REDAALGENEEDY Telegram 7438
أنثى مُكرمة
هبة فيها النجاة!


في ظهيرة يومٍ من أيام الصيف كانت الوجوه حولي شاحبةً، والخُطى متثاقلة، والنفوس تتطلَّع إلى ظلٍّ يحميها من حرارة الشمس الحارقة.



وبينما كان التعب قد نال مني بسبب حرارة الشمس راودتني فكرة مفزعة: إذا كانت حرارة الدنيا تنهكنا هكذا، فكيف بحرارة نارِ الآخرة التي لا يهدأ لهيبها ولا تخفت أنفاسها؟! ارتجف قلبي خوفًا، وسَرَت القشعريرة في جسدي، ولكن سرعان ما غمرني شعور بالطُّمَأْنينة والسَّكِينَة حين تذكرتُ أنَّ الله عزَّ وجل جعل الستر من نار الآخرة جَزاءً لبعض الأعمال، ومن هذه الأعمال إحسان الوالدين إلى بناتهم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ"؛ صحيح ابن ماجه.



مِن جِدَتِهِ؛ أي: في حدود سعته وطاقته.



ولقد نقلت لنا أمُّنا عائشة رضي الله عنها مشهدًا يوضح فضل الإحسان إلى البنات حين قالت: "جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، وَمعهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِندِي شيئًا غيرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا، فأخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ منها شيئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ((مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ))؛ صحيح مسلم.



وبرغم ما يتركه هذا المشهد من أثر إيماني وإنساني عميق في النفس، إلا أن كلمة ابْتُلِيَ قد تُثير في عقول البعض تساؤلات محيرة؛ لأنها ترتبط في أذهاننا بالصعوبات والمحن، وهذه الحيرة ستنتهي حين ندرك أن الابتلاء في سياق هذا الحديث لا يعني المحنة والمعاناة كما يتبادر إلى بعض الأذهان، فالابتلاء يأتي كذلك مع النعم كما قال عز وجل: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾ [الفجر: 15].



وكما أوضح القرآن أن النعم التي وهبها الله عز وجل لنبيه سليمان عليه السلام اختبار يستوجب الشكر: ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].


ليبلوني؛ أي: ليختبرني هل سأقابل النعمة بالشكرٍ، أم بغير ذلك؟

إذًا الابتلاء لا يقتصر على الشدة؛ بل يمتد ليشمل النعمة، فكل نعمة يهبنا الله إياها هي اختبار لنا، والأنثى من النعم التي تحمل في طياتها اختبارًا لمن رُزق بها، وقد شاء الله أن يكون هذا الاختبار سببًا لتصحيح الكثير من المعتقدات الخاطئة التي انتشرت في الجاهلية؛ إذ كان الكثيرون يكرهون إنجاب البنات، حتى بلغ الحال ببعضهم أنهم كانوا يدفنون بناتهن وهنَّ على قيد الحياة؛ خوفًا من الفقر أو العار!



﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59].


لقد كانت جاهليتهم تعميهم عن رؤية النعمة التي وهبها الله لهم، فجاء الإسلام ليُبدِّد ظلمات جاهلية ذلك الزمان، وظلمات جاهلية أي زمان تُعامل فيه الأنثى بغير ما ارتضاه الله لها من عدل ورحمة؛ فبين أنَّ الأنثى نعمة وليست نقمة، فقال عز وجل: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ [الشورى: 49].

