«الحُبّ الحقيقي هو أن تغيب عنك رغبة النظر إلى هاتفك حين يكون من تُحبّ إلى جوارك!».
Alain de Botton
Alain de Botton
«على العالِم أن يحسن تنظيم الحقائق؛ فالعلم يُبنى بها كما تُبنى البيوت بالحجارة، أما تكديس الحقائق فلا يصنع علمًا، كما أن تكديس الحجارة لا يصنع بيتًا!».
Henri Poincaré,1902
Henri Poincaré,1902
«إن من الآراء الغريبة الشائعة أن الكتب القديمة في كل علم لا ينبغي أن تُقرأ إلا على أيدي المختصين، وأن الهاوي ينبغي له أن يقنع بالكتب الحديثة وحدها. وقد وجدتُ، حين كنت معلمًا للأدب الإنكليزي، أن الطالب العادي إذا أراد أن يستجلي شيئًا من أمر الأفلاطونية مثلًا، كان أبعد ما يكون عن أن يتناول ترجمة لأفلاطون من رفّ المكتبة ويقرأ محاورة “المأدبة”، بل يؤثر أن يطالع كتابًا حديثًا مملًا، أطول منه بعشرة أضعاف، غاصًّا بالكلام عن المذاهب والتأثيرات، لا يذكر فيه قول أفلاطون إلا مرة في كل اثنتي عشرة صفحة. ومبعث هذا الخطأ تواضع محمود، وتهيّب من لقاء كبار الفلاسفة كفاحًا، لأن الطالب يرى نفسه قاصرًا عن إدراك معانيه، غير أنه لو علم، لعرف أن العظيم، لما فيه من عظمة، أوضح وأجلى من شارحيه المحدَثين. وإن الطالب البسيط ليقدر أن يدرك كثيرًا -إن لم يكن جلّ- ما قاله أفلاطون، بينما يعسر على أكثر الناس أن يفقهوا بعض ما يُكتب في الأفلاطونية في هذا العصر. ولذلك كان من أهم مساعيَّ في التعليم أن أقنع الشباب بأن المعرفة المباشرة أولى بالتحصيل من المعرفة الوسيطة، بل إنها أسهل تناولًا، وأمتع في التحصيل غالبًا.
… وإن كان لا بد للقارئ العادي أن يقتصر على الجديد أو القديم، فإن نصيحتي أن يقرأ القديم. وأقول هذا على وجه الخصوص لأنه هاوٍ، فهو أقل حصانة من المختصّ ضد مخاطر الاكتفاء بما هو معاصر، فإن الكتاب الجديد لا يزال في طور الامتحان، والهاوي لا قِبَل له بالحكم عليه. فلا بد من وزنه بمقياس ما تراكم من الفكر … عبر العصور، ولا بد أن تُكشف كل معانيه الخفية، ولا يستقيم فهمه في الغالب إلا بعد الإحاطة بعدد من الكتب الحديثة الأخرى. وأشبّه ذلك بمن يلتحق بمجلس بعد انعقاده بزمن، فتراه لا يفطن لموضع الضحك أو الغضب، لأنه لم يشهد المقدمات التي مهّدت لها. وهكذا شأن كثير من عبارات الكتب الجديدة، تراها عادية لا تثير الشك، وهي في حقيقتها ردّ على قولٍ سابق، أو تمهيد لرأي مغلوط، ولو علمت سياقها لسارعت إلى إنكارها…
ومن الوصايا الحسنة أن لا تنتقل من كتاب حديث إلى آخر مثله حتى تجعل بينهما كتابًا قديمًا، فإن أعياك ذلك، فاجعل مع كل ثلاثة كتب جديدة كتابًا قديمًا».
