tgoop.com/JamilAlkaml/1305
Last Update:
فاقتتلوا ساعة من النهار حملةً و حملةً ، فلما انجلت الغبرة و إذا بخمسين من أصحاب الحسين صرعى ، فعند ذلك ضرب الحسين بيده على لحيته الكريمة و قال : " اشتدّ غضبُ الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا ، و اشتدّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، و اشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس و القمر ، و اشتدّ غضبه على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم ، أما والله لا أجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي " .
ثم جعل أصحاب الحسين يبرزون واحداً بعد واحد ، وكل من أراد منهم الخروج ودّع الحسين و قال السلام عليك يا أبا عبد الله ، فيجيبه الحسين : و عليك السلام و نحن خلفك ، ثم يتلو : ﴿ ... فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ 1 .
و لم يزالوا كذلك حتى دخل وقت الظهر ، فجاء أبو تمامة الصيداوي و قال : يا أبا عبد الله أنفسنا لنفسك الفداء ، هؤلاء اقتربوا منك ، لا والله لا تقتل حتى أقتل دونك ... و أحبّ أن ألقى الله عزّ وجلّ و قد صلّيت هذه الصلاة معك .
فرفع الحسين رأسه إلى السماء و قال : ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين ، نعم هذا أول وقتها .
ثم قال ( عليه السَّلام ) سلوا هؤلاء القوم أن يكفّوا عنّا حتى نصلّي ، فأذّن الحسين بنفسه ، و قيل : أمر مؤذّنه ليؤذّن ، ثم قال الحسين : ويلك يابن سعد أنسيت شرائع الإسلام ؟ اقصر عن الحرب حتى نصلّي و تصلّي بأصحابك ونعود إلى ما نحن عليه من الحرب ، فاستحى ابن سعد أن يجيبه ، فناداه الحصين ابن نمير ـ عليه اللعنة ـ قائلاً : صلّ يا حسين ما بدا لك فإن الله لا يقبل صلاتك .
فأجابه حبيب بن مظاهر : ثكلتك أمك ، ابن رسول الله صلاته لا تقبل و صلاتك تقبل يا خمّار ؟!
فقال الحسين لزهير بن القين و سعيد بن عبد الله : تقدّما أمامي حتى أصلّي الظهر . فتقدّما أمامه في نحو نصفٍ من أصحابه حتى صلّى بهم صلاة الخوف ، و سعيد تقدّم أمام الحسين فاستهدف لهم فجعلوا يرمونه بالنبال كلّما أخذ الحسين يميناً و شمالاً قام بين يديه فما زال يرمى إليه حتى سقط على الأرض و هو يقول : اللهم العنهم لعن عادٍ وثمود ، اللهم أبلغ نبيّك عني السلام ، و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإنني أردت بذلك نصرة ذرّية نبيّك ثم مات رحمه الله .
و بعد ما قتل أصحاب الحسين رضوان الله عليهم فعند ذلك وصلت النوبة إلى بني هاشم ، و أول من قتل منهم علي بن الحسين الأكبر ، و كان من أصبح الناس وجهاً و أحسنهم خلقاً و خُلقاً ، فاستأذن أباه في القتال فنظر إليه الحسين نظر آيس منه ، و أرخى عينيه و بكى ، و رفع سبابتيه أو شيبته الشريفة نحو السماء و قال : " اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً و خُلقاً و منطقاً برسولك ، و كنّا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجه هذا الغلام ، اللهم امنعهم بركات الأرض و فرّقهم تفريقاً و مزّقهم تمزيقاً ، و اجعلهم طرائق قدداً و لا تغفر لهم أبداً ، و لا ترضي الولاة عنهم أحداً ، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا " .
ثم برز بنو هاشم واحداً بعد واحد و قاتلوا الأعداء حتى استشهدوا جميعاً .
ثم نادى الحسين : هل من ذائب يذبّ عن حرم رسول الله ؟ هل من موحّدٍ يخاف الله فينا ؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ؟
فارتفعت أصوات النساء بالبكاء و العويل ، فتقدّم إلى باب الخيمة و قال لزينب : ناوليني ولدي الرضيع لأودّعه .
فناولته ولده الرضيع فحمله نحو القوم و هو ينادي يا قوم قتلتم أنصاري و أولادي ، و ما بقي غير هذا الطفل ، إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل ، لقد جفّ اللبن في صدر أمّه .
فرماه حرملة بسهم فوقع في نحره فذبحه من الوريد إلى الوريد . فوضع الحسين كفّيه تحت نحر الطفل فلمّا امتلأتا دماً رمى به إلى السماء ، و قال : هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله ، اللهم لا يكونن طفلي هذا أهون عليك من فصيل ـ أي فصيل ناقة صالح ـ .
و لما قتل أصحابه و أهل بيته و لم يبق أحد عزم على لقاء الله ، فدعى ببردة رسول الله فالتحف بها فأفرغ عليها درعه ، و تقلّد سيفه و استوى على متن جواده .
ثم توجّه نحو القوم و قال : ويلكم على مَ تقاتلونني ؟ على حقٍّ تركته ؟ أم على شريعة بدّلتها ؟ أم على سنّة غيّرتها ؟ فقالوا : نقاتلك بغضاً منّا لأبيك و ما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين . فلما سمع كلامهم بكى ، و جعل يحمل عليهم و جعلوا ينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثم رجع إلى مركزه و هو يقول : لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
فصاح عمر بن سعد : الويل لكم ! أتدرون لمن تقاتلون ؟ هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتال العرب ، احملوا عليه من كل جانب .فحملوا عليه فحمل عليهم كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلا بعجهُ بالسيف فقتله ، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة ، فحالوا بينه و بين رحله ، فصاح : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم ، و ارجعوا إلى أحسابكم إن
BY الشاعر جميل الكامل
Share with your friend now:
tgoop.com/JamilAlkaml/1305