الآن يمكننا أن نقول بحقٍ..صباح الخير يا غزة..صباح الخير لطرقاتكِ التي ما انحنت، ولشوارعكِ التي غُسلت بالدمع والدم فصارت أطهر من الطُهر نفسه..صباح الخير لشهدائكِ الأحياء، الذين ما ماتوا، بل ما زالوا يضيئون الدُروب بأنفاسهم في ذاكرة الوطن..وصباح الخير لأحيائكِ الشهداء، أولئك الذين عاشوا الموت حتى صاروا جزءًا من خلودكِ، فصار اسمهم منقوشًا على صدى البحر، وعلى رائحة الخبز، وعلى وجوه الأطفال العائدين من الخيام..صباح الخير يا قُبلةً سماويةً على وجه الأرض، يا جرحًا يُصلِّي، ويا وجعًا يُسبِّح، ويا صبرًا تنبتُ منه الحياة من جديد.

سيرة ذاتية:
ناجٍ مِن حربٍ كان الموتُ فيها حتميًا ومؤكدًا.

لا تتوقفوا، ابقوا عيونكم على غزة..هذا العـدو غادرٌ ظالمٌ لا عهد له ولا ذمة..ارفعوا صوتكم أكثر من قبل، ولا تشيحوا أنظاركم إلا عندما يُغلق كل غزيٍ باب بيته على نفسه ويخرق خيمته حرقًا أبديًا.

قَضَت الحياة أن يكونَ النَصْرُ لمن يحتمل الضربات لا لِمن يضربها.

طريقُ العودة..حتى العودة تحمل بين ثناياها الكثير من التعب..لكنها لا تحمل الألم والقهر والموت.

أهم حاجة إنه وقف نهر الدم.. الحمد لله على كل حال، بس السؤال اللي لازم نسأله لأنفسنا: هل الحرب فعلاً وقفت؟!..من ناحية القصف والتدمير يمكن نقول إنها توقفت، لكن من ناحية عودة الحياة، والله يا جماعة الحرب بدأت من لحظة توقفها..العائلة اللي ما عندها مسكن وين حتروح؟!، والأم اللي فقدت أولادها كيف تبدأ من جديد؟!، والطفل اللي ما عنده مدرسة ولا دفتر ولا سرير ينام عليه، كيف نقوله رجعت الحياة؟!..الحرب الحقيقية لما ترجع لبيتك وما تلاقيه، ولما تلاقي أغلب أصحابك وجيرانك استشهدوا..إحنا الآن في معركةٍ من نوعٍ آخر، حرب ثانية..معركة إعادة الروح، وإعادة الثقة، وإعادة معنى الحياة بعد ما صارت رماد.

في الهُدنة الأولى ذهبت إلى حي الشجاعية وكان هذا بيتنا..هذه الهُدنة..حتى هذا الرُكام لنعرف به حدود أرضنا لم يُبقوه لنا.

اللهم عُمرةً قريبةً، نغسل فيها أرواحنا من ركام الحرب وويلاتها، ونطوف حول بيتك الحرام كما تطوف قلوبنا حول رجاء رحمتك..اللهم خذ بأيدينا إلى مكة، حيث لا قصف ولا خوف، حيث السكينة تُغسل بها القلوب قبل الأجساد، وحيث الدعاء يُولد من بين الدموع طاهرًا كما خُلق أول مرة..اللهم عُمرةً تُعيد لأنفاسنا الطُهر، ولقلوبنا الأمان، ولعيوننا النوم بلا فزع، ولغزتنا حياةً تُشبه الحرم طمأنينةً ونورًا.

ولنا أحلامنا الصُّغرى
كأن نصحُو مِن النّوم مُعافين من الخيبة
لم نحلم بأشياء عصية
نحن أحياء وباقون ، وللحلم بقية.

