tgoop.com/JamilAlkaml/1303
Last Update:
فقالت عمتي : ما يُبكيك ؟
قلت : حال أخي الرضيع أبكاني .
ثم قلت : عمتاه قومي لنمضي إلى خيم عمومتي لعلّهم ادّخروا شيئاً من الماء ، فمضينا و اخترقنا الخيم بأجمعها فلم نجد عندهم شيئاً من الماء ، فرجعت عمّتي إلى خيمتها فتبعتها و تبعنا من نحو عشرين صبياً و صبيّة ، و هم يطلبون منها الماء و ينادون : العطش ... العطش .
و آخر راية وصلت إلى كربلاء راية شمر بن ذي الجوشن في ستة آلاف مساء يوم التاسع ، و معه كتاب من ابن زياد إلى ابن سعد ، فيه : فإن نزل الحسين و أصحابه على حكمي و استسلموا فابعث بهم إليّ سلما ، و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم ، فإن قتلت حسيناً فأوطئ الخيل صدره و ظهره ... .
فزحف الجيش نحو خيام الحسين عند المساء بعد العصر ، و اقترب نحو خيم الحسين و الحسين جالس أمام خيمته ، إذ خفق برأسه على ركبتيه ، و سمعت أخته زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) الصيحة فدنت من أخيها و قالت : يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت ؟
فرفع الحسين رأسه و قال : أخيّة : أتى رسول الله الساعة في المنام فقال لي : إنك تروح إلينا .
فلطمتْ أخته زينب وجهها وصاحت : و اويلاه .
فقال لها الحسين ( عليه السَّلام ) : ليس الويل لك يا أخيّة ، و لا تُشمتي القوم بنا ، اسكتي رحمك الله .
فقال له العباس بن عليّ : يا أخي قد أتاك القوم فانهض .
فنهض ثم قال : يا عباس اركب ـ بنفسي أنت ـ يا أخي حتى تلقاهم و تقول لهم : ما لكم و ما بدا لكم ؟ و ما تريدون ؟
فأتاهم العباس في نحو عشرين فارساً ، فقال لهم العباس : ما بدا لكم و ما تريدون ؟
قالوا : قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم .
فرجع العباس إلى الحسين و أخبره بمقال القوم .
فقال الحسين : ارجع إليهم ، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غد و تدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نُصلّي لربّنا الليلة و ندعوه و نستغفره ، فهو يعلم أني قد كنت أحبّ الصلاة له و تلاوة كتابه .
فمضى العباس إلى القوم و سألهم ذلك ، فأبوا أن يمهلوهم .
فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي : ويلكم والله لو أنهم من الترك و الديلم و سألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف و هم آل محمد ؟!
و بات الإمام الحسين ( عليه السَّلام ) و أصحابه و أهل بيته ليلة العاشر من المحرم ، و لهم دويٌّ كدويّ النحل ، ما بين قائم و قاعد و راكع و ساجد .
ثم أن الحسين ( عليه السَّلام ) جمع أصحابه و قام فيهم خطيباً و قال :
أما بعد : فإني لا أعلم أصحاباً أوفى و لا خيراً من أصحابي و لا أهل بيتٍ أبرّ و لا أوصل و لا أفضل من أهل بيتي ، فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً ، فلقد بررتم و عاونتم .
ألا : و إني لا أظن يوماً لنا من هؤلاء الأعداء إلا غداً ، ألا و إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ من بيعتي ليس عليكم مني حرج و لا ذمام ، و هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، و ليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، و تفرّقوا في سواد هذا الليل ، و ذروني و هؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري .
فقال له اخوته و أبناؤه و أبناء عبد الله بن جعفر : و لِمَ نفعل ذلك ؟ لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبدا .
و تكلّم اخوته و جميع أهل بيته فقالوا : يابن رسول الله فما يقول لنا الناس و ماذا نقول لهم ؟ نقول إنا تركنا شيخنا و كبيرنا و ابن بنت نبيّنا لم نرم معه بسهم ، و لم نطعن معه برمح ، و لم نضرب معه بسيف ، لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً ، و لكن نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك و نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك .
و قام الأصحاب و تكلّموا بما تكلّموا واحداً بعد واحد .
فلما رأى الحسين ( عليه السَّلام ) ذلك منهم قال لهم : إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم و انظروا إلى منازلكم .
فكشف لهم الغطاء ـ بإذن الله ـ و رأوا منازلهم و حورهم و قصورهم .
فقال لهم الحسين : يا قوم إني غداً أقتل و تقتلون كلكم معي ، و لا يبقى منكم واحد .
فقالوا : الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك ، و شرّفنا بالقتل معك ، أو لا ترضى أن نكون في درجتك يابن رسول الله ؟
فقال : جزاكم الله خيراً .
و لمّا أصبح الصباح من يوم عاشوراء نادى الحسين أصحابه و امرهم بالصلاة ، فتيمّموا بدلاً عن الوضوء و صلّى بأصحابه صلاة الصبح ثم قال : " اللهم أنت ثقتي في كلّ كربٍ و أنت رجائي في كل شدّة ، و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة ، كم من كربٍ يضعف فيه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة ، و يخذل فيه الصديق و يشمت فيه العدو ، أنزلته بك و شكوته إليك رغبة مني إليك عمّن سواك ، ففرّجته عنّي و كشفته ، فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كل حسنة و منتهى كل رغبة " .
ثم نظر إلى أصحابه و قال : " إن الله قد أذن في قتلكم و قتلي ، و كلّكم تقتلون في هذا اليوم إلا ولدي علي بن الحسين ـ أي زين العابدين ـ فاتقوا الله و اصبروا " .
BY الشاعر جميل الكامل
Share with your friend now:
tgoop.com/JamilAlkaml/1303