tgoop.com/Alghamddiprof2/5384
Last Update:
فرض الله عزّ وجلّ الحج على المسلمين كأحد أركان دين الإسلام بشرط الاستطاعة، ومعلوم أن الحج في غابر الأيام لم يكن ميسراً مثل يسره في عصرنا، بل كان مشقة وعناء؛ بسبب بدائية وسائل المواصلات ومشاكل الطرق وبخاصة من الناحية الأمنية ناهيك عن ارتفاع الكلفة. وحينما نتحدث عن المدى الزمني لرحلات الحج في العصور الوسطى يتبادر إلى الذهن المدد الطويلة التي تبدأ من شهور وربما تصل إلى سنوات إذا رغب الحاج في جوار الحرم الشريف. هذا بالنسبة للحاج من عامة المسلمين. أما أن يحج الخليفة أو السلطان أو الملك فهذا لم يكن بالأمر الهين بسبب ضخامة الاستعداد بما يليق بشخص ولي الأمر: من زاد ودواب للحمل وأموال للنفقة، وكثرة المرافقين من الحرس الخاص ورجال الحاشية والخدم وكبار رجال الدولة، وفوق ذلك التدابير الأمنية اللازمة لضمان استقرار الدولة في غياب ولي الأمر لمدة طويلة خوفاً من قفز أحد المغامرين على العرش أو انتهاز العدو الفرصة للقيام بعمل معاد.
وبسبب صعوبة هذا الأمر وقلة من حج من الحكام المسلمين حال ولايته للسلطة فقد ألف شيخ مؤرخي الإسلام تقي الدين المقريزي كتاباً ممتعاً مفيداً في هذا الباب سماه «الذهب المسبوك في ذكر من حج من الخلفاء والملوك». وممن غامر بالحج حال ولايته للسلطة وجاء ذكره في هذا السفر المهم السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البندقداري، الذي أدى فريضة الحج في ظروف بالغة الخطورة في ظل تربص الصليبيين في الساحل الشامي والمغول في العراق بسلطنة المماليك، بسبب سلسلة النجاحات التي حققها بيبرس على الطرفين. وكان غياب السلطان ولو لمدة يسيرة عن أراضي السلطنة أعز أمانيهم. ورغم هذه التحديات وخطورة الأمر، قرر السلطان قضاء الفرض وشكر الله على التوفيق الذي حالَفه في انتصاراته المتوالية على عدويه اللدودين. ونظراً لتقدير السلطان لخطورة المغامرة فقد حرص على إنجاز حجته في سرية تامة وفي أقصر وقت ممكن. ومن ثم سطَّر لنا الظاهر بيبرس أسرع رحلة حج في العصر الوسيط، إذ استغرقت أقل من شهرين منذ مغادرته للكرك في السادس من ذي القعدة وحتى العودة إليها في نهاية ذي الحجة من العام 667هـ من دون أن يعلم أحد بذلك سوى قلة من خواص السلطان.
BY قناة حركة التاريخ
Share with your friend now:
tgoop.com/Alghamddiprof2/5384