- محمود درويش

أُحبُّ تلك الفيديوهات التي يُنشر فيها أناسٌ يُنظّفون ركام بيوتهم، يُزيحون الغبار عن ذاكرةٍ دفنتها الصواريخ، يحفرون بأظافرهم عن حياةٍ كانت لهم ذات يوم..يُدهشني إصرارهم على التمسك بما تبقّى، على أن يُقيموا من الرمادِ وطنًا صغيرًا من الأمل..حين أراهم، ينتابني شعورٌ غريبٌ لا أقدر على تسميته، مزيجٌ بين السعادة والحزن..السعادة لأننا أخيرًا شهدنا النهاية، ولأن بين الركام مَن بدأوا بداية البداية..والحزن لأنني لم أعد بعد، ولأنه لم يبقَ لي حجرٌ أعود إليه، ولا جدارٌ أستندُ عليه، ولا نافذةٌ تُطل على طفولتي كما كانت..كلُّ ما تبقى لي هو ذاكرةٌ تقف بيني وبين النسيان، تُذكرني أن العودة ليست دائمًا عودةً إلى المكان، بل إلى ما تبقى منَّا فيه.

وصلتني هذه الرسالة مِن أحد النازحين الذين يريدون العودة..لست مدير مؤسسةٍ أو ما شابه..لكن أعجبني اسم المؤسسة كثيرًا وقد أسعى لتأسيسها..عالهامش، نحتاج إلى مساعدتهم في العودة ونقل أغراضهم إلى الشمال ومسقط رأسهم.

ما ضاع من الدنيا يُعوَّض، وما ضاع من الدين لا يُستَدرَك.

هنيئًا لكل ناجٍ من هذه الحـرب دون أن يسرق أو يُرابي أو يستغل الناس، هنيئًا لكُل ناجٍ لم ينغمس في الحرام ولم يعرف إليه سبيلا..هذه هي النجاة وهذا هو الانتصار.

حديث عن مصرع ثلاثة، وإصابة اثنين، من أعضاء الوفد القطري في "حادث مروع" بشرم الشيخ تزامنًا مع تواجد رئيس الوزراء القطري لبحث المفاوضات التي تستضيفها مصر.

ما زلنا بأمس الحاجة إلى تشغيل البئرِ يا رِفاق.

لماذا يُشبِّهون اليهود بالمغول!؟..أنا لم أعِش لحظةً واحدة في زمن المغول، ولم أقرأ عنهم في كتب التاريخ، لم أفتح صفحةً تصف فظائعهم أو جرائمهم، ومع ذلك أشعر في أعماقي أن كل ما فعلوه لا يُقاس بما فعله اليهود فينا..فالمغول غزوا المدن بالسيف، أما هؤلاء فغزونا بالدم والخذلان والكذب، بالاحتلال والتهجير والمجازر التي تُرتكب ببرودٍ وتُبرَّر بمئات الروايات الزائفة.

إنهم لا يقتلون فقط، بل يسرقون بعد القتل معنى الحياة نفسها، يسرقون الذاكرة، والبيوت، والأحلام الصغيرة التي بُنيت على حافة البحر..لذلك لا يجوز تشبيههم بالمغول، لأن المغوا مهما بلغت وحشيتهم كانوا عاصفةً مرَّت وانتهت، أما هؤلاء فوباءٌ مزمن، يزرع الخراب في الروح قبل الأرض، ويُدمِّر باسم الحق ما لا يحق لأحدٍ أن يُدمِّره..لا شبه لهم في القذارة، ولا في الحقد، ولا في اللؤم..إنهم لا يشبهون أحدًا، ولا يشبههم أحد.

تعافي وتحدي الوجود.

عمره ما يرمي الغزاوي حجر على اليهود بعد الي شافه..الكُل يقول هذه الجُملة، ربما نحن الجيل الحاضر لن نفعل ذلك، ولن نقدُم عى خطوة كتلك، لكن من يضمن الجيل الصاعد الذي زرع فيه العدو روح الإنتقام؟!، من ذا الذي يمكنه أن يكبح جماح هذا الجيل الذي سينقم شر انتقام، هم من أرادوا له ذلك، وأرادوا أن يزرعوا فيه الإنتقام.

من حمَّل الكتاب وقرأه؟!.

يا رفاق.. من يعيد لنا الأماكن؟