EYADQUNAIBI Telegram 4377
أخونا م. محمد نضال عايش اعتقلته أجهزة "السلطة الفلسطينية" ثم فرج الله عنه. فكتب شيئا ما وجده من لطف الله في هذا البلاء. وقد ذكرني ما كتبه جزاه الله خيرا بلطف الله تعالى الذي وجدته انا ايضا حين ابتُليت بلاء مشابها..
ونذكر بأن المؤمن لا يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق، لكن في الوقت ذاته لا يعيش في ذل وجُبن "احتياطي" خوفا من البلاء. فكن حكيما في اختيار ما تقول، واخلص مواقفك لله تعالى، والله يدبر لك. إليكم مقال أخينا م. محمد:
***
🟧لا تمتنع عن قول الحق خشية الابتلاء، فالله يدبر لعباده🟧


مع أنها أيام قليلة، وحكم لم يكن شاقا ولا مشددا إلا أن مرارة الظلم ولو لساعة تظل موجودة، ورحمة الله فيها لا تغيب وتستحق الحديث عنها، وقد رأيت من الله آياتٍ فعرفتها. فالحمد لله رب العالمين، ومن شكر الله أن أشارككم موقفين حصلا معي.

فأول دقيقة دخلت فيها زنزانةً مساحتها ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، كان فيها عشرةُ رجال على قضايا جنائية، بمجرد أن عرفوا أن اعتقالي بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قالوا حدِّثنا بكلام الدين الذي يخرجنا من كآبة هذا السجن، وبعضهم كان قد أمضى في هذا المكان الضيق ستة أشهر، فمكثتُ معهم ثلاثة أيام، عقدت فيها ستَ جلسات مع المساجين، حتى أن أحدهم تأثر تأثرا شديدا وتركنا، فسألته لماذا قمت يا أبا محمود، قال: "والله يا أخي إن كلامك هذا أحيا بداخلي أموراً وأمات أموراً، وأنا منذ خمسة وخمسين سنة تائه وضائع، وانا مش داري بحالي، ووالله الا أتوب وأصلي وأصلح حالي مع ربي"، وأستلقى وأدار وجهه إلى الحائط ولعله كان يبكي، فتركته حينها وعدت له لاحقا، قال :"والله إن جيراني من حملة الدعوة كذلك، وهم من خيرة الناس، ولكن انا مشغول في الدنيا والمصاري والمشاكل ومش فاضي أسمع لا الهم ولا لغيرهم"، فقلت له: "هوِّن عليك، فلعلّ الله قضى بسجني وسجنك لتقام عليك الحجة، ومثلك من المنخرطين في الدنيا لابد من إجبارهم على الاستماع إجبارا، فالله عدل، وما دام فيك نفس فلا تقنط".

حذرني أحد المساجين بسبب عقد هذه الجلسات العامة التي تضم كلَّ نزلاء الزنزانة، وأخبرني بأن من يفعلها يُنقَل إلى الانفرادي؛ لأنهم يخشون أن تكون حديثا في السياسة كما قال.

وبالفعل، فقد نقلت إلى سجن آخر انفرادي ولكن لدى جهاز أمني آخر، ومن اللحظة الأولى لدخولي كان هناك شاب يحاول إيذاء نفسه، فتركني السجانون واجتمعوا عليه لتهدئته، ووضعوني في زنزانة ملاصقة لزنزانته وتركوا باب زنزانته مفتوحا -لغاية لديهم- وكنت أسمع صوته وهو يبكي وينتحب في تلك الليلة.

ناديته، وسألته عن اسمه وعمره، وبالرغم من أن عمره تسعة عشر عاما، لكنْ إذا رأيته تظنه أصغر من ذلك بكثير، قلت له "الله ما أجمل اسمك، اسأل الله أن تكون ممن يحيون هذا الدين" فتبسم الشاب، ثم قلت له: "ما تفعله حرام، فاتقِ الله"، قال:" ضاقت بي الدنيا وأريد أن أخرج".

فقلت له:"هذه فرصة فاستغلها، فالشاب في مقتبل العمر يحب أن يرزقه الله مالا كثيراً يتقوى به على سِني عمره القادمة، فلو أن الله أدخلك كهفا مليئا بالذهب والمجوهرات، هل كنت لتبكي وتؤذي نفسك أم ستعبئ جيوبك ما استطعت؟ ولكن لعل الله يحبك أكثر، فأدخلك كهفا مليئاً بالحسنات، فانهل منها ما استطعت وستنفعك في قادم سني عمرك"، قال:"ماذا أفعل؟"، فقلت له:"صلِ واقرأ القرآن بتدبر وليس بسرعة، وابدأ بسورة الحديد لترى بشرياتنا يوم القيامة وتصبح أعصابك حديدا، ولنتفق أنا وأنت على أمر مهم، أن نبذل وسعنا وجهدنا وتفكيرنا فيما نملك، وأما ما لا نملك فلا نفكر فيه أبدا، فنحن لا نملك متى نخرج، فلا نفكر فيه لأن ذلك من مداخل الشيطان الذي يجعلنا نحزن ونبكي ونيأس".

