Telegram Web
من #المغالطات_المنطقية: الاحتكام إلى الشفقة
يستند المغالِط في هذه الحالة إلى استدرار عطف الآخرين لإثبات قضيته بدلا من اللجوء للحجة العقلية، ومع أن التعاطف مع المظلومين والمنكوبين ضروري أخلاقيا إلا أنه ليس حجة لإثبات أو تفنيد أي قضية.

مثال: “الضحية الفلانية تعرضت للقتل على يد أقاربها في جريمة شرف، إذن يجب التخلص من مفاهيم الشرف والعار”، فالمغالط لم يناقش القضية بكل أبعادها، ولم يذكر ما فعلته الضحية قبل أن تتعرض للقتل، بل اكتفى باعتبارها ضحية لتسليط الضوء على جانب واحد وهو مفهوم الشرف.

من مقال: "المغالطات المنطقية" من موسوعة السبيل:
http://bit.ly/Moghalata
من أحوال المسلمين اليوم
بات كثير من المسلمين اليوم لا يعلمون شيئاً عن القرآن الكريم سوى ما يمكن أن يُلقّنوه في صغرهم من بعض السور القصيرة جداً، ولا يقرأ معظمهم القرآن إلا في شهر رمضان الكريم -وهؤلاء في تناقص أيضًا- وبات من الطبيعي أن ترى كثيرًا من النسوة المسلمات يتنافسن مع غير المسلمات في اقتناء صرخات الموضة المتبرجة والمتعرية.

ليست المشكلة في وجود المعصية بحد ذاتها، فهي شأن البشري الناقص، إلا أ ن ما هو غير طبيعي، أن تتساوق المعصية وتصبح جزءا طبيعيا من منظومة حياتنا، ونشعر مع ذلك أننا مسلمون على طريق الحق، فأين إذن نور الطاعة؟

ستجد من يطفف في الميزان، ويصف نفسه بالمتدين، ومن يكذب ويقسم بأعظم أسماء الله حانثًا، وهو يعد نفسه مؤمنا بَرًّا، ولربما ترى المجتمع تلو المجتمع لا ترى فيه من يأمر بمعروف وينهى عن منكر، فالناس يرفضون ذلك ويدفعون أهله للابتعاد عنهم والصمت. فوصل بنا وبهم الحال إلى عدم إنكار المنكر حتى بأضعف الإيمان وهو القلب، حيث جُبلت القلوب على الاعتياد على الفظائع والآثام التي تغضب الله تعالى بحجة “دعوا الخلق للخالق” و”لكم دينكم ولي دين” وعبارات مثل: “من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه”.

تخيّل عزيزي القارئ أن صحابة رسول الله والتابعين والعلماء الصالحين اتبعوا هذا الأسلوب مع ما يقابلهم من أفعال تُغضب الله تعالى، هل كانت الفتوحات التي عرفناها ستتحقق؟ هل كان الدين الإسلامي سينتشر بهذا الشكل الذي أوصله إلى القاصي والداني، تخيّل أن ديننا الحنيف بقي حبيس جزيرة العرب، فإلى أي دين أو معتقد سيكون انتماؤك؟

لنعد إلى إبليس وخطته لإفساد البشرية جمعاء، اجلس وفكر قليلاً ما هي الكبائر والذنوب والمعاصي التي نهانا الله تعالى عنها؟ ستجدها كثيرة جداً، ولكن أعظمها هو الشرك بالله تعالى.

ستقول إنك مسلم وتؤمن بإله واحد وهو الله جلّ وعلا، ولكني هنا سأعرض عليك بعضًا من الأمور التي يمارسها كثيرٌ من المسلمين وتجعلهم مشركين بالله تعالى -دون شعور- كلجوئهم للسحر والشعوذة والتنجيم وزيارة الكهّان وتعليق التمائم ذات الطلاسم، ألا تعتبر هذه المداخل من أبواب الشيطان التي يدخل منها حتى يضللنا ويبعدنا عن أصل الدين.