وقد أشار البقاعي في (نظم الدرر) إلى أن تقديم الأنثى على الذكر في الآية يؤكد أنها نعمة لا تقل قيمةً عن نعمة الذكر، بل قد تزيد، وأن البعض يشبهون الكفار في كراهتهم للبنات، ويظلمون بناتهن بوأدهن معنويًّا؛ وذلك بالتقصير في حقوقهن أو بعدم الإحسان إليهن، فقال: "وعَبَّرَ سُبْحانَهُ فِيهِنَّ بِلَفْظِ الهِبَةِ؛ لِأنَّ الأوْهامَ العادِيَّةَ قَدْ تَكْتَنِفُ العَقْلَ فَتَحْجُبُهُ عَنْ تَأمُّلِ مَحاسِنِ التَّدْبِيراتِ الإلَهِيَّةِ، وتَرْمِي بِهِ في مُهاوِي الأسْبابِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَيَقَعُ المُسْلِمُ مَعَ إسْلامِهِ في مُضاهاةِ الكُفّارِ في كَراهَةِ البَناتِ، وفي وادِي الوَأْدِ بِتَضْيِيعِهِنَّ أوِ التَّقْصِيرِ في حُقُوقِهِنَّ، وتَنْبِيهًا عَلى أنَّ الأُنْثى نِعْمَةٌ، وأنَّ نِعْمَتَها لا تَنْقُصُ عَنْ نِعْمَةِ الذَّكَرِ ورُبَّما زادَتْ".


سبحان من جعل الأنثى هِبةً تُطلَب ونعمةً تُشكَر، واختبارًا لمدى تمَسُّك والديها بتعاليم دينهما، وجعل إحسانهما إليها سببًا لسترهما من النار!


وهنيئًا لمن وهبه الله أنثى فأدرك قيمتها وأحسن إليها!


رضا الجنيدي



tgoop.com/Redaalgeneedy/7438
Create:
Last Update:

أنثى مُكرمة
هبة فيها النجاة!


في ظهيرة يومٍ من أيام الصيف كانت الوجوه حولي شاحبةً، والخُطى متثاقلة، والنفوس تتطلَّع إلى ظلٍّ يحميها من حرارة الشمس الحارقة.



وبينما كان التعب قد نال مني بسبب حرارة الشمس راودتني فكرة مفزعة: إذا كانت حرارة الدنيا تنهكنا هكذا، فكيف بحرارة نارِ الآخرة التي لا يهدأ لهيبها ولا تخفت أنفاسها؟! ارتجف قلبي خوفًا، وسَرَت القشعريرة في جسدي، ولكن سرعان ما غمرني شعور بالطُّمَأْنينة والسَّكِينَة حين تذكرتُ أنَّ الله عزَّ وجل جعل الستر من نار الآخرة جَزاءً لبعض الأعمال، ومن هذه الأعمال إحسان الوالدين إلى بناتهم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَن كانَ لَهُ ثلاثُ بَناتٍ فصبرَ عليهنَّ، وأطعمَهُنَّ، وسقاهنَّ، وَكَساهنَّ مِن جِدَتِهِ كنَّ لَهُ حجابًا منَ النَّارِ يومَ القيامَةِ"؛ صحيح ابن ماجه.



مِن جِدَتِهِ؛ أي: في حدود سعته وطاقته.



ولقد نقلت لنا أمُّنا عائشة رضي الله عنها مشهدًا يوضح فضل الإحسان إلى البنات حين قالت: "جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، وَمعهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِندِي شيئًا غيرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فأعْطَيْتُهَا إيَّاهَا، فأخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ منها شيئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ((مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ البَنَاتِ بشيءٍ، فأحْسَنَ إلَيْهِنَّ كُنَّ له سِتْرًا مِنَ النَّارِ))؛ صحيح مسلم.



وبرغم ما يتركه هذا المشهد من أثر إيماني وإنساني عميق في النفس، إلا أن كلمة ابْتُلِيَ قد تُثير في عقول البعض تساؤلات محيرة؛ لأنها ترتبط في أذهاننا بالصعوبات والمحن، وهذه الحيرة ستنتهي حين ندرك أن الابتلاء في سياق هذا الحديث لا يعني المحنة والمعاناة كما يتبادر إلى بعض الأذهان، فالابتلاء يأتي كذلك مع النعم كما قال عز وجل: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾ [الفجر: 15].



وكما أوضح القرآن أن النعم التي وهبها الله عز وجل لنبيه سليمان عليه السلام اختبار يستوجب الشكر: ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].