C. S. Lewis
… وإن كان لا بد للقارئ العادي أن يقتصر على الجديد أو القديم، فإن نصيحتي أن يقرأ القديم. وأقول هذا على وجه الخصوص لأنه هاوٍ، فهو أقل حصانة من المختصّ ضد مخاطر الاكتفاء بما هو معاصر، فإن الكتاب الجديد لا يزال في طور الامتحان، والهاوي لا قِبَل له بالحكم عليه. فلا بد من وزنه بمقياس ما تراكم من الفكر … عبر العصور، ولا بد أن تُكشف كل معانيه الخفية، ولا يستقيم فهمه في الغالب إلا بعد الإحاطة بعدد من الكتب الحديثة الأخرى. وأشبّه ذلك بمن يلتحق بمجلس بعد انعقاده بزمن، فتراه لا يفطن لموضع الضحك أو الغضب، لأنه لم يشهد المقدمات التي مهّدت لها. وهكذا شأن كثير من عبارات الكتب الجديدة، تراها عادية لا تثير الشك، وهي في حقيقتها ردّ على قولٍ سابق، أو تمهيد لرأي مغلوط، ولو علمت سياقها لسارعت إلى إنكارها…
ومن الوصايا الحسنة أن لا تنتقل من كتاب حديث إلى آخر مثله حتى تجعل بينهما كتابًا قديمًا، فإن أعياك ذلك، فاجعل مع كل ثلاثة كتب جديدة كتابًا قديمًا».
C. S. Lewis
«لماذا تواصل إسرائيل ضخّ استثمارات طائلة في دعم لوبيين رئيسيين -أحدهما يهودي والآخر مسيحي- على جانبي الأطلسي؟ ولماذا لا تزال الدولة اليهودية تلهث وراء الاعتراف بشرعيتها في الغرب؟ أو بعبارة أخرى: لماذا ترى النخب الإسرائيلية أن شرعية دولتهم ما زالت موضع شك في بريطانيا والولايات المتحدة، رغم صفقات التسليح، والدعم المالي، والمساندة الدبلوماسية المطلقة؟
أقدّم هنا فرضية تأسيسية، وثلاثة افتراضات تحليلية؛ أما الفرضية التأسيسية، فهي أن مفتاح هذا اللغز يقع فيما هو كامن في الوعي الإنساني؛ فقد كان قادة المشروع الصهيوني -ومن بعدهم الدولة الإسرائيلية- يدركون جوْر هذا المشروع، أو على الأقل جوانبه غير الأخلاقية، مع ما بدا أنه «حل نبيل» لمعاناة اليهود من معاداة السامية في أوروبا…
أما الفرضية الأولى التي أطرحها فهي أن اللوبي الإسرائيلي كان، منذ بدايته، تعبيرًا عن هوس صهيوني بإثبات تفوّق أخلاقي أو على الأقل خصوصية أخلاقية. لقد كان هذا الهوس مشوبًا بالتناقض، إذ كان لزامًا على قادة الصهيونية -ولاحقًا على الدولة- أن يقنعوا أنفسهم أولًا بأن المشروع الصهيوني في فلسطين يمثّل حالة استثنائية، لا تُشبه أي مشروع استعماري آخر، بل إنها تُجسّد غاية أخلاقية سامية. وكان عليهم أن يتمسكوا بهذه القناعة، رغم إدراك بعضهم للأسس الأخلاقية المشكوك في شرعيتها التي قام عليها المشروع.
أما الفرضية الثانية، فتذهب إلى أن الحركة الصهيونية منذ وقت مبكر وبسبب يعتريها من شكوك ذاتية؛ تخلّت عن السجال الأخلاقي وعن الانفتاح على المجتمعات والرأي العام، وركّزت جهودها على استمالة النخب السياسية والاقتصادية. وهو مسار تطلب موارد مالية، وشبكات علاقات، وآليات دعائية فعّالة. وعندما تبنّت الدولة الإسرائيلية هذه الاستراتيجية وطوّرتها، أصبحت جماعات الضغط المؤيدة لها من أنجح اللوبيات في التاريخ الحديث في الولايات المتحدة وبريطانيا.
أما الفرضية الثالثة، فهي أن النفوذ السياسي الكبير الذي حصدته جماعات الصغط الصهيونية، في سياق سعيها لاستقطاب النخب، منحها قوة مؤسسية جعلت منها كيانات قائمة بذاتها، لها مصالحها الخاصة، وفي بعض الأحيان، كانت هذه الجماعات، تتصرف أساسًا من أجل الحفاظ على نفوذها، وليس دفاعًا عن القضية الإسرائيلية بالضرورة».
Ilan Pappé, Lobbying for Zionism on Both Sides of the Atlantic (London: Oneworld Publications, 2024).
