قد يُستدل على وثاقة الراوي بأنه مُكثر، ولكن هذه القرينة دون متابعة السيرة الروائية للراوي غير كافية..

مثاله: جبريل بن أحمد الفارابي، حيث استدل بعضهم على وثاقته بإكثاره الرواية، ولكننا نجد هذا الرجل في كثير من أسناد روايات ذم أعمدة المذهب، كزرارة ومحمد بن مسلم وبريد، بل إنه قد يغيّر كلمة في الرواية فينقلب معناها رأسًا على عقب، نستكشف ذلك من روايات صحيحة أخرى، وعليه فإننا نحكم بضعفه بل بخبثه أيضًا..

وهنا ملاحظة أخرى؛ ألا وهي أنّ كثيرًا من المؤمنين يتوجسون خيفة من عمليات التوثيق والتضعيف، على أساس أنها قد تساهم في هدم تراثنا الروائي، ولكنك قد عرفت بعدما تقدّم أنّ هذا الإجراء إن تمّ بشرطه وشروطه يساهم في حفظ تراث الأئمة المنقول عن فقهاء الطائفة المكثرين جدًّا، ولو لم نفعل لقبلنا هذه الروايات العجيبة وغيرها التي تنهى عن الأخذ عن الأعاظم، بل لوقعنا أيضًا في محذور التناقض، وهذا ما يمكن أن نتعرض له لاحقًا، فتأمّل..

@fahrasa_rejal

الاعتماد بدلًا من الوثاقة

يتعامل الباحثون المعاصرون في علم الرجال مع مفهوم الوثاقة باعتباره مفهومًا متواطئًا، فالراوي إما أن يكون ثقة أو لا، لكننا لو تأملنا جيًدا في حياتنا الشخصية وطريقة تعامنا مع المخبرين، لوجدنا أنّ إخبار فلان من الناس يحقق لنا نوعًا من الشك في حصوله، وأخرى ظنًّا في وقوعه، ومراتب هذا الظن أيضًا تتفاوت، فهناك درجات متفاوتة وليست القضية إما أبيض أو أسود، فعلى هذا يكون مفهوم الوثاقة مشكّكًا، لذلك يرى بعض الأعلام استبدال تعبير الوثاقة بالاعتماد، ويقسم الاعتماد في المخبر إلى:
١- معتمد عليه قطعًا
٢- معتمد عليه
٣- يقوى الاعتماد عليه
٤- يمكن الاعتماد عليه كثيرًا
٥- يمكن أن يعتمد عليه
٦- يقل الاعتماد عليه
٧- يندر الاعتماد عليه
٨- يندر الاعتماد عليه
٩- يصعب الاعتماد عليه
١٠- غير معتمد
١١- غير معتمد البتة

بل ويمكن أن يضاف على ذلك، ظروف تنقل رواياتهم في الكتب، ونوعية الإخبار بحيث نقبل صنفًا ونرفض آخر، مثاله: يمكن لنا الاعتماد على حُميد بن زياد الثقة الواقفي في روايات فقهية معيّنة، لكننا نشك في قبول توثيقه لأحد أتباع مذهبه من الواقفة ممن يضعفه أصحابنا، وهكذا.

ما تقدم مستفاد من كلام للسيد غيث شبر حفظه الله..

أقول: هذه نظرة متقدمة جدًّا في معالجة مفهوم الوثاقة، نشأت ربما ونضجت نتيجة متابعة أحوال العقلاء بدقة، وكيفية تلقيهم الأخبار ووثوقهم بناقليها، فالرواة لم يأتوا من كوكب آخر، ولكنها في المقابل مهمة شاقّة جدًّا تحتاج جهدًا عظيمًا لتنقيحها..

