tgoop.com/Alghamddiprof2/5477
Last Update:
هذا كل ما أتذكره عن منزل جمال حمدان ولم أفاجأ بتواضع المكان لأن جمال حمدان بالنسبة لى كقارئ له منذ فترة مبكرة من العمر قيمة كبرى ازدادت مع سماعى عن عزلته التى فرضها على نفسه وليس غريبا ألا يهتم جمال حمدان بزخارف الحياة ليسكن قصرا منيفا أو شقة فاخرة أو يبحث عن مراكز وألقاب يتباهى بها.
فماذا ننتظر إذن أن نرى فى الصومعة؟!
كان جمال حمدان له أسلوب صارم يعرفه الكثيرون عنه فى حياته، محدود الأصدقاء، محدود العلاقات، يعيش حياة الزاهد فى الدنيا، لا لبخل ولا عوز ولكن لأنه كلف نفسه بما لا يطيق معه وجود أى أثر لأى زيف اجتماعى ولو تخفى فى ألقاب ومراكز علمية.
الرجل فرغ حياته للقراءة والكتابة والفكر، فصار مسكنه محراب علم لا يتردد عليه أحد حتى البواب يتفق معه على دق الباب بطريقة معينة ليفتح له عندما يحضر حاجياته وهناك فقط الطباخ الذى يحضر لتجهيز طعامه والمقربون لهم مواعيد محددة يتم الاتفاق عليها مسبقا أو بترك رسالة.
وكما هو متوقع، مات موتة العابد فى هذا المحراب، ولكن مع الأسف، فالموت داهمه بقسوة أيا كان شكل وكيف كان هذا الموت الذى لا ينتظر منه أن يخضع لنظام زيارة الراهب العظيم.
فهل مات بصدمة عصبية ناتجة عن حرق؟! أم من فعل إجرامى غامض ارتكبت باحتراف حقق معضلة الجريمة الكاملة؟!.
شعرت بغصة فى الحلق ووخزة فى القلب عندما وصف أحد حارسى العقارات المجاورة فى شارع أمين الرافعى رفض رجال الإسعاف نقله إلى المستشفى لأنه كان قد فارق الحياة لأنه لا يجوز لهم نقل جثث فتركوه، أما مشهد حمل جثمان جمال حمدان ووضعه فى صندوق سيارة نقل لحمله إلى المشرحة فلا يمكن تحمل وصفه.
تمنيت ساعتها أن أكون فى وداعه رغم قسوة الحدث ولكن لم ألحق به لأن كل شيء جرى سريعا منذ انتباه حارس العمارة للدخان وإبلاغ المطافى والعثور على المفكر الكبير ميتا فى المطبخ ثم حضور الشرطة مع مفتش الصحة وحمل الجثة إلى المشرحة، كل هذا حدث سريعا قبل أن يصلنا النبأ فى أعقاب عصرية يوم أبريلى غير محدد الملامح ما بين قدوم الربيع ورحيل الشتاء.
كان صاحب النبأ الأول هو الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، فقد دق جرس تليفون قسم الحوادث بالأهرام وكان المتحدث الأستاذ منير عساف مدير مكتب هيكل يسأل عن الأستاذ حسن أبو العينين رئيس القسم الذى كان قد غادر لتوه بعد انتهاء يوم العمل التقليدى ولما أخبرته بذلك قال إن الأستاذ هيكل يريد أن يتحقق من نبأ عن وفاة الدكتور جمال حمدان فى بيته ثم طلب الانتظار ليحول المكالمة إلى الأستاذ نفسه ويأتى صوته مشوبا بالحزن
بلغنى خبر عن وفاة الدكتور جمال حمدان فى حريق بمسكنه بالدقي
ــ سنتأكد يا أستاذ ونخبرك على الفور.
وعلى الفور أجريت مكالمة مع الضابط المشرف على نجدة الجيزة فأجاب بعد مراجعة بيانات أمامه.
ـ آه بالفعل عندنا بلاغ حريق ومتوفى فى شارع أمين الرافعى دائرة قسم شرطة الدقي
ـ ما اسمه؟
ـ المدون لدى أن الجثة لشخص اسمه جمال محمود حمدان سن 65 سنة.. وفاة إثر حريق أسطوانة البوتاجاز بشقته وتمت السيطرة على الحريق.
بدأت الشكوك تحوم حول ظروف الحادث خاصة أن الحريق لم يكن كبيرا ولا حتى متوسطا.
ــ «يا عم ده حتى النار ما حرقتش غير الجورنان المفروش على الترابيزة وحتة من خرطوم الأنبوبة».
هكذا قال مفتش مباحث وسط الجيزة فى قسم شرطة الدقى غير البعيد عن مكان الحادث.
أما العقيد صلاح شحاتة قائد مطافى الجيزة فقد أسرعت إليه فى مقر إدارة الدفاع المدنى فى منطقة بين السرايات غير البعيدة أيضا، ذلك لأنه كان أول من وصل إلى مكان البلاغ فأشار بيده على مسافة من ذراعه ممثلا طول وحجم الحرق الذى أصاب جمال حمدان: «حرق فى الفخد طول كده.. 12 سنتى بس».
والمحصلة أن حمدان مات وصار حديث الجميع واتخذت نهايته التراجيدية تكسب تعاطفا كبيرا، خاصة بعد أن صار حديث المنتديات الثقافية.
لكن الناحية الجنائية قد أغلقت، لأنه لم يعثر خلال المعاينات وعند مناظرة الجثة مع التقرير الطبى عن حالة الوفاة أى ما يدل على دخول غريب إلى شقة حمدان أو فقدان شيء ذى قيمة، خاصة أن نظام معيشته الصارم وضيق دائرة معارفه، لا يبقى احتمالا لوقوع جريمة جنائية، هذا مع فحص مداخل وخارج الشقة مع وجود عدة أشخاص بالقرب منها عند وقوع الحريق، مع عدم اشتباه أى من ذويه فى الحادث وعدم توجيه الاتهام لأحد، لذلك قيد الحادث على أنه وفاة ناتجة عن حريق.
أما ما بقى من الأحداث فهو المشهد المفزع بالموت المفاجئ وحيدا، فهل يمكن أن يصرخ حمدان؟!.. هل تقبل كبرياء العالم فيه أن يستغيث بأحد؟!.. أتراه مد يده فى الرمق الأخير لعله يطلب جرعة ماء، فلم يجد
كان كل هذا ما ظل عالقا فى ذهنى مع ذكر اسم جمال حمدان أو استدعاء الذكريات حول يوم الحادث حتى جاء يوم كنت أتابع فيه عملى الروتينى فى مجال الجريمة، إذ ذهبت إلى قسم الدقى لمتابعة قضية مقتل الدكتورة سلوى لبيب عميدة معهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة, والتى وجدت مذبوحة داخل شقتها بشارع نوال بالقرب من كورنيش النيل بحى العجوزة
BY قناة حركة التاريخ
Share with your friend now:
tgoop.com/Alghamddiprof2/5477