ليبلوني؛ أي: ليختبرني هل سأقابل النعمة بالشكرٍ، أم بغير ذلك؟

إذًا الابتلاء لا يقتصر على الشدة؛ بل يمتد ليشمل النعمة، فكل نعمة يهبنا الله إياها هي اختبار لنا، والأنثى من النعم التي تحمل في طياتها اختبارًا لمن رُزق بها، وقد شاء الله أن يكون هذا الاختبار سببًا لتصحيح الكثير من المعتقدات الخاطئة التي انتشرت في الجاهلية؛ إذ كان الكثيرون يكرهون إنجاب البنات، حتى بلغ الحال ببعضهم أنهم كانوا يدفنون بناتهن وهنَّ على قيد الحياة؛ خوفًا من الفقر أو العار!



﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59].


لقد كانت جاهليتهم تعميهم عن رؤية النعمة التي وهبها الله لهم، فجاء الإسلام ليُبدِّد ظلمات جاهلية ذلك الزمان، وظلمات جاهلية أي زمان تُعامل فيه الأنثى بغير ما ارتضاه الله لها من عدل ورحمة؛ فبين أنَّ الأنثى نعمة وليست نقمة، فقال عز وجل: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴾ [الشورى: 49].

وقد أشار البقاعي في (نظم الدرر) إلى أن تقديم الأنثى على الذكر في الآية يؤكد أنها نعمة لا تقل قيمةً عن نعمة الذكر، بل قد تزيد، وأن البعض يشبهون الكفار في كراهتهم للبنات، ويظلمون بناتهن بوأدهن معنويًّا؛ وذلك بالتقصير في حقوقهن أو بعدم الإحسان إليهن، فقال: "وعَبَّرَ سُبْحانَهُ فِيهِنَّ بِلَفْظِ الهِبَةِ؛ لِأنَّ الأوْهامَ العادِيَّةَ قَدْ تَكْتَنِفُ العَقْلَ فَتَحْجُبُهُ عَنْ تَأمُّلِ مَحاسِنِ التَّدْبِيراتِ الإلَهِيَّةِ، وتَرْمِي بِهِ في مُهاوِي الأسْبابِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَيَقَعُ المُسْلِمُ مَعَ إسْلامِهِ في مُضاهاةِ الكُفّارِ في كَراهَةِ البَناتِ، وفي وادِي الوَأْدِ بِتَضْيِيعِهِنَّ أوِ التَّقْصِيرِ في حُقُوقِهِنَّ، وتَنْبِيهًا عَلى أنَّ الأُنْثى نِعْمَةٌ، وأنَّ نِعْمَتَها لا تَنْقُصُ عَنْ نِعْمَةِ الذَّكَرِ ورُبَّما زادَتْ".


سبحان من جعل الأنثى هِبةً تُطلَب ونعمةً تُشكَر، واختبارًا لمدى تمَسُّك والديها بتعاليم دينهما، وجعل إحسانهما إليها سببًا لسترهما من النار!


وهنيئًا لمن وهبه الله أنثى فأدرك قيمتها وأحسن إليها!


رضا الجنيدي

BY رضا الجنيدي


Share with your friend now:
tgoop.com/Redaalgeneedy/7438

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

In 2018, Telegram’s audience reached 200 million people, with 500,000 new users joining the messenger every day. It was launched for iOS on 14 August 2013 and Android on 20 October 2013. Developing social channels based on exchanging a single message isn’t exactly new, of course. Back in 2014, the “Yo” app was launched with the sole purpose of enabling users to send each other the greeting “Yo.” Choose quality over quantity. Remember that one high-quality post is better than five short publications of questionable value. Telegram desktop app: In the upper left corner, click the Menu icon (the one with three lines). Select “New Channel” from the drop-down menu. Hashtags are a fast way to find the correct information on social media. To put your content out there, be sure to add hashtags to each post. We have two intelligent tips to give you:
from us


Telegram رضا الجنيدي
FROM American