والحمد لله فقد نزلت هذه الكلمات على قلبه ولاقت قبولا بفضل الله وحده وتركت أثرا عجيبا، فانقلب حاله، وصرت اسمعه يقرأ القرآن، وجاءني في يوم وأخبرني أنه صائم، فأثنيت عليه ونصحته بالاستمرار في الطاعات.

كنت يا إخوتي أدعو الله "اللهم اجبر خاطر هذا الشاب وأخرجه قبلي حتى لا ينتكس، يارب أنت تعلم كم هو مستأنس بوجودي، فارحمه وأخرجه قبلي"، بعد اعتقالي بأربعة أيام تم تقديمي للمحكمة فأوقفتني المحكمة خمسة عشر يوما، وقد تفاجأت والمحامي، وحتى أحد الضباط قال: "كل الموقوفين عندي يتم توقيفهم خمسة أيام أو سبعة، ثم يُمدد لهم لاحقا ..فلماذا أنت تم ايقافك مباشرة خمسة عشر يوما ؟! " .
ولكن زال عجبي عندما خرج الشاب في اليوم الرابع عشر وأنا في اليوم الخامس عشر، فكأنَّ الله أحضرني أصلا لهذا الشاب، وكأنني عندما كنت أدعو بأن يخرج قبلي كأني كنت أدعو الله أن أمدد خمسة عشر يوما، "والله يعلم وأنتم لا تعلمون"!!!

هذان الموقفان وغيرهما جعلتني أنسى السجن..
بل جعلتني أشعر أنَّ لدي عملاً مهماً فيه كما في الخارج، فتحولت تلك الأيام إلى أيام تملؤها السعادة والرضى والعمل، والحمد لله رب العالمين.

#محمد_نضال_عايش



tgoop.com/EyadQunaibi/4377
Create:
Last Update:

أخونا م. محمد نضال عايش اعتقلته أجهزة "السلطة الفلسطينية" ثم فرج الله عنه. فكتب شيئا ما وجده من لطف الله في هذا البلاء. وقد ذكرني ما كتبه جزاه الله خيرا بلطف الله تعالى الذي وجدته انا ايضا حين ابتُليت بلاء مشابها..
ونذكر بأن المؤمن لا يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق، لكن في الوقت ذاته لا يعيش في ذل وجُبن "احتياطي" خوفا من البلاء. فكن حكيما في اختيار ما تقول، واخلص مواقفك لله تعالى، والله يدبر لك. إليكم مقال أخينا م. محمد:
***
🟧لا تمتنع عن قول الحق خشية الابتلاء، فالله يدبر لعباده🟧


مع أنها أيام قليلة، وحكم لم يكن شاقا ولا مشددا إلا أن مرارة الظلم ولو لساعة تظل موجودة، ورحمة الله فيها لا تغيب وتستحق الحديث عنها، وقد رأيت من الله آياتٍ فعرفتها. فالحمد لله رب العالمين، ومن شكر الله أن أشارككم موقفين حصلا معي.

فأول دقيقة دخلت فيها زنزانةً مساحتها ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، كان فيها عشرةُ رجال على قضايا جنائية، بمجرد أن عرفوا أن اعتقالي بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قالوا حدِّثنا بكلام الدين الذي يخرجنا من كآبة هذا السجن، وبعضهم كان قد أمضى في هذا المكان الضيق ستة أشهر، فمكثتُ معهم ثلاثة أيام، عقدت فيها ستَ جلسات مع المساجين، حتى أن أحدهم تأثر تأثرا شديدا وتركنا، فسألته لماذا قمت يا أبا محمود، قال: "والله يا أخي إن كلامك هذا أحيا بداخلي أموراً وأمات أموراً، وأنا منذ خمسة وخمسين سنة تائه وضائع، وانا مش داري بحالي، ووالله الا أتوب وأصلي وأصلح حالي مع ربي"، وأستلقى وأدار وجهه إلى الحائط ولعله كان يبكي، فتركته حينها وعدت له لاحقا، قال :"والله إن جيراني من حملة الدعوة كذلك، وهم من خيرة الناس، ولكن انا مشغول في الدنيا والمصاري والمشاكل ومش فاضي أسمع لا الهم ولا لغيرهم"، فقلت له: "هوِّن عليك، فلعلّ الله قضى بسجني وسجنك لتقام عليك الحجة، ومثلك من المنخرطين في الدنيا لابد من إجبارهم على الاستماع إجبارا، فالله عدل، وما دام فيك نفس فلا تقنط".