@fahrasa_rejal

في الفرق بين الأصل والكتاب:

إنّ ما نسميه في وقتنا الراهن مصادر البحث، كانوا يسمونه أصلًا، فمثلا: حين يكتب المؤلف في زماننا هذا بحثًا، ويقتبس رواية فيجب عليه إيرادها من مصدرها الأصل، فلو كانت موجودة في كتاب الكافي واعتمد الباحث على نقل هذه الرواية من كتاب مستند العروة الوثقى، فإنّ لنا أن نقول: إنه لم ينقلها من أصولها أو من مصدرها، وهذا بالضبط ما كانوا يعنون به من الأصل، وهو المصدر الأول للرواية، وأما الكتب فهي تصنيف تعتمد على ما وجد من روايات في كتب أخرى أو أصول..

السيد غيث شبر حفظه الله

@fahrasa_rejal

في الفرق بين الأصل والكتاب (٢):

الظاهر أنّ المراد من الأصل عنوان وصفي لبعض كتب الشيعة، جعله قدماء أصحابنا بإزاء مصطلح الصحيح في لسان علماء محدّثي العامة، لاحظ قول النجاشي في ترجمة مروك بن عبيد بن سالم: قال أصحابنا القميون: نوادره أصل؛ وقال الشيخ في ترجمة أحمد بن مغلس: روى عنه حميد بن زياد كتاب زكريا بن محمد المؤمن وغير ذلك من الأصول..

هذا ما استفاده الشيخ ملكيان من أستاذه السيد المددي.

والظاهر - كما ذهب إليه المحقق التستري - أنه لا تقابل بين الكتاب والأصل، لقولهم في تراجم عديدة ما تقدم في ترجمة أحمد بن مغلس وغيره، وإنما المقابل للأصل هو التصنيف، وأما الكتاب فأعمّ منهما..

@fahrasa_rejal

منهج الاعتماد على نقاد الحديث:

أحد أسباب الوثوق بصدور الرواية هو روايتها من قبل بعض المشايخ الثقات المعروفين بنقاد الأحاديث، لاحظ هذه العبارات:

- قال الشيخ الصدوق: كان شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد سيء الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث وإنما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لأنه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي.

- وقال أيضا: إنّ شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه ويقول: إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان كذابا، وكل ما لم يصححه ذلك الشيخ ولم يحكم بصحته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح.

- قال ابن قولويه: إنا لا نحيط بجميع ما روي في هذا المعنى ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا.

- قال السيد ابن طاووس: ربما يكون عذري فيما أرويه عن بعض من يُطعن عليه أنني أجد من اعتمد عليه من ثقات أصحابنا الذين أسندت إليهم عنه أو إليه عنهم قد رووا ذلك عنه ولم يستثنوا تلك الرواية ولا طعنوا عليها ولا تركوا روايتها فأقبلها منهم..

https://www.tgoop.com/fahrasa_rejal

ألّف الشيخ الطوسي فهرسته في العشرينات من عمره، في بغداد، معتمدًا على ما توفر له من الفهارس، كفهرس ابن بطة وسعد وغيرهما، وكان الشيخ النجاشي آنذاك في الثلاثينات من عمره، وفي متناول يده مكتبة عظيمة لأستاذه الخصيص به، السيد المرتضى، وقد حدسَ جمع أنّ النجاشي إنما ألّف فهرسته للتنبيه على أغلاط الشيخ..

ومن خلال النظر والتأمل يظهر جليّا ماهية تلك الأغلاط التي أراد التنبيه عليها، ذلك أنّ الشيخ الطوسي ألزم نفسه بذكر التعديل والتجريح، لكنه لم يوفق لذلك، فلم يذكر توثيقًا لأجلاء الطائفة ومشاهير الرواة، فضلًا عن غيرهم من الثقات، فجاء النجاشي وأنقذنا بتأليفه، ولولاه ربما لندر تصحيح معظم الروايات الشريفة..

مستفاد من كلام للسيد غيث شبر حفظه الله..


@fahrasa_rejal

حول دلالة الترضي في كتب الرجال والحديث على الوثاقة..

