tgoop.com/Raheemasady/4200
Last Update:
أنت الدليل… وأنت الحجاب ٣
تأمل في رواية النفس والحق: من المعرفة إلى الملاقاة
المدخل: الرواية تشعرك بأن لا تنظر إلى فوق قبل أن ترى ما تحتك
في هذا الحوار النبوي العجيب، نلمس قاعدة ذهبية لمَن يريد بلوغ الحق:
"لا تنظر إلى فوقك الربوبي قبل أن تنظر إلى تحتك النفسي."
فمن لم يعرف ما تحته (نفسه)، لا يُمكنه أن يعرف ما فوقه (ربّه).
النفس هي البداية، وهي المفتاح، وهي الباب إلى الحضرة. وما لم يُفكك الإنسان أسرارها، لا يمكنه أن يتذوق أسرار الربوبية. ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وآله أول مراحل الطريق إلى معرفة الحق هو معرفة النفس.
المرحلة الأولى: معرفة النفس = معرفة الحق
• الشعور الأول هنا أن النفس ليست فقط وسيلة للمعرفة، بل مرآة للحق.
• لو لم تكن النفس مملوءة بالحق، لما كانت طريقًا إليه.
• إذًا، النفس تحوي في باطنها بذور الحقيقة، وإشارات الرب، وأنوار الأسماء.
• ولهذا ورد: من عرف نفسه، عرف ربَّه.
فاطمة الزهراء عليها السلام مثالٌ ناصع، لأنها عرفت الحق فعرفت عليًّا، ودارت القرون على معرفتها… لأنها عرفت النفس الطاهرة، فاتّحدت مع الحق المدافع عنه.
المرحلة الثانية: موافقة الحق = مخالفة النفس
• هنا يُطرح أول سؤال مصيري في سلوك النفس:
هل أنا موافق مع من؟ ومخالف لمن؟
• من العجيب أن الطريق إلى "موافقة الحق" يمر عبر "مخالفة النفس"، وكأن النفس والحق يسيران في اتجاهين متقابلين.
• وهذا يكشف عن بداية الصراع الباطني: هل أكون عبدًا للنفس أم عبدًا للحق؟
• المخالفون للحق، في الواقع، هم الذين وافقوا أنفسهم.
ولذلك ورد في القرآن: ﴿إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس﴾.
المرحلة الثالثة: رضا الحق = سخط النفس
• بعد أن عرفت الحق وخالفته نفسك، عليك أن تختار:
هل ترضى بما ترضاه نفسك، أم ترضى بما يرضاه الله؟
• رضا الحق لا يأتي إلا إذا سخطت على كل ما في نفسك مما لا يرضي الله.
• هذه هي لحظة التحوّل الداخلي… حين يصبح رضا النفس مرهونًا برضا الرب، لا العكس.
المرحلة الرابعة: وصال الحق = هجر النفس
• الوصال لا يتحقق إلا بالانفصال.
• لا وصال مع الحق ما دامت النفس تتصدر المشهد.
"الجواد في هذه المرحلة هو هجر النفس، أي قطع العلاقة مع كل ما في النفس مما لا يُوصل إلى الله."
• هذه بداية التخلية الكبرى: تخلية النفس عن كل التعلقات، الأهواء، الصور، الرغبات غير المتصلة بالحق.
المرحلة الخامسة: طاعة الحق = عصيان النفس
• في اللحظة التي تفقد فيها النفس القيادة، ويأخذ الحق زمام المبادرة، تبدأ الطاعة الحقة.
• الطاعة لا تعني فقط تنفيذ الأمر، بل كسر سلطة النفس لحساب سلطان الله.
"من أطاع الله، لا بد أنه قد عصى نفسه."
"ومن عصى نفسه، فقد فتح الباب للطاعة من غير أن يشعر."
المرحلة السادسة: ذكر الحق = نسيان النفس
• الذكر، كما في القرآن، ليس تكرار اللفظ، بل حضور القلب في حضرة الرب.
• كيف تذكر الله، وأنت منشغل بنفسك؟
• نسيان النفس هو شرط الذكر. وليس نسيانًا عدميًا، بل انسحاب تدريجي من دائرة "أنا" إلى دائرة "هو".
المرحلة السابعة: قرب الحق = التباعد من النفس
• القرب الإلهي ليس مكانيًا، بل حالٌ من الإخلاء.
"إذا أردت أن تقترب من الله، فتباعد من نفسك أولًا."
لأن النفس هي الحجاب.
• النفس كلما ملأت القلب، أبعدت الله عنه. وكلما فرغت، اقترب النور.
المرحلة الثامنة: أنس الحق = الوحشة من النفس
• لا يُمكن أن تأنس بالحق وأنت مؤنس بنفسك.
"النفوس الوحشية تُحشر مع الوحوش، أما النفوس الأنِسة بالله، فهي التي تأنس ببعضها، وتتحاب في الله، وتتزاوج في النور والمقاصد والمشاعر."
• الأنس بالنفس علامة الغفلة، والوحشة منها علامة الانس بالسر الإلهي.
المرحلة الأخيرة: الاستعانة بالحق على النفس
• بعد كل هذه المراحل… يدرك السالك أن:
"النفس لا تُقهر بالنفس."
بل تحتاج إلى عون من الحق نفسه.
• هذه اللحظة هي لحظة التذلل الأكبر، والخضوع الأكمل:
"اللهم أعني على نفسي بما تُعين به عبادك الصالحين."
القاعدة الجامعة:
"لا يعرف من فوقه من لم يعرف ما تحته، ولا يصل إلى الحق من لم يهجر النفس، ولا يذكر الله من لم ينسَ نفسه، ولا يُطيعه من لم يعصِ هواه، ولا يُنقذ نفسه من نفسها إلا إن استعان بالحق عليها."
#المربي_الحاج_رحيم_الاسدي
BY المربي الحاج رحيم الأسدي
Share with your friend now:
tgoop.com/Raheemasady/4200