واسطةُ عقد مؤلفات العلامة القاضي أبي بكر ابن العربي رحمه الله، صدر أخيرا عن دار أسفار.
❤24🙏1
أُهديَ إليَّ كتابٌ كريم، جاد به عليَّ مؤلفه الكريم، صاحب الفضيلة الشيخ د. فهد الوصيفر، فبارك الله له في علمه وعمله وعمره، وزاده إحسانًا وتوفيقًا.
وقد اهتبلْتُ أيَّامَ الحجِّ في قراءته، وقضيتُ بين فنونه وأفنانه زمانًا عذبًا، كان فيها نعمَ الجليس المؤانس، والسَّمير المنادم.
▫️ موضوع الكتاب:
هذا كتاب عزيز في بابٍ عزيز، وقد تزيّن به عقد الدراسات المعقودة في الأحاديث المشكلة وتمَّ به نظامُها؛ فقد كُتب في مشكل أحاديث العقيدة رسائل، وكتب في مشكل أحاديث الأحكام كأحاديث المرأة وغيرها كتب ودراسات، لكن أحاديث الآداب لم يحُم حولها كاتب قبل مؤلفنا؛ فادَّخر الله له هذا العمل، ووفقه إليه، والحمد لله على فضله.
🔸 وشرط البحث:
تتبُّع أحاديث الآداب التي أشكل ظاهرها؛ والإشكال يقع:
⏺ إما لشدة خفاء في المعنى.
⏺ وإما لمعارضة ظاهر دليل شرعي أو عقلي؛ كمعارضة كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس أو ضرورة حس أو عقل.
فكلُّ حديثٍ تضمَّن أحدَ نوعي الإشكال السابقين، وكان من أحاديث الأدب المرويَّة في كتب السُّنّة المسندة، فهو داخل في شرط الدِّراسة؛ سواءٌ نبّه على إشكاله بعض أهل العلم، أم كان إشكالُه ممَّا ظهر للباحث بنظره واجتهاده.
▫️ تقسيم الكتاب:
وقد قسَّم المؤلف مادَّته على قسمين كبيرين:
🔸 الأول: الدراسة النظرية.
وفيها معان كلية في تأصيل موضوع الدراسة، على ثلاثة فصول :
⏺ الأول: مشكل الحديث: تعريفه وأسبابه، ومنهج الأئمة في دراسته.
⏺ الثاني: الأدب عند المحدثين: مفهومه والتصنيف فيه.
⏺ الثالث: دلالة الأمر والنهي في باب الأدب. وقد أتى فيه بمادة أصولية دقيقة حسنة.
🔸 الثاني: الدراسة التطبيقية على الأحاديث المشكلة في باب الأدب، على أربعة فصول:
⏺ الأول: الأحاديث المشكلة في الأدب مع الله.
⏺ الثاني: الأحاديث المشكلة في الأدب مع النفس.
⏺ الثالث: الأحاديث المشكلة في الأدب مع الناس.
⏺ الرابع: الأحاديث المشكلة في الأدب مع الحيوانات.
▫️ منهج دراسة الأحاديث المشكلة:
اجتمع لدى الباحث سبعٌ وثمانون (٨٧) مسألةً مشكلةً، مما تفرق من الأحاديث، وكان يرتِّب النظر في دراستها على هذا الوجه:
أ- ذكر الحديث المشكل.
ب- ذكر المعارِض؛ من دليل شرعيٍّ أو عقلي.
ج- بيان وجه الإشكال.
د- بيان من ذكر الإشكال من أهل العلم.
هـ- دفع الإشكال؛ بذكر مسالك العلماء في دفعه من جمع أو نسخ أو ترجيح، والموازنة بينها واختيار أقربها لدى الباحث.
▫️ نظرةٌ على الكتاب:
هذا مقام يستحق البسط، لكنني أكتفي فيه بالإلماع عن الإشباع، فأقول:
١- امتاز جهد الباحث باستقراء عزيز لمادة الباب وهي الأحاديث المشكلة في أبواب الآداب مع سعتها، فتتبعها في مظانّها وأدأب النفس في استقصائها.
٢- راعى الباحث الصنعة الحديثية في تحقيق الحكم على المرويات، فكان إذا أورد حديثًا مشكلا فيه كلام في بعض رواته، استقصى في (الحاشية) الكلام في رواته جرحا وتعديلا، وربما استعرض الطرق والشواهد والمتابعات ورجح بينها، وأتى بفوائد حديثية عالية في الحكم على الحديث.
٣- اهتدى الباحث إلى أجود وجوه دفع الإشكال عن الأحاديث المشكلة، فكان يأتي بمسالك العلماء ويرتبها ويحققها وينقدها، وينتقي منها أجودها، وربما أشار إلى استواء بعض الوجوه في دفع الإشكال، وأن الإشكال يندفع بكلٍّ منها.
٤- أحسن الباحث الجمع بين التنظير والتطبيق، فقدم الكتاب بدراسة نظرية تأصيلية كاشفة عن موضوع الكتاب، وهي مقدمات حديثية أصولية، في مشكل الحديث عند أهل الحديث، وفي باب الأدب عند المحدثين، وفي دلالة الأمر والنهي في أبواب الأدب عند الأصوليين.
وفي الكتاب نظرات مُسدَّدة، وتحريراتٌ محقَّقة، وفوائد منثورة في شتى الأبواب، يغتبِط بها طالبُ العلم، ويعُدُّها من غوالي الصُّيود العلميّة.
💡 هذا؛ والكتاب من مطبوعات دار المحدث، الطبعة الأولى، عام ١٤٤٦ هـ، في مجلَّدَين كبيرين، (١٥٦٨ صفحة).
نفع الله بهذا الكتاب، وكتب له القبول، وآنسه بالرِّضا، وشكر لصاحب الفضيلة ما تصدَّى له من نصرة السُّنَّة والذبِّ عنها والإسفار عن وجوه جمالها وجلالها، على صاحبها أفضل صلاة وأزكى سلام.
وقد اهتبلْتُ أيَّامَ الحجِّ في قراءته، وقضيتُ بين فنونه وأفنانه زمانًا عذبًا، كان فيها نعمَ الجليس المؤانس، والسَّمير المنادم.
هذا كتاب عزيز في بابٍ عزيز، وقد تزيّن به عقد الدراسات المعقودة في الأحاديث المشكلة وتمَّ به نظامُها؛ فقد كُتب في مشكل أحاديث العقيدة رسائل، وكتب في مشكل أحاديث الأحكام كأحاديث المرأة وغيرها كتب ودراسات، لكن أحاديث الآداب لم يحُم حولها كاتب قبل مؤلفنا؛ فادَّخر الله له هذا العمل، ووفقه إليه، والحمد لله على فضله.
تتبُّع أحاديث الآداب التي أشكل ظاهرها؛ والإشكال يقع:
فكلُّ حديثٍ تضمَّن أحدَ نوعي الإشكال السابقين، وكان من أحاديث الأدب المرويَّة في كتب السُّنّة المسندة، فهو داخل في شرط الدِّراسة؛ سواءٌ نبّه على إشكاله بعض أهل العلم، أم كان إشكالُه ممَّا ظهر للباحث بنظره واجتهاده.
وقد قسَّم المؤلف مادَّته على قسمين كبيرين:
وفيها معان كلية في تأصيل موضوع الدراسة، على ثلاثة فصول :
اجتمع لدى الباحث سبعٌ وثمانون (٨٧) مسألةً مشكلةً، مما تفرق من الأحاديث، وكان يرتِّب النظر في دراستها على هذا الوجه:
أ- ذكر الحديث المشكل.
ب- ذكر المعارِض؛ من دليل شرعيٍّ أو عقلي.
ج- بيان وجه الإشكال.
د- بيان من ذكر الإشكال من أهل العلم.
هـ- دفع الإشكال؛ بذكر مسالك العلماء في دفعه من جمع أو نسخ أو ترجيح، والموازنة بينها واختيار أقربها لدى الباحث.
هذا مقام يستحق البسط، لكنني أكتفي فيه بالإلماع عن الإشباع، فأقول:
١- امتاز جهد الباحث باستقراء عزيز لمادة الباب وهي الأحاديث المشكلة في أبواب الآداب مع سعتها، فتتبعها في مظانّها وأدأب النفس في استقصائها.
٢- راعى الباحث الصنعة الحديثية في تحقيق الحكم على المرويات، فكان إذا أورد حديثًا مشكلا فيه كلام في بعض رواته، استقصى في (الحاشية) الكلام في رواته جرحا وتعديلا، وربما استعرض الطرق والشواهد والمتابعات ورجح بينها، وأتى بفوائد حديثية عالية في الحكم على الحديث.
٣- اهتدى الباحث إلى أجود وجوه دفع الإشكال عن الأحاديث المشكلة، فكان يأتي بمسالك العلماء ويرتبها ويحققها وينقدها، وينتقي منها أجودها، وربما أشار إلى استواء بعض الوجوه في دفع الإشكال، وأن الإشكال يندفع بكلٍّ منها.
٤- أحسن الباحث الجمع بين التنظير والتطبيق، فقدم الكتاب بدراسة نظرية تأصيلية كاشفة عن موضوع الكتاب، وهي مقدمات حديثية أصولية، في مشكل الحديث عند أهل الحديث، وفي باب الأدب عند المحدثين، وفي دلالة الأمر والنهي في أبواب الأدب عند الأصوليين.
وفي الكتاب نظرات مُسدَّدة، وتحريراتٌ محقَّقة، وفوائد منثورة في شتى الأبواب، يغتبِط بها طالبُ العلم، ويعُدُّها من غوالي الصُّيود العلميّة.
نفع الله بهذا الكتاب، وكتب له القبول، وآنسه بالرِّضا، وشكر لصاحب الفضيلة ما تصدَّى له من نصرة السُّنَّة والذبِّ عنها والإسفار عن وجوه جمالها وجلالها، على صاحبها أفضل صلاة وأزكى سلام.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
❤25👍3👌1
Forwarded from روافد في علم الأصول والمقاصد (مُرفَّق بن ناجي آل ياسين)
هل تلاحظون فرقا مؤثرًا بين قول الإمام الغزالي:
«إذا فهمت أن نظر الأصولي في وجوه دلالة الأدلة السمعية على الأحكام الشرعية؛لم يخف عليك أن المقصود معرفةُ كيفيةِ اقتباس الأحكام»
وقول الإمام ابن قدامة:
«ونظر الأصولي: في وجوه دلالة الأدلة السمعية على الأحكام الشرعية، والمقصود: اقتباس الأحكام»
صاحب المستصفى جعل المقصود من النظر الأصولي: "معرفةُ كيفيةِ اقتباس الأحكام من الأدلة"
بينما عبّر صاحب الروضة عن مقصد النظر الأصولي بقوله: "اقتباس الأحكام من الأدلة".
فهل عبارة الروضة أدقّ في أن المقصود هو الاقتباس لا معرفة الكيفية؟
وهل معرفة الكيفية هي نفسها معرفة وجوه دلالة الأدلة السمعية فيكون في عبارة المستصفى دورا بجعل الوسيلة مقصدًا لنفسها لكن بعبارةٍ أخرى.
أم أنه يوجد فرق بين معرفة الكيفية ومعرفة وجوه الدلالة وحينئذٍ لا فرق ولا دور؟
«إذا فهمت أن نظر الأصولي في وجوه دلالة الأدلة السمعية على الأحكام الشرعية؛لم يخف عليك أن المقصود معرفةُ كيفيةِ اقتباس الأحكام»
وقول الإمام ابن قدامة:
«ونظر الأصولي: في وجوه دلالة الأدلة السمعية على الأحكام الشرعية، والمقصود: اقتباس الأحكام»
صاحب المستصفى جعل المقصود من النظر الأصولي: "معرفةُ كيفيةِ اقتباس الأحكام من الأدلة"
بينما عبّر صاحب الروضة عن مقصد النظر الأصولي بقوله: "اقتباس الأحكام من الأدلة".
فهل عبارة الروضة أدقّ في أن المقصود هو الاقتباس لا معرفة الكيفية؟
وهل معرفة الكيفية هي نفسها معرفة وجوه دلالة الأدلة السمعية فيكون في عبارة المستصفى دورا بجعل الوسيلة مقصدًا لنفسها لكن بعبارةٍ أخرى.
أم أنه يوجد فرق بين معرفة الكيفية ومعرفة وجوه الدلالة وحينئذٍ لا فرق ولا دور؟
❤3
Forwarded from روافد في علم الأصول والمقاصد (مُرفَّق بن ناجي آل ياسين)
ما رأيكم:
أيهما أولى من وجهة نظركم؟
Anonymous Poll
80%
مقصد النظر الأصولي: معرفة كيفية اقتباس الحكم الشرعي
20%
مقصد النظر الأصولي: اقتباس الحكم الشرعي
❤2
الأقرب عندي: عبارة أبي حامد رحمه الله؛ لأن الكلام هنا عن غرض الأصولي لا عن غرض الفقيه.
- وغرض الأصولي: معرفة كيفية اقتباس الأحكام من الأدلة.
- وغرض الفقيه: اقتباس الأحكام، أو: معرفة الأحكام.
فتعبير ابن قدامة أشبه بغرض الفقيه، وتعبير الغزالي أشبه بغرض الأصولي، ومحلُّ الكلام في غرض الأصوليِّ.
- وغرض الأصولي: معرفة كيفية اقتباس الأحكام من الأدلة.
- وغرض الفقيه: اقتباس الأحكام، أو: معرفة الأحكام.
فتعبير ابن قدامة أشبه بغرض الفقيه، وتعبير الغزالي أشبه بغرض الأصولي، ومحلُّ الكلام في غرض الأصوليِّ.
❤14👍5👏4
استثمار الأصول في درء الشبهات
أشرتُ غيرَ مرّة كتابة وحديثًا إلى أهمية اعتناء أهل الأصول في زماننا بحلِّ الشبهات بعد التأهُّل العلميّ، وأن يُجعَل ذلك من أغراض طالب علم الأصول في زماننا؛ لأنَّ علم الأصول هو العلم الكفيلُ بحلِّ الشبهات، وهو المُوكَّل بحياطة الشريعة وحراستها، وذلك من أجلِّ فوائده، وأزكى عوائده، وتعطيلُ العلم عن وظيفته يعود على مقصود وضعِه وطلبِه بالنّقض أو النّقص.
فأقعد الناس بعلم الأصول هم أقعد الناس بالجواب عن الشبهات، هذا ما يقتضيه النظرُ في وظيفته ومادَّته.
وبسطت بعض هذه المعاني في مواضع متفرّقة؛ فوردتني أسئلة من بعض الإخوة الكرام من متابعي القناة أنْ أزيد ذلك بيانًا وأشبعه تقريرا وتمثيلا، فسجّلتُ هذا المقطعَ عفو الخاطر، مجيبًا به أحدَ الإخوة عن هذه الإشكاليّة، بما يُعَدُّ فاتحةً للنظر، ومِهادًا للتأصيل، وإشارة إلى التطبيق، فجمعت بين التنظير والتطبيق، وكنت بنيت الجوابَ على أن الرد على أي شبهة يقتضي من النّاظر أن يسلك طريقتين:
١- الطريقة الأصولية؛ بتحرير القاعدة الأصولية التي نشأت الشبهة عن الإخلال بها والعدول بها عن وجهها.
٢- الطريقة الجدلية؛ بتقرير المعارضات الجدلية وتفويقها إلى نحر الشُّبهة.
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول
أشرتُ غيرَ مرّة كتابة وحديثًا إلى أهمية اعتناء أهل الأصول في زماننا بحلِّ الشبهات بعد التأهُّل العلميّ، وأن يُجعَل ذلك من أغراض طالب علم الأصول في زماننا؛ لأنَّ علم الأصول هو العلم الكفيلُ بحلِّ الشبهات، وهو المُوكَّل بحياطة الشريعة وحراستها، وذلك من أجلِّ فوائده، وأزكى عوائده، وتعطيلُ العلم عن وظيفته يعود على مقصود وضعِه وطلبِه بالنّقض أو النّقص.
فأقعد الناس بعلم الأصول هم أقعد الناس بالجواب عن الشبهات، هذا ما يقتضيه النظرُ في وظيفته ومادَّته.
وبسطت بعض هذه المعاني في مواضع متفرّقة؛ فوردتني أسئلة من بعض الإخوة الكرام من متابعي القناة أنْ أزيد ذلك بيانًا وأشبعه تقريرا وتمثيلا، فسجّلتُ هذا المقطعَ عفو الخاطر، مجيبًا به أحدَ الإخوة عن هذه الإشكاليّة، بما يُعَدُّ فاتحةً للنظر، ومِهادًا للتأصيل، وإشارة إلى التطبيق، فجمعت بين التنظير والتطبيق، وكنت بنيت الجوابَ على أن الرد على أي شبهة يقتضي من النّاظر أن يسلك طريقتين:
١- الطريقة الأصولية؛ بتحرير القاعدة الأصولية التي نشأت الشبهة عن الإخلال بها والعدول بها عن وجهها.
٢- الطريقة الجدلية؛ بتقرير المعارضات الجدلية وتفويقها إلى نحر الشُّبهة.
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول
❤15👍7🥰1
أثر المثال المحسوس في تقريب العلم
لا ينازِع أحدٌ من المشتغلين بالعلم في أنّ الأمثلة المضروبة في العلم هي جلاء المعاني، بها تبرُز المعاني المستكنّة في الخواطر إلى مدارك الحسّ مجلوَّة، فتصبح حقيقة عينيّة بعد أن كانت حقيقة ذهنية: (وليس الخبر كالمعاينة)!
وكلَّما كان المثالُ حقيقيًّا واقعيًّا لا مفترَضًا ذهنيًّا، وكان مأنوسًا بكثرة الاستعمال لا منزويًّا في بيداء الإهمال؛ كان ذلك أقرب إلى فهمه وضبطه.
فلا أحسب أنَّ أحدًا يصعب عليه اليوم: فهمُ معنى (التخصيص) أو إفهامُه، بعد أن صارت معانيه حقائق في أيدي الجميع؛ فأنت ترى في كل هذه البرامج تطبيقات على معنى التخصيص، كما في:
- تخصيص الحالة أو القصة، في برامج واتس وتلغرام وسناب...الخ.
- تخصيص جهات الاتصال.
وغير ذلك من الشَّواهد الحيَّة في البرامج الشبكية.
وكلُّ أحد يباشر شيئا من ذلك؛ فيَفهم من مباشرته هذه أن التخصيص: أنْ يُخرج بعضَ أفراد متابعيه من مشاهدة حالاته ومقاطعه وحساباته، ويقصر ذلك على بعض الأفراد.
فقد عاين التَّخصيص ولابسه، بل كان هو المخصِّص في هذه الصُّور على الحقيقة أصلا!
فكيف يصعب عليه بعد ذلك أن يفهم معنى تخصيص العموم في الخطاب الشرعي، وهو إخراج بعض أفراده منه؟
هذا من مثارات النظر الفسيح، عنّت لي في أشباه لها، فأحببت الإشارة إليها.
وحاصل النَّظر:
أنَّ من هُدِي إلى انتزاع حقائق العلوم من مدارك الحسّ، كان أمكن الناس في باب الفهم والإفهام..
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول
❤13👍8👌5
مباحثة في نوع المخصِّص لعموم حديث: "لا يصلّين أحدكم العصر إلا في بني قريظة".
قال ابن النجار رحمه الله:
"وفعل الفريقين من الصحابة إذ قال النبي ﷺ لهم لما فرغ من الأحزاب، وأمَرَه جبريل عليه الصلاة والسلام بالمسير إلى بني قريظة: "لا يصلينَّ أحدٌ منكم العصر إلا في بني قريظة". يرجع إلى تخصيص العموم بالقياس وعدمه؛ فإنه ﷺ لما ذُكِر له: أنّ طائفة صلت في الطريق في الوقت، وطائفة صلت في بني قريظة بعد الوقت: لم يعب طائفة منهما.
فمن أخَّر الصلاة حتى وصل إلى بني قريظة، أخذ بعموم قوله: "لا يصلِّينَ أحدٌ منكم العصر إلا في بني قريظة".
ومن صلّى في الوقت قبل أن يصل إلى بني قريظة، أخذ بأن المراد بقوله ذلك: التأكيد في سرعة المسير إليه، لا في تأخير الصلاة عن وقتها..." انتهى من "شرح الكوكب المنير"
أقول:
ظاهر كلام ابن النجار أنّ تخصيص عموم الحديث هنا وقع بالقياس، فهل ذلك كذلك أم في الكلام تجوُّزٌ ما؟ وإن كان فما هو؟
هذا يشبه أن يكون وهمًا من المؤلف رحمه الله في التمثيل، أي في أن يكون هذا الحديث مثالا على تخصيص العموم بالقياس، فإنه لا يطابق صورة المسألة.
وصورة مسألة تخصيص العموم بالقياس:
أن يرد عموم النصِّ بحكم، ثم يُخرِج المجتهد من العموم صورةً بقياسها على نصٍّ آخر.
مثاله:
قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة...}.
فقوله: "الزاني" اسمٌ عامٌّ يشمل الحر والعبد.
و"الزانية" اسمٌ عامٌّ يشمل الحرة والأمة.
لكن خرجت الأمة من العموم بدلالة نصٍّ آخر هو المخصِّص، وهو قوله تعالى: {فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.
فصار حد الأمة إذا زنت على نصف حد الحرة.
فهذا تخصيص عموم نصٍّ بنص آخر.
ثم قسنا العبد على الأمة في تنصيف الحد؛ فأخرجناه من عموم اسم (الزاني) في الآية، بدليل القياس.
فهذا تخصيص عموم النصِّ بالقياس.
- فالأمة خرجت من عموم لفظ (الزانية) بالنص.
- والعبد خرج من عموم لفظ (الزاني) بالقياس على المنصوص وهو الأمة.
فهذه صورة التخصيص بالقياس.
وبهذا يتبيّن أنه ليس في هذا الحديث -حديث صلاة العصر في بني قريظة- تخصيصٌ للعموم بالقياس.
ويبقى كلام المصنّف مشكلا:
- فإما أن يكون هذا وهما محضًا من المؤلف، كما يجري هذا للمصنفين.
- وإما أن نحمله على التوسُّع؛ فنحمله على أنه أراد التخصيص بالعلة وعبَّر عنها بالقياس، كما يجري التوسُّع في مثل هذا؛ لأن التخصيص في هذه الواقعة راجع إلى معنى الخطاب ومقصده ومخرجه، وسياق شرح ابن النجار للمسألة دالٌّ على أنَّ التخصيص إنما وقع بالعلّة؛ فإنه قال:
"ومن صلّى في الوقت قبل أن يصل إلى بني قريظة، أخذ بأن المراد بقوله ذلك التأكيد في سرعة المسير إليه، لا في تأخير الصلاة عن وقتها"؛ فهذا معنى راجع إلى فهم الخطاب وتعليله.
ومعنى التخصيص بالعلة:
أن يرد نصٌّ عام، فيستخرج منه المجتهد علة، تعود عليه بالتخصيص، فيخرج من عمومه بعض الصور؛ بدلالة العلة.
مثاله:
قوله ﷺ : "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم".
فهذا النهي نهي عام يدخل فيه عموم الأسفار؛ لكون السفر نكرة في سياق النفي فيعم، فيدخل فيه السفر الآمن وغير الآمن.
فيأتي بعض المجتهدين فيعلل الحديث، فيقول: للحديث معنى وعلة، وهو حفظ المرأة وصيانتها من التعدي على عرضها في السفر؛ وهذا المعنى إنما يوجد في نوع معين من السفر، وهو السفر المخوف دون الآمن؛ فيخرج من عموم الأسفار: السفر الذي لا تخاف فيه على نفسها، فيباح لها السفر فيه بغير محرم.
فهذا تخصيص للعموم بمعناه المستفاد منه، أي علته (=الحكمة المقصودة).
وهذا الذي وقع في حديث: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" فإنَّ من صلَّى في الطريق من الصحابة رضي الله عنهم فهموا من الخطاب معنى ومقصودا وهو: التعجيل وسرعة المسير؛ وكان عموم النهي عن الصلاة إلا في بني قريظة يحتمل صورتين:
- الصلاة في بني قريظة قبل خروج الوقت.
- والصلاة في بني قريظة بعد خروج الوقت.
فكلُّ أحد عليه أن يصلي العصر في بني قريظة، سواءٌ أدرك الوقت أم لم يدركه.
فأخرجوا من العموم صورة الصلاة في بني قريظة بعد خروج الوقت لمن لم يدرك، وقالوا: ليست هذه الصورة مرادة، بل المراد التعجيل، وأما الصلاة فإنها على وقتها، فلو أمكن أداؤها في وقتها في بني قريظة؛ حصل الوفاء باللفظ والمعنى، وإن لم يمكن أداؤها في الوقت في بني قريظة؛ فإنها تؤدى في وقتها قبل الوصول إلى بني قريظة؛ تقديما للمعنى على اللفظ؛ لأن المعنى هو التَّعجيل، وهذا حاصلٌ بالإسراع، والصلاةُ في وقتها قبل بلوغ بني قريظة لا تخل بحكمة التَّعجيل.
فالأقوى: أنهم فهموا التخصيص من سياق الخطاب وتعليله ومقصده. والله أعلم.
علقه:
زياد بن أسامة خياط
الأربعاء ٢١/ ١/ ١٤٤٧ هـ
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
👍10❤6
Forwarded from قناة | مِهادُ الشَّريعة (محمد السعدي)
سألتُ الأخ والشيخ الحبيب زياد خيّاط -نفع الله به- عن عناوينَ مقترحةٍ لرسالةِ ماجستير في أصولِ الفقهِ على مذهبِ الإمامِ أحمد، فأجابَ بما يلي:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
حياكم الله ومرحبا بكم.
الأفكار الحنبلية كثيرة، ومنها:
١- ترجمة المسألة الأصولية في المذهب الحنبلي: دراسة استقرائية تحليلية.
٢- المفردات الأصولية عند الحنابلة (في غير باب الدلالات)، يخصص ربعا من أرباع الأصول.
٣- أثر الحنفية الأصولي في مصنفات القاضي أبي يعلى: دراسة استقرائية تحليلية.
٤- الأثر الكلامي في مصنفات الحنابلة الأصولية.
٥- الموازنة بين مختصرات الروضة القُدامية.
(لها ثلاثة مختصرات حنبلية: مختصر الطوفي، والبعلي، والتذكرة للمقدسي، بل لها رابع على الحقيقة وهو كتاب القطيعي قواعد الأصول).
٦- اختلاف النقل عن الإمام أحمد في المسائل الأصولية (أو: المسائل الأصولية التي اختلف النقل فيها عن الإمام أحمد)، دراسة نظرية تطبيقية.
٧- نقد التخريج عند ابن اللحام الحنبلي في كتابه: (القواعد والفوائد الأصولية): دراسة نظرية تطبيقية.
❤8
قناة | مِهادُ الشَّريعة
سألتُ الأخ والشيخ الحبيب زياد خيّاط -نفع الله به- عن عناوينَ مقترحةٍ لرسالةِ ماجستير في أصولِ الفقهِ على مذهبِ الإمامِ أحمد، فأجابَ بما يلي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. حياكم الله ومرحبا بكم. الأفكار الحنبلية كثيرة، ومنها: ١- ترجمة المسألة الأصولية…
- رسالة د. عدنان الفهمي تختص بمفردات الحنابلة في ربع الدلالات؛ لذلك جعلت الفكرة في مفردات الحنابلة في غير الدلالات.
- بحث د. محمد الفوزان في أثر الحنفية الأصولي، كان بحثا تحليليًّا لبعض الصُّور من التأثُّر، فهو يفتح الطريق، ولم يستوف كل الآثار ويدرسها دراسة استقرائية، لذلك كان من وصية الدكتور في بحثه هذا: أن تكتب دراسة استقرائية في كشف مفصل جوانب التأثير الحنفي في أصول أبي يعلى.
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول
- بحث د. محمد الفوزان في أثر الحنفية الأصولي، كان بحثا تحليليًّا لبعض الصُّور من التأثُّر، فهو يفتح الطريق، ولم يستوف كل الآثار ويدرسها دراسة استقرائية، لذلك كان من وصية الدكتور في بحثه هذا: أن تكتب دراسة استقرائية في كشف مفصل جوانب التأثير الحنفي في أصول أبي يعلى.
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول
❤7👏3
قناة | مِهادُ الشَّريعة
سألتُ الأخ والشيخ الحبيب زياد خيّاط -نفع الله به- عن عناوينَ مقترحةٍ لرسالةِ ماجستير في أصولِ الفقهِ على مذهبِ الإمامِ أحمد، فأجابَ بما يلي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. حياكم الله ومرحبا بكم. الأفكار الحنبلية كثيرة، ومنها: ١- ترجمة المسألة الأصولية…
أفادني بها بعض الكرام، تولى الله جزاءه.
👍4❤1🔥1
ولكتب متقدمي الشافعية - خصوصا- عندي المحلُّ الأرفع، والمكان الأوفى!
👌8👍4❤2
التخريج مِلاكُ العلوم
رياضة «المحدّث» بممارسة «التخريج الحديثيّ»، وكان محققو المحدثين مكثرين من التخريجات الحديثية؛ لأنها جلاء الصنعة.
كما قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: «من أراد الفائدة؛ فليكسِرْ قلم النَّسخ، وليأخذ قلم التخريج».
على أنّ التخريج في كلامه هنا: أعم من التخريج الاصطلاحي بجمع الطرق ومعرفة مدارها والحكم على الحديث، لكنه داخل في معناه؛ إذ كان من أجل عمل المحدث هذا التخريج بالمعنى الأخص
وأقرب منه إنباءً عن المقصود:
- قول ابن المديني:
«الباب إذا لم تُجمَع طرقه؛ لم يتبيَّن خطؤه» .
- وقول أبي حاتم:
«لو لم نكتب الحديث من ستين وجهًا؛ ما عقلناه».
- ولابن دقيق العيد رحمه الله:
«إذا اجتمعت طرق الحديث؛ يُستدل ببعضها على بعض، ويجمع بين ما يمكن جمعه ويظهر به المراد» .
____
وإذا كان ذلك كذلك؛ فرياضة «الأصولي» بممارسة «التخريج الأصوليّ».
وأقول للأصوليِّ على وزان قول الخطيب: «إن أردت التحقيق؛ فاكسر قلم التنظير، وخُذْ قلم التخريج»!
#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول
❤15👍2🔥1