الكلام للسيد غيث شبر حفظه الله

@fahrasa_rejal

تحدثنا فيما سبق عن كيفية تمييز الأصول والكتب المشهورة من خلال عبائر أصحاب الفهارس كالشيخ النجاشي رحمه الله، لكننا نجد أنّ بعض هذه الكتب المشهورة في نسخها تفاوتا، فحينئذ كيف نعمل برواياته؟
الظاهر من قدماء الأصحاب اعتمادهم على أصح النسخ من هذا الكتاب، لاحظ كلام ابن نوح في بيان نسخ كتاب الحسين بن سعيد:

«والذي سألت تعريفه من الطرق إلى كتب الحسين بن سعيد، فقد روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى، وأحمد بن محمد البرقي، والحسين بن الحسن بن أبان، وأحمد بن محمد بن الحسن القرشي البردعي، وأحمد بن محمد الدينوري، فأما ما عليه أصحابنا والمعول عليه ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى»

@fahrasa_rejal

تمييز الكتب المشهورة عن غيرها من خلال فهم عبائر أصحاب الفهارس

حجية التسلسل السّندي..
الكلام للسيد غيث شبر حفظه الله

@fahrasa_rejal

ألّف أصحابنا الإمامية في الفهرست كتبًا عديدة، ذكروا فيها أسماء مؤلفي أصحابنا مع ذكر الطرق إلى مصنفاتهم، وكانت الغاية من الاهتمام بالفهارس تمييز الكتب المعتبرة عن غيرها، فهذا العلم وليد مسلك قدماء أصحابنا في تعاملهم مع الأخبار، فإنّ حجية الأخبار عندهم تدور مدار الوثوق بالنسخة والكتاب، والتقييم على أساس تقييم الطرق، ومن هنا يُعرَف وجه النظر في قاعدة تبديل السند أو تصحيحه، فإنّ نسخة حماد عن الحلبي مثلا تختلف اعتبارا وحجية عن هذا الكتاب بنسخة أخرى..

الشيخ محمد باقر ملكيان

@fahrasa_rejal

تظاهر مجموعة من الأصحاب بالانتساب للفطحية تقيّةً

الفطحية كما هو معلوم فرقة من الفرق الشيعية، قال أتباعها بإمامة عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق عليه السلام، ولكن يظهر من متابعة الوضع السياسي والأمني في ذاك الزمان، والقرائن الروائية والتاريخية، يظهر أنّ أوضاع الإمام الكاظم عليه السلام كانت صعبة جدًّا، بحيث يصعب التصريح والدعوة لإمامته، بل ربما يقال بأنّ الحفاظ على حياة الإمام عليه السلام كان يستدعي عدم لفت الانتباه إليه برهة من الزمن..

لذلك تجد بعض الأعلام المعاصرين يشككون في انتساب جملة من الرواة للمذهب الفطحي، فمثلًا لو راجعت كلام الشيخ حسن فواز في شرح الكافي الشريف حول الحسن بن فضال، ستجد أنه متردد جدًّا في نسبته إلى الفطحية، وأنه يمكن أن يكون غير مظهر لحقيقة اعتقاده، ويؤيد ذلك ما جاء في ترجمته من رجوعه عند احتضاره إلى الفرقة الناجية على ما نقله النجاشي، ولكن السؤال المهم: متى رجع ولماذا أخفى تلك الحقيقية إلى لحظة وفاته؟ هذا وقد ذكر السيد غيث شبر في تحقيق حال يونس بن يعقوب ما يفيد التشكيك بانتساب كثير من الأصحاب لهذا المذهب؛ قال حفظه الله: «وبهذه العبارة ينتفي حتى كونه كان فطحيا أو واقفا فرجع، نعم لا يبعد تظاهره بذلك، لإبعاد التهمة في أصحاب الكاظم عليه السلام للتقية، بل لا يبعد كون مجموعة كبيرة من الفطحية على هذا الشأن»

وهذا بحث طويل شائك حبذا لو تصدى من هو أهلٌ لحل عقده..