الآن يمكنك أن تضيف إلى هذه المعاصي الغيبة والنميمة وترك الحجاب والكذب بعضها، وربما يتطور الأمر مع استحلال ما حرمه الله كالمخدرات والخمور وغير ذلك، هذا مما يرضي الله أو يمكن أن نعدّه طريقًا في الحق؟

https://bit.ly/44XqSXn
قواعد في فقه العلاقات:
١. أساس العلاقة المسؤولية.
٢. وجمالها في البساطة.
٣. واستدامتها في التغافل. .
٤. وسموها بالرحمة.
٥. وصحتها بوضوح الحدود.
٦. ومرضها بكثرة النقد.
٧. وخرابها بالأنانية والفردية .
٨. وحل مشكلاتها بالطيبة .
٩ . وموتها بقتل خصوصيتها.
١٠ وقوتها باتباع أمر ربنا فيها.

عمار سليمان
تكسير الثبات وزعزعة التوبة

تعهّد إبليس بكل استكبارٍ بتحقيق وعده الذي وجّهه لله تعالى مع سبق الإصرار والترصّد، ومن ثمّ فإنّه ليس ذاك العدوّ الذي تثنيه الخسارة أو تتعبه الانتكاسة، أنسيتَ وعده حين قال: {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16].

إنَّ توبة أحدنا لا توقف إبليس، بل تزيده غيظاً وحقداً، وتزيدُ من همته في ردّنا على أعقابنا، فتجده يحيط بك من كل جانب، ويحاول الظهور من كل ثغرةٍ وباب، يريد سحبك لعهدك السابق، وذنبك الذي هجرت، فإذ به يكفّ عن تزيين الذنب مستبدلاً ذلك بتشويه هجرانه، بإيقاع العيوب والخطوب في توبتك، ويزيّن ذلك كلّه بهيئة ملائكيّةٍ جداً، على شكل وخزات ضميرٍ تُريك ذنبك من زاوية أخرى لا تتعرض للذّته وشهوتك إليه، فقد بات الوقت متأخراً الآن على هذه الحيل إن كانت التوبة صادقةً حقيقيّة!

إلا أنّ باب الضمير هذا يبدو مقنعاً أكثر فيجعلك تبدأ بالتساؤل، ما حال رفقة السوء الآن، ألن يؤثر فيهم هجراني المفاجئ لهم؟ ماذا عن تلك الفتاة ألن يَكسِر قلبها إغلاقي لمنافذ الحديث معها؟ ألم أكن شريكاً في الذنب؟ ..إلخ.

سيندفع إبليس ليجعلك تنسى عواقب الاستمرار في الذنب، وسيعظّم صعوبة تركه في نظرك بشتّى الطرق، وسيستطيع تبرير عودتك للذنب أو استمرارك مراراً وتكراراً…

سيسوّغ إبليس السرقة بحالك المعدم، وسيهوّن نهب المال العام بفساد الحكومات، ولا ننسى تلك الحيلة التي تجدي نفعاً مع كلِّ الذنوب؛ “انظر كيف يفعل الجميع ذلك”، وكأنه ينسى أنّ الله في عليائه يقول: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103].

من مقال: "هل يرتدي إبليس قرنيه دائماً؟" بقلم إسلام الجراح
https://bit.ly/3hHzjxO
#من_الأرشيف
ثورة العقل الأوربي

بدأت ثقة الناس تتزعزع في الكنيسة عندما وجه الفيلسوف الإيطالي مكيافلي 1469– 1527م انتقادات فاضحة إلى رجالها الذين يحيون حياة الرذيلة في حين يدعون الناس إلى الزهد والتقشف، ثم تفاقمت نزعة التمرد على يد فريدريك نيتشه 1844– 1900م الفيلسوف الألماني اليهودي الذي نادى بالقضاء على الملايين من الضعفاء والفقراء لأنه يؤمن بالبطل وبالإنسان الأعلى الذي يجب أن يستعيض بالقوة عن الأخلاق، مستبطنا عقيدة الشعب اليهودي المختار.

تزامنت المبادئ المكيافلية مع ثورة القس مارتن لوثر 1483– 1546م في ألمانيا عام 1518م داخل الكنيسة للإصلاح الديني، فقد جعل لوثر الفرد حراً في قراءة الكتاب المقدس وحراً في تفسيره، وألغى وساطة الكهنـة والأسرار المقدسة التي تحتفظ بها الكنيسة، وجعل الصلة مباشرة بين الله والإنسان الفرد، فتأسس على يديه مذهب البروتستانتية.

ورحبت الطبقة المتوسطة بالبروتستانتية لأنها رأت فيها منفذاً يتيح لها ممارسة الحياة بحرية، وأصبح الكثيرون لا يذكرون الدين إلا يوم الأحد وينهمكون بقية الأسبوع في الحياة الدنيوية.

في هذه المرحلة كان الفلكي كوبرنيكوس 1473– 1543م متردداً في طرح نظريته الجديدة لأنها تهدم نظام الفلك الأرسطي الذي تتبناه الكنيسة، فبدلاً من النظرة التي كانت تعتبر الأرض مهد المسيح وقلب الكون جعلت النظرة الجديدة الشمس مركزاً والأرض مجرد كوكب يدور حولها، فرفض زعيما البروتستانتية مارتن لوثر وكالفن 1509– 1564م هذه النظرية.

تبنى الإيطالي جيوردانو برونو 1548– 1600م نظرية الفلك الكوبرنيكي ووضع نظريته في “الكون اللامتناهي”، وقال إن الإله هو روح الكون، وإن الإله والطبيعة الجوهرية شيء واحد، وهذه فلسفة قديمة تسمى “وحدة الوجود” تؤمن بأن الإله يتحد مع الكون، فحكمت عليه الكنيسة بالإعدام حرقا، ويعتبره أتباع الجمعيات السرية اليوم (المتنورون أو الإلوميناتي) من رموزهم و”شهدائهم”.

ثم خرج جوليو سيزار فانيني 1585– 1619م بهرطقاته الإلحادية ونفى وجود الإله لكي لا ينسب إليه الشر، فقُبض عليه وأعدم حرقاً في مدينة تولوز بفرنسا. وفي أسكتلندا أنكر جون الأسكتلندي التثليث وألوهية المسيح، وقيل له ذات يوم ألا تذهب إلى الكنيسة؟ فقال ليذهب الإله إلى حبل المشنقة، فذهب هو إلى حبل المشنقة.

وقد قدّر سكرتير التفتيش في إسبانيا لورنتي عدد الضحايا الذين تم إحراقهم بحكم الكنيسة ما بين عامي 1790 و1792م بنحو ثلاثين ألف شخص، مما زاد من كراهية الناس للكنيسة وللأديان جميعا.

مقال: "العلمانية" من موسوعة السبيل
http://bit.ly/almaneya
من أحدث #إصدارات_السبيل كتاب #خارطة_الطوائف
لتحميل الكتاب بصيغة PDF
https://bit.ly/KharetatAltawaef

لشراء نسخة ورقية من الكتاب ... مؤسسة قَطْر النَّدى للثَّقافة والإعلام والنَّشر
https://www.facebook.com/qatrunnada.ma
في مثل هذه المواقف تخجل الأنفس الشريفة، وتتحرك القلوب الحية، وتنتفض الأرواح العزيزة؛ فيقرر أصحابها هجر التفاهة وترك السفاسف، ويخلعون لباس الوهن، ويقصدون المعالي، ويصطفّون مع العاملين، ويتعهدون بالالتزام، ويعلنون الرفض بالعمل، ويُعبِّرون عن الحزن بالسعي، ويظهرون البراءة باستفراغ الوسع.

هذا ما يجعل الشُّحنة دافعة، والانفعال عاملا، أمّا البكاء الموقوت بأزمنة النكبات، والتألُّم المحدود بفترات الجراحات، وكل ما لا ينبني عليه قرار صارم، ولا يعقبه توجه حازم، ولا يغيّر طبعا وسلوكا ومنهج حياة؛ فتنفيس لا يعوَّل عليه؛ فكن ذا نفس شريفة وروح عزيزة وقلب حي وانهض وانفض عن نفسك غبار البطالة واسند أمتك الجريحة بالوقوف عِزا للإيمان معتَزا به.

حسام الدين بن السنوسي
Forwarded from بَلسَم - لِمن ألقى السمع (هِبة نجاعي)
الأصل في كل مايحصل في العالم من أحداثٍ وماجريات: التغيّر والتبدل. ويبقى الثابت الوحيد: وعدُ الله سبحانه ومشيئته وِفق سننه.

ولا يواجه زوبعة المتغيرات الشديدة في هذا الزمن إلا إنسان تمسّك بالثابت الأوحد، وعلم أنه لا مناص من أوبةٍ إلى كلام الله ملاذا وملجأ وتبصرا وعملا.
عودة جماعية وفرديّة إلى التمسيك بكلام رب العزة، بوّابة الأمل الكبرى، والدرع الأمتن في وجه عواصف الأزمات.. حيث يقول فيه القوي المتين جل جلاله:

{والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون}

لا عجب أن نحتها أهل الأندلس في صخور بيوتهم وقصورهم: لا غالب إلا الله!
العلمانية السياسية

كنتيجة لشيوع العلمانية (الدنيوية) في الحياة والفكر والعلم، وبدء التحول الاقتصادي نحو الرأسمالية، وتزايد أتباع المذهب البروتستانتي الجديد، أصبح الطريق ممهدا أمام فصل الدين عن السياسة أيضا، وساعد على ذلك تبني بعض الملوك والنبلاء للعقيدة البروتستانتية الجديدة التي سمحت لهم بالتمرد على الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، حيث ظل بابا الفاتيكان لقرون الجهة الوحيدة التي تمنح الشرعية لملوك أوربا.

استُخدم مصطلح #العلمانية “سكيولاريزم” secularism بالإنجليزية لأول مرة سنة 1648م عند توقيع صلح وستفاليا الذي يعد موعد ظهور #الدولة_القومية_الحديثة، وكان معنى المصطلح في البداية محدود الدلالة، مثل الإشارة إلى علمنة ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطة الدولة التي لا تخضع لسلطة الكنيسة.

تضمن #صلح_وستفاليا معاهدتي سلام لإنهاء حرب الثلاثين عاماً داخل الإمبراطورية الرومانية المقدسة (ألمانيا وجوارها اليوم) وحرب الثمانين عاماً بين إسبانيا ومملكة هولندا. ورفض ممثل البابا أن يوقع على الصلح لكن أوروبا تجاهلت هذا الاحتجاج ونجحت للمرة الأولى في الحد من سلطة الفاتيكان.

تخلت الكنيسة الكاثوليكية بموجب هذا الصلح عن قرار إعادة أملاك الكنيسة، وصار من حق الأمراء تقرير عقيدة رعاياهم، وتم الاعتراف رسمياً بكنيسة الإصلاح أو الكنيسة الكالفنية (بروتستانتية)، وتم الفصل تدريجيا بين الدين والدولة، حيث أصبحت السلطة قائمة على المصالح الدنيوية وليس على الشرعية الممنوحة من رجال الكهنوت، كما أصبحت الشعوب مرتبطة فيما بينها برابط #الهوية_القومية (العـiـصـJية) وليس على الأخوة بين أتباع الدين الواحد.

تدريجيا أصبحت العلمانية هي المنهج الوحيد المتبع في أنظمة الحكم بالدول الغربية مع اختلافات طفيفة في التطبيق، ثم انتشرت العلمانية في معظم دول العالم، وترتبط العلمانية سياسيا بالديمقراطية من حيث المبدأ، مع أن الكثير من الأنظمة العلمانية تمارس أقصى درجات الاستبداد، وتعتبر #الثورة_الفرنسية (1789م) نقطة بدء التطبيق العملي للعلمانية السياسية.

يعتمد نظام الحكم العلماني على إقصاء الدين عن السلطة، ويقابله النظام الثيوقراطي الذي تتربع على قمته طبقة الكهنوت، ويرى المفكرون الإسلاميون أن #الحكم_الإسلامي ليس ثيوقراطيا لعدم وجود مؤسسة دينية كهنوتية في الإسلام، فعلماء الشريعة يتلقون العلم ويقدمون اجتهاداتهم دون طبقية، والحاكم المسلم ينفذ قوانين الشريعة ويحمي “بيضة #الإسلام” دون امتلاك حق (تفويض) إلهي ولا شرعية مطلقة، بل هو مطالب بالالتزام بالشرع كما يُلزم به بقية الشعب دون امتياز.

وتمثل مرحلة #الخلافة_الراشدة النموذج التطبيقي لهذه المبادئ، ومع أن المراحل التالية شهدت تراجعا كبيرا في التطبيق، لا سيما مع ظهور طوائف وفرق أخرى مثل الإسماعيلية التي أنشئت على أسسها الدولة الفاطمية وإمارات القرامطة والحشاشين، إلا أن الإسلام ظل عصيا على التحول إلى أيديولوجيا كهنوتية مؤسسية، لأن القرآن ظل محفوظا عن التحريف والتشويه، ولأن سنة النبي وخلفائه في الحكم الراشد لا يمكن طمسها، فكل مخالفة لمبدأ توحيد الله وحده ولتحرير البشر من تقديس الملوك والكهنة هي تجاوزات سياسي سلطوية تتعارض جوهريا مع عقيدة الإسلام وشريعته وليست محسوبة على الإسلام نفسه. [انظر كتاب الإسلام ليس أيديولوجيا، د.هاني نصري، دار الفكر].

أما الحكم الثيوقراطي المسيحي، الذي قامت على أنقاضه العلمانية، فكان يستند إلى فكرة مفادها أن البابا هو الممثل المعصوم للمسيح وأنه مؤيَّد بالروح القدس، لذا فهو يمثل سلطة الإله على الأرض ويحق له وحده منح الشرعية للملوك والأمراء كي يحكموا الشعوب.

في الصورة: أصبحت المقصلة رمزا للثورة الفرنسية لكثرة استخدامها في عمليات الإعدام لكل من كان يُعتبر عدوا للثورة والعلمانية

المزيد في مقال "العلمانية" من #موسوعة_السبيل:
http://bit.ly/almaneya
كيف يسمح الله بكل هذه الشرور؟!

من الظواهر التي شاعتْ في هذه الأزمة الأخيرة؛ أنَّ بعضًا من المثقفين والعوام رفعوا شعار “ننتظر ردَّك يا الله”. وأنَّ كثيرًا أبدوا الاعتراض الشهير “كيف يسمح الله بكل هذه الشرور؟”، ومتى تماشينا مع هذه المقولة سنصل إلى الكفر الصريح: “كيف يكون الله موجودًا مع هذه الشرور؟”.

أما عن الشعار “ننتظر ردَّك يا الله” فقد يكون نتاج قلة الحيلة، وضعف الوسيلة من أناس ليس بيدهم شيء، لكنْ يجب أن نذكِّر أنفسنا بأمور سأوردها في آخر هذه الفقرة عن هذا الشعار. أما عن السؤال “كيف يسمح الله بكل هذه الشرور؟” فالأصل هنا أن نحرر فهم الدنيا في التصور الإسلامي؛ لنبين سوء هذا التصور.

وفي هذه المسألة خلط ضخم، ومغالطة شنيعة؛ فإن أصحابها السائلين ينسون أن الله هو مَن أرسل لهم هذا الظلم، اختبارًا وابتلاءً، ويغفلون ألَّا شيء في كون الله يقع دون إرادة الله ومشيئته. بل كأنَّهم في سؤالهم قد تصوَّروا لعبةً تسمى الدنيا، وضمُّوا الله إلى معسكر فيها، وكأن المعسكر الآخر (الشر) قد أتى وقام واقتدر أهلُهُ عليه دون علم أو إرادة من الله المُبدئ والمُعيد. وفي هذا من التقزيم لمقام الألوهية -والعياذ بالله- مما تصنعه حماقة الإنسان، وضغط اللحظة الراهنة عليه.

فالله هو خالق كل شيء، ومريد كل شيء، لا يحدث إلا ما أراد، ولا يقع إلا ما يشاء. ووقوع الضر على المؤمنين في حيز الدنيا؛ ليس إلا من مُجريات الاختبار الذي أخبرتنا العقيدة الإسلامية به، مثله مثل وقوع الخير وإسغاب النِّعَم على الإنسان. ولعل كامل هذا المعنى في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]. بل شدَّد القرآنُ التذكيرَ بالابتلاء بالمصائب والبلايا والفاجعات: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 155، 156]. وقال تعالى مُبينًا عن موقف مشابه لما نحن فيه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42].

وهكذا نرى التصوُّر العَقَدِيَّ للبلايا والمحن في الإسلام واضحًا. فما الحياة الدنيا إلا اختبار، يبتلي الله فيها عباده جميعًا. وأقصد بعباده هنا العبودية القهرية لا الاختيارية، أيْ كل الناس، لا العباد المؤمنين وحسب. يُقلِّب عليهم أحوالَ الخير وأحوالَ الشر؛ أيامَ الرخاء وأيامَ الشدة؛ سنواتِ الازدهار، وسنواتِ الجدب. وكلُّ شخص في هذه الدنيا على تعاقب الأحوال بين الشدة والرخاء؛ مطلوب منه الإيمان بالله والعمل الصالح، اللذيْنِ جاءا مُقترنَيْنِ في آيات متكاثرة، منها إخباره -تعالى- عن يوم القيامة: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التغابن: 9].

ولم يسمح أصحاب هذا السؤال لعقلهم بامتداد التساؤل: ولِمَ لمْ يساعد الله النبي -وهو المُرسَل منه- وهو مضطهد داخل مكة، مُحاصَر بين أعداء له؟! ولِمَ ترك المؤمنين للمُشركين يفتنونهم قبل الهجرة؟ حتى قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 110]؟ بل لِمَ لمْ يجعل الله الناس تصدِّق النبي وكلَّ نبي منذ بعثه {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام: 34]؟..

وكلُّ “لِمَ” تجرُّ لِمَ حتى النهاية؛ لأنه مبدأ مُغالِط. فالله لم يجعل الأرض جنةً، بل وعد مَن يؤمن ويعمل صالحًا بالجنة؛ والله لم يجعل مُجريات الدنيا آخر المطاف، بل أوَّلَه وعليها يُحاسب كلُّ امرئ. بل أبدى القرآن لومًا وتقريعًا لمَن سوَّى بين اختبار الله له وابتلائه إيَّاه وعذابات الدنيا {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10].
وقد ردَّ القرآن على هذا التصور الطفولي الخاطئ مراتٍ؛ منها قوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13]. بل ردَّ عليه بإجمال الحكمة منها {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام: 35]. ولا أريد الإطالة، ولسنا في مدوَّنة عقديَّة؛ لكنْ بقي أن أقول (وهو ما يتعلق بأصحاب الشعار الأول): إن رؤية الإسلام للدنيا عامة شاملة، أراد الله بها خلافة الإنسان ليُقيم أمانته على الأرض. وكلُّ امرئ مُطالَب بالإيمان، وكلُّ امرئ مُطالَب بالعمل الصالح. فأمَّا مَن استُشهِدَ دون ماله أو عرضه أو أرضه على دين الله؛ فما أرى إلا أنه أحسن غاية الإحسان حتى مماته، وأنها أفضل ميتة أكرم الله بها أهلها. لكنَّ الإشكال في كلٍّ منا؛ فكلٌّ منا ما زال يحيا ويُختَبَر في هذا الموقف العصيب الذي نشهده، وليحرص كلٌّ منا على أن يُخلِص لجماعة المؤمنين، ويهتمّ بهم غاية الاهتمام، وأن يقدم لهم أقصى ما يستطيع وما يكون في مقدوره.

ولنستمع -جميعًا- إلى وصية الرجل الصالح الذي آمن من قوم فرعون، وهو يُلخّص المشهد الكلي: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 38- 40].

من مقال: "جوابات فكرية وعقدية حول الأحداث الجارية" بقلم عبد المنعم أديب
https://bit.ly/3ukIjmB

#من_الأرشيف
من كتاب: "المقاطعة الاقتصادية.. سلاح الشعوب" للكاتب: عرابي عبد الحي عرابي
للتحميل:
https://bit.ly/Moqata3a
إياك أن يتسلل إلى قلبك أن الله غافل عما يعمل الظالمون ..
الجبار سبحانه له الحكمة البالغة ، ونحن البشر لا نقدر على شيء من أمرنا دون عونه ومدده ..
فاستمطر المدد منه سبحانه، وأكثر من الدعاء بهلاك المجرمين ...

عبدالله الشهري (بتصرف)
Forwarded from شريف محمد جابر (شريف محمد جابر)
من واجبات المرحلة: بناء الوعي السياسي إلى جانب الوعي الفكري والشرعي والتربوي؛ فقد غدت ثقافتنا في كثير من مصادر تلقيها شبه خالية من دسم السياسة ودراسة الشأن العام. نحتاج إلى جانب الدعاة والتربويين والمنظّرين الفكريين إلى رجال دولة، يعرفون خطورة الدولة وكيف تعمل ويسعون إلى إعادتها للأمة، فهذه "الدولة" هي التي تحول بين الأمّة وبين إقامة دينها واستعادة حقوقها وحفظ دمائها وأموالها وأعراضها.
2024/05/28 08:18:53
Back to Top
HTML Embed Code:


Fatal error: Uncaught Error: Call to undefined function pop() in /var/www/tgoop/chat.php:243 Stack trace: #0 /var/www/tgoop/route.php(43): include_once() #1 {main} thrown in /var/www/tgoop/chat.php on line 243