Telegram Web
حكى الشافعي مناظرته لبعض العراقيين في مسألة بيع المدبر ، وكان من ذلك قوله :

"قال : فهو قول أكثر الفقهاء.

قلتُ : بل قول أكثر الفقهاء أن يباع.

قال : لسنا نقوله ولا أهل المدينة.

قلت : جابر بن عبد الله وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن المنكدر وغيرهم يبيعه بالمدينة ، وعطاء وطاوس ومجاهد وغيرهم من المكيين ، وعندك بالعراق من يبيعه ، وقول أكثر التابعين ببيعه ، فكيف ادعيتَ فيه الأكثر ، والأكثر ممن¹ مضى عليك ؟!

مع أنه لا حجة لأحد مع السنة ، وإن كنت محجوجًا بكل ما ادعيت ، وبقول نفسك".

[الأم (٩/ ٣٣٧)]

وفي كلام الشافعي تنبيه لنوعين من الغلط الشائع في المتفقهة ، أما الأول فالغلط في تمييز قول الأكثر ، فإن كثيرا من الناظرين يعتبر قول بعض الأئمة المتبوعين = قولَ الأكثر ، وقد رأيتَ في حكاية الشافعي كيف غلط العراقي فجعل قول أصحابه (الحنفية) مع أهل المدينة (المالكية) قول أكثر الناس ، ومنه في الأزمنة المتأخرة اعتبارُ اتفاق المذاهب الأربعة أو أكثرها قولَ جمهور العلماء ، وليس ذلك بلازم ، فقد يكون ذلك قولَ جمهور العلماء من أئمة الأمصار من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على الحقيقة - كما هو الغالب أو الكثير جدا - ، وقد لا يكون.

فإذا أطلق المرء على اتفاق أكثر الأربعة (قول الجمهور) فإما :

- أن يقصد أكثر العلماء من أئمة الأمصار - الصحابةِ فمن بعدهم - ، فلا يسوغ له ذلك بمجرد الوقوف على قول أكثر الأربعة.

- أو يقصد الأكثر بالنظر إلى المذاهب المتبوعة المستمرة ، فهذا اصطلاح تواضع عليه الناس بأخرة ، ولا مشاحة فيه إذا فهمه مطلقه ، وذلك مثل إطلاق أن كذا مذهب الحنابلة بالنظر إلى اتفاق الإقناع والمنتهى - وإن لم يكن ذلك قول الحنابلة جميعًا ، بل ولا قول أحمد نفسه - ، فهو سائغ بفهم ذلك.

وفائدة التنبه إلى هذا ضبط المنزلة التي ينالها القول في نفس المتفقه ، بحيث يتصور الأمر على ما هو عليه ، وإن كان ذلك ليس مؤثرًا في الاحتجاج وتمييز الحق كما هو معلوم.

وأما الغلط الثاني فمقابلة الحجة بأعداد الرجال ، وهو معنى كثر تنبيه الأئمة له لكثرة زلل الناس فيه قديما وحديثًا.

وفي النظر لكثرة الرجال معنى صحيح ، وهو أن يتحرى الناظر في السنة فلا يشهر سيفها بخديج الفهوم وبدوات النقد ، فإن العاقل يعرف أن لغيره عقولا تصيب كما يخطئ ، وأن من العلم ما يفوته ويدركه الأكثر دونه ، كما يفوتهم ويدركه دونهم ، ثم هذا المعنى الصحيح تبالغ فيه طائفة فيُخرج به عن القصد ، وبعد كونه معتبرًا لئلا يتعجل في ادعاء السنة يصير حجة تُخالَف به السنة نفسها !

وقد كان الشافعي حفيا بالتنبيه على هذا الغلط وخطره ، وبالرد على من وقع فيه من الفقهاء ، فرحمه الله ما أجود كلامه وأدق نظره وأحسن نصحه للمسلمين.

___
¹ في المطبوع : "من" ، وله وجه ، والمثبت من بعض النسخ والمعرفة للبيهقي ، وهو الأشبه بكلام الشافعي.

#أنظار_في_الفقه_ومآخذه
باب في معرفة الشيخ فضل الطالب

قال يزيد بن هارون شيخ الإمامين أحمد وإسحاق لأصحاب الحديث :

"ربما قلت : حقكم علي أعظم من حقي عليكم ؛ لأني إن أردت الدنيا ، فإنما هو بكم ، إذا أتيتموني قال الناس : يزيد بن هارون !

ولئن أردت الآخرة فإنما هي بكم ، لو لم تسألوني لم أحدث بما في جوفي".

[الفوائد المنتخبة لابن بشكوال (١/ ٢٦٣)]

#ملامح_من_منهج_العلم
خط الإمام الجبل سيد أهل الشام الموفق ابن قدامة من سماع كتبه على نسخة من سنن ابن ماجه ، وقد كان للشيخ رحمه الله عناية بإسماع الحديث ونسخه ، وفي المكتبة التيمورية نسخة من السنن أيضا بخطه.

وقد انقطع عقبه ، قال سبط ابن الجوزي : "وكان له أولاد : أبو الفضل محمد ، وأبو العز يحيى ، وأبو المجد عيسى ، ماتوا كلهم في حياته.

... ولم يعقب من ولد شيخنا الموفق رحمة الله عليه سوى عيسى ، خلف ولدين صالحين ماتا ، وانقطع عقبه".

ومن لطيف أقدار الشيخ أن له ثلاثة كتب بقي للناس بها اعتناء ، العمدة وهو مختصر يدرسه كثير من المبتدئين ، والمقنع وعليه دارت كتب المذهب بعده شرحا واختصارا واستمدادا ، والمغني الذي لا يستغني عنه مريد التوسع والناظر في الخلاف ، فنحسب أن الله أجرى له أجره بهذه الكتب الثلاثة بعد فقد البنين الثلاثة ، رحمه الله وأعلى منزلته.
قال الشيخ منصور في كتاب المناسك من الروض :

"(أو سنة) أي ومن ترك سنة (فلا شيء عليه) ، قال في الفصول وغيره : ولم يشرع الدم عنها ؛ لأن جبران الصلاة أدخل ، فيتعدى إلى صلاته من صلاة غيره".

وفي كلام ابن عقيل إشكال سببه الاختصار ، وهو يزول بأصل كلامه في الفصول - كما في نسخة بشستربتي "٥٣٦٩" الورقة (٥٥ أ) - ، قال :

"وإنما شرع سجود السهو في الصلاة ولم يشرع الدم في المسنونات ؛ لأن جبران الصلاة أدخل ، فيتعدى إلى صلاته من صلاة غيره".

يعني أن جبران الصلاة أعظم وأشد تعلقا بها ، إذ يتعدى من صلاة الإمام إلى المأموم ، فيسجد معه ولو لم يسه ، فهذا فرق ما بين جبران السنة في الصلاة وفي النسك.

وعلى هذا المعنى قرر كلامه ابن قندس في حاشيته على الفروع (٦/ ٧٢) ، فقال :

"أي : عن السنة المتروكة ، بخلاف الصلاة ، فإنه شرع الجبران لها إذا تُركِت سهوا في رواية ، والجبران سجود السهو ، وفرَّق بينهما بما أشار إليه بقوله : (لأن جبران الصلاة أدخل)".

غير أن هذا لا زال مشكلا من جهة أن ابن عقيل يقول بعدم مشروعية السجود لسهو السنن ، على الرواية الأخرى في المذهب كما في تصحيح الفروع (٢/ ٢٥٣).

ولعل ذلك مع الاختصار = ما جعل ابن قاسم في حاشيته يشرح العبارة على غير وجهها بقوله : "لعدم استحباب سجود السهو لترك مسنون ، فالأولى عدم استحباب الدم لترك مسنون".

وعليه فتعليل ابن عقيل للفرق - إن سُلِّم سلامته من الخدش بكون التعدي مقصور الأثر على الواجبات - إنما يناسب رواية مشروعية السجود للسنن ، والله أعلم.

#أنظار_في_الفقه_ومآخذه
ذكر الطبري خلاف أهل العربية في مسألة ، ثم عقب على كلام لبعض الكوفيين فقال :

"ولكن صاحب هذه المقالة أظن به أنه لم يتدبر التأويل ، ولزم سَنَن العربية".

[جامع البيان (٩/ ٢١٠)]

وقد عنى أبو جعفر قولا جاريا على صناعة الإعراب بل مقدمًا فيها ، لكن عليه إيراد يفسده من جهة المعنى¹ ، فلذا قال أبو جعفر إن صاحبه لم يتدبر التأويل ولزم الجادة ، وفي هذا تنبيه إلى معنى شريف تشتد حاجة الناظرين في العلم إليه ، وهو أن الناظر في القواعد والآلات غير مستغن عن ذوق وتدبرٍ يتبصر به وجه ما يقول ، ويُحسِن به التنزيل ، وإلا فإنه ربما اشتغل بجريانها وإعمالها ، وفاته إدراك الحق لغلبة التكلف عليه.

وليس يختص هذا بأهل العربية ، فهو مشهود في كثير من المشتغلين بنقد الحديث والأصول وقواعد الفقه ، فتجد في نقد الحديث من يسرف في الإعلال غلوا في استنكار التفرد ، أو ضد ذلك من التقوية بالمتابعات والشواهد ، وفي الأصول وقواعد الفقه من يسرف في تخريج الفروع على القواعد الأصولية والفقهية مع شذوذ تخريجها ، وهذا كله من لزوم السنن مع الغفلة عن فقه الموضع الخاص وما يناسبه ، وهو تدبر التأويل في كلام أبي جعفر.

ومن هذا الباب كان اعتراض ابن دقيق العيد على ابن بشير التنوخي ، وقد نقله ابن فرحون فقال في ترجمته :

"وكان رحمه الله يستنبط أحكام الفروع من قواعد أصول الفقه ، وعلى هذا مشى في كتابه (التنبيه) ، وهي طريقة نبه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنها غير مُخَلِّصة ، وأن الفروع لا يطرد تخريجها على القواعد الأصولية".

[الديباج المذهب (١/ ٢٦٦)]

ولا تظنن أن هذا التنبيه من جنس المصير إلى الاستحسان وترك قاعدة القياس ، بل هو فقه القواعد على الحقيقة ، واستعمالها في مواضعها ومراعاة حدودها ، وطرد العلة الصحيحة في القاعدة ، واعتبار الفروق المؤثرة عند نفاة الاستحسان أنفسهم ، وذلك رتبة التحقيق في العلم.

فليس الكلام في ترك القاعدة لاستنشاع إجرائها ، بل في الغلو فيها بمجاوزة الحد ، واستعمالها في غير موضعها الذي قد لا يتبين بأول نظر ، وهو حقيقة ما أنكره أبو جعفر في كلامه.

___
¹ وللكوفي تفصٍ من الإشكال الذي أورده أبو جعفر في المسألة ، ينظر في البسيط (٨/ ٧٧) لمزيد فائدة ، ولكن "الشأن لا يعترض المثال".


#ملامح_من_منهج_العلم
(ﻭﻧﺎﺩﻯ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻨﺎﺭ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺠﻨﺔ ﺃﻥ ﺃﻓﻴﻀﻮا ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﺃﻭ ﻣﻤﺎ ﺭﺯﻗﻜﻢ اﻟﻠﻪ ﻗﺎﻟﻮا ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﺣﺮﻣﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ)

قال ابن عباس : "ينادي الرجل أخاه فيقول : يا أخي إني قد احترقت فأغثني ، فيقول : إن الله حرمهما على الكافرين" أخرجه ابن أبي حاتم.

في هذا الموقف يوم القيامة معان ، أولها شدة عذاب الكفار ، وأنه يجتمع عليهم مع عذاب الأجساد عذابُ النفوس بفقد المغيث وخذلان القريب.

وفي هذا المعنى نكتة ، وهي أن الكافر قد قرَّح قلب المؤمن وسخَّن عينه في الدنيا ، إذ كان يدعوه للإيمان ويرجو صحبته في الجنة ويخاف عليه النار فيأبى ، فعوض الله المؤمن بقرة العين في الآخرة ، وأذاق الكافر حسرة إعراض القريب جزاء وفاقا.

وقد أشار لذلك المقداد بن الأسود رضي الله عنه ، فقال : "والله لقد بعث النبي ﷺ على أشد حال بعث عليها نبي قط ، في فترة وجاهلية ، ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان ، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل ، وفرق به بين الوالد وولده ، حتى إن كان الرجل ليرى والده أو ولده أو أخاه كافرا ، وقد فتح الله قفل قلبه بالإيمان ، ويعلم أنه إن هلك دخل النار ، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار ، وإنها للتي قال الله عز وجل : (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين)" أخرجه البخاري في الأدب المفرد "٨٧".

وثاني هذه المعاني تكرر البراءة من الكفر وزيادة رسوخه في النفوس ، إذ لا ينقطع استقباحه بانقطاع التكليف ، فالمؤمنون مع انشغالهم بنعيم الجنة لم يضعف في نفوسهم ذلك ، فهم يبرؤون من الكفر وأهله ، ويهونون عليهم ولا يبالون بهم.

وهم في تلك الحال أكمل منهم في الدنيا ، فإن المؤمن يبقى بنفسه حدب - لا يضره - على قريبه الكافر في الدنيا مع معاداته له ، ثم إذا رآه على حال أهل النار القبيحة زالت علائق القرابة كلها من نفسه ، فكان على أكمل أحوال البغضاء ، وكانت نفسه أتم نعيما بزوال المنغص منها.

وقد جاء هذا المعنى في الصحيح في قصة إبراهيم عليه السلام ، إذ يقول إبراهيم : "يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ؟!

فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم يقال : يا إبراهيم ما تحت رجليك ؟ فينظر فإذا هو بذِيخ ملتطخ ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار".

والذيخ المتلطخ : ذكر الضباع الملطخ بالقذر ، فإذا رآه إبراهيم عليه السلام على تلك الحالة خرجت شفقته عليه من نفسه.

نسأل الله بعظمة منته وكرمه أن يجعلنا من أهل كرامته ويعيذنا من عذابه ، وألا يرينا ما نكره فيه على من نحب ، وأن يقر أعيننا بهم في الدارين ، آمين.

#الفهم_المعطى
من أعظم النعم التي من الله على المؤمنين أنه جعل لهم حظا من الأنس به ، تلتذ به قلوبهم وتسعد ، وتسكن به نفوسهم في المصاب ، فإذا ابتلي العبد ببلاء فإن له في وقوفه بين يدي ربه مسلما نفسه له ، صارفا نجواه إليه ، شاكيا حاله بعين دامعة ولسان بالكاد يبين عما في قلبه ، جامعا بين المحبة والتعظيم والطمع واللجأ = فرجًا لا يقل عن الفرج بزوال الهم وذهاب الأذى.

ولذة التعرف إلى الرب والقرب منه جنةٌ في الدنيا قبل جنة الآخرة ، وأقل الناس من يدخل هذه الجنة ، كما أن أقلهم من يدخل جنة الآخرة ، وأقلهم من يصبر على طرق بابها حتى يدخلها ، فيشهد استحالة بلائه رضا وخيرا وسرورا ، حتى يذهل الناس منه ويعجبون كيف هو ساكن مطمئن مع ما يجد من الألم الذي لا يطاق ؟!

فيا طوبى لمن عرف هذه الجنة فلزم بابها ، ولم ييأس من نيل لذة دخولها ، وتذكر كيف سبقه الموقنون إليها ، واستحضر حين مسته نفحاتها فبرد بها صدره ، وتهللت بأريجها نفسه ، وكلما طال عليه الانتظار تعلل بذكرها ، وأنشد قول القائل :

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ..
عن الطعام وتلهيها عن الزادِ

إذا شكت من كلال السير أوعدها ..
روحُ القدوم فتحيا عند ميعادِ
من أغلاط النظر في المباحثات العلمية = إغفال الفرق بين ما يذكره المخالف - مما لا يعتقد حجيته - على وجه الاستئناس أو الإلزام ، وبين دفعك استدلاله عليك بما هو حجة عندك ، فإن الأول لا يوصف بالتناقض بخلاف الثاني ، وكثيرا ما يُظن عكس هذا.

وتأمل ذلك في استدلال منكر حجية خبر الواحد بقصة عمر في الاستئذان ، حين طلب أبا موسى شاهدا معه على روايته ، وهي خبر واحد ، فإن هذا الخبر إن ذكره المنكر على وجه الاستئناس أو إلزام السني بذلك = لم يصح أن يوصف بالتناقض ، وليس هذا بجواب صحيح للسني لو قاله¹ ، لأن المنكر إن ذكره استناسا لم يكن معتمدا عليه ناقضا لإنكاره حجية خبر الواحد ، وإن ذكره للإلزام فإن الإلزام إبطال ، والإبطال يصح باعتبار اعتقاد الغير ، ولا يجب بناؤه على اعتقاد القائل.

بل السني لو أجاب عن هذا فقال : أنت لا تثبت خبر الواحد ، فلا حجة لك علي = كان هذا منه تناقضا ، لأنه رد ما يصحح حجيته ، وما هو لازم له سواء أخطأ خصمه أم لا.

وهذا الغلط بإغفال الفرق بين هذين الأمرين واقع في أبواب كثيرة من العلم ، ويُخدع عنه لكونه فسادا في المسلك لا في الثمرة ، إلا أنه قد يخفى من جرائه وجه الحق فى الثمرة أيضا ، فحري بالناظر التفطن إليه ، وامتحان دعاوى التناقض في إطلاقها ، والتنبه لاطراد أصوله وتلاؤمها.
____
¹ ولذا تجد الأئمة لا يجيبون بذلك ، بل يذكرون أجوبة أخرى لها وجه صحيح ، كما صنع الشافعي في الرسالة.

#ملامح_من_منهج_العلم
قال ابن القاسم صاحب مالك (ت : ١٩١ هـ) :

"وقد يكون في غير أهل البدع من هو شر من أهل البدع ، وذلك أن أهل البدع فعلوا ما فعلوا بتأويل تأولوه ، وكانوا بذلك أعذر ممن تقحم في فعل الشيء بعد معرفته ‌بتقحمه".

[تفسير الموطأ للقَنازعي (١/ ١٣٦)]

وعلى هذا المعنى من العذر بُني قبول رواية المبتدع والانتفاع بعلمه ، ولم يكن ابتداعه مخلا بعدالته إذا كان معذورا فيه بقصد الحق وعدم معاندته ، بخلاف الفاسق الذي أخلت معصيته بعدالته ، لجرأته على المخالفة وتهتك ديانته ، فصار شرا من المبتدع من هذه الجهة ، كما كان المبتدع شرا منه من جهة ما يدخل على الدين من التبديل ببدعته.

#أنظار_في_الفقه_ومآخذه
تقييدات أبي الحسن
قال ابن القاسم صاحب مالك (ت : ١٩١ هـ) : "وقد يكون في غير أهل البدع من هو شر من أهل البدع ، وذلك أن أهل البدع فعلوا ما فعلوا بتأويل تأولوه ، وكانوا بذلك أعذر ممن تقحم في فعل الشيء بعد معرفته ‌بتقحمه". [تفسير الموطأ للقَنازعي (١/ ١٣٦)] وعلى هذا المعنى من…
تذييل :

التعليل من قوله "وذلك" ليس من كلام ابن القاسم ، قال عيسى بن سهل (ت : ٤٨٦ هـ) :

"وقول ابن عتاب في جوابه : (قد قال كبير من أصحاب مالك : قد يكون في غير أهل الأهواء من¹ هو أشد من أهل الأهواء) = هو قول ابن القاسم في تفسير ابن مُزَين ، حكاه عنه عيسى بن دينار وقال به.

وقال يحيى بن إبراهيم بن مُزَين في تفسير هذا : (يريد ابن القاسم أعذر ممن ركب شيئًا بعد معرفته وتقحمه² وجرأته على ذلك ، فصاروا شرًا من أهل الأهواء)".

[الإعلام بنوازل الأحكام لابن سهل (ص : ٧٣١)]

ثم تعقب ابن سهل كلام ابن مُزَين ، فقال :

"وفي هذا التأويل عذر لأهل البدع في تحريفهم لكتاب الله عز وجل ومفارقتهم للسنة والجماعة بتأويلهم ، ولا خلاف أنهم غير معذورين في مخالفة سبيل المؤمنين.

وقد قال أبو الحسن علي بن محمد بن القابسي في كلام ابن مزين : (ما أدري ما تفسير ابن مزين هذا ، وإنما أراد ابن القاسم أن في غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء ، وهم الذين يتدينون بالسنة وتكون منهم جهالات من وراء نسك ، فهم يغرون به من يسقطونه في جهالتهم ، وأهل الأهواء الناسُ لهم منافرون ، هذا وجه قوله عندي ، والله ولي التوفيق.

وكيف يقال لمن يخطئ وجه الصواب في الاعتقادات : أنت أعذر ممن سلم له اعتقاده من الخطأ وزل بالجهالة فيما دون الاعتقادات وأتى ذلك تقحمًا ؟! هذا بعيد ، والله أعلم).

هذا كله من كلام أبي الحسن ، وهو صحيح حسن ، وبالله التوفيق".

وفي هذا التعقب نظر من وجوه :

الأول : أن ما حكاه من الإجماع على عدم العذر إن كان المقصود به ترك المؤاخذة القادحة في الدين ، وهو الظاهر من كلام ابن مزين ، فليس يصح هذا الإجماع ، بل هو خلاف قاعدة الشريعة في عدم المؤاخذة على الخطأ والاشتباه ، و"من كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ = فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان ، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية ، هذا الذي عليه أصحاب النبي ﷺ وجماهير أئمة الإسلام" كما يقول أبو العباس ابن تيمية رحمه الله.

ولذلك ذهب جماهير الأئمة إلى قبول شهادة أهل الأهواء وروايتهم ، ولو كانوا غير معذورين فيما انتحلوه لكانوا غير عدول ، ولم يقبل ذلك منهم كما لم يقبل من الفساق المتقحمين.

الثاني : أن هذا المعنى الذي ذكره ابن مزين يوافق كلام ابن القاسم ، فقد قال لما سأله سحنون عن وجه الفرق بين الخوارج والمحاربين في الدماء :

"لأن الخوارج خرجوا على التأويل ، والمحاربين خرجوا فسقا وخلوعا على غير تأويل ، وإنما وضع الله عن المحاربين إذا تابوا حد الحرابة حق الإمام ، وإنه لا يوضع عنهم حقوق الناس ، وإنما هؤلاء الخوارج قاتلوا على دين يرون أنه صواب".

[المدونة (٢/ ٤٨)]

فلو لم يكن أهل الأهواء أعذر عنده من الفساق المتقحمين لما وضع عنهم حقوق الناس ، وهذا يدلك على أن كلامه على ما ذكر ابن مزين ، لا على ما وجهه القابسي بنفرة الناس من أهل الأهواء واغترارهم بغيرهم.

الثالث : أن ابن مزين (ت : ٢٥٩ هـ) أدرك جماعة من أصحاب مالك ، وابن القاسم شيخ شيخه ، فهو أعرف به من القابسي (ت : ٤٠٣ هـ) وابن سهل ، ولا يبعد أن يكون أخذ هذا عن شيخه.
____
¹ في المطبوع هنا "ومن" ولا وجه للواو ، وقد تقدم كلام ابن عتاب في (ص : ٧٢٨) على الصواب.
² تصحف في المطبوع إلى : "وتفحمه".
في عصرنا هذا رزق بعض الناس من العلوم وتدقيق النظر ما لم يرزقه بعض المشايخ السابقين المشهورين ، لسهولة الوقوف على الكتب وانتشار طباعتها وصور مخطوطاتها ، وكثرة الأبحاث والدارسات ، فربما حمله هذا على الاغترار والضيق بما لهم من المنزلة التي يرى نفسه أولى بها.

ولا يزال يتتبع سقطهم ويذمهم ، ونفسه عليهم غير سليمة ، وتنظر في علوها أكثر من نظرها للحق وبيانه ، حتى يغضب الله عليه ويغار لأوليائه الصالحين فيعاقبه بالانحطاط إلى ما لا يقع فيه أصغر معظميهم ، ويشتبه عليه ما لم يخطر له اشتباهه.

فنعوذ بالله من هذه المنزلة ، ونشهده أننا لا نرى لأنفسنا فضلا لو نبهنا على غلط من سبقنا من الصالحين ، ونسأله الإخلاص في القول والعمل ، والتقوى في السر والعلانية.
أخرج مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال : "من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه ؛ مات على شعبة من نفاق".

وهذا الخبر قد حمله ابن المبارك على زمن النبوة ، ودلالة عمومه أولى ، فإن الرجل لا يكون مؤمنا حتى يحب الله ، فإذا عُمِر قلبه بالمحبة أبغض أعداء المحبوب وسعى في هلاكهم ، فإن سلموا من يده لم يسلموا من تغيظ قلبه وتحرقه إلى ذلك.

فإن خلا عن بطش اليد وتمني القلب فقد شاب محبته بالكذب ، "وأصل النفاق الذي يبنى عليه النفاق = الكذب" كما قال الحسن البصري.

#النكت_من_السنن
تتفطر قلوب المؤمنين من مناظر إخوانهم في عدوان يهود ، وحق لها ، فليس بمؤمن من لم يألم لمصاب أهل الإيمان ، غير أن من شعب الإيمان الواجبة كذلك ، المؤكدةِ في مواضع الجهاد خاصة = ألا يهن المؤمن ولا يحزن ، فإن كل انقباضة ألم لك بها رفعة درجة وحط سيئة ، ويجد أضعافها عدو الله وعدوك ، ثم هي عليه حسرة وعاجل عذاب.

(ﻗﻞ ﻫﻞ ﺗﺮﺑﺼﻮﻥ ﺑﻨﺎ ﺇﻻ ﺇﺣﺪﻯ اﻟﺤﺴﻨﻴﻴﻦ ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺘﺮﺑﺺ ﺑﻜﻢ ﺃﻥ ﻳﺼﻴﺒﻜﻢ اﻟﻠﻪ ﺑﻌﺬاﺏ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻩ ﺃﻭ ﺑﺄﻳﺪﻳﻨﺎ ﻓﺘﺮﺑﺼﻮا ﺇﻧﺎ ﻣﻌﻜﻢ ﻣﺘﺮﺑﺼﻮﻥ)

والحسنى مؤنث الأحسن ، فانظر كيف سمى الله قتلنا أحسن ، وأمرنا أن نخبر العدو فنقول : ما تنتظر فينا إلا المصير الأحسن ، لا الحسن فحسب ، وما ننتظر فيك إلا الأسوأ ، عذاب من عند الله أو بأيدينا.

وكلما سعى الشيطان وأولياؤه في تحزين المؤمن وتخويفه استحضر :

- حقارة الدنيا وزوالها ، وأنها دار لا تثبت لأهلها ولا تدوم ، فكل مصاب فيها زائل ، وكل مربح فيها راحل ، فهل بقي من ضرب بلال ألم ؟! أم هل بقي من تسلط أمية بن خلف لذة ؟!

- خير العاقبة وحسنها ، فما يصنع عدو الله بقتل المؤمن إلا تعجيله إلى نعيم البرزخ ، وزفَّه إلى كرامة الشهداء ، وتطييبَ دمه بريح المسك.

- رضا الرب جل جلاله في عليائه إذ ينظر إلى عبده يباشر أسباب الموت في رضاه ، وقد كان له في السلامة منزل فسيح لو تلطخ بالنفاق والكفر.

- أنفة السابقين من المؤمنين ، وأنهم كانوا يحبون الموت كما يحبون الحياة ، وأنه سائر على طريقهم ، فلن يظفر عدوه منه باستكانة ، ولن يفرح منه بترجٍّ ولا ضعف.

وكل واحد من هذه المعاني يقوي نفس المؤمن ، ويعظم يقينه في حسن الموت ، فكيف إذا كان عدوه مع ذلك يتغيظ منه ولا يأمنه ، ويصيبه من الألم والرعب أكثر مما يصيبه ؟!
(ﻭﻛﺄﻳﻦ ﻣﻦ ﻧﺒﻲ ﻗﺎﺗﻞ ﻣﻌﻪ ﺭﺑﻴﻮﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﻓﻤﺎ ﻭﻫﻨﻮا ﻟﻤﺎ ﺃﺻﺎﺑﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﺎ ﺿﻌﻔﻮا ﻭﻣﺎ اﺳﺘﻜﺎﻧﻮا ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﺤﺐ اﻟﺼﺎﺑﺮﻳﻦ ، ﻭﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻗﻮﻟﻬﻢ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻗﺎﻟﻮا ﺭﺑﻨﺎ اﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﺫﻧﻮﺑﻨﺎ ﻭﺇﺳﺮاﻓﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﻭﺛﺒﺖ ﺃﻗﺪاﻣﻨﺎ ﻭاﻧﺼﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮﻡ اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ،
ﻓﺂﺗﺎﻫﻢ اﻟﻠﻪ ﺛﻮاﺏ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺣﺴﻦ ﺛﻮاﺏ اﻵﺧﺮﺓ ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﺤﺐ اﻟﻤﺤﺴﻨﻴﻦ)

كلنا نحب شفاء صدورنا بالنصر وإبادة أولئك النتنى ، عجله الله لنا وجعلنا من شهوده ، لكن محبوبنا سبحانه يحب أن تتنور قلوبنا بهذه المعاني من النور المنزل وتطمئن بها ، وتتلظى بغضا وعدواة لأعدائه إخوان القردة والخنازير ، وذاك الإيمان أحب إليه من كل نصر وغنيمة ، يحب الصابرين ويحب المحسنين ، ونحن عبيده نحب ما يحب ، نسلم له ونستعين به على بلوغ محبته.

ﺭﺑﻨﺎ اﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﺫﻧﻮﺑﻨﺎ ﻭﺇﺳﺮاﻓﻨﺎ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻧﺎ ، ﻭﺛﺒﺖ ﺃﻗﺪاﻣﻨﺎ ﻭاﻧﺼﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮﻡ اﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ، عذبهم بأيدينا وأخزهم وانصرنا عليهم ، واشف صدورنا منهم وأذهب غيظ قلوبنا ، وتب علينا ، وأفرغ علينا إيمانا بعلمك وحكمتك.
الصِّفْرُ أصدق إنباءً من الكتبِ ..
يغشاك منه أبو الآساد باللهبِ

هيهاتَ تغلبُ من يَصليك من فمِهِ ..
تكبيرَ ربٍّ أليمِ الأخذِ والغضبِ

كيف الظنونُ بمن للهِ قامَ وفي ..
أعطافِه آيُهُ نزَّاعةُ الرِّيَبِ

كيف استكانةُ من للموتِ عَدْوُه بـ(ـالـ ..
ياسينِ) مستوسِطًا للبُرْجِ واللبَبِ

تغشاك ناران ، نارُ الذِّكرِ في ثقةٍ ..
من المهيمنِ بالتخليعِ والرهَبِ

تفني تعلُّقَه بالخلق ، من خذلوا ..
إخوانَهم في أحقِّ الوُّدِّ والسببِ

وأختُها بعدها تأتيك تُسعِرُ بـ(ـالـ ..
ـمِرْكافِ) كلَّ وضيعِ الدينِ والنسبِ

هما المكارمُ لا لُبْسُ العَباءِ ولا ..
دعوى التسنُّنِ من ذي الحُمْقِ والكذبِ

وإنْ هما خَبَتَا بالقتلِ كان له ..
نِعْمَ المعجَّلُ، أهلًا ذِروةَ الرغَبِ

من غير خَذْءٍ وإنْ أرويتَ من دمهِ ..
بقاعَ غزَّةَ، أو تُغرِقْ بذي اللَّجَبِ

لا يُسلِمُ النفسَ حتى فَتِّه كَبِدًا ..
لـ (أيْزَنُوكْتَ) فأكرِمْ مَوردَ العطَبِ

في الله عاش ولله الممات وفي ..
يوم التخاصُمِ إذ يُجثى على الرُّكَبِ
(مالك يوم الدين)

الدين في هذا الموضع هو الجزاء ، وفي هذه الكلمة الشريفة التي أُمِر العبد بترديدها أنسٌ وعظة وسلوان لمن تأملها.

فإن العبد إذا تأملها بعد حال طاعة واستقامة ؛ استحضر أن صاحب الجزاء هو الملك رب العالمين ، فأنعِم بجزائه ، ونعمت الإحالة إن كانت عليه ، فلا أعظم من جزاء السيد كامل السؤدد عظيم العطاء ، ولا خير.

وإذا تأملها في حال تقصير وذنب ؛ حركت في نفسه دواعي الندم ، فأي خسارة له وويل يوم جزاء السيد الذي قهر العالمين وكانوا له عبيدا ؟! وأي خجلة تغشاه حين يذكره سيده بنعمه ويعاتبه على كفرانها ؟!

وإذا تأملها حال تسلط أعداء الله عليه ؛ تسلى بها عن حرقته ، وسكنت نفسه باستحضار يوم الجزاء ، حين يكون القضاء لربه وحده ، وحين ينصفه الحق سبحانه ممن غرته الحياة الدنيا.

فلك الحمد التام ربنا على كل حال ، أنت الرحمن الرحيم ، وأنت مالك يوم الدين.

#الفهم_المعطى
قال جابر بن غيث النحوي (ت : ٢٩٩ هـ ) :

"وفد أبو العلاء عباس بن ناصح الجزيري على الأمير الحكم بقرطبة في بعض أيام وفاداته إليه ، يقرؤون عليه كتب اللغة ويستكتبون منه أشعاره ، فمرت عليهم قصيدته الميمية التي أولها :

لعمرك ما البلوى بعار ولا العدمْ ..
إذا المرء لم يعدم تقى الله والكرمْ

حتى انتهى القارئ إلى قوله :

تجافَ عن الدنيا فما لمعجَّزٍ ..
ولا حازمٍ إلا الذي خُطَّ بالقلمْ

فقال له يحيى بن حكم الغزال وكان في الحلقة - وهو إذ ذاك حدث نظار متأدب ذكي القريحة - : أيها الشيخ وما الذي يصنع مفعَّل مع فاعل ؟

فقال له : وكيف كنت تقول أنت يا بني ؟

قال : كنت أقول :

تجاف عن الدنيا فليس لعاجزٍ ..
ولا حازمٍ إلا الذي خُطَّ بالقلمْ

فقال عباس : والله لقد طلبها عمك ليالي فما وجدها".

[المقتبس - السفر الثاني (ص : ٢٣٥)]

كان العباس بن ناصح كما قيل فحل شعراء الأندلس ، وفاته هذا النظر القريب من الملائمة بين اللفظين.

وفي هذا نكتة لطيفة ، وهي أن الرجل الكبير في العلم ربما خفي عليه الشيء القريب المأخذ الذي يدركه من دونه.

ومن عرف العلم حقا لم تنقبض نفسه من مثل هذا ، فلم ينقص به قدر الكبير عنده ، إذ عرف أن العلم متين لا يحيط به ابن آدم ، وحظه منه مهما عظم يدخله الفوت ، بخلاف علم الرب سبحانه المختص بالكمال.

#ملامح_من_منهج_العلم
قيام الرجل على أهله في حفظ الدين ورعايته ، لا سيما في مواسم الطاعات = من أعظم الحق لهم عليه.

ومن صوره المغفول عنها تخفيفُ المطالبة بأعمال البيوت التي تشغل الوقت في مواسم الطاعات ، والتحريضُ على التفرغ للعبادة والخلوة للذكر وترك الملهيات.

ومن المعدودين في الصالحين من يطلب رضا امرأته ببذل الخادم وكف الطلب ولطف القول ، ويرعى ألم الجسد وكدر النفس ، ثم تمر بها مواسم الطاعات وأوقات العذر التي ينقص فيها الدين فلا يحسن إليها بتذكير ولا دلالة ، بل ربما لم يدر بخاطره رعاية دينها قط.

ولئن كانت تلك رتبة فاضلة من حسن الخلق والعشرة بالمعروف ، فإن رتبة رعاية الدين والدلالة على الخير أشرف ، والإحسان بها أكبر ، والأجر فيها أعظم.

#أنظار_في_الفقه_ومآخذه
قال الإمام أحمد : "صاحب العيال إذا تسخط ولده بين يديه يطلب منه الشيء ؛ أين يلحق به المتعبد الأعزب ؟!"

فأين يلحق جائعُ الاختيار بجائع الاختيار والاضطرار ، والقائمُ في الأمن بالقائم في الخوف ، والمستنصتُ للأذان بمن يذهب عنه بأصوات المنايا ؟!

وحري بمن رأى هذا البعد العظيم أن يجتهد ليقارب ، وأن يملكه الحياء من ربه في ملاحظة التقصير مع عظيم المنة ، اغفر لنا ربنا ولإخواننا ، وأعنا على إحسان العمل ونيل القبول.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
2024/05/02 20:47:03
Back to Top
HTML Embed Code:


Fatal error: Uncaught Error: Call to undefined function pop() in /var/www/tgoop/chat.php:243 Stack trace: #0 /var/www/tgoop/route.php(43): include_once() #1 {main} thrown in /var/www/tgoop/chat.php on line 243