@fahrasa_rejal

وصلني أمس المجلد الثاني من كتاب فهرست الشيخ النجاشي رحمه الله، تحقيق وتعليق الشيخ محمد باقر ملكيان، وقد لوحظ سقوط تراجم عديدة، تحديدا من ترجمة حيدر بن شعيب إلى ترجمة حرب الطحان، بل حتى الترجمة الأخيرة من المجلد الأول (حصين بن المخارق) ناقصة، حيث أسقط ذكر كتابه والطريق إليه، على أمل التصحيح في الطبعات اللاحقة..

ما تقدم لا يقلل من أهمية هذا العمل المبارك، بارك الله بالشيخ وجهوده، وحفظه من كل سوء.

@fahrasa_rejal

الإمام الباقر عليه السلام مؤسس الفقه التقديري وجعل الفروض والإجابة عنها..

نلاحظ في كتاب الكافي لثقة الإسلام الكليني رحمه الله أنّ الروايات القريبة من عنوان الباب أقوى سندًا وعملًا ودلالةً من الروايات في نهاية الباب، حيث نلاحظ أنّ هذه الأخيرة أكثر اضطرابًا من الناحية الدلالية والسندية..

مستفاد من كلام للشيخ حسان سويدان حفظه الله.

@fahrasa_rejal

داود بن حُصين الأسدي..

قال الشيخ رحمه الله في أصحاب الكاظم عليه السلام: داود بن حصين، واقفي، ولكنّ النجاشي رحمه الله لم يُشر إلى وقفه، بل اكتفى بتوثيقه..

احتمل السيد الزنجاني حفظه الله أنه كان في برهة من الواقفة، ثم رجع لإلزامه بالحجة والمعجزات التي ظهرت على يد الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام كما هو حال بعض أعلام الطائفة كالبزنطي والحسن بن علي الوشاء، أو أنه رجع بعد ولادة الإمام الجواد عليه السلام، فاطلع الشيخ على وقفه ولم يطلع على رجوعه، بخلاف النجاشي..

@fahrasa_rejal

المنهج الفهرستي الذي نتحدث عنه هنا، والذي اشتُهر بهذا العنوان في المدرسة القميّة إن صحّ التعبير، على يد السيد المددي وتلامذته، كالشيخ محمد باقر ملكيان والشيخ مهدي خداميان الآراني، نجد له تطبيقات في مدارس أخرى ولكن بعنوان مختلف، نظير التعبير الذي استخدمه السيد غيث شبر حفظه الله، وهو: خارطة تنقل الرواية، استعمله في كتابه الوافي، وأشار إليه صريحًا في كتابه المهام الخمس، حيث قال: «فمثلا لو تم من تتبع الرواية معرفة أنّ مصدر الكليني الذي انتزع منه الرواية هو كتاب محمد بن أبي عمير، فإنّ ذلك يجعل إثبات صدورها أيسر وأسهل عند العلم أنّ كتاب محمد بن أبي عمير في وقته من الكتب المشهورة المعروفة»؛ وكذا أشار إلى ما يشبه ذلك عند الحديث عن رواية زيارة الأربعين التي رواها الشيخ رحمه الله، حيث قال أنها منتزعة من كتاب الزيارات للحسن بن فضال، والمقصود هنا أنّ البحث حينئذ ينحصر من صاحب الكتاب إلى الراوي المباشر عن الإمام عليه السلام، وتكون الأسانيد من الكليني والشيخ إلى محمد بن أبي عمير والحسن فضال تشريفية لشهرة الكتب التي انتزعت منها تلك الروايات، وهذا بحث فهرستي كما لا يخفى ولكن بعنوان آخر، كخارطة تنقل الرواية، أو بلا عنوان أصلًا، كما نجد في أبحاث جملة من الأعلام كالسيد محمد رضا السيستاني حفظه الله..

@fahrasa_rejal