tgoop.com/Alghamddiprof2/5617
Last Update:
#إيران_تقتلع_لبنان_من_جذوره .
بقلم الكاتب اللبناني : قاسم يوسف.
في البدايات، كان الظنّ السائد يتمحور حول الأهميّة السياسية للانهيار الكبير، وحول دوره الوازن في قلب الطاولة وفي تغيير المعادلة الداخلية، على اعتبار أنّ الردّ الطبيعي عليه سيتجسّد حتماً في انفجار شعبي عارم بوجه الطبقة الحاكمة، يؤسِّس لتغيير شامل في صناديق الاقتراع، ناهيك طبعاً عن المعضلات الكبرى التي ستواجهها الأحزاب الأساسية في بيئتها وساحاتها، ليس لجهة تعاظم الضغوطات وحسب، بل أيضاً لحتميّة انفجارها في وجوهها، عاجلاً أم آجلاً.
أصحاب هذا الظنّ كانوا يغمزون دائماً من قناة حزب الله، وقد وصلت سرديّتهم إلى حدود التأكيد المطلق أنّ الانهيار الكبير سيرتطم رأساً برأس حزب الله، وسيضرب مشروعيّته الشعبية وخطابه السياسي وأفكاره التدجينيّة، رافعاً حجم الأصوات المكتومة داخل بيئته، وسيعزّز حالة التسرّب الهائل من قبضته، وصولاً إلى إضعافه وإسقاطه على نحو دراماتيكي وغير مسبوق.
بعد سنتين على الأزمة، تبيّن، بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّ العكس تماماً هو الصحيح. بل وصار النقاش اليوم مطروحاً على الشكل الآتي: هل ما وصلنا إليه كان النتيجة الطبيعية لممارسات حزب الله على مدى سنوات؟ أم كانت ممارسات حزب الله تهدف أساساً إلى إيصالنا إلى ما وصلنا إليه؟
الأرجح أنّه هو فَعَل ذلك عن سابق تصوّر وتصميم، وشواهد كثيرة تؤكّد هذه النظريّة، لكنّ أهمّها على الإطلاق يتعلّق بحزب الله نفسه، بجوهره وأساساته وفكرته ومشروعه، وهو ليس حزباً مزاجيّاً، أو ارتجاليّاً، أو عبثيّاً وعشوائيّاً. بل هو مرتبط على نحو وثيق بنظام شديد الخبث والحنكة والدهاء، يحسب كلّ صغيرة وكلّ كبيرة، ولا يترك أمراً للصدفة أو المباغتة، فكان يعرف تماماً، وبلا أدنى شكّ، أنّ سياساته المعتمدة ستصل في نهاية المطاف إلى حيث وصلت، وما كان ليستمرّ في سياساته تلك لو لم يكن يريد هذه النتيجة.
ألا يعرف حزب الله مثلاً أنّ دول الخليج هي الرئة الحيويّة للبنان؟ ألا يدرك أنّ تخطّي السقوف الطبيعيّة، وصولاً إلى حدّ الشتم المباشر لملوك وأمراء، سيفتح أبواب الجحيم بوجه لبنان؟ ألم يكن يدرك أنّ السيطرة الكاملة على الدولة والمؤسّسات، من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب والحكومة، ومعها غالبية المؤسسات الأمنيّة والعسكرية، ستؤسّس لعزل لبنان واعتباره ملحقاً وتابعاً لدويلته؟ ألم يكن يعرف أنّ استفزاز العرب والتغوّل في ساحاتهم وحواضرهم، من دمشق إلى صنعاء، ستترتّب عليهما أثمانٌ كبرى، سيدفعها لبنان من اقتصاده ومكانته ودوره ورفاهية شعبه؟
بلى. كان يدرك كلّ هذا. ومن الخفّة الاعتقاد بخلاف ذلك. لكن لماذا؟ لماذا يفعل حزب الله ذلك؟ وماذا يستفيد؟
الحقيقة أنّ التطويع الكامل يقتضي هذا النوع من الجرف. يدرك حزب الله أنّ طبيعة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمعيشي الذي كان قائماً، سيحول دون قدرته على الإمساك بلبنان على نحو كامل، مهما بلغت قوّته وقدرته، والأمور لا تلبث أن تخرج من يده في أيّ لحظة إقليمية أو دولية مؤاتية، لكنّ حالة الجرف العميق لكلّ الهويّة الجماعية، ثمّ إعادة التأسيس وفق نظريّات لا تستوي مع دور لبنان ووظيفته ورسالته، بحيث يتحوّل من دولة مميّزة ومحورية، إلى دولة تافهة بلا أيّ وزن أو قيمة. وهذا ما بدا بوضوح في الخيارات الاستراتيجية التي طرحها الأمين العامّ لحزب الله: الاتّجاه شرقاً على سجيّة فنزويلا وكوبا وإيران وكوريا الشمالية، بعد مئة عام من الحضارة والانفتاح على الكون، وازرعوا الشرفات بالبندورة والخيار، بعدما كان لبنان يزرع العقول ويصدّرها إلى أربع جهات الأرض.
الأزمة اللبنانية الهائلة التي نشهدها اليوم هي مصلحة خالصة لحزب الله، هدفها الأول عزل لبنان عن محيطه، ثمّ تفريغه من النخب، ثمّ ضرب أساساته العميقة، ولا سيّما قطاعاته التعليمية والاقتصادية والمالية والخدماتية، ثمّ إحكام القبضة عليه، وتحويل شعبه إلى مجموعة من العوام اللاهثين خلف الحدّ الأدنى من المأكل والمشرب والعيش، بعيداً من أيّ أدوار سياسية أو فكرية أو ثورية أو طليعية أو تقدّمية.
هذا تماماً ما فعلته إيران في سوريا، وإن بطريقة مختلفة، حيث إنّها عمدت عبر النظام السوري إلى تفريغ البلاد من النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن تشريد 10 ملايين سنّيّ من أرضهم بالصواريخ والبراميل المتفجّرة، وقد غيّرت بذلك معادلات تاريخية صمدت على مدى آلاف السنين، وغيّرت معها الديموغرافيا السياسية على نحو يتيح تحويل الأكثرية السنّيّة الكاثرة إلى مجرد جاليات لا حول لها ولا قوّة.
BY قناة حركة التاريخ
Share with your friend now:
tgoop.com/Alghamddiprof2/5617