حذرني أحد المساجين بسبب عقد هذه الجلسات العامة التي تضم كلَّ نزلاء الزنزانة، وأخبرني بأن من يفعلها يُنقَل إلى الانفرادي؛ لأنهم يخشون أن تكون حديثا في السياسة كما قال.

وبالفعل، فقد نقلت إلى سجن آخر انفرادي ولكن لدى جهاز أمني آخر، ومن اللحظة الأولى لدخولي كان هناك شاب يحاول إيذاء نفسه، فتركني السجانون واجتمعوا عليه لتهدئته، ووضعوني في زنزانة ملاصقة لزنزانته وتركوا باب زنزانته مفتوحا -لغاية لديهم- وكنت أسمع صوته وهو يبكي وينتحب في تلك الليلة.

ناديته، وسألته عن اسمه وعمره، وبالرغم من أن عمره تسعة عشر عاما، لكنْ إذا رأيته تظنه أصغر من ذلك بكثير، قلت له "الله ما أجمل اسمك، اسأل الله أن تكون ممن يحيون هذا الدين" فتبسم الشاب، ثم قلت له: "ما تفعله حرام، فاتقِ الله"، قال:" ضاقت بي الدنيا وأريد أن أخرج".

فقلت له:"هذه فرصة فاستغلها، فالشاب في مقتبل العمر يحب أن يرزقه الله مالا كثيراً يتقوى به على سِني عمره القادمة، فلو أن الله أدخلك كهفا مليئا بالذهب والمجوهرات، هل كنت لتبكي وتؤذي نفسك أم ستعبئ جيوبك ما استطعت؟ ولكن لعل الله يحبك أكثر، فأدخلك كهفا مليئاً بالحسنات، فانهل منها ما استطعت وستنفعك في قادم سني عمرك"، قال:"ماذا أفعل؟"، فقلت له:"صلِ واقرأ القرآن بتدبر وليس بسرعة، وابدأ بسورة الحديد لترى بشرياتنا يوم القيامة وتصبح أعصابك حديدا، ولنتفق أنا وأنت على أمر مهم، أن نبذل وسعنا وجهدنا وتفكيرنا فيما نملك، وأما ما لا نملك فلا نفكر فيه أبدا، فنحن لا نملك متى نخرج، فلا نفكر فيه لأن ذلك من مداخل الشيطان الذي يجعلنا نحزن ونبكي ونيأس".

والحمد لله فقد نزلت هذه الكلمات على قلبه ولاقت قبولا بفضل الله وحده وتركت أثرا عجيبا، فانقلب حاله، وصرت اسمعه يقرأ القرآن، وجاءني في يوم وأخبرني أنه صائم، فأثنيت عليه ونصحته بالاستمرار في الطاعات.

كنت يا إخوتي أدعو الله "اللهم اجبر خاطر هذا الشاب وأخرجه قبلي حتى لا ينتكس، يارب أنت تعلم كم هو مستأنس بوجودي، فارحمه وأخرجه قبلي"، بعد اعتقالي بأربعة أيام تم تقديمي للمحكمة فأوقفتني المحكمة خمسة عشر يوما، وقد تفاجأت والمحامي، وحتى أحد الضباط قال: "كل الموقوفين عندي يتم توقيفهم خمسة أيام أو سبعة، ثم يُمدد لهم لاحقا ..فلماذا أنت تم ايقافك مباشرة خمسة عشر يوما ؟! " .
ولكن زال عجبي عندما خرج الشاب في اليوم الرابع عشر وأنا في اليوم الخامس عشر، فكأنَّ الله أحضرني أصلا لهذا الشاب، وكأنني عندما كنت أدعو بأن يخرج قبلي كأني كنت أدعو الله أن أمدد خمسة عشر يوما، "والله يعلم وأنتم لا تعلمون"!!!

هذان الموقفان وغيرهما جعلتني أنسى السجن..
بل جعلتني أشعر أنَّ لدي عملاً مهماً فيه كما في الخارج، فتحولت تلك الأيام إلى أيام تملؤها السعادة والرضى والعمل، والحمد لله رب العالمين.

#محمد_نضال_عايش

BY د. إياد قنيبي


Share with your friend now:
tgoop.com/EyadQunaibi/4377

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

But a Telegram statement also said: "Any requests related to political censorship or limiting human rights such as the rights to free speech or assembly are not and will not be considered." best-secure-messaging-apps-shutterstock-1892950018.jpg Choose quality over quantity. Remember that one high-quality post is better than five short publications of questionable value. Public channels are public to the internet, regardless of whether or not they are subscribed. A public channel is displayed in search results and has a short address (link). Done! Now you’re the proud owner of a Telegram channel. The next step is to set up and customize your channel.
from us


Telegram د. إياد قنيبي
FROM American