back to Top
HTML Embed Code: