💡إلماعةٌ:
كنتُ -وأنا أقرأ الرِّسالة- أرى أنّ الشيخ أحمد شاكر رحمه الله يبالغ في إثبات النصِّ على مقتضى أصل الربيع؛ حتى لو كانت الكلمةُ نابية عن موضعها، تورِث الكلامَ اختلالًا، والسِّياقَ قلقًا وإعضالا.

وتجد الشيخ رحمه الله إذا شعر بأن الكلام يبدو مشكلا؛ يتكلف المخارج، وربما أحال الأمر إلى أن هذه هي لغة الشافعي، وهي لغةٌ عالية بليغة!

وهذا كله ليس بشيء عند التحقيق؛ فعامة المواضع القلقة هي في نسخة ابن جماعة- وهي بين يدي الشيخ- على نظم فصيح مليح، يزول به الإشكال، ويلتئم به نظام الكلام، ويخرج عن هيئة الإغراب والإبهام.

كيف وليس للشيخ أحمد رحمه الله من حجة يعتدُّها إلا أنها نسخة الربيع؛ فزيّن له ذلك قبولَ كلِّ مفرداتها وغرائبها؟!
وحيث سقطتْ نسبتُها للربيع، سقطت هذه الاحتمالات، ولم يبق من وجهٍ لتقديمها على نسخة ابن جماعة.

#أصول_الفقه
#مآخذ_الأصول

«إنَّا نُلْفي كثيرًا من مُحقِّقي النصوص يَتعاملون مع بعض المرجحات تعاملاً سطحيًّا، فهُم إِنْ عَلِموا سَدادَ بعض المرجّحات، التزموا الترجيح بها في مواضع الخلاف كلّها، مع إهمال النَّظَر في باقي الدلائل والمرجحات المعارضة.
فمَثَلاً: بعضُ المحققين يسلكون في إخراجهم للنصّ مَسلَكَ (اختيار أصل) من جملة النسخ، وهذا لرفعة النسخة وحسنها.
ويلتزمون حالَ اختلاف هذه النسخة مع باقي النسخ -حتى وإن كانت لا تبعد كثيرًا عن الأصل في الوثاقة- ترجيح قراءة الأصل على جهة الإطلاق، لا يُخالفون هذه القاعدة البتة؛ اعتمادًا منهم على أنَّ النسخة الأعلى في الوثاقة يكون لها التقديم، عَمَلا بمرجّح "الأوثقية".
وهذا الصنيع هو من الغلط البيِّن في صناعة التحقيق، فإنَّ النسخة بمنزلة الرَّاوي في روايته، فمَهْمَا بَلَغَ الناسخ درجات الإتقان والإجادة فهو غير خارج عن الطبيعة الإنسانية التي هي ممزوجة بالنقص في الغلط والسهو والغفلة.
فأي نُسخة من النسخ الخطية لا بُدَّ وأنك واجدٌ فيها شيئًا من الخلل وقع فيه ناسخها.
لذلك لا يجمُل بالمحقق وقد بان هذا: أنْ يَتعامل مع الخلاف بهذا التعامل السطحي الذي يجعل من قراءة الأصل هي الصواب المطلق».

———
⏺د. حاتم باي: «استثمار قواعد علم الحديث في علم تحقيق النُّصوص»، مجلة العلوم الشرعية، جامعة القصيم، العدد (٣)، ص (٢٢١٦ - ٢٢٦٦).

فائدة من ملاح فوائد العلَّامة المُحقِّق ابن دقيق العيد رحمه الله.

💡تنبيه:
ورد في منقول الشيخ العجمي تصحيف في قوله: «والذين لا يرجعون إلى النصوص قد لا يستحضرون اندراج المسألة المعينة تحت نص معين».
ورأيتُه مصحَّفا منذ قرأته، وقدّرت أن الصواب: «والذين يرجعون إلى النصوص» لأن ابن دقيق العيد قسّم في ضمن كلامه الفقهاء إلى قسمين بالنظر إلى النظر الكلي والجزئي:
- القسم الأول: من استند إلى الأصل الكُلِّي، ولم يستحضِرْ نصًّا معيَّنًا، ودليلًا خاصًّا.
- القسم الثاني: من استند إلى النصٍّ الجزئيِّ، ولم يستحضِرْ اندراج جميع المسائل والصُّور تحت النصِّ وإن كان مستحضرا للنصِّ.
- فالأولون: أخذوا القاعدة من مجموع النُّصوص، وفاتهم استحضارُ نصٍّ معين.
- والآخرون: استحضروا نصوصًا معيّنة، وفاتهم إدراكُ اندراجِ جميع الصُّور في النصِّ.

فرجعت إلى الأصل، فوجدت المحقق أثبت النص في المتن على هذا الوجه: «والذين لا يرجعون [إلا] إلى النصوص».
وعلق في الهامش على زيادة [إلا]:
(زيادة من "ت").
قلت: وبهذا يستقيم النص.
فإما أن يقال: «والذين يرجعون إلى النُّصوص» بالإثبات المحض.
وإما أن يقال: «والذين لا يرجعون إلا إلى النُّصوص» بالإثبات المستفاد من: الاستثناء من النّفي.
والله الموفق.

•
🟥 بركة الصاحب الصالح، وثمرة مذاكرة العلم:

قال محمد بن أبي بكر الرازي (صاحب مختار الصحاح)، في مقدمته لكتابه (أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها):

«هذا مختصر جمعت فيه أنموذجًا يسيرًا من أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها؛ فمنه ما نقلته من كتب العلماء إلا أني نقحته ولخصته، ومنه ما فتح الله تعالى عليّ به بسبب مذاكرة أخ لي من إخوان الصفا في دين الله ومحبة كتابه، وكان صالحًا تقيًّا سليم الفطرة، وقَّاد الذهن، جامعًا لجملة من مكارم الأخلاق وصفات الكمال الإنساني.
أنعم الله تعالى عليّ بصحبته ومذاكرته في معاني كتابه، وكان شديد العناية بها، كثير البحث والسؤال عنها، قد هداه الله إليها وفتح عليه فيها بغرائب لم نسمعها من العلماء ولا رأيناها في كتبهم.

فحملتني فكرته القادحة ونيته الصالحة على جمع هذه الصبابة، وهي تزيد على ألف ومائتي سؤال».

- لا تدري أيهما أمنُّ على الآخر؛ الرازي حيث ترجم مذاكرته مع أخيه لمشروع علمي عملي ينتفع به هو وينتفع به صاحبه، أم صاحبه إذ كان سببا لقدح شرارة هذا المشروع.
•