أقدّم هنا فرضية تأسيسية، وثلاثة افتراضات تحليلية؛ أما الفرضية التأسيسية، فهي أن مفتاح هذا اللغز يقع فيما هو كامن في الوعي الإنساني؛ فقد كان قادة المشروع الصهيوني -ومن بعدهم الدولة الإسرائيلية- يدركون جوْر هذا المشروع، أو على الأقل جوانبه غير الأخلاقية، مع ما بدا أنه «حل نبيل» لمعاناة اليهود من معاداة السامية في أوروبا…
أما الفرضية الأولى التي أطرحها فهي أن اللوبي الإسرائيلي كان، منذ بدايته، تعبيرًا عن هوس صهيوني بإثبات تفوّق أخلاقي أو على الأقل خصوصية أخلاقية. لقد كان هذا الهوس مشوبًا بالتناقض، إذ كان لزامًا على قادة الصهيونية -ولاحقًا على الدولة- أن يقنعوا أنفسهم أولًا بأن المشروع الصهيوني في فلسطين يمثّل حالة استثنائية، لا تُشبه أي مشروع استعماري آخر، بل إنها تُجسّد غاية أخلاقية سامية. وكان عليهم أن يتمسكوا بهذه القناعة، رغم إدراك بعضهم للأسس الأخلاقية المشكوك في شرعيتها التي قام عليها المشروع.
أما الفرضية الثانية، فتذهب إلى أن الحركة الصهيونية منذ وقت مبكر وبسبب يعتريها من شكوك ذاتية؛ تخلّت عن السجال الأخلاقي وعن الانفتاح على المجتمعات والرأي العام، وركّزت جهودها على استمالة النخب السياسية والاقتصادية. وهو مسار تطلب موارد مالية، وشبكات علاقات، وآليات دعائية فعّالة. وعندما تبنّت الدولة الإسرائيلية هذه الاستراتيجية وطوّرتها، أصبحت جماعات الضغط المؤيدة لها من أنجح اللوبيات في التاريخ الحديث في الولايات المتحدة وبريطانيا.
أما الفرضية الثالثة، فهي أن النفوذ السياسي الكبير الذي حصدته جماعات الصغط الصهيونية، في سياق سعيها لاستقطاب النخب، منحها قوة مؤسسية جعلت منها كيانات قائمة بذاتها، لها مصالحها الخاصة، وفي بعض الأحيان، كانت هذه الجماعات، تتصرف أساسًا من أجل الحفاظ على نفوذها، وليس دفاعًا عن القضية الإسرائيلية بالضرورة».
Ilan Pappé, Lobbying for Zionism on Both Sides of the Atlantic (London: Oneworld Publications, 2024).
«إن المعرفة جزيرة في بحر من الجهل، وكلما اتَّسَعَت الجزيرة؛ اتَّسَعَت معها سواحل الجهل!».
نجيب الحصادي
نجيب الحصادي
«إن حسّ الدُّعابةِ، ولا سيّما قدرة المرء على تقبّل عاداته وتصرفاته الغريبة بروح مرحة؛ طالما اعتُبر عنصرًا أساسيًا في الصحة النفسية. وغَالِبًا ما يَكونُ ظهور الدُّعابةِ لدى مَريضٍ كانَ قَبلَ ذَلِكَ عَابِسًا أو مغتمًّا؛ أَوَّلَ مؤشر على حُدوثِ تَغْيّرٍ داخِلِيٍّ جَوْهَرِيّ».
Dr. Nancy McWilliams
Dr. Nancy McWilliams
الإنسان ضعيف. يصعب عليه أن يتجاوز منظوره المحدود جدًا عن العالم. إذا دهمه الفرح تغيّر كل شيء في نظره. تصبح الحياة جميلة فجأة، كل شيء فيها يبرق، والألوان من حوله تزداد تألقًا، الشمس تصبح ودودة، والقمر يطلّ بحنان أخّاذ. تجتاحه عاطفة جياشة تجاه البشر، ويكاد يحتضن كل من يمرّ بطريقه. وإذا حزن اسوّد كل شيء في عينيه، وصار كأنه يتنفس من رأس إبرة، وينسى كل مبرر للضحك، ويحنّ للعدم الأول، ويشعر أن التعاسة هي طبيعة الأشياء. أما إذا كان المرء -وقاك الله- مبتلى بتقلّب المزاج، فإنه يعيش كل هذا الصخب الوجداني في اليوم الواحد، بل ربما في الساعة الواحدة.
ماذا إذًا؟ يمكن للإنسان أن يطوّر إدراكه بدوام تأمل المنظورات الآتية:
- منظور الحجم: هذا الشعور الكلي المهيمن يرافقه تضخم في رؤية الذات، الإنسان حينها ينسى أنه لا يشغل حيزًا ذا بال في أي سياق، فبالنسبة للمجرات هو أقل من هباءة لا تُرى حتى بالمناظير، وفي محيط الأرض هو أشبه بنملة أو ذرة ضئيلة. تستطيع التأكد من ذلك بمشاهدة أي وثائقي يشرح تمدد الكون.
- منظور الزمن: كل عمر الإنسان مهما طال أشبه بثانية في عمر التاريخ العام، فماذا يعني أن تضيق نفسه في ليلة أو يشقى في صبح عارض في ميزان القرون المتطاولة من لدن آدم إلى قيام الساعة؟. لا شيء في أية مقاييس موضوعية، بل حتى في ميزان عمره القصير، تظل ضئيلة للغاية وإن استطالت. ومن جهة أخرى فكل زمن -وإن بدا طويلًا- فهو لايذكر في منظور زمن الخلود الأخروي.
- منظور الموت: تأمل الموت يصغّر كل التضخّمات العارضة، كل ما يسعد أو يبهج، كل ما يخيف، كل ما يؤلم، كل طموح مجهض، كل إحباط، كل خيبة أمل غائرة، كل ذلك يتلاشى أمام الحقيقة الأخيرة. في القبر لا شيء يستحق الاهتمام ولا الفرح ولا الألم إلا ركعة خاشعة، وصدقة خفيّة، وقلب مملوء بحبّ الله وحده وإجلاله.
إن الاستحضار الدائم للموت ليس عرضًا اكتئابيًا، ولا نزوة سوداوية عابرة، بل ضرورة عقلانية لاحتمال الوجود، وحتمية روحانية لترتيب الأولويات النفسية.
جزى الله عنا الموت خيرًا فإنه
أبرُّ بنا من كل برٍّ وأرأفُ
يعجّل تخليص النفوس من الأذى
ويدني من الدار التي هي أشرفُ
وهكذا، فالحيز الذي يشغله الفرد في الزمان والمكان قريب من العدم، وكل الأنظمة الربانية للوجود تسير بمعزل عن إرادته، وليس أمامه إلا أن «يبادر لعمله، ويسوّف بأمله، ويستعدّ لأجله» كما يقول يحيى بن معاذ رحمه الله.
ماذا إذًا؟ يمكن للإنسان أن يطوّر إدراكه بدوام تأمل المنظورات الآتية:
- منظور الحجم: هذا الشعور الكلي المهيمن يرافقه تضخم في رؤية الذات، الإنسان حينها ينسى أنه لا يشغل حيزًا ذا بال في أي سياق، فبالنسبة للمجرات هو أقل من هباءة لا تُرى حتى بالمناظير، وفي محيط الأرض هو أشبه بنملة أو ذرة ضئيلة. تستطيع التأكد من ذلك بمشاهدة أي وثائقي يشرح تمدد الكون.
- منظور الزمن: كل عمر الإنسان مهما طال أشبه بثانية في عمر التاريخ العام، فماذا يعني أن تضيق نفسه في ليلة أو يشقى في صبح عارض في ميزان القرون المتطاولة من لدن آدم إلى قيام الساعة؟. لا شيء في أية مقاييس موضوعية، بل حتى في ميزان عمره القصير، تظل ضئيلة للغاية وإن استطالت. ومن جهة أخرى فكل زمن -وإن بدا طويلًا- فهو لايذكر في منظور زمن الخلود الأخروي.
- منظور الموت: تأمل الموت يصغّر كل التضخّمات العارضة، كل ما يسعد أو يبهج، كل ما يخيف، كل ما يؤلم، كل طموح مجهض، كل إحباط، كل خيبة أمل غائرة، كل ذلك يتلاشى أمام الحقيقة الأخيرة. في القبر لا شيء يستحق الاهتمام ولا الفرح ولا الألم إلا ركعة خاشعة، وصدقة خفيّة، وقلب مملوء بحبّ الله وحده وإجلاله.
إن الاستحضار الدائم للموت ليس عرضًا اكتئابيًا، ولا نزوة سوداوية عابرة، بل ضرورة عقلانية لاحتمال الوجود، وحتمية روحانية لترتيب الأولويات النفسية.
جزى الله عنا الموت خيرًا فإنه
أبرُّ بنا من كل برٍّ وأرأفُ
يعجّل تخليص النفوس من الأذى
ويدني من الدار التي هي أشرفُ
وهكذا، فالحيز الذي يشغله الفرد في الزمان والمكان قريب من العدم، وكل الأنظمة الربانية للوجود تسير بمعزل عن إرادته، وليس أمامه إلا أن «يبادر لعمله، ويسوّف بأمله، ويستعدّ لأجله» كما يقول يحيى بن معاذ رحمه الله.
كنت أتأمل مؤخرًا بعض الحكايات والأوصاف عن سعة الدعاوى وشؤمها في كتب التراجم ونحوها (المراد بسعة الدعوى -وقاني الله وإياك- نسبة المرء لنفسه علمًا أو عملًا زائدًا عن حقيقة حاله).
ومما وقفت عليه؛ سرعة انكشاف الدعوى، فقد نقل عن قتادة رحمه الله أنه قال مرةً: ما نسيت شيئًا!، ثم قال لغلامه: ناولني نعلي. فأجابه: نعلك في رجلك!، يعلّق الذهبي: «هذه الحكاية عبرة، فإن الدعاوي لا تثمر خيرًا!»، وصدق.
كما عيب جملة من الفضلاء والعلماء بهذا العيب، فقيل عن بعضهم: «كان إمامًا، عالمًا، لَسِنًا، فصيحًا… إلا أنه كان كثير الدعَاوَى»، وبعضهم تتفاقم به الحال، جاء في بعض التراجم عن أحد الفقهاء أنه قال مرةً «على كل حال؛ أنا شيخ الإسلام». والأقبح ارتباط سعة الدعوى بضيق العلم، وهذا معروف وله شواهد، وقد قيل عن بعضهم: «كثير الدعاوى قليل العلم»، وقيل عن آخر: «كثير الدعاوى، وهو بليد ناقص الفضيلة».
ونكتة الباب ما قاله بعض صلحاء المتقدمين: «ما زالت الدعاوى مشؤومة على أربابها مذ قال إبليس: أنا خير منه!».
ومما وقفت عليه؛ سرعة انكشاف الدعوى، فقد نقل عن قتادة رحمه الله أنه قال مرةً: ما نسيت شيئًا!، ثم قال لغلامه: ناولني نعلي. فأجابه: نعلك في رجلك!، يعلّق الذهبي: «هذه الحكاية عبرة، فإن الدعاوي لا تثمر خيرًا!»، وصدق.
كما عيب جملة من الفضلاء والعلماء بهذا العيب، فقيل عن بعضهم: «كان إمامًا، عالمًا، لَسِنًا، فصيحًا… إلا أنه كان كثير الدعَاوَى»، وبعضهم تتفاقم به الحال، جاء في بعض التراجم عن أحد الفقهاء أنه قال مرةً «على كل حال؛ أنا شيخ الإسلام». والأقبح ارتباط سعة الدعوى بضيق العلم، وهذا معروف وله شواهد، وقد قيل عن بعضهم: «كثير الدعاوى قليل العلم»، وقيل عن آخر: «كثير الدعاوى، وهو بليد ناقص الفضيلة».
ونكتة الباب ما قاله بعض صلحاء المتقدمين: «ما زالت الدعاوى مشؤومة على أربابها مذ قال إبليس: أنا خير منه!».
«من يختلق كذبة لا يعي هول ما أقدم عليه؛ إذ سيضطر إلى اختلاق عشرين كذبة أخرى ليستقيم بها بنيان كذبته الأولى!».
Jonathan Swift (1667 – 1745)
Jonathan Swift (1